الهجرة هي ثمرة طلب النصرة… وبهما تكتمل خطوات التغيير وتقام دولة الخلافة
2022/08/01م
المقالات, كلمات الأعداد
2,141 زيارة
الهجرة، وما أدراك ما الهجرة… إنها يوم من أيام الله التي يغمطها المسلمون حقها عندما يقفون على أطلالها احتفاء دون اجتلاء ما تتطلبه هذه الذكرى من وقفة تأسٍّ في هذه الأيام التي تشابهها تمامًا، ودون أن يلتفتوا إلى ما يلزمهم منها في واقعهم من مواقف، فهي اليوم يجب أن تكون حدثًا منتظرًا، نتعلم منه ونأخذ منه ونتأسى به ونجعله نبراس هدى لنا في إقامة الدين… وهي كما كان لها ذلك الأثر الطيب مع الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة دولة الإسلام الأولى، فسيكون لها الأثر نفسه في إقامة دولة الخلافة الراشدة، والتي ستكون على منهاج النبوة، بإذنه تعالى.
لقد جاءت الهجرة لتكون حكمًا شرعيًا من أحكام الطريقة الشرعية التي أقام بها الرسول صلى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية، ولتكون خاتمة أعمال الطريقة لإقامة الدولة الإسلامية، ولتكون ثمرة طلب النصرة، ولتكون صلة الوصل ما بين مرحلة ما قبل الدولة الإسلامية في مكة، ومرحلة ما بعد الدولة الإسلامية في المدينة، وليتجسَّد بها انتقال المسلمين من دار الكفر في مكة إلى دار الإسلام في المدينة… فأين المسلمون اليوم من هذا الحكم الشرعي في حياة دعوتهم؟!.
إن واقع الدعوة اليوم يشبه ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان في مراحل الدعوة الأخيرة في مكة، قبل الهجرة تمامًا، ينتظر من الله إظهار الدين وإقامة الدولة؛ حيث كانت الأمور قد حزبت على الدعوة وحوصرت، وضُيِّق على الرسول والمؤمنين حتى وصل الأمر إلى حد التآمر على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وتوزيع دمه على القبائل… قد يظن القارئ أن في هذا الأمر مبالغة ومغالطة… كلا، فمن منا لا يدرك ذلك الكرب العظيم الذي يقاسيه المسلمون اليوم، وتلك الهجمة الشرسة وذلك الكيد والمكر والبغي والتشويه الذي لا يتوقف على الإسلام، وحصرًا على الدعوة إلى إقامة حكم الله والداعين إليها. نعم، إن الصراع على أشده بين الدعوة إلى استئناف الحياة الإسلامية وبين منعها، والحرب عليها في أوجِّها تحت شعارها التضليلي العالمي «الحرب على الإرهاب».
نعم، ليس في الأمر مغالطة ولا مبالغة. إن الغرب يعلم أن الأمة تريد العيش في رحاب الحكم بالإسلام؛ لذلك هو يعلن حربه على الخلافة تحديدًا، وكلنا يعلم كيف أن الغرب قد صرَّح مسؤولوه عقب احتلال أفغانستان والعراق أن الأمة تريد إقامة الخلافة، وهو قام باحتلاله المباشر ليمنع ذلك. إذًا، فصعيد الصراع هو أن المسلمين يريدون إقامة الدين في حياتهم بإقامة الخلافة والغرب يصدُّهم عن ذلك.
هذا الصراع يعيه الغرب ويعي أبعاده، لذلك هو يأخذ أشكالًا تصب في هذا الاتجاه: منها ما ذكرنا من تصريحات يهاجم فيها الخلافة. ومنها اصطناع داعش وما ارتكبته من قتل وحرق وذبح وإغراق للتشنيع على الخلافة. ومنها إثارة النعرات المذهبية والقومية والعرقية حتى تتفتت بلاد المسلمين من الداخل. ومنها هدم بلاد المسلمين واستنزافها حتى إذا قامت دولة الخلافة على حين غفلة منهم لا تقوم إلا وهي منهكة مستنزَفة يسهل ضربها من أول أيام إقامتها. ومنها تقسيم بلاد المسلمين من جديد فوق تقسيم سايكس بيكو. ومنها الإصرار على خلو الدساتير التي تحكم بلاد المسلمين بها من أي ذكر للإسلام. ومنها إعلانهم محاربة (الإسلاموية) وهي اعتبار الإسلام فيه شريعة وأنظمة حكم وحياة، ومحاربة (الإسلامويين) الذين تقوم دعوتهم على إقامة حكم الله في الأرض لتحكيم شرعه ونشره بالدعوة والجهاد. ومنها عدم السماح بوجود أحزاب سياسية إسلامية، والسماح بوجود حركات خيرية وتعبدية وأخلاقية وغيرها من تلك التي تدعو إلى مكارم الأخلاق…
نعم هذا هو صعيد الصراع الذي يخوضه الغرب عن علم وبينة وإصرار ضد الإسلام والمسلمين وليس غير. بيد أن اللافت في هذا الصراع هو أن المبادرة فيه هي بيد المسلمين وليس بيد الغرب كما يتوهَّم البعض. فالمسلمون هم الذين يريدون التغيير، والغرب يريد منعه. والمسلمون هم الذين قاموا بالثورات والغرب واجههم بالثورات المضادة التي استخدم فيها حكام المسلمين ليكونوا خناجر طعن لها. والمسلمون هم الذين واجهوا أمريكا في أفغانستان والعراق والغرب هو الذي احتل بلاد المسلمين ليمنعهم من إقامة دولة الإسلام… والمسلمون اليوم لا يعرف الغرب الكافر ما هي خطوتهم التالية في مفاجأته… وحتى لا يصل المسلمون إلى مبتغاهم من إقامة الدولة الإسلامية، وحتى يأخذ منهم عنصر المبادرة فهو قد حزب أمره على تدمير بلاد المسلمين واستنزاف خيراتها وإيقاعها في مديونية هائلة تقضي على كل أمل لهم بالتنمية، وحتى إذا ما قامت لهم دولة إسلامية على الرغم من أنفه، فإن المسلمين في حساباتهم سيجدون أنفسهم تحت القاع ويحتاجون إلى الوقت الطويل والإمكانات الهائلة للصعود من القاع فيسهل ضربهم. وكذلك رأيناه كيف يحاول زرع بذور الشقاق والنزاع والصراع الدموي بين المسلمين حتى يمنع بتفريقهم وبتمزيقهم وحدتَهم على الدولة الإسلامية…
إن من لم تَقم دعوتهم من جماعات المسلمين الذين يعملون للتغيير على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يلزموا أنفسهم بعملية التغيير الشرعي، فإنهم لا يملكون مقاييس الحكم الشرعي الصحيحة على استقامة السير، ولا تقدير الحكم الصحيح على الدعوة أين وصلت قافلتها… إنه لا يعرف ذلك إلا من سار متأسيًا بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم تمامًا، متأسيًا بها حذو القذة بالقذة، سائرًا على ممشاها خطوة خطوة… فكيف يعرفون وهم لم يلزموا أنفسهم بعملية التغيير الشرعي، وهم قد رفضوا أن يسيروا على خطى الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة، وراحوا يتخيرون لدعوتهم طرقًا أخرى، غير شرعية، تدعو إلى إصلاح ما أصله باطل، وإلى ترقيع ثوب بالٍ هو بالأصل لا يستر عورة، وتدعو إلى التدرج في إقامة الدين والمشاركة في أنظمة كفر قد أمر الله سبحانه وتعالى بأن تُجتثَّ من فوق الأرض… فأمثال هؤلاء قد ضاعت عندهم البوصلة الشرعية، فأنَّى يهتدون؟! فهم لو كانوا قد ساروا على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم خطوة خطوة لحُقَّ لهم أن يعرفوا… فعلى الحقيقة لا يعرف أين وصلت الدعوة في طريقها لإقامة الدولة الإسلامية إلا من سار على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم حصرًا.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الغرب، فكما أن للتغيير نظرته الشرعية التي تتأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإن للغرب الذي يلاحق كل مستجدات الدعوة ويكيد لها ويعمل كل ما يستطيع للقضاء عليها، نظرته المختلفة للتغيير، فهو يقيس التغيير بحسب مقاييسه المادية المنسجمة مع طريقة تفكيره، ويقدر الخطر بحسب مفاهيمه المختلفة، وهو بطبيعة الحال ستكون أحكامه مغايرة لما عند المسلمين؛ لذلك هو لا يفهم ذلك الصبر الأسطوري الذي يصبره المسلمون على ما يلاقونه في سبيل دينهم لأنه لا يملك مثله… وهو يريد أن يبدل دين المسلمين وينزع عنه الصفة المبدئية والسياسية قياسًا على دينه… وهو عندما يقيس الأمور قياسًا ماديًّا ويعتبر أن دافع الصراع صراع ماديٌّ فحسب، لا يفهم كيف أن المسلم يقدم آخرته على دنياه… وهو يفرق بين المسلمين ما استطاع ولا يدري أن تفريقهم يشكل أكبر دافع لهم للعمل على إيجاد دولة إسلامية لتجمعهم وتحقق فيهم أنهم أمة واحدة… وهو لا يدري اليوم بأن إيقاع الظلم على كل المسلمين في كل بلادهم يوجد لديهم الشعور الواحد بأنه لا ينقم منهم إلا أنهم يؤمنون بالله العزيز الحكيم، ويساهم في إيقاظهم بينما هو يظن أنه يدفنهم في دينهم… على كل الصراع ماضٍ وهو على أشده وسيعلم الغرب الظالم أي منقلب سينقلب.
عندما نقول إن الدعوة اليوم يجب أن تهدف إلى إقامة الدولة الإسلامية على طريقة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، فهذا معناه أنه يجب أن تقوم بأعماله التي قام بها والتي كان من شأنها أنها تقيم الدولة الإسلامية… وفعلًا هناك دعوة واحدة وحيدة قد قامت على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي دعوة «حزب التحرير» حصرًا وليس هناك من دعوة أخرى تدَّعي أنها قد قامت على ذلك. بل أكثر من ذلك فإن سائر الدعوات ما زالت تدعي إلى اليوم أنه ليس مطلوبًا السير على ما نقول. ومن هنا نحن نقول إن حزب التحرير هذا قد استقام على الطريقة في كل أعماله منذ أول يوم، وهو لم يُغيِّر ولم يُبدِّل، وهو يقول إنه قد وصلت دعوته في المسلمين إلى أبواب الفرج التي لا يفتحها إلا الله العليم الخبير، وصل إلى مرحلة فتح باب النصر الذي لا يفتحه إلا هو، وصل إلى الخطوة الأخيرة في دعوته لإقامة دولة الخلافة الإسلامية، وهي الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام التي حققتها هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. فكيف ستتحقق اليوم. فالأمر بيد الله وبتوفيقه، فالهجرة جعلها الله سبحانه وتعالى منوطة بتحقُّق النصرة، فهي ثمرة لها. ويمكن القول إنه لم يعد ينقص عملية التغيير سوى تحقق (النصرة) حتى تكتمل خطوات التغيير ويحدث الانتقال إلى مرحلة الحكم (الهجرة)… ويمكن القول إيمانًا بأن النصر وعد من الله سيتحقق، ولا ريب في ذلك، يصدق به المؤمنون ويستخف به الكافرون…
إنَّ الهجرة جعلها الله قدرًا مَقدورًا لدعوات الأنبياء؛ حيث جعل لكل نبي هجرته، وهي إخراجه من بلده، وقد كانت مع الرسول صلى الله عليه وسلم نهاية طريق الدعوة في مكة؛ حيث الاستضعاف والتعذيب وقلة العدد والنصير… وبدايتها في المدينة بإقامة دولة الإسلام الأولى؛ حيث الاستخلاف والتمكين ونشر الدين، وهي ستكون كذلك عند المسلمين في هذا الزمان، قال تعالى: (وَعۡدَ ٱللَّهِۖ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٦ يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ ٧).
2022-08-01