مواقف عزة في زمن عزَّت فيه المواقف (2)
2023/07/14م
المقالات
2,467 زيارة
– موقف حبيب بن زيدٍ رضي الله عنه مع مسيلمة الكذاب: أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم حبيب بن زيد رضي الله عنه إلى مسيلمة الكذاب برسالة يزجره فيها عن غيِّه، فلما وصل حبيب رضي الله عنه إلى مسيلمة دفع الرسالة إليه، فلما قرأها مسيلمة انتفخ صدره ضغينةً وحقدًا وبدا الشر والغدر على قسمات وجهه الدميم الأصفر، وأمر بحبيبٍ رضي الله عنه أن يقيَّد وأن يؤتى به إليه ضحى اليوم التالي، فلما كان الغد تصدَّر مسيلمة مجلسه وجعل عن يمينه وعن شماله الطواغيت من كبار أتباعه وأذن للعامة بالدخول عليه، ثم أمر بحبيبٍ رضي الله عنه فجيء به إليه وهو في قيوده. وقف حبيب رضي الله عنه وسط هذه الجموع الحاشدة الحاقدة مشدود القامة مرفوع الهامة شامخ الأنف وأحكموا تقويمه، فالتفت إليه مسيلمة وقال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ فقال حبيب رضي الله عنه: نعم، أشهد أن محمدًّا رسول الله، فاغتاظ مسيلمة غيظًا، وقال: وتشهد أني رسول الله؟ فقال حبيب رضي الله عنه في سخريةٍ لاذعة: إن في أذنيَّ صممًا عن سماع ما تقول، فامتقع وجه مسيلمة وارتجفت شفتاه حنقًا وقال لجلاده: اقطع قطعةً من جسده، فأهوى الجلاد على حبيب رضي الله عنه بسيفه وبتر قطعةً من جسده فتدحرجت على الأرض، ثم أعاد مسيلمة عليه السؤال نفسه فكان جواب حبيب رضي الله عنه نفس الجواب، فأمر بأن تقطع من جسده قطعةً أخرى فقطعت فتدحرجت على الأرض إلى جانب أختها والناس شاخصون بأبصارهم مذهولون من تصميمه وعناده. ومضى مسيلمة يسأل والجلاد يقطع وحبيب رضي الله عنه يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله حتى صار نحوًا من نصفه قطعًا مقطعةً منثورةً على الأرض ونصفه الآخر كتلةً تتألم، ثم فاضت روحه وعلى شفتيه الطاهرتين اسم النبي الذي بايعه ليلة العقبة.
– موقف خبيب بن عدي رضي الله عنه وقصة قتله: روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرةً عينًا وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه جَدُّ عاصم بن عمر بن الخطاب، حتى إذا كانوا بالهدأة بين عسفان ومكة ذُكروا لحيٍّ من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم بقريبٍ من مئةٍ رجلٍ رامٍ فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزلٍ نزلوه فقالوا تمر يثرب، فاتبعوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى موضع فأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا، فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا، فقال عاصم بن ثابت رضي الله عنه: أيها القوم، أما أنا فلا أنزل في ذمة كافرٍ، ثم قال: اللهم أخبر عنَّا نبيك صلى الله عليه وسلم، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصمًا، ونزل إليهم ثلاثة نفرٍ على العهد والميثاق، منهم خبيبٌ وزيد بن الدثِنَّة ورجلٍ آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قُسيِّهم فربطوهم بها، قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء أسوة، يريد القتل، فجرَّروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم، فانطلقوا بخبيبٍ وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدرٍ، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبًا رضي الله عنه، وكان خبيبٌ رضي الله عنه قد قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب رضي الله عنه عندهم أسيرًا حتى أجمعوا على قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدُّ بها، فأعارته فدرج ابنٌ لها وهي غافلةٌ حتى أتاه فوجدته جالسٌ على فخذه والموسى بيده، قالت: ففزعت فزعةً عرفها خبيب رضي الله عنه، فقال: أتخشين أن أقتله، ما كنت لأفعل ذلك، قالت: والله ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب رضي الله عنه، والله لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا من عنبٍ في يده وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرةٍ، وكانت تقول: إنه لرزقٌ رزقه الله خبيبًا رضي الله عنه، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحلِّ قال لهم خبيب رضي الله عنه: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فركع ركعتين، فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بِددًا، ولا تبقِ منهم أحدًا. ثم أنشأ يقول:
فلست أبالي حين أقتل مسلمًا على أي جنبٍ كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشـأ يبارك على أوصـال شلوٍ مـمزَّع
ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله. وكان خبيبٌ رضي الله عنه هو أول من سنَّ لكل مسلمٍ قتل صبرًا الصلاة.
– موقف حرام بن ملحان رضي الله عنه مع الذين قتلوه: يقول أنس رضي الله عنه: لما طعن خالي حرام بن ملحان رضي الله عنه يوم بئر معونةٍ، قال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه، وقال: فزت ورب الكعبة. وعن أنس رضي الله عنه أنه ذكر سبعين من الأنصار كانوا إذا جنَّهم الليل آووا إلى مَعلمٍ بالمدينة فيبيتون يدرسون القرآن، فإذا أصبحوا فمن كانت عنده قوةٌ أصاب من الحطب واستعذب من الماء، ومن كانت عنده سِعة أصابوا الشاة فأصلحوها فكانت تصبح معلقة بحجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصيب خبيبًا رضي الله عنه بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فيهم خالي حرام رضي الله عنه، وأتوا حيًّا من بني سليم، فقال حرام رضي الله عنه لأميرهم: ألا أخبر هؤلاء أنا لسنا إياهم نريد فيخلوا وجوهنا، قال: فأتاهم، فقال لهم ذاك، فاستقبله رجلٌ منهم برمح فأنفذه به، فلما وجد حرام رضي الله عنه مسَّ الرمح في جوفه قال: الله أكبر، فزت ورب الكعبة، فأبطأوا عليهم فما بقي منهم مخبر، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على سريةٍ وجده عليهم، قال أنس رضي الله عنه: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صلى الغداة رفع يديه يدعو عليهم، فلما كان بعد ذلك أتاه أبو طلحة رضي الله عنه فقال لي: هل لك في قاتل حرام رضي الله عنه، قلت: ماله؟ فعل الله به وفعل، فقال أبو طلحة رضي الله عنه: لا تفعل فقد أسلم.
– موقف طاوس بن كيسان- رحمه الله- مع هشام بن عبد الملك: ذكر ابن خلكان في كتابه (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان) قال:« وحكي أن هشام بن عبد الملك قدم حاجًّا إلى بيت الله الحرام، فلما دخل الحرم قال إيتوني برجل من الصحابة، فقيل يا أمير المؤمنين: قد تفانوا. قال: فمن التابعين، فأتي بطاوس اليماني، فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه ولم يسلم بإمرة المؤمنين ولم يكنِّه، وجلس إلى جانبه بغير إذنه، وقال كيف أنت يا هشام، فغضب من ذلك غضًبا شديدًا حتى همَّ بقتله، فقيل: يا أمير المؤمنين أنت في حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يمكن ذلك، فقال له: يا طاوس، ما حملك على ما صنعت؟! قال: وما صنعت؟ فاشتدَّ غضبه عليه وغيظه، وقال: خلعت نعليك بحاشية بساطي، ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين، ولم تكنِّني، وجلست بإزائي بغير إذني، وقلت: يا هشام كيف أنت. قال أما خلع نعلي بحاشية بساطك فإني أخلعهما بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات فلا يعاتبني ولا يغضب علي. وأما ما قلت لم تسلم علي بإمرة المؤمنين فليس كل المؤمنين راضين بإمرتك فخفت أن أكون كاذبًا. وأما ما قلت لم تكنِّني فإن الله عز وجل سمَّى أنبياءه فقال يا داود يا يحيى يا عيسى وكنى أعداءه فقال تبت يدا أبي لهب وتبَّ. وأما قولك جلست بإزائي فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام… فقال له: عظني، قال إني سمعت أمير المؤمنين رضي الله عنه يقول: «إن في جهنم حيات كالقلال وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته ثم قام وخرج». [يتبع]
2023-07-14