الجولاني… ودوره في المخطط الأمريكي لوأد ثورة الشام(ثورة الشام ثورة مباركة… ولن تموت بإذن الله تعالى)
2023/07/14م
كلمات الأعداد
2,891 زيارة
۞ ما زالت ثورة الشام حية لم تشِب، بل شاب من كاد لها ومكر. ولم تستطع المؤامرة الدولية التي تقودها أمريكا، والمستمرة فصولها بخُرُفها وأشتائها، أن تصل بها إلى غايتها من القضاء عليها أو إخضاعها… وها هو اليوم يظهر فصل جديد من المؤامرة عليها يقضي فيما يقضي بتسليم مناطق المسلمين الرافضين للنظام إلى الجولاني ليخضعها تحت سيطرته العسكرية بذريعة توحيد البندقية… وبترتيب الوضع المعيشي فيها بشكل يؤمن مختلف احتياجاتها الحياتية بإشراف (حكومة الإنقاذ) التي هي بإشرافه… أما الدول المتسلمة لإدارة الملف والمنغمسة أياديها بدماء أهلنا في سوريا (إيران وتركيا وروسيا) فهي على نفس خط السير في هذا الفصل من المؤامرة الأمريكية، بل يجري تنفيذه برعايتهم… وما الموقف الإجماعي الأخير الذي اتخذه حكام المسلمين من إعادة المجرم بشار إلى حظيرتهم، إلا أمارة واضحة على انخراطهم في هذا الفصل الجديد من المؤامرة؛ لأن هؤلاء الحكام عبيد متشاكسون لا ينعقد لهم إجماع على شيء إلا أن تكون هناك أوامر صارمة من المعلم الأمريكي.
فمن هو هذا الجولاني الذي يعطى هذا الدور الخطير والكبير في إنهاء الثورة؟ وماذا عرف عنه في أيام الثورة وقبلها؟…
۞ لقد امتازت مسيرة الجولاني بالغموض منذ أول يوم ظهر فيه اسمه، فقد بدأ معروف الاسم غير معروفة صورته ولا نسبه، ولا سجل حياته وسيرته، وبقي على ذلك فترة لا بأس بها قبل أن يظهر على قناة الجزيرة المشبوهة والتابعة لقطر بغية إشهاره. ومعلوم أن هذه القناة الفضائية هي من أهم أدوات دولة قطر التي تشارك في الثورات المضادة؛ ولكنه ظهر ولم يظهر، ظهر بصور خلفية لم يظهر فيها وجهه ولا صوته الحقيقي، ظهر في مقابلة واضح فيها الإثارة والتشويق والتسويق، ومعلوم أن من يريد الظهور لا بد له من رعاية دولية ودعاية قوية، لا أن يكون متخفيًّا، وأعلن في هذه المقابلة عن وجه إسلامي جهادي مرسوم له أن يقود به المسلمين… وقد رعت الجزيرة هذه المقابلة ببراعة وصورته سبقًا صحفيًّا لها، وقد ألهوا حينها الناس عن السؤال عن أصله ونسبه، وأشغلوهم بالدور المرسوم له.
۞ أما موضوع نسبه وأصله فإنه ما زال مجهولًا، وهو ما يثير على الرجل علامات استفهام، وخاصة وأن الرجل له دور مهم في مجريات الثورة، وأمريكا تسعى جاهدة للقضاء عليها ولا تجد لها في ذلك سبيلًا… لقد قيل عن نسبه كلامًا مضطربًا ما زاد الشك في دوره، وهذه مسألة ليست بالأمر العابر. فموضوع معرفة النسب هذا هو من المسائل المثارة لدى المسلمين، والتي توجه فيها أصابع الاتهام لكثير من الحكام والمسؤولين، هي اتهامات جدية وإنْ تمَّ طمس حقائقها وعدم إيصالها إلى نهاياتها. فعرفات كثر الكلام عن أصله اليهودي وكان اتهامه في ذلك جديًّا، وكذلك اتهم القذافي من جهة والدته… تجاه هذا الأمر، ليس المطلوب من الجولاني سوى إثبات هويته بالإعلان عن تقييد سجلات نفوس عائلته في منطقته التي هي مسقط رأسه، وهو أمر في غاية البساطة والسهولة؛ ولكن هذا لم يحدث… وهذا الأمر يفتح باب التساؤلات عن الجهة التي تقف وراءه وأوصلته إلى هذا الموقع من الصراع وتحميله مثل هذا الدور، هل هي إيران؟ هل هو النظام السوري؟ وكل احتمال له دلالته، ولا يمكن إغفال خطورته… ونقول للذين يؤيدونه على عماها: اتقوا الله، إن هذا دين، وهناك ديَّان فلا تكونوا معبرًا للخونة الـمُنكَري الأصل لضرب المسلمين.
ثم هل يقف الأمر على هذا الاتهام؟ أم أن هناك اتهامات أخرى لا تقل أهمية عنه؟.
۞ إن الجولاني قد غيَّر وبدَّل في مواقفه بشكل لافت، فهو قد بدأ مسيرته بخروجه من عباءة تنظيم داعش ومبايعة تنظيم القاعدة، ثم فك الارتباط عنها والتحول من جبهة النصرة العابرة للحدود إلى جبهة فتح الشام ذات البعد المحلي، ومن ثم تأسيس هيئة تحرير الشام، كذلك ذات البعد المحلي. (حتى ملابسه قد غيرها بالتوازي مع تغيير مواقفه ما يدل على أن لا ثوابت شرعية عند الرجل، فقد ارتدى الثوب الأفغاني القصير، وهو زي الجهاديين، ثم استبدله بارتداء سترة عسكرية مشابهة لما كان يرتديه أسامة بن لادن، ثم استبدله بما يخالف قناعاته وقناعة الجهاديين في اللباس وحرمة تقليد الكفار، فالتقى بالصحفي مارتن سميث الجولاني مرتديًا للمرة الأولى «جاكيت» بطراز غربي حديث؛ ما يعكس اهتمامه بتحسين صورته عند الغرب من أنه معتدل بعيد عن الإرهاب وبالتالي يمكن التعامل معه، ويمكن أن يكون جزءًا من الحل الأمريكي… وما جاء من أجوبة في هذه المقابلة يؤكد هذا التوجه، هذا وقد أثار تصرف الجولاني استغرابًا، وتوالت التعليقات الساخرة عليه؛ ما اضطر المكتب الإعلامي في «الهيئة لأن يصدر بيانًا لتوضيح السبب، وهو أنه «من الواجب علينا كسر العزلة وإبلاغ واقعنا بكل السبل الشرعية المتاحة، وإيصال ذلك إلى شعوب الإقليم والعالم بما يساهم في تحقيق المصلحة ودفع المفسدة لثورتنا المباركة»).
۞ أما عن المقابلة التي أجراها معه الصحفي الأمريكي «مارتن سميث» في 3/4/2021م في إدلب السورية، والتي غيَّر فيها ملابسه واتُّهم أنه غيَّر معها مواقفه، فقد كان مما جاء فيها: إن «هيئة تحرير الشام» لا تشكل أي تهديد للولايات المتحدة، ويجب على حكومتها إزالته من قائمة الإرهابيين المصنَّفين»…. وأضاف الجولاني «قبل كل شيء، لا تمثل هذه المنطقة -في إشارة إلى منطقة إدلب- تهديدًا لأمن أوروبا وأمريكا»، وأن هذه المنطقة ليست نقطة انطلاق لتنفيذ الجهاد الأجنبي». وأعلن أن ارتباطه بتنظيم القاعدة «انتهى» ورفض مزاعم أن هيئة تحرير الشام تلاحق منتقديها، ورفض وجود حالات تعذيب لديه… وأوضح أنه سيمنح منظمات حقوق الإنسان الدولية حق الوصول إلى السجون، منوِّهًا أنه يمكن لمنظمات حقوق الإنسان أن تأتي وتتفقد السجون أو تقوم بجولة بداخلها، قائلًا «مؤسساتنا مفتوحة لأي شخص، والمنظمات مرحب بها، ويمكن للأشخاص المهتَّمين بهذا الأمر زيارة وتقييم الموقف لمعرفة هل تتمُّ الأمور بشكل صحيح أم لا؟».
۞ بعد هذه المقابلة بخمسة أشهر، أي في شهر أيلول، وعلى سبيل استمرار بذل جهده لتغيير صورته لدى الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، تم إجراء مقابلة صحفية أخرى معه، هي أهم من الأولى، أجرتها معه «مجموعة الأزمات الدولية». واعتُبر هذا اللقاء ذروة مسار التحوّل لدى الجولاني، قدَّم فيها تنازلات ما أدى بها إلى تقديم توصية إلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإعادة النظر في تصنيف «تحرير الشام». وذكرت المجموعة في تقرير صادر الأربعاء في 3/2/2022م، أنه «إذا كانت إدارة بايدن تتطلع إلى تصحيح سياسة واشنطن الخارجية المفرطة في العسكرة، فإن إحدى الفرص لإعادة تحديد استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب تكمن في إدلب». واعتبر التقرير أن التسمية «الإرهابية» التي أُلصقت بـ»أقوى جماعة متمردة في إدلب» تقوّض وقفًا حاسمًا لإطلاق النار وتغلق المسارات المحتملة لتجنب مواجهة عسكرية، كما تعكس فجوة في السياسة الغربية.وأوصى التقرير إدارة بايدن بالعمل مع الحلفاء الأوروبيين وتركيا للضغط على «هيئة تحرير الشام» لاتخاذ مزيد من الإجراءات التي تعالج المخاوف المحلية والدولية الرئيسية، ولتحديد معايير واضحة، إذا تم الوفاء بها، يمكن أن تتمكن «الهيئة» من التخلص من تصنيفها «الإرهابي»… وقدمت المجموعة عدة مقترحات للإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، لتصحيح سياسة واشنطن الخارجية وخاصة فيما يتعلق بالشأن العسكري، واعتبرت أن «ادلب هي إحدى الفرص لإعادة تحديد استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب»… انظروا إلى الأهمية التي يوليها التقرير لمنطقة إدلب؟! وللدور المطلوب من الهيئة في هذه المنطقة؟!
۞إن سعي الجولاني لاسترضاء الغرب والطرف الأمريكي تحديدًا لم يأت متأخرًا، بل هو منذ زمن إدارة ترامب؛ وهذا ما رأيناه في تصريحات مختلفة للمبعوث الأمريكي الخاص السابق لسوريا السفير جيمس جيفري والذي كان يشرف على سياسة إدارة ترامب في سوريا حتى نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020م، حين غادر وزارة الخارجية الأمريكية في أعقاب انتخاب الرئيس جو بايدن. فقد كشف هذا المبعوث الأمريكي موقف إدارته الأمريكية زمن ترامب، والذي هو موقف مستمر مع إدارة بايدن قائلًا إن الجولاني قد «تواصل معنا عدّة مرات، وكان يريد في كلّ مرة أن يخبرنا بأنه ليس إرهابيًا، كما أنّ تنظيمه لا يشكّل تهديدًا للولايات المتحدة…». وأكّد أنّ «واشنطن لم تستهدف الجولاني أبدًا»، وأن «وجود أي أحد في إدلب، مرهون بوجود قاعدة داخلية تسانده، وهيئة تحرير الشام هي المنصة لذلك في الوقت الحالي». وفي أوضح كلام عن اعتباره جزءًا من الحل الأمريكي فيما يتعلق بالوضع في إدلب، ومستقبل هيئة تحرير الشام، أوضح هذا المبعوث أنه «لا أحد يعرف، لأن ما نقوله هو أن لدينا حالة نهائية، والتي من شأنها أن تكون حلًا سياسيًا بموجب قرار الأمم المتحدة ذي الصلة، والأمم المتحدة تتجنب ذلك». هذا وكان قد وصف هذا المبعوث في جزء من مقابلة نُشرت في 2/4/2021م إن الفرع السوري لتنظيم القاعدة «ذُخرٌ» للاستراتيجية الأمريكية في سوريا، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي. وقال في مقابلة مع قناة PBS News في مارس/آذار عام 2021م إن جماعة المعارضة الإسلامية هيئة تحرير الشام «الخيار الأقل سوءًا» من بين الخيارات المختلفة في إدلب. واعتبر المسؤول الأمريكي السابق أن إدلب واحدة من أهم الأماكن في سوريا، التي هي أحد أهم الأماكن في الشرق الأوسط الآن”…. كذلك نرى مدى الأهمية التي توليها الإدارة الأمريكية منذ زمن ترامب إلى منطقة إدلب، كونها المنطقة التي إذا تم إخضاعها تمت تصفية الثورة!!، ومدى أهمية الدور الذي ستقوم به الهيئة لتحقيق الهدف الأمريكي!!.
۞ومن التغيرات والتبدلات التي رافقت الجولاني في رحلته الجهادية الملتوية، هو تغير وجهة بندقيته نحو المسلمين، إخوة الأمس ورفاق الجهاد، فقد تنكَّب لهذه الأخوة الإيمانية، وراح يضربها ويقضي عليها الواحدة تلو الأخرى،في محاولة دؤوبة لإقناع الغرب أنه صادق في توجهه الجديد، فقد انقلب الجولاني على الجماعات الجهادية المهاجرة عابرة الحدود، والتي كان على توافق كبير معها في الفكر والأهداف، والمحسوبة على القاعدة، فقد قام بالقضاء على عدة فصائل، «معتدلة» أو «متشددة» تتشاطر معه ذات فهم العقيدة والمنهج، وهو يحاول أن يفعل مثل ذلك مع «جند الشام» و» تنظيم حراس الدين» و»أنصار الإسلام»… فيقوم بشن حملة اعتقالات واسعة النطاق ضد قيادات وأعضاء بارزين فيها، ويتَّبع معهم كذلك أسلوب التصفية للقيادات التي لا ترضى بالسير معه تحت قيادته؛ للقضاء عليهم أو إضعافهم أو تفكيكهم أو إخراجهم من منطقة سيطرته… وهنا نقول إن الجولاني قد أولغ في دماء المسلمين، تمامًا كما تفعل الأنظمة المستبدة مع شعوبها، وهذا أمر في غاية الخطورة وإثمه في الشريعة كبير وكبير جدًّا، وليس له مسوِّغ شرعي، وهو كما ذكرنا يحدث ابتغاء وجه أمريكا… وإذا كان الجولاني سادر في هذا المخطط هو والدائرة التي تحيط به من المساعدين والمستشارين، فإننا نربأ بالمسلمين أن يكون منهم من يؤيد فعله ولو بكلمة واحدة أو بإعذار له، ونطمع ممن يسير معه من المقاتلين أن ينفصل عن عمله فورًا لأن الله سبحانه لن يعذرهم على مشاركتهم له فيما يقوم به، وهو سبحانه قد حذرهم من ذلك بقوله: ( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) والآن، ماذا يريد الجولاني من هذا السياسة الإقصائية التي يتبعها في إدلب؟
۞إن الجولاني يسعى لأن يكون له مكانًا في المعادلة السياسية المستقبلية لسوريا بحسب المخطط الأمريكي… يريد من هذه السياسة الإقصائية أن يظهر أنه الأقوى والانفراد بالقيادة والتخلص من أي منافسين له في إدلب، والظهور بمظهر «المعتدل» وتقديم هيئته كتنظيم محلي لا صلة له بالأجانب، وقابل للتفاوض مع الجميع، وأن سلطته سلطة محلية معتدلة قابلة للتنسيق معها في إدلب… وهو يريد كذلك نزع صفة «الإرهاب»عنه، بل يريد اعتباره شريكًا في مكافحة الإرهاب العابر للحدود مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية… يريد أن يطرح نفسه ضامناً للسلام في منطقة إدلب التي يقول عنها جيمس جيفري إنها «واحدة من أهم الأماكن في سوريا، التي هي أحد أهم الأماكن في الشرق الأوسط الآن”. وإننا نقول إن ما يقوم به الجولاني من الاسترضاء الأمريكي إنما هو سراب يحسبه الجولاني ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب…
أيها المسلمون في المنطقة عمومًا وبلاد الشام خصوصًا، إن ما يحدث من عملية إنهاء للثورة في سوريا على يد الجولاني، إنما هو مخطط غربي وما الجولاني إلا أداة فيه، وإننا نحذر المسلمين من أن يخدعوا به، فإنه لا عذر لهم أمام الله يوم القيامة، خاصة وأن أمره قد أصبح مفتضحًا عندهم، فهو قد خرج عما أعلنه في بادئ الأمر من أنه يريد القتال «حتى يحكِّم شرع الله في الأرض»، ودخل في التعاون على الإثم والعدوان مع الغرب وأمريكا في ضرب ثورة الشام، وتغير عنده مفهوم الولاء والبراء الذي صارت المصالح تتحكم به وليس الشرع…
إننا ننصح جميع المسلمين في سوريا أن يحافظوا على ثوابت ثورتهم التي أعلنوا عنها منذ أوائل انطلاقتها، وهي أن المسلمين يريدون إسقاط النظام بدستوره وبحكامه، والقضاء على أي نفوذ للغرب في المنطقة، وإقامة حكم الإسلام: خلافة راشدة على منهاج النبوة… وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون «عقر دار الإسلام الشام» في هذه الأيام، رغم أنف الحاقد لافروف والمقبور وليد المعلم وإمبراطورية الشر أمريكا وكل من تبعها من أدوات.
2023-07-14