الإعلام في زمن اللئام
2023/04/09م
المقالات
785 زيارة
د. عبد الله ناصر – ولاية الأردن
لم تتوقف الحرب الإعلامية التي تستهدف الإسلام وأهله منذ بزوغ فجره في مكة، إذ راح الأعداء يومها من إنس وجن يكيدون المكائد ويحيكون الدسائس، ويُسخرون كل ما يملكون للقضاء على هذا الدين والنيل من أهله تشويهًا وتحريفًا وإشاعةً، كذبًا وتدليسًا وباطلًا، متهمين خير خلق الله تعالى بشتى التهم والأوصاف بغية تنفير الناس منه وصدِّهم عنه، وهذا ما عليه سماسرة الرذيلة ومروجو الفساد، الصادّون عن أمر الله في الماضي والحاضر والمستقبل.
هذا كان حال أنبياء الله ورسله وأوليائه الصالحين؛ لم ينجُ منهم أحد من اتِّهام كاذب وادِّعاء باطل من أولئك الفاسدين المفسدين؛ لأن دعوة الله لا تناسب عقولهم المريضة ونفوسهم الحائرة وقلوبهم الميتة، ولا تتفق مع مصالحهم وأهوائهم. ونكتفي هنا بمثال واحد زمن الرسول صلى الله عليه وسلم دالًّا على هذه الحرب؛ فهذا أحد كبراء المشركين وسيد من ساداتهم الوليد بن المغيرة يجمع كفار قريش ليحدِّد لهم قولًا يقولونه للوفود إلى مكة ينفِّرهم به من الاستماع لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: «قولوا ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وعشيرته». (سيرة ابن هشام).
فهذا ديدن الكفار والمنافقين منذ القدم إلى يومنا هذا: إشاعة الأكاذيب، وتضخيم الأخبار، وتسعير الفتن، وبث الخلافات، مع اختلاف في الوسائل والأساليب بين الماضي والحاضر، هدفهم صرف الناس عن إسلامهم الحق ومحاربة العاملين لعودته إلى سدة الحكم في ظل خلافة ثانية على منهاج النبوة؛ ولكن هيهات هيهات لهؤلاء الحثالات السَقَطَة أن تنال من دعوة الحق، أو أن تسقط دعوتهم. نعم، قد يصيب المؤمنين ألم وضنك؛ ولكن ما يصيب أعداء الله أكثر وأشد، والعاقبة للمتقين، يقول تعالى: (ِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٤٠)[آل عمران: 140]
وفي إيجاز نورد أهم عناصر الحرب الإعلامية المعاصرة على الإسلام والمسلمين:
أولًا: حرب العقائد والأفكار
لقد برز الإعلام في كل أدواته ليكون واحدًا من الوسائل المستخدمة في محاربة العقيدة الإسلامية، متزامنًا مع الصحوة الإسلامية التي تنتشر في بلاد المسلمين، وذلك في نقاط كثيرة منها:
1) تسخير وسائل الإعلام المرئي والمسموع وغيرها في خدمة تنصير الشعوب، فالـمُنَـصِّرون يتسترون بجمعيات خيرية ومنظَّمات دولية مستغلِّين حاجة الناس وفقرهم لنشر باطلهم وكذبهم.
2) فتح المنابر الإعلامية للفرق الضالَّة والمنحرفة في بث سمومها.
3) العمل والدعوة لتغيير مناهج التعليم بما يخدم أجنداتهم السياسية، والحرص على إفساد عقائد وعقول الناشئة بما يقدّم لهم من تعليم وبرامج تلفزيونية ورسوم متحركة وعوالم افتراضية يكثر فيها الكفر والشرك والسحر وتكثر فيها مناظر العلاقات الشاذة والمنحرفة، وما هو مخالف لثقافة الأمة وعقيدتها.
4) تقديم الدعم المادي والإعلامي للأفراد والجمعيات التي تخدم مخططهم.
ثانيًا: حرب الدعاية والتضليل ويستخدم فيها أساليب كثيرة منها:
1) الأخبار الكاذبة: فقد أطلقوا الأخبار الكاذبة والدعاية المضلِّلة لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وإلصاق التهم بهم في تسلسل ليعمَّ الكثير من محطات التلفزة والإذاعة مع التكرار لإيصال الأمة للتصديق بما يشاع. وما أخبار التفجيرات وسفك الدماء المفتعلة على أيدي فرقهم السرية المنتشرة في بلاد المسلمين إلا مثال على تلك الأخبار التي تُلصق بالإسلام والمسلمين، ناهيك عن إخفاء مصادر الأخبار المبثوثة زيادة في التجهيل والدسِّ.
2) تحريف الحقائق وتضليل الأمة، وذلك باستضافة أشخاص يُطلق عليهم ألفاظ مشايخ وعلماء ومفكرين، زورًا وبهتانًا، وما هم إلا ممن ارتضى بيع دينه نظير دنيا غيره؛ ليطلقوا الفتاوى الضالَّة والتحاليل المغلوطة والروابط الشاذَّة الفجة بين الوقائع والأدلة الشرعية بغية ضرب أفكار الإسلام في العقول، وإطلاق ألفاظ كالبطل والمبدع على الماجنين الخليعين، وإظهار المسلم بمظهر الخنوع الجاري وراء الملذات.
3) غسيل الأخبار وتبييض المعلومات وتلميع صور من يستخدمونهم في مهماتهم القذرة من حكام ومجرمين وأعوان باطل وعملاء مأجورين وظيفتهم إعادة كتابة سيناريوهات الأحداث بما يخدم أجندات الغرب الكافر، وبالمقابل وصف المسلمين والعاملين للحق بأوصاف التكفيريين ودعاة الإرهاب والمتشدِّدين والمتطرِّفين والمتخلِّفين وغيرها من الأوصاف المنفِّرة، والترويج لأفكار ومصطلحات مثل التسامح والاعتدال والانفتاح على الآخر، والحداثة والمدنية والعلمانية والديمقراطية وإظهارها بمظهر لا يخالف الإسلام، وبرامج حوار الأديان وتلاقي الحضارات وغيرها الكثير.
ثالثًا: الحرب النفسية والاستعمال المخطط للدعاية للتأثير على آراء ومشاعر وسلوكيات الـمُشاهد، ويتَّضح ذلك من خلال زرع الخوف والرعب وبث الأخبار الداعمة له وإظهار قوة الغرب الكافر وترسانته العسكرية وقدراته الحربية، وإيهام المشاهد بأحداث ووقائع مفبركة لتوهين عزائم العاملين.
رابعًا: حرب الأخلاق والقيم؛ وذلك من خلال برامج ومسلسلات هابطة هدفها نشر الفساد والرذيلة ليصبح فعل قوم لوط مقبولًا ومستساغًا، ويصبح تطاول الابن على والديه أو المرأة على زوجها أمرًا مألوفًا في المجتمع، ويصبح التبرُّج والاختلاط من متطلبات عصر الحداثة والتنوير.
استراتيجيات ونظريات التأثير الإعلامي:
تنوَّعت الاستراتيجيات والنظريات التي تتحدث عن آليات التأثير الإعلامي في الأفراد والمجتمعات تبعًا للمرسِل والمستقبِل ونوع التأثير المراد إحداثه؛ إلا أن الإجماع على عظم أثر الوسائل الإعلامية وأنها من أهم وسائل التأثير على الرأي العام وتوجيهه يكاد يلاحظ في كل كتابات منظِّري الإعلام والقائمين عليه. فمما تناولته المواقع الإعلامية العالمية الاستراتيجيات العشر التي رآها المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي للسيطرة على الشعوب وتوجيه الرأي العام من خلال وسائل الإعلام، وهي بإيجاز:
1) استراتيجية الإلهاء؛ حيث يتمُّ فيها تحويل انتباه الرأي العام عن المشاكل المهمة عبر كمّ متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة تعمل على تشتيت الانتباه عن المشاكل الحقيقية، وتبقي الشعور لديه بديمومة الانشغال وعدم وجود وقت للتفكير.
2) استراتيجية ابتكار المشاكل ثم تقديم الحلول؛ حيث يتم ابتكار المشاكل لإثارة رد فعل معين لدى الشعب ليطالب بما خطط له القائمون على السياسة الإعلامية، كإحداث تفجيرات للمطالبة بزيادة القبضة الأمنية أو إخفاء الحلول الناجعة للأزمات الاقتصادية لقبول التراجع في مستوى الخدمات العمومية.
3) استراتيجية التدرُّج؛ حيث يتم تقديم المراد على شكل جرعات وعلى فترات زمنية طويلة ليتقبَّله الرأي العام؛ فلا يحدث رد فعل معاكس للمطلوب.
4) استراتيجية المؤجَّل، وفيها يتم إكساب القرارات المكروهة القبول على أنها ألم لا بُد منه، وأخذ موافقة الشعب في الحاضر على التطبيق في المستقبل.
5) مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار لا يملكون المعارف اللازمة، ويفتقدون للنقد البنَّاء لما يتخذ من إجراءات.
6) استثارة العاطفة بدل الفكر؛ ما يعمل على تعطيل التحليل والربط ويسمح بتأثير اللاوعي على المتلقِّي.
7) إبقاء الشعوب في حالة جهل وحماقة؛ وذلك بتقديم نوعية تعليم رديء للشعوب تعزز الفقر والجهل والفجوة المعرفية للإبقاء على الانقياد للنخب الحاكمة.
8) تشجيع الشعب على استحسان الرداءة والقبول بأن يكون غبيًّا جاهلًا.
9) تعويض التمرد بالإحساس بالذنب؛ بحيث يتم فيها جعل الشعوب تظن أنها المسؤولة عن تعاستها بسبب نقص قدراتها ومجهوداتها ليتولَّد الاكتئاب والانغلاق.
10) معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم؛ بحيث تتم زراعة الوهم في عقولهم من خلال استغلال الأبحاث العلمية والتقدم المعرفي في تركيز أن السلطة تعرفني أكثر مما أعرف نفسي.
هذه مجموعة من الاستراتيجيات المتبعة، والتي جاءت العديد من النظريات الإعلامية لتؤكدها ولتؤكد تأثيرها في صياغة الرأي العام وإبقائه تحت السيطرة، ولا ضير في سرد سريع لبعض نظريات الإعلام التي يسير عليها الإعلام العالمي الحالي:
1) نظرية الرصاصة: وهي نظرية تؤكد أن قوة تأثير الإعلام قوي ومباشر على الفرد والمجتمع وهو شبيه بالرصاصة، إلا أن هذا الأثر قصير المدى.
2) نظرية التأثير التراكمي: وفيه يتم عرض هائل من الأفكار والقناعات ولفترات زمنية طويلة لإحداث الأثر المرغوب.
3) نظرية التطعيم أو التلقيح: وهي جرعات من قيم فكرية تجعل الأمر مألوفًا لدى جمهور المتابعين ولا يتطلَّب رد فعل عند مشاهدته في المجتمع.
4) نظرية التأثير على مرحلتين: وذلك من خلال عرض المعلومات المراد بثُّها، ثم إتْباعها بتفسيرات لمن أُطلِق عليهم علماء ومفكرون وباحثون ومشايخ أو قادة رأي.
5) نظرية تحديد الأولويات؛ حيث يتم التركيز على بثِّ بعض الأخبار، وإهمال أو التعتيم على بعضها الآخر؛ ما يوحي للمتابعين بأن الأخبار التي يتابعها هي المهمة، فلا يعود يهتم بغيرها.
6) نظرية حارس البوابة: وهي عملية التحكم بمضمون المادة المنشورة من جهة القائمين على الوسيلة الإعلامية؛ وذلك خدمة للغرض الذي من أجله عُرضت هذه المادة.
7) نظرية الإشباع: وفيها يوهَم المتابع بأن المعروض هو ما يشبع رغباته ويحققها.
فقه التعامل مع الإعلام:
إن الإعلام اليوم قائم على خدمة الغرب الكافر، وطبقة العملاء الحاكمة في بلاد المسلمين، فهو اليوم فاقد لمصداقيته وحياديته في كثير من أخباره وبرامجه؛ لذا فإن على المسلمين التعامل مع وسائل الإعلام المختلفة بالكياسة والفطنة؛ بحيث يحسن اختيار ما يتابع أو ما ينقل، فليس كل ما يُقال يصحُّ، وكذلك ليس كل ما يعلم يقال.
وبما أن الأمة الإسلامية بعامة والعاملين المخلصين بخاصة هم المستهدفون بهذه الحرب الإعلامية الشعواء لحرفهم عن دينهم ما استطاعوا، أو وسمهم بصفات منفِّرة، وهذا ما تنبَّه له حزب التحرير وشبابه الأتقياء الأنقياء في عملهم الدؤوب والذي شارف بإذن الله على أن تُقطف ثمارُه بإقامة دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة، واستئناف الحياة الإسلامية، فأعدَّ للإعلام سياسة تسير عليها وسائل الإعلام في الدولة الإسلامية.
فقد جاء في مقدمة مشروع الدستور، في المادة 103: «جهاز الإعلام دائرة تتولى وضع السياسة الإعلامية للدولة لخدمة مصلحة الإسلام والمسلمين، وتنفيذها في الداخل لبناء مجتمع إسلامي قوي متماسك، ينفي خبثه وينصع طيبه، وفي الخارج لعرض الإسلام في السلم والحرب عرضًا يبيِّن عظمة الإسلام وعدله وقوة جنده، ويبيِّن فساد النظام الوضعي وظلمه وهزال جنده». قال تعالى: (ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ) [النحل: ١٢٥]
وجاء في المادة 104: «لا تحتاج وسائل الإعلام التي يحمل أصحابها تابعية الدولة إلى ترخيص، بل فقط إلى (علم وخبر) يرسل إلى دائرة الإعلام، ويُعلم الدائرة عن وسيلة الإعلام التي أنشئت، ويكون صاحب وسيلة الإعلام ومحرروها مسؤولين عن كل مادة إعلامية ينشرونها، ويحاسبون على أية مخالفة شرعية كأي فرد من أفراد الرعية».
وفيما يتعلق بالمسائل الأمنية، فإن على وسائل الإعلام التقيُّد بنشر المعلومات التي تصدر من قبل الخليفة بالمسائل العسكرية ومتعلقاتها، وأخبار التحركات العسكرية، وسير المعارك، والصناعات العسكرية، كما هي بدون أي تغيير.
نعم، إنه لا بد من سياسة إعلامية إسلامية واعية تتبناها دولة الخلافة المرتقبة، تدرك سياسات دول الغرب الإعلامية واستراتيجياتها وأساليبها، وتضع مقابلها ما يحصن المسلمين من هذه السياسات ويكشفها، وبالتالي يخدم الفكرة الإسلامية؛ ولتكون على مستوى ما هو مطلوب منها لنشرها.
ولمن أراد الاستزادة فالمكاتب الإعلامية لحزب التحرير منتشرة ومعروفة، وما على أي مسلم يرغب بالاطلاع على السياسة الإعلامية في دولة الخلافة إلا زيارة أي من هذه المكاتب أو الاطلاع على المواقع الإلكترونية لحزب التحرير.
لهذا ندعو أبناء أمة الإسلام للتنبُّه لخطر الإعلام الحالي وأثره في صدهم عن العمل الجادِّ المجدِّ مع من سبقوهم، وليضعوا أيديهم بأيدي إخوانهم شباب حزب التحرير بإمرة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة، وليحثُّوا إخوانهم وأبناءهم في جيوش المسلمين على إعطاء حزب التحرير النصرة؛ لإقامة الخلافة على منهاج النبوة؛ لتنشر العدل والطمأنينة والرخاء لجميع شعوب الأرض، وما ذلك على الله بعزيز.
2023-04-09