الكنانة بين الخلافة، وعد الله وبشرى رسوله وبين الدولة المدنية العلمانية بضاعة الغرب المزجاة (1)
2015/04/30م
المقالات
2,104 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
الكنانة
بين الخلافة وعد الله وبشرى رسوله
وبين الدولة المدنية العلمانية بضاعة الغرب المزجاة
(1)
شريف زايد
مقدمة
في خضم الأحداث التي تعيشها مصر الكنانة منذ انطلاق ثورة الخامس والعشرين من يناير وحتى الآن، برزت فكرة الخلافة باعتبارها النظام السياسي الذي يجب أن يُحكم به المسلمون، وعُرض مشروع دولة الخلافة في مصر كما عُرض في غيرها من بلاد الثورات العربية، وهو مشروع منبثق من دين الأمة ومبدئها، وممتد عبر تاريخها الطويل لما يزيد عن ثلاثة عشر قرناً من الزمن، وهو التمثيل الحقيقي لما في وجدانها والتعبير الصحيح عن رغباتها وآمالها، ومع ذلك فمما يؤسف له في مصر ألا يدعو إليه ولا يتبناه من بين الأحزاب السياسية والحركات الفاعلة والشخصيات العامة إلا قلة قليلة في مقدمتها حزب التحرير، أما سائر الأحزاب والحركات، ومنها كثير من الحركات الإسلامية، فقد تبنت ودعت إلى ما سمته « الدولة المدنية»، وأَكثَرَ أتباعُها من استعمال هذا المصطلح دون أن يوضحوا – متعمدين – ما يراد منه على وجه يرفع اللبس، مع أنه في حقيقته ليس إلا امتداداً للدولة العلمانية التي أوجدها الغرب الكافر في بلادنا على أنقاض دولة الخلافة العثمانية، وهو نقل ومحاكاة لما في الغرب من نظام سياسي يقول بفصل الدين عن الحياة وبفصل الدين عن الدولة، وهو أمر غريب عن دين الأمة ومبدئها، ومناقض لما كانت عليه لقرون وقرون من تاريخها، ولا يعبر عما في ضميرها، بل هو تعبير عن تطور فكري وتاريخي لدى أعدائها وخصومها.
لقد حاول كثير من «المفكرين» والسياسيين في مصر ضرب فكرة الخلافة لصرف أبناء الأمة عنها، فقد تحدث عنها هشام البسطويسي المرشح السابق للرئاسة في مصر قائلاً: «إن الحديث عن الخلافة الإسلامية ينمّ عن عدم فهم للواقع الدولي والمحلي القائم، وإنه شديد الخطورة على الوطن ويصب في مصلحة إسرائيل»!. وأشار أيضاً إلى أن «الحديث عن هذا المشروع يحتاج لمائة عام من الآن لأنه استعادة لزمن انقضى مثل أن تفكر تركيا في إعادة الدولة العثمانية، أو أن تعيد بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وهذا الكلام أصبح لا يناسب هذا العصر ولا يجوز طرحه الآن». كما أكد أحمد شفيق المرشح الرئاسي السابق رفضه لتطبيق نظام الخلافة الإسلامية لأنها «مرفوضة من الشعب المصري» على حد تعبيره! مؤكداً أننا «لسنا في زمن الخلافة الإسلامية». وحسب تحليل الدكتور كمال حبيب، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، فإن «صلاح أبو إسماعيل» المرشح المستبعد من سباق الرئاسة استطاع بخطابه أن يؤثر في عاطفة الشباب من خلال إيقاظ حلم الخلافة الإسلامية بداخلهم، فالفكرة والحلم هما سبب ضخامة ظاهرة «أبو إسماعيل» وليس الشخص في حد ذاته، كما زعم.
ونشر موقع إيلاف بتاريخ 14/5/2013م للكاتب باسل ترجمان مقالاً بعنوان «الإسلاميون والخلافة السادسة… أي خليفة يريدون؟» وكان مما قاله فيه: «مع تراجع الاهتمام بكل قضايا الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي في الدول العربية تعاظم الاهتمام بموضوع كان غائباً تماماً عن الشارع العربي وتزايد الحديث عنه وكأنه الحل السحري لكل مشاكل الواقع المعاش وهو موضوع الخلافة الإسلامية الجديدة.»
وفي حوار له مع جريدة عكاظ السعودية الخميس 6 شباط/فبراير 2014م، أظهر رئيس مجلس الوزراء المصري السابق الدكتور الببلاوي مكنون نفسه!، وانضم إلى جوقة المرتعبين من مشروع الخلافة، فقد قال في حواره: «إن هذا التطرف لم يكن موقفاً دينياً فقط، بل كان مرتبطاً ببرنامج سياسي بأن هناك مجتمعاً جديداً يمكن عمله ويمكن الوصول إليه»، وتابع: «وطبعاً كان هناك في هذا البرنامج فكرة العودة للخلافة الإسلامية، وأنه لا توجد هناك دولة اسمها مصر ولا السعودية ولا سوريا، إنما هناك خلافة إسلامية». ولا تبعد هذه التصريحات كلها عن تصريحات سابقة لبوش وبلير وبوتين ورامسفيلد وغيرهم من الذين يتخوفون من هذا المشروع وتأثيره العالمي، وكان آخر هؤلاء المتخوفين لافروف وزير خارجية روسيا حينما حذر في خطابه أمام الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة يوم الجمعة 27/9/2013م، من الأوضاع في سوريا وقال إن «أكثر المجموعات المسلحة قوة في سورية هي المجموعات الجهادية التي تضم العديد من المتطرفين الذين جاؤوا من كل أرجاء العالم، والأهداف التي يسعون لتحقيقها ليست لها أي علاقة بالديمقراطية، وهي تقوم على مبادئ التعصب، ويهدفون إلى تدمير الدول العلمانية، وإقامة خلافة إسلامية».
قد يظن الببلاوي أنه بقوله: «في دولة الخلافة لا توجد هناك دولة اسمها مصر ولا السعودية ولا سوريا» يستعدي الناس ضد دعاة الخلافة، ولكن هيهات هيهات!، فقد خاب ظنه وطاش سهمه، فحدود (سايكس بيكو) ليست مقدسة عند المسلمين لأنها ليست من دينهم، بل تخالف دينهم الذي فرض عليهم أن يكونوا دولة واحدة، وأَمرهم إذا بويع لخليفتين أن يقتلوا الآخر منهما. إن الأمة أزالت من قلوبها تلك الحدود، وهي تتوق إلى اليوم الذي تُزال فيه هذه الحدود في الواقع، وتُعاد دولةُ الإسلام؛ الخـلافة الراشدة.
لقد أصبحت الخلافة حديث الناس وها هي بشائر النصر تلوح في الأفق وتبشر بمجد جديد للأمة الإسلامية التي تفتش عمن يحقق لها مشروع الخلافة العظيم فتعطيه قيادتها، غير آبهة بكل محاولات العلمانيين لتخويف الناس من هذه الدولة بوصفهم إياها «بالدينية، والإلهية، والديكتاتورية»، وغيرها من الأوصاف المضللة الخبيثة.
أميركا والخيارات المتاحة لها في مصر
كانت إمبراطورية الشر أميركا ترى أنها قد امتلكت زمام الأمور في مصر، نتيجة هيمنتها الطويلة على نظام الحكم وعلى المؤسسة العسكرية التي سيطرت عليها منذ الإطاحة بحكم الملك فاروق والمجيء بالضباط الأحرار إلى سدة الحكم، وتركيز تلك الهيمنة بعد اتفاقية كامب ديفيد حيث ربطت الجيش وقياداته بها تمويلاً وتسليحاً وتدريباً. وهذا جعلها تتصرف في مصر تصرف المطمئن الذي يرى الأمور كلها تحت سيطرته والمفاتيح كلها في يده، خصوصاً وأن الوسط السياسي في البلاد لا يكاد يخرج عن الدائرة الأميركية المغلقة، فأغلب السياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال وأصحاب النفوذ تربطهم مصالح وعلاقات مشبوهة بأميركا ودوائر مخابراتها التي لها وجود فاعل ومؤثر في كل مفاصل الحياة في مصر، وهذه حقيقة لا يتأتى إنكارها لوضوحها.
ولكن الثورة جاءت مفاجئة لأميركا، فجعلتها تتخلى مرغمة عن عميلها المخلص وسمسارها الأول في المنطقة حسني مبارك، فأجبرته على نقل سلطاته للمجلس العسكري، وليس لرئيس المحكمة الدستورية كما كان ينص الدستور حينها، لتضمن الحفاظ على مصالحها بواسطة المجلس العسكري، لكن الأمر لم يستقر للمجلس العسكري، وظلت المظاهرات تخرج بشكل أسبوعي ترفض حكم العسكر رفضاً تاماً، مما ورّط العسكر في صدامات مع الناس وإن كانت من خلال الشرطة، لكن الذي تحمَّل وزرها ولُطِّخ جبينُه بدمائها كان المجلس العسكري؛ ولهذا كان لا بد من أن يختفي من صدارة المشهد، وهنا قبلت أميركا أن يصل الإخوان المسلمون إلى كراسي الحكم بعدما ضمنوا لها عدم تطبيق الشرع وإبقاء الدولة المدنية العلمانية، والحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد، فلما تبيَّن لها أن الإخوان ممثلين بالرئيس المنتخب مرسي غير قادرين على الحفاظ على مصالحها أدارت ظهرها للرئيس مرسي وغدرت به، وأيَّدت بل رعت من قاموا ضده وأبعدوه عن الحكم، ولكنها لم تأتِ هذه المرة بالمجلس العسكري ليحكم مباشرة كما فعلت عقب تخلي مبارك عن الحكم، بل أخفت المجلس العسكري خلف ستار خفيف من حكم مدني بجعل رئيس المحكمة الدستورية رئيساً مؤقتاً دون أن يملك سلطاناً فعلياً.
ومن المفارقات العجيبة أن تكون هناك قناعات وتسليم مطلق عند كثير ممن كانوا يسمون بالثوار، بقدرة المؤسسة العسكرية وعلى رأسها السيسي على إدارة شؤون البلاد، بعد أن خرجوا في ثورتهم الأولى في 25/1 تحديدًا ضد هيمنة هذه المؤسسة على شؤون الحكم والسياسة، وطالبوا حينئذ بملء فمهم بضرورة إبعادها عن الحكم!
نعم لقد قررت أميركا التخلي عن دعمها لحكم الإخوان وللرئيس مرسي، لعدم قدرتهم على إحداث الاستقرار الذي تحتاجه في مصر لتحافظ من خلاله على مصالحها، ولقد ظهر عدم الاستقرار هذا من خلال أمور كثيرة منها:
1- خرجت في ميادين مصر في فترة حكم مرسي 13 مليونية، أي بمعدل مليونية كل شهر.
2- لم يستطع مرسي استيعاب المخالفين له وظل الصراع بينه وبين المعارضة ممثلة في جبهة الإنقاذ مشتعلاً.
3- إصرار مرسي على استمرار هشام قنديل رئيساً للوزراء، برغم فشله الواضح في حل أية مشكلة واجهتها حكومته، وبرغم ضعفه السياسي الواضح، وكان الأولى به بحساباتهم البراغماتية أن يرمي الكرة في ملعب المعارضة، ويعرض عليهم رئاسة الحكومة ويضع أي فشل في أعناقهم…، لكنه لم يفعل.
4- كانت هناك بالفعل محاولة لأخونة مؤسسات الدولة كما كانت المعارضة تتهم مرسي، ظهر ذلك في تعيينات المحافظين وبعض الإدارات في الدولة، وقد كان هذا قصر نظر من الإخوان، إذ إنهم قاموا بذلك في أماكن لا قيمة لها، وتركوا مفاصل الحكم الأساسية وهي الجيش والشرطة والقضاء تحت هيمنة الدولة العميقة، التي كان لها الأثر الأكبر في خلع مرسي.
5- لم يستطع مرسي وجماعته كسب ولاء الجيش والشرطة. فالجيش لديه عداء تاريخي للإخوان منذ عهد عبد الناصر، والشرطة بكل أجهزتها كانت الأداة لتعذيب الإخوان، فلما تولى مرسي الحكم كان أعضاء جهاز الشرطة يقولون إنهم «في إجازة لمدة أربعة أعوام»، أي طوال فترة حكم مرسي، بل قاموا بالكيد له أكثر من مرة، منها عدم دفع الاعتداء عن قصر الاتحادية.
6- رغم قيام الجيش بعملية «نسر» ضد الجماعات الجهادية في سيناء بأوامر من مرسي بناءً على التزامه أمام أميركا بأمن (إسرائيل)، إلا أنه لم يستطع أن يحقق الأمن المطلوب لكيان يهود.
7- لم يستطع مرسي أن يؤثر تأثيراً قوياً في الإعلام يجعله أداة في يده كما كان يفعل مبارك، ولم تقف إلى جانبه سوى بعض القنوات الهزيلة إعلامياً، واستطاع أن يقوم الإعلام المضاد لمرسي بتجييش الناس ضد الإخوان بشكل خاص وضد التيار الإسلامي بشكل عام، وأخذ يسفِّه الرئيس وقراراته. إن تحريض الإعلام بهذه الطريقة أدى إلى زيادة التذمر عند الناس بشكل كبير وإلى وجود حالة عدم استقرار واضح لم يعد بالإمكان السكوت عنه.
8- التخبط في اتخاذ القرارات من قبل مرسي وحكومته، فقد كان يتخذ القرار في الصباح ويتراجع عنه في المساء، مثال ذلك قرار رفع الأسعار ورفع الدعم عن بعض السلع، فقد اتُخذ القرار ثم تم تجميده مباشرة تحسباً لإثارة الناس. كذلك تراجعه عن الإعلان الدستوري الذي يحصِّن قراراته. ثم قراره بتعيين النائب العام عبد المجيد سفيراً لمصر في الفاتيكان وتراجعه عنه. وفشله في إدارة موضوع النائب العام بشكل لافت.
9- عملية حصار المحكمة الدستورية لتمرير الدستور وتحصينه قبل صدور قرار متوقع من المحكمة بعدم دستورية اللجنة التأسيسية. وهو عمل يسقط هيبة الدولة، ويسبب عدم استقرار في أهم مؤسسات الدولة المصرية.
لقد لجأت أميركا إلى الجيش المصري للمحافظة على مصالحها مرة أخرى؛ لأنها تريد استقراراً لم يستطع الإخوان إحداثه، وهي تراهن على قدرة الجيش وقدرة السيسي على إيجاد هذا الاستقرار، لكن ليس بالضرورة أن يتحقق لها ما تريد، فحتى الآن لم يتحقق هذا الاستقرار، فالمسيرات تخرج في مختلف المحافظات منددة بالانقلاب العسكري، والأمور تزداد سوءاً في سيناء التي يخوض فيها الجيش المصري حرباً ضروساً ضد الجهاديين بتنسيق وتعاون واضح مع كيان يهود، ويتم الأمر بعيدًا عن الإعلام وضجيجه، والوضع الاقتصادي متدهور ويزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وكثير من المصانع والشركات الكبرى العالمية أغلقت أبوابها في مصر، كما تم تسريح عدد كبير من العمال والموظفين، حتى على صعيد المشاريع الصغيرة.
في ظل هذه الأوضاع لم يكن أمام أميركا في مصر خيارات كثيرة، فهي لم تجد رجلاً قوياً سوى قائد الجيش السيسي الذي خلع لباسه العسكري ليخوض الانتخابات الرئاسية ليظهر أنه رئيس منتخب ديموقراطياً في ظل دستور مدني علماني. ولكن هذا لن يحسم الأمر لصالح أميركا بالضرورة، إذ الأوضاع في مصر وفي المنطقة كلها ما زالت غير مستقرة. فعلى المخلصين من أبناء الأمة في مصر التصدي بقوة لهذا المشروع الأميركي وتقويض أركانه من خلال عمل دؤوب يركز على محوري الأمة والجيش على حد سواء، فالأمة تحتاج إلى مجهود جبار لإحداث الوعي الكافي عندها على مشروع الخلافة المنقذ لها، وهذا لا يقدر عليه سوى الحزب المبدئي الذي يحدد غايته بشكل واضح ويعرف طريقه للوصول إلى تلك الغاية، والجيش هو مصدر القوة والمنَعَة التي يجب العمل على كسبها، لتنحاز وبقوة إلى مشروع الخلافة العظيم وتتبناه وتعمل لقلع نفوذ أميركا من مصر نهائياً وتقضي عليه بالضربة القاضية.
يذهب رئيس ويأتي رئيس، ومصر لا تزال تحت الهيمنة الأمريكية
حاول حكام مصر، وعلى رأسهم السيسي، تصوير حركتهم الانقلابية على أنها حركة وطنية خالصة، بعيدة عن أي تأثير غربي، وخصوصاً التأثير الأميركي، فادّعوا أنهم قضوا على حكم الإخوان الذين رهنوا البلاد لأميركا، وراهنوا عليها في استمرار حكمهم لمصر، ثم حاولوا أن يظهروا في ثوب من يحارب النفوذ الأميركي في البلاد، ولكنهم لم يستطيعوا أن يستمروا طويلًا على هذه الرواية الهزلية، فقد ظهر بشكل واضح، ليس فقط الرضى الأميركي بتلك الحركة الانقلابية، بل الترتيب والتنسيق لها منذ شهور مضت، ثم ما لبثنا أن رأينا هذا التنسيق الأمني المهم مع كيان يهود الذي سمح بتحركات عسكرية مصرية في سيناء، ناهيك عن الزيارة التي أعلن عنها راديو (إسرائيل) وقام بها البرادعي- وقت أن كان نائباً للرئيس المؤقت- وبعض القادة العسكريين لكيان يهود، والتي سارعت الرئاسة حينها بنفي حصولها على لسان مصطفى حجازي المستشار السياسي للرئيس المؤقت، وهذا النفي لم يرد على لسان البرادعي نفسه، كما أنه جاء في صورة التصورات وليس النفي القاطع، فالسيد حجازي يقول: «لا أتصور أن يكون ما نشرته الصحف صحيحاً»، ونحن لا نستغرب حصول مثل هذه الزيارة في ذلك الوقت بالذات، فالبرادعي من النوع الذي لا يُستبعد عليه أن يقوم بمثل هذه الزيارة، فضلاً عن أن الإعلان عن تلك الزيارة كان يوم الاثنين 15-7-2013م، حيث تبعها مباشرة فجر يوم الثلاثاء 16-7 موافقة (إسرائيل) على السماح لمصر بنشر كتيبتين من القوات المسلحة بسيناء. حيث عبرت نحو 20 عربة مدرعة ومجنزرة وحاملات جنود قناة السويس، ترافقها جرافات ومعدات حفر و6حافلات تحمل عدداً من طواقم العربات المدرعة إلى مدينة العريش، وأشارت مصادر أمنية في شمال سيناء إلى أن التعزيزات الجديدة سيتم نشرها في مناطق جنوبي الشيخ زويد ومنطقة بغداد في القطاع الأوسط من سيناء لتطويق العناصر والجماعات الجهادية.
وكان وزير الدفاع (الإسرائيلي) موشيه يعلون قال للإذاعة العامة (الإسرائيلية) حينها إن مصر «قدمت لنا عدة طلبات في الأيام الأخيرة للسماح بإدخال تعزيزات إضافية مصرية من أجل محاربة الإرهاب» وأضاف: «طالما أن هذه القوات تشارك في مكافحة الإرهاب وتتم استشارتنا بالإضافة إلى عدم تقويض معاهدة السلام بين البلدين، فنحن موافقون على طلبهم من أجل مكافحة تحدي الإرهاب في سيناء». وتابع: »عند هزيمة الإرهابيين سيعود الوضع إلى ما كان عليه«. إذن، فالحديث عن تحرر مصر من الهيمنة الأميركية بعد عزل مرسي، حديث من يريد أن يظهر في صورة البطل، بينما هو في الحقيقة ليس كذلك، وسنبين فيما يلي مدى ارتباط حكام مصر الحاليين وتبعيتهم لأميركا:
1- ذكر موقع «حركة مصر المدنية» وهو موقع علماني في 22/4/2013م تحت عنوان «شروط أميركا للموافقة على تدخل الجيش بشكل لا يظهر فيه أنه انقلاب عسكري!» أن جون كيري تحدث عن دور مهم للجيش المصري في السيطرة على الأحداث لحظة نزول الشعب للميادين والحيلولة دون نشوب حرب أهلية بين التيارات المختلفة، ثم أضاف كيري قائلاً: «إنه صدم من ضعف قدرات الإخوان، واضطراب حديثهم، وأكد أنه يثق في الوقت المناسب بأن الجيش سيقوم بدوره».
2- نقلت رويترز عن بيان البيت الأبيض في 2/7/2013م: تأكيد أوباما على أن «الأزمة الحالية يمكن فقط أن تحل عبر عملية سياسية». وأنه يطلب من الرئيس مرسي الاستجابة لمطالب المتظاهرين الذين كانوا يطالبون بإسقاط الرئيس! وعند حصول الانقلاب أعلن عن اجتماع الرئيس الأميركي أوباما مع كبار مستشاريه في البيت الأبيض بخصوص ما حصل في مصر، وقد قال بعد ذلك: «إن القوات المسلحة المصرية ينبغي أن تتحرك بسرعة وبمسؤولية لإعادة السلطة الكاملة لحكومة مدنية في أقرب وقت ممكن».
3-نقلت صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية الثلاثاء 17-7-2013م فى تقرير أوردته على موقعها الإلكترونى عن بيرنز قوله لعدد من الصحفيين عقب يوم حافل بالاجتماعات مع أعضاء الحكومة الانتقالية الجديدة، ومن بينهم القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي: «إن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة مصر فى إنجاح الثورة الثانية وتحقيق مطالبها». وأضاف بيرنز «لست ساذجاً. أعلم أن بعض المصريين لديهم شكوك حيال الولايات المتحدة، وأعلم أن الأمر ليس سهلاً» وقالت الصحيفة : «يبدو أن لهجة بيرنز تؤكد تحول الموقف من قبل الإدارة الأميركية فى التعامل مع الوضع الراهن فى مصر خلال الأسبوعين الماضيين، من توجيه تحذير ضد خلع رئيس منتخب ديمقراطياً إلى الوقوف بكل ثقلها وراء مؤيدى الثورة». وكان وليام بيرنز قد قال في مؤتمر صحفي عقده الاثنين 16-7-2013م، بالقاهرة إن لدى المصريين فرصة ثانية لتصحيح أخطاء السنتين الماضيتين، مما يعكس دعم واشنطن للحكام الجدد وانزعاجها من نظام الرئيس المعزول.
4- قالت صحيفة وول ستريت جورنال في عددها الصادر يوم السبت 13-7-2013م، إن وزارة الخارجية الأميركية ترى في الجنرال السيسي، نقطة ارتكاز مهمة في العلاقات بين البلدين، وأضافت الصحيفة أن «وزير الدفاع الأميركي هاجل يريد دفع العلاقة بين واشنطن والجيش المصري، فقام بإرسال أربع طائرات إف 16 المقاتلة إلى مصر في الأسبوع الماضي».
5- في الأيام التي سبقت عزل مرسي، تمت عدة مكالمات بين السيسي وهاجل، ونقلت الصحيفة سابقة الذكر، أن إحدى هذه المكالمات استمرت أكثر من ساعتين، كما نقلت عن مسؤول أميركي كبير في وزارة الدفاع الأميركية قوله: «إن الفريق السيسي مباشر جداً وصريح مما يسهل على الإدارة الأميركية التعامل معه.»
6- الدكتور البرادعي كشف في حديث له لصحيفة نيويورك تايمز أنه اتصل بجون كيري وزير الخارجية الأميركي وكاترين آشتون مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي من أجل تأييد الانقلاب العسكري.
كل هذا يدل على عدم صدق أدعياء الإخلاص وعدم التبعية لأميركا، الذين أرادوا خداع البسطاء بما يسمونه بوطنيتهم وحرصهم على مصلحة الوطن، وأنهم الأبطال الذين سيمنعون التدخل الأميركي في مصر الذي كان حاصلاً في عهد مبارك ومن بعده مرسي، فهم يقومون بالاتصال المباشر وغير المباشر مع أميركا، ينسقون معها للانقلاب ولما بعده، ولا يخطون خطوة ولا يتخذون قراراً إلا بعد أخذ الرضى الأميركي عليه، فهل سيستمر هذا الهُراء طويلاً؟ حيث يُخلع رئيس ويُعزل رئيس ويأتي رئيس مؤقت، ثم رئيس آخر جديد… والتبعية والارتهان لعدوة الأمة الأولى دولة الظلم والطغيان أميركا قائم كما هو! فهل كُتب علينا أن تحركنا أميركا كيفما تشاء ونحن لا حول لنا ولا قوة؟، بل أكثر من ذلك نجد فريقاً يهلل للقادم، وفريقاً يبكي على من زال ملكه، ولكن الفريقين لا ينشغلان كثيراً بقطع يد أميركا عن التدخل السافر في شؤوننا.
فمن لها سوى دولة الخلافة، سوى خليفة تقي نقي يُقاتَل من ورائه ويُتقى به! فيقطع اليد الأميركية اللعينة التي هي وراء كل بلاء يصيب الأمة الإسلامية في أية بقعة من بقاعها.
2015-04-30