على خطا لويس التاسع… الحروب على المسلمين مستمرة
2023/01/08م
المقالات
1,132 زيارة
م. موسى عبد الشكور – الخليل
لقد أدرك أعداء الإسلام بأن قوة المسلمين تكمن في هذا الدين: في اجتماعهم حول عقيدته، وتمسكهم بأحكامه، وربطه لهم برابطة الأخوَّة الإسلامية التي تجمعهم على اختلاف أجناسهم وألوانهم؛ ولذلك كان عنده أنه لابد من تسطيح فهمهم لعقيدتهم، وتهوين تمسكهم بأحكام شريعتهم، وفكِّ لحمة هذه الأخوَّة التي تشد المسلمين إلى إخوَّتهم وتكوِّن منهم قوة رهيبة يحسب لها الأعداء ألف حساب، وهذا كان دأبه في الحقد والمكر والحرف الفكري والثقافي. فالعداوة بين المسلمين والكفار هي عداوة مستمرة باقية إلى أن يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها، فإنها سنَّة حتميَّة وتختلف أساليبها باختلاف الزمان والمكان، وتبعًا لطبيعة المرحلة تختلف المواجهة .
ولقد حذَّر الإسلام أتباعه من التأثر بالأمم الكافرة واتِّباع سننهم، أو اتخاذهم أولياء يرسمون لهم الخطط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وبيَّن لهم أن ذلك يخالف منهج الله سبحانه وتعالى، بل واعتبر ذلك من المخالفات الإيمانية الصريحة للأوامر الربانية. (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٥١).
وإن من أساليب الأمم الكافرة استقطاب عدد من أبناء المسلمين وتحميلهم وجهة النظر الغربية والاستعانة بهم لمساعدتهم في غزو بلاد المسلمين واحتلالها عسكريًّا، والسيطرة الاقتصادية على العالم الإسلامي وتقسيمه إلى دويلات، والأخطر من ذلك هو ضرب الإسلام واتهامه بالإرهاب… وهذه التبعية للغرب لم تقف عند الإطارين السياسي والعسكري، بل امتدَّت أيضًا إلى الساحتين الثقافية والاجتماعية؛ حيث تصدَّر الساحة الثقافية فئة علمانية تغريبية مخربة تعمل تحت راية الكفار على إلحاق العالم الإسلامي بالمنظومة الفكرية الغربية؛ لتذويب الهوية الإسلامية وحتى تسود القيم الغربية مكان ثوابت الأمة.
لقد بدأت محاولات الصدِّ عن سبيل الله في العصور الحديثة منذ أكثر من مائتي عام، وهي امتداد لما أوصى به لويس التاسع ملك فرنسا الذي أسر في مصر وأفرج عنه بتبادل الأسرى؛ حيث أوصى بضرورة هزيمة المسلمين فكريًّا؛ لأن الجيش الإسلامي لا يقهر، فوضع لويس التاسع خيوط المؤامرة على الإسلام والتي تقوم على الأسس التالية:
أولًا: تحويل الحملات الصليبية العسكرية إلى حملات صليبية سلمية تستهدف ذات الغرض، ولا فرق بين الحملتين إلا من حيث نوع السلاح الذي يستخدم في هذه الحملات.
ثانيًا: تجنيد المبشرين الغربيين في معركة سلمية لمحاربة تعاليم الإسلام ووقف انتشاره، ثم القضاء عليه معنويًا واعتبار هؤلاء المبشرين جنودًا للغرب.
ثالثًا: العمل على استخدام «نصارى الشرق» في تنفيذ سياسة الغرب.
رابعًا: العمل على إنشاء قاعدة للغرب في قلب الشرق الإسلامي يتخذها الغرب نقطة ارتكاز لقواته الحربية ولدعوته السياسية والدينية، وقد اقترح لويس التاسع لهذه القاعدة الأماكن الساحلية في لبنان وفلسطين.
هذه الوصية كانت أساس المخطط الذي وضعه الغرب مستعينًا بمؤسستي التبشير والاستشراق، والتي كان من مهامها إثارة الشبهات حول مفاهيم الإسلام. وبعدها فقد تم إرسال أول حملة تبشيرية إلى جزيرة مالطة ثم امتدت إلى بيروت تحت مسميات شتى، وتحوَّل لبنان وفلسطين إلى قواعد غربية كما خُطِّط لها. وقد تمَّ تبنِّي هذه التوصيات من كل الدول النصرانية لمحاربة الإسلام واجتثاثه من جذوره.
وبحسب هذا المخطط، جنَّد الغرب جيوشًا من المفكِّرين والمنظِّرين ووسائل الإعلام حتى تم إزالة الخلافة من حياة المسلمين للمرة الأولى؛ فانقطع خيط العقد وتناثرت حباته، وقُسِّمت الدولة العثمانية إلى أجزاء وتقاسم القتلة تركتها. فانتاب العالم الإسلامي حالات من العمالة والتبعية والانحطاط والسلب والنهب المنظم للخيرات والمقدرات؛ فحقَّقوا به ما تحققه الحروب العسكرية وأكثر.
بعد نجاح هذا المخطط، سارع الكفار إلى الأخذ بجميع الأسباب التي تبقي العالم الإسلامي متهالكًا، وتضمن لهم السيطرة الدائمة على المسلمين وعلى بلادهم، واستلهموا ذلك من وصايا لويس التاسع ملك فرنسا نفسه، حتى يصبح داء التبعية للغرب يسري في العروق مجرى الدم؛ وسهروا على تنفيذه بدقة عن طريق ثالوث الاستعمار: التبشير والاستشراق والتغريب ، والتي كان من برامجه: إحياء الدعوات التمزيقية، والنزعات الجاهلية، وتجفيف المنابع والموارد لكي تمنع الأجيال من الرجوع إلى الدين وإلى الثقافةِ الإسلامية، وغرس الشك في نفوسهم والغرض من ذلك أن يُفقدوا المسلمين ثقتهم بأنفسهم ودينهم وجعلهم يرتمون في أحضان الكافر يقلدونه في كل أمر، وإحلال مفاهيم جديدة جاهلية ماتت منذ تمكَّن الإسلام في قلوب المسلمين كالقوميات العربية والفارسية والتركية ونحوها…
وبحسب هذا المخطط، تم زعزعة مفهوم الأخوَّة الإسلامية بين المسلمين في مختلف أقطارهم وذلك عن طريق إحياء الرابطة الوطنية، وإثارة النعرات بين الشعوب الإسلامية، وإقامة الحدود بين بلدان المسلمين وأقاليمهم… وقد ركز الكفار على مهاجمة خليفة المسلمين أو أميرهم ورمز وحدتهم ونصرهم ورمز هزيمة الكفار ومصدر رعبهم.
وبحسب هذا المخطط، عمد الغرب إلى إثارة الشبهات حول الإسلام، فإسلام معتدل يوافق العصر بحسب المقاييس الغربية إلى إسلام أصولي متطرف متزمت وإرهابي… وعمد كذلك إلى التدخل في صياغة مناهج التعليم وإنشاء الجامعات والمدارس التبشيرية وإنشاء النوادي والجمعيات المشبوهة التي تدعو إلى التنصير وبعث الحضارات القديمة وربط المسلمين بها كالفرعونية والكنعانية، ومؤخرًا ربطها بالدعوة إلى وحدة الأديان بإيجاد دين عالمي جديد يكون بديلًا عن سائر الأديان، كما يزعمون.
وبسبب هذا المخطط، يعيش العالم الإسلامي اليوم في أجواء مظلمة من المؤامرات والدسائس التي تستهدف عقيدته ووحدته، بالتعاون الوثيق مع الأنظمة الحاكمة التابعة لها، والأحزاب العلمانية والمفكرين المتغربين الذين يعملون لحساب الدوائر الغربية الحاقدة التي تسهر على صنع المؤامرات بأنواعها وأشكالها وتمريرها من خلالهم بصورة مدروسة خبيثة. من أجل ذلك، سعت السياسات الغربية الحالية في البلاد الإسلامية بشتى الوسائل كي تبعد ظن المسلمين عن أن سياساتها الحالية هي امتداد للحروب الصليبية.
هذا وقد اتخذت هذه السياسات في محاربة الإسلام والمسلمين أسلوب المواجهة تارة والاحتواء والتضليل تارة أخرى. وكانت كما يلي:
– بالترغيب والترهيب كما تفعل أجهزة المخابرات في العالم الإسلامي…
– بالتشكيك في الأفكار وإيجاد حركات إسلامية اسمًا كما يريد الغرب وعلى مقياسه، وتبنِّي حركات صوفية باعتبار أن الصوفية ذات أفكار مخدِّرة ولا مخالب لها، وتحوي عناصر مشتركة بين الأديان المختلفة، وهو ما يصب في عولمة الأديان كما يخططون…
– بمراقبة المساجد والاستهزاء والسخرية من مرتادي المساجد وملاحقتهم…
– بخفض الروح المعنوية للشعوب المسلمة…
– بإذكاء روح الفرقة بين المسلمين وإبعادهم عن الوحدة كمصدر من مصادر قوتهم…
– بتوظيف الكثير من الكتَّاب والمؤلفين ليكتبوا ما يشوّه صورة الإسلام بأسلوب خبيث؛ ليساهم في تسرب السم إلى عقولنا…
– بتصوير أن الجهاد حرب دفاعية، وحصر مفهوم الجهاد بالمقاومة.
– بالتدرُّج بتطبيق الشريعة…
– بأخذ جزء من الشريعة الإسلاميةكالأحوال الشخصية والأخلاق وعدم تطبيق الإسلام كاملًا…
– بالعمل على مسخ هوية الأسرة المسلمة ونشر قيم المجون والخلاعة تحت يافطة «الحرية»…
– بطمس الحقائق وتشويه تاريخ الدولة العثمانية وأنها كانت دولة مستعمرة لبلاد المسلمين الأخرى…
– بالتغييب في السجون والنفي والتعذيب، فالسجون في العالم الإسلامي مليئة بسجناء الرأي…
– باتباع أسلوب التعتيم الإعلامي ومحاصرة المفكرين والعلماء والأحزاب الإسلامية المخلصة والواعية كحزب التحرير بعدم إظهارها وذكرها لا بالخير ولا بالشر؛ وذلك بسبب صدقهم وخوفًا من تأثر المسلمين بهم…
– بالسيطرة على الرأي العام وتحميل الناس أفكار وآراء الأنظمة الحاكمة ضد المعارضين وحركات التغيير…
نعم، إن الحرب على الإسلام والمسلمين قديمة جديدة، وهي تأخذ أشكالًا مختلفة ملتوية وتبتعد عن الصراحة في المواجهة وذلك نتيجة الإفلاس الفكري أمام مبدأ الإسلام، وتجعل عمدتها التعاون مع الأنظمة الحاكمة، وجعل البلاد الإسلامية مناطق فيها القابلية للاستعمار الفكري أولًا ليتبعه السياسي والاقتصادي…
وفي المقابل، نجد العكس في الإسلام، فلا حرب على معتقدات غير المسلمين، حيث يتركونهم وما يعبدون، ويُكتفى بفرض الإسلام في الحياة العامة، ولا توجد مشكلة أقليات في دولة الخلافة، ولا توجد مشكلة فكرية. فتطبيق أحكام الإسلام عمليًّا على الرعية، والتعامل معهم تعاملًا قائمًا على العدل، كفيل بإذابة أفكار الكفر طوعيًّا، وظهور أحكام الإسلام عليها طبيعيًّا، فقد ضمنت أحكام الإسلام حقوق جميع الرعايا بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين. ويكون الحوار في دولة الإسلام فكريًّا مع أفراد الرعية من غير المسلمين لتغيير القناعات لديهم، ومقارعة الحجة بالحجة، ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة. هذا وقد أوجد الإسلام القوانين الكافية لضمان حقوق جميع الرعايا، وإرساء العدل والإنصاف والطمأنينة للجميع، مسلمين وغير مسلمين.
أما الرد الصحيح على هذا المخطط الغربي الخبيث، والذي ما زالت مفاعيله هي المهيمنة على كل جوانب حياة المسلمين، فيكون بالعمل لإقامة الخلافة الراشدة وتحكيم شرع الله؛ حيث تقف دولة الإسلام وإمامها الجُنَّة سدًّا منيعًا أمام الأفكار والجيوش الغازية والأفكار الدخيلة؛ فلا بد من العودة إلى الأحكام الشرعية والثقه بها والتصدِّي لكل محاولات الصد عن سبيل الله. وكذلك لا بد من كشف عمالة الحكام، وكشف من يسمَّون مفكرين وكتَّابًا، وإسكات كل الأبواق التي تنادي وتروج لهذه الأفكار، وكشف وسائل الإعلام وتبعيتها للأنظمة الحاكمة وخدمتها وخدمة أسيادها من دول الغرب الكافر.
ومع هذا كله، فإن مواجهة هذا المخطط الحديث تتطلب التوضيح للأمة وللأجيال الناشئة بدوام سوء الظن بسياسات الدول الغربية الحالية، وأنها امتداد للحروب الصليبية في القرون الوسطى.
وفي الختام فان كل محاولات الكفر الحاقد على الإسلام ستبوء بالفشل، وستهزم على أعتاب قوة الإسلام وعقيدته كما فشلت وهزمت كل الحملات الصليبية السابقة. وها هي بشائر النصر تلوح من جديد، وشمس دولة الخلافة ستشرق من جديد لتضمن حين قيامها العدل والأمان والحقوق للجميع، فيدخل الناس في دين الله أفواجًا نتيجة لعدل الإسلام وحسن تطبيقه، وتذوب بذلك معظم المعتقدات غير الإسلامية. فالإسلام يعلو ولا يعلى عليه… ونسال الله أن يكون ذلك قريبًا.
2023-01-08