دور العلماء الربَّانيِّين في العمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة
2022/03/31م
المقالات
1,488 زيارة
يس مطهر الإندونيسي
الناس بلا علماء هم جهال تتخطفهم شياطين الإنس والجن من كل حدَب وصوب، وتعصف بهم الضلالات والأهواء من كل جانب. ومن هنا كان العلماء من نعم الله تعالى لأهل الأرض، وهم مصابيح الدُّجى وأئمة الهدى وحجة الله في أرضه. بهم تُمحق الضلالة من الأفكار، وتنقشع غيوم الشك من القلوب والنفوس، فهم غيظ الشيطان وركيزة الإيمان وقوام الأمة، مثَلهم في الأرض كمثل النجوم في السماء يُهتدى بهم في ظلمات الحياة إذا ما طُمست النجوم أوشك أن تضل الهُداة.
من المصائب الكبرى التي أصابت الأمة الإسلامية بعد هدم دولة الخلافة غياب دور العلماء الريادي في حقل الدعوة الإسلامية وفي مجال السياسة الشرعية. فكثير من العلماء يلعبون دورًا هامشيًّا في مجال العبودية الروحية والأمور الأخلاقية. فهم يدعون الأمة إلى الكتاب والسنة من الناحية الروحية، أما من الناحية السياسية فهم يتركونها للسياسيين العلمانيين. أما الـذين يدعون إلى الكتاب والسنة في جميع نواحي الحياة فهم يُحارَبون ويُتَّهمون بالتشدُّدية والإرهابيَّة؛ وعليه، فلابد من البيان الشافي حول العلماء من هم، وحول دورهم في قيادة الأمة وإنهاضها من الانحطاط الذي أصابها منذ زمان طويل.
من هم العلماء؟
إذا أطلق لفظ العلماء، فالمراد بهم العلماء في مجال الشريعة، أي العلماء في الدين، الذين جاء وصفهم في القرآن الكريم بأنهم:
– الذين يخشون الله كما قال تعالى:
(إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ )
– الذين يبلغون دين الله من عقيدة وشريعة ويخشون الله ولا يخشون الناس، كما قال الله تعالى: (ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا ٣٩)
قال الحافظ أبو فداء ابن كثير في تفسيره: يمدح تعالى الذين يبلغون رسالات الله) أي: إلى خلقه ويؤدونها بأمانتها) ويخشونه (أي: يخافونه ولا يخافون أحدًا سواه، فلا تمنعهم سطوة أحد عن إبلاغ رسالات الله (وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبٗا) أي: وكفى بالله ناصرًا ومعينًا.
وسيد الناس في هذا المقام، بل وفي كل مقام، هو سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه قام بأداء الرسالة وإبلاغها إلى أهل المشارق والمغارب، إلى جميع أنواع بني آدم، وأظهر الله كلمته ودينه وشرعه على جميع الأديان والشرائع، فإنه قد كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وأما هو، صلوات الله وسلامه عليه، فإنه بُعث إلى جميع الخلق عربِهم وعجمِهم ، (قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا)، ثم ورث مقام البلاغ عنه أمته من بعده، فكان أعلى من قام بها من بعده أصحابُه رضي الله عنهم، فقد بلَّغوا عنه كما أمرهم به في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، في ليله ونهاره، وحضره وسفره، وسره وعلانيته، فرضي الله عنهم وأرضاهم. ثم ورثه كل خلف عن سلفهم إلى زماننا هذا، فبنورهم يقتدي المهتدون، وعلى منهجهم يسلك الموفقون. فنسأل الله الكريم المنَّان أن يجعلنا من خلف العلماء الموثوقين الذين يوفون بميثاق الله عليهم.
– الذين لا يكتمون العلم ولا يشترون به ثمنًا قليلًا، قال تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٤٧)
– الذين يدعون إلى الله كما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى ۖ وَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ) فالعلماء ليسوا مجرد دعاة ووعاظ ومعلمين ومرشدين، وإنما هم إلى جانب ذلك أولياء أمر المسلمين، وهم في صلب أهل الحل والعقد الذين يناط بهم سياسة الأمة وتوجيه أحداثها وصناعة حاضرها ومستقبلها، وهم الذين عناهم الله بالدرجة الأولى في الآيات التي تأمر بالطاعة لأولي الأمر وردِّ الأمور إليهم في سلمهم وحربهم وفرحهم وكربهم، فمن هذه الآيات: قول الله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ)، فهذه الآية الكريمة تأمر المسلمين بطاعة أولي الأمر، وهذا يعني أن لهم نفوذًا وسلطانًا، وأولو الأمر هنا هم: «أصحاب الأمر وذووه، وهم الذين يأمرون الناس، وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام؛ فلهذا كان أولو الأمر صنفين: العلماء والأمراء»… وما إلى ذلك من الخصال التي وصفهم بها القرآن الكريم.
العلماء والميثاق
إن الله قد أخذ الميثاق على العلماء بتبيين ما في الكتاب من العقائد والأحكام للناس ولا يكتمونه كائنًا ما كان، ومهما كانت الظروف المحيطة بهم، ومهما واجهوا من عراقيل وصعوبات.
قال تعالى: (وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ ١٨٧)
قال قتادة رحمه الله: هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علِم علمًا فليعلِّمه الناس، وإياكم وكتمان العلم، فإن كتمان العلم هَلَكة ولا يتكلفنَّ رجل ما لا علم له به فيخرجَ من دين الله فيكون من المتكلفين» (الدر المنثور للسيوطي: ٤/١٦٨). وقال الحسن رحمه الله: «لولا الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه» (الدر المنثور للسيوطي: ٤/١٧٠). وقال الآلوسي في روح المعاني: «واستُدِلَّ بالآية على وجوب إظهار العلم وحرمة كتمان شيء من أمور الدين لغرض فاسد من تسهيل على الظَّلمة وتطييب لنفوسهم واستجلاب لمسارِّهم واستجذاب لمبارِّهم ونحو ذلك وفي الخبر: «من سئل عن علم فكتمه أُلجم بلجام من نار» (روح المعاني للآلوسي 5/188 والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي.
وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في قوله تعالى (وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ): «والاشتراء هنا مجاز في المبادلة والثمن القليل، وهو ما يأخذونه من الرِشى والجوائز من أهل الأهواء والظلم من الرؤساء والعامة على تأييد المظالم والمفاسد بالتأويلات الباطلة وتأويل كل حكم فيه ضرب على أيدي الجبابرة والظلمة بما يطلِق أيديهم في ظلم الرعية من ضروب التأويلات الباطلة وتحذيرات الذين يصدعون بتغيير المنكر، وهذه الآية وإن كانت في أهل الكتاب إلا أن حكمها يشمل من يرتكب مثل صنيعهم من المسلمين لاتحاد جنس الحكم والعلة فيه» (التحرير والتنوير: 4/193)
وعلى ذلك فيجب على العلماء أن لا يقولوا إلا الحق، ولا يكتموا العلم، ولا يشتروا به ثمنًا قليلًا ودنيا حقيرة، يجب عليهم تبيين ما في هذا الدين من الأمور العقائدية والعبادية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بيانًا شافيًا لا غموض فيها، مهما كانت الظروف، ومهما كانت العاقبة.
العلماء ورثة الأنبياء
إن العلماء في الإسلام ذوو مكانة عظيمة لأنهم ورثة الأنبياء، فهم الذين ورثوا الأنبياء في العلم، والعمل، والدعوة، وتبليغ الرسالة، وبيان الشريعة، وإقامة دين الله، والجهاد لإعلاء كلمة الله…
عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ، كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وابن حبان).
إن العلماء، ورثة الأنبياء، هم العلماء العاملون، هم النّور الذي يُضيء العالم ويخرجه من ظلام الجهل، وهُم الخلفاء في العلم بعد الأنبياء على أُممهم، وهُم ورثة الأنبياء، قال الله تعالى: (ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ) قال الزمخشريّ في الكشّاف: «ما سماهم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم في الشرف والمنزلة؛ لأنهم القُوَّام بما بُعثوا من أجله» ولا يكون العالِم بهذه الصفة إلا إذا صفا علمه وعمله، وارتقى إلى معالي الكمال، وابتعد عن الشهوات التي تُخفضه. قال الحسن: «من طلب العلم يريد ما عند الله، كان خيرًا له ممّا طلعت عليه الشمس». فلا رتبة فوق رتبة النبوّة، ولا شرف أعظم من هذا الشّرف، ولم يُقَل عنهم أنّهم ورثة الرّسل، وإنّما ورثة الأنبياء لتكون أعمَّ وأشمل. وإنّ الأنبياء لم يُورِّثوا شيئًا من الدّنيا؛ لذلك فإن ما بقي بين أيدي العلماء إنّما هو ميراث الأنبياء؛ حيث تنتفع بهم الأمة في إظهار الإسلام، ونشر الأحكام، وصلاح الأحوال الظاهرة والباطنة. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم بأنهم ورثة الأنبياء يحملهم مسؤولية كبيرة تجاه المسلمين، وتجاه الحكام، وتجاه العمل لإقامة الدولة الإسلامية.
كل هذا الفضل للعلماء العاملين الجريئين في الحق، المحبِّين للخير، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، المحاسبين للحكام الناصحين لهم، والساهرين على مصالح المسلمين، والمهتمين بأمور الأمة المتحمِّلين كل أذى ومشقَّة في هذا السبيل.
نعم، فإن كل ذلك الإكرام هو للعلماء الذين يحرسون الإسلام، الأمناء على دين الله. الداعين الحكام إلى تطبيقه بلسان صدق وجنان ثابت. الذين اتَّصفوا بخلق المرسلين فكانت أعمالهم ترجمانًا لتعاليم القرآن والسنة. يقولون للظالمين ظلمتم وللمفسدين أفسدتم وللعاصين لقد عصيتم الله. يُصلحون ما أُفسد ويقوِّمون ما اعوجَّ، ولا يخشون أحدًا من الناس، ولا يخافون لومة لائم، يقولون للناس أجمع: حكامًا ومحكومين، تعالوا: من هنا الدرب، درب الإسلام، طريق السلامة والنجاة، صراط الله العزيز الحميد.
نعم، إن العلماء لا يهابون سلطانًا جائرًا ولا حاكمًا جبَّارًا؛ لأنهم آمنوا بقول رسولهم ونبيهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي رواه السبط الجليل الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه: «من رأى سلطانًا جائرًا، مستحلًّا لحِرَم الله، ناكثًا بعهد الله، مخالفًا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيِّر عليه بقول ولا فعل؛كان حقًّا على الله أن يُدخله مدخله» (رواه الطبري في التاريخ وابن الاثير في الكامل وغيرهما)
ولا يسكتون عن واجب وجبت إذاعته، ولا يكتمون حكمًا شرعيًّا في قضية أو مشكلة، سواء تعلَّقت بشؤون الأمة أم بعلاقة الدولة أم بتصرفات حاكم من الحكام؛ لأنهم آمنوا بقول الله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ١٥٩) وبقوله سبحانه: (وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ ١٧٨) وقول بعض العلماء المشهود لهم بالخير كابن تيمية وابن القيِّم: «الساكت على الحق شيطان أخرس».
ذلكم هم العلماء الذين استحقوا هذه التسمية المباركة كما وصفهم الإسلام، وكما أرادهم الله لحمَلة كتابه ودينه، وكما ارتضاهم رسول الله ليكونوا ورثته في تبليغ رسالته إلى الناس.
العلماء الربانيون
العلماء ورثة الأنبياء هم الربانيون كما وصفهم القرآن الكريم، قال تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ ٧٩).
قال الرازي في تعريف الربانيين: «أن يكون الداعي له إلى جميع الأفعال طلب مرضاة الله، والصارف له عن كل الأفعال الهرب عن عقاب الله»[2] . وقال ابن عاشور: «كونوا منسوبين للرب، وهو الله تعالى، لأن النسب إلى الشيء إنما يكون لمزيد اختصاص المنسوب بالمنسوب إليه. ومعناه أن يكونوا مخلصين لله دون غيره – »[3]. وقال القرطبي في تفسير الآية: »والربانيُّون، واحدهم ربانيٌّ منسوب إلى الربَّ. والربانيُّ الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، وكأنه يقتدي بالرب سبحانه في تيسير الأمور. روي معناه عن ابن عباس. قال بعضهم: كان في الأصل رِبِيٌّ، فأُدخلت الألف والنون للمبالغة، كما يقال لعظيم اللحية لحياني، ولعظيم الجمة جماني، ولغليظ الرقبة رقباني. وقال المبرد: الربانيون أرباب العلم، واحدهم ربَّان، من قولهم : ربه يربه فهو ربان إذا دبره وأصلحه؛ فمعناه على هذا يدبِّرون أمور الناس ويصلحونها. والألف والنون للمبالغة كما قالوا ريان وعطشان، ثم ضمت إليها ياء النسبة كما قيل: لحياني ورقباني وجماني .
فمعنى الرباني العالم بدين الرب، الذي يعمل بعلمه؛ لأنه إذا لم يعمل بعلمه فليس بعالم. وقال مجاهد: الربانيُّون فوق الأحبار. قال النحاس: وهو قول حسن؛ لأن الأحبار هم العلماء. والربانيُّ الذي يجمع إلى العلم البصر بالسياسة، مأخوذ من قول العرب: رَبَّ أمر الناس يربه إذا أصلحه وقام به، فهو رابٌّ ورباني على التكثير. قال أبو عبيدة: سمعت عالـمًا يقول: الرباني العالم بالحلال والحرام والأمر والنهي، العارف بأنباء الأمة وما كان وما يكون. وقال محمد بن الحنفية يوم مات ابن عباس: «اليوم مات ربانيُّ هذه الأمة».
فما أحوجنا اليوم إلى العلماء الربانيين السياسيين الذين يعملون ليلًا ونهارًا لإصلاح حال الأمة وإخراجهم من الظلمات إلى النور. إنهم اليوم الذين يعملون لتطبيق الشريعة الإسلامية وتوحيد الأمة تحت ظل دولة الخلافة.
دور العلماء في حالة وجود الدولة الإسلامية
ففي حال وجود دولة إسلامية:
إن العلماء لهم دور كبير في إصلاح الحكام وتوجيههم إلى الحق، وأطرهم على الحق أطرًا، وقصرهم عليه قصرًا؛ لذا قال العلماء: الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك، وقال الشاعر:
إن الأكابر يحكمون على الورق وعلى الأكابر يحكمُ العلماءُ
حفلت الدولة الإسلامية في تاريخها الطويل بمآثر جليلة سجلها العلماء في مواقفهم الخالدة والفذَّة مع الحكام، تلك المواقف التي اتَّسمت بالصدق والجرأة والإخلاص لله ولدينه الحنيف؛ فكانوا نجومًا وضَّاءة يهتدي بها الحكام والمحكومون في ظلمات الحياة.
لقد أظهر العلماء في تلك العصور عزة الإسلام وأبانوا فيها حقيقة الشريعة الإسلامية الغرَّاء صافية نقية مكينة في صلابة موقفها من الحكام المنحرفين عنها ولو قيد أنملة، وفي معالجتها لجميع شؤون الدولة التي يرأسها الحكام ويخضع لسلطانها المحكومون كاشفين للعالم أجمع أثر صلابة الإيمان بالشريعة الغرَّاء في النوازل والخطوب متحمِّلين بصبر وشجاعة ما ينتج عن الجهر بكلمة الحقب عند سلطان جائر غير هيَّابين سلطان الحكم ولا قوة الدولة ولا صولة الجند. ولا غرابة في ذلك فهم أهل لهذه المواقف لأنهم حملة لواء الشريعة الإسلامية الحقيقيون.
إن الحكام الظالمين الذين تولَّوا أمر الإسلام حينًا من الدهر لم يستطيعوا البتة تسخير العلماء الأبرار لتنفيذ أهوائهم أو السير في طريقهم الـمِعوجِّ بالرغم من كل ما أوتوا من قوة بأس وشدة جبروت وتمكُّنٍ من النيل منهم… كيف لا يكون ذلك وقد نهى الله العلماء والمسلمين أن يركنوا اليهم لقوله تعالى: (وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ١١٣)؛ لذلك نجد منهم المحاسبين للحكَّام المنكِرين عليهم سوء أفعالهم وقبيح تصرفاتهم وفساد أقوالهم، كما نجد منهم الناصحين لهم الرافضين مِنَحَهم الصابرين على مِحَنِهم. ومنهم الساعون لهذه المواجهة مواجهة صريحة جريئة لا غموض فيها ولا كنايات ولا استعارات ولا تذبذب، وحيث لا يخافون في الله لومه لائم. وهاكم بعض الأمثلة على ذلكم:
– أخرج البخاري من طريق أبي سعيد الخدري قال: خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه فجبذني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله. فقال: أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم. فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. وفي لفظ الشافعي: يا أبا سعيد، تُرك الذي تعلم.
– لما سافر هارون الرشيد إلى المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وذهب إلى المسجد النبويِّ الشريف، فرأى الإمام مالكًا t يدرِّس العلم، فقال للإمام مالك: يا مالك، ما ضرَّ لو جئتنا لتدرس العلم لنا في بيتنا، فقال الإمام مالك: يا هارون، إن العلم لا يأتي؛ ولكنه يؤتى إليه، فقال له: صدقتَ يا إمام دار الهجرة، وسوف آتي إليك في المسجد، فقال له الإمام مالك: يا هارون، إذا جئتَنا متأخرًا، فلن أسمح لك أن تتخطَّى رقاب الناس في المسجد، فقال له هارون الرشيد: سمعًا وطاعة. وبينما كان الإمام مالك t يلقي درسًا بعد صلاة العصر دخل هارون الرشيد المسجد ودخل معه رجل ووضع الكرسي لهارون الرشيد، فنظر الإمام مالك إلى هارون الرشيد فوجده جالسًا على الكرسي في المسجد، فغيَّر مجرى الحديث، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن تواضع لله رفعه، ومن تكبَّر وضعه الله»، ففهِم هارون الرشيد المعنى، وأمر أن يُرفَع الكرسي من تحته، وجلس على الأرض كما يجلس الناس، وبعد ذلك دخل على الإمام مالك قبل سفرِه وأعطاه هدية، وقال له: يا مالك، خذ هذه الهدية، وكانت أربعمائة دينار، فقال له الإمام: أعفني يا أمير المؤمنين، أنا لا أستحق الصدقة، ولا أقبل الهدية، فقال له الرشيد: ولماذا لا تقبل الهدية، والنبي صلى الله عليه وسلم قبل الهدية؟ فقال له مالك: أنا لست نبيًّا، ثم قال له: خذ مالَك وتوكل على الله، وبعد ذلك دعا الرشيد الإمام مالكًا لزيارة بغداد عاصمة الخلافة العباسية آنذاك، فرفض الإمام مالك، وقال: والله، لا أرضى عن جوارِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بديلًا.
– كان في جيش ابن الأشعت العديد من العلماء والفقهاء، وحفظة كتاب الله، ممن خرج للجهاد ونصرة دين الله عز وجل، منهم سعيد بن جبير، وطلحة بن حبيب، ومجاهد بن جبر، والشعبي، وابن أبي ليلى، وعلماء الزمان، وأهم شيوخ العصر عامة، والعراق خاصة؛ فأعلن هؤلاء العلماء والقرَّاء دعمهم لابن الأشعت ضد الطاغية الحجاج، الذي فاقت جرائمه بحق المسلمين كل حدود، وكان لذلك الدعم المعنوي من جانب العلماء أثر كبير في قوة ثورة ابن الأشعت، فانضمَّ إليها الناس من كل مكان؛ فلقد كان الحجاج مبغوضًا من الجميع.
– كان لسلطان العلماء العز بن عبد السلام موقف عظيم يبدو عليه ملامح الصدق ونور الهدى، فقد خرج من بيت المقدس إلى مصر واستقبله السلطان نجم الدين أيوب وأحسن استقباله وجعله في مناصب ومسؤوليات كبيرة في الدولة، وكان السلطان رجلًا عفيفًا وشريفًا إلا أنه كان جبارًا مستبدًّا شديد الهيبة حتى إنه ما كان أحدٌ يستطيع أن يتكلم بحضـرته أبدًا ولا يشفع لأحد ولا يتكلم إلا جوابًا لسؤال… طلع الشيخ عز الدين بن عبد السلام إلى السلطان نجم الدين أيوب في يوم العيد إلى القلعة، فشاهد العساكر مصطفِّين بين يديه ومجلس المملكة، ووجد أن الناس يُقبِّلون الأرض بين يدي السلطان، فقام العز بن عبد السلام ونهر السلطان نهرًا شديدًا، وأنكر هذا الفعل من عموم الناس، وقال له: يا سلطان كيف تسمح أن تباع الخمور في البلاد؟ وبدأ يعدِّد المنكرات، وتكلم بقسوة وشدة، فقال له السلطان في النهاية: هذا أنا ما عملته، هذا عمله أبي قبلي، قال له السلطان العز بن عبد السلام: أنت ممن يقول الله فيه:(إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّقۡتَدُونَ) [الزخرف: 23] فقام السلطان وأصدر أمرًا في موقعه بإزالة جميع المنكرات التي تحدَّث عنها العز بن عبد السلام، وأمر بإغلاق الحانات، وأمر بعدم الخضوع بين يديه، وأمر بإزالة المنكرات. يقول الباجي: فسألت الشيخ لما جاء من عند السلطان، وقد شاع الخبر: يا سيدي كيف الحال؟ فقال: يا بني رأيته في تلك العظمة فأردت أن أهينه؛ لئلا تكبر نفسه فتؤذيه. قال الباجي: يا سيدي أما خفتَه؟ قال: والله يا بني، استحضرت هيبة الله فصار السلطان أمامي كالقط.
– وحمل ابن حزم الأندلسي على ملوك الطوائف بعنف، وبعباراته اللاذعة على استهتارهم بالدين والعقيدة، حتى قال عنهم في كتابه الشهير (نقط العروس في تواريخ الخلفاء):» واللهِ لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستعدون النصارى، فيمكنونهم من حُرم المسلمين وأبنائهم ورجالهم، يحملونهم أسارى إلى بلادهم، وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعًا فأخلوها من الإسلام، وعمروها بالنواقيس؛ لذلك كره ملوك الطوائف ابن حزم، وحرصوا على إبعاده عن أراضيهم، ونفيه من مكان لآخر، فقد كانوا يخافون من آرائه النقدية، وحملاته الفكرية على فضائحهم وجرائمهم، ولربما أحرقوا كتبه بمحضر عام من الناس.
– قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي وهذه كانت سيرة العلماء وعادتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلة مبالاتهم بسطوة السلاطين؛ ولكنهم اتكلوا على فضل الله تعالى أن حرسهم ورضوا بحكم الله تعالى أن يرزقهم الشهادة. فلما أخلصوا لله النية أن أثر كلامهم في القلوب القاسية فلينها وأزال قسوتها. وأما الآن وقد قيَّدت الأطماعُ ألسنَ العلماء فسكتوا، وإن تكلموا لم تساعد أقوالهم أحوالهم فلم ينجحوا، ولو صدقوا وقصدوا حق العلم لأفلحوا. ففساد الرعايا بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء، وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه، وما استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل، فكيف على الملوك والأكابر؟ والله المستعان على كل حال.
دور العلماء في حالة غياب الدولة الإسلامية
كان للعلماء دور كبير عند شغور الزمان من السلطان العام وخلوِّه من إمامة جامعة تلتقي عليها كلمة المسلمين، يقول الإمام الجويني: «فإذا شغر الزمان عن الإمام، وخلا عن سلطان ذي نجدة وكفاية ودراية، فالأمور موكولة إلى العلماء، وحق على الخلائق على اختلاف طبقاتهم أن يرجعوا إلى علمائهم، ويصدروا في جميع قضايا الولايات عن رأيهم، فإن فعلوا ذلك، فقد هُدوا إلى سواء السبيل، وصار علماء البلاد ولاة العباد» (الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم للإمام أبي المعالي الجويني إمام الحرمين)
هذا الدور الجوهري المؤثر المحرك هو الذي يخشاه ويتحاشاه النظام الدوليّ الذي تقوم مؤسساته وأنظمته على أساس مضادٍّ تمام المضادَّة لما في رأس هؤلاء العلماء؛ ومن ثمَّ فلا بد من وضعهم في (ثلاجات) تُحَوِّلُهم إلى مجرد أجساد، وتَحُولُ بينهم وبين دِفء التغيير وحرارة التأثير، وتقطع الصلة بينهم وبين الشعوب، ولا سيما الشباب الغَلَّاب الوَثَّاب؛ لنبقى هكذا أبدًا؛ يدور حالنا بين فقه مقيد أسير، ونضال بلا وعي، ولا منهجية في كل أفق يعن له ويجمح ويطير، ويظل علماؤنا بين شجب وشجب: شجب لعدو متجبر وشجب لشباب متعثر.
فليس من طريقة هذا الدين أن يترك المسلمون في لحظة من لحظات دهرهم فوضى لا سراة لهم، كيف وهو الدين الذي اشتمل على ما لا يقوم ولا يقام إلا بدولة. ففي حال عدم وجود دولة إسلامية: على المسلمين جميعًا وفي مقدمهم العلماء أن يعملوا لإقامة دولة إسلامية؛ لأن هذا العمل من أهم واجبات الدين كما قرره العلماء. قال الهيثمي في الصواعق المحرقة: واعلم أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أجمعوا أن نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوة واجب بل جعلوه أهم الواجبات. ولتحقيق هذ الواجب لا بد من مراعاة الأمور التالية :
– لايكفي أن يقوم به المسلمون منفردين من غير جماعة يلتفون حولها. فلا بد من وجود العمل الجماعي في جماعة واعية على هذا الواجب وما يتعلق به، وما لا يتم إلا به من دراسات النصوص الشرعية ذات العلاقة وتاريخ الأمة الإسلامية والواقع المحيط بها… هو واحب.
– هذا العمل يحتاج إلى العلم الشرعي، بمعنى أن ثقافة الجماعة وعملها هو أول ما يضطلع به العلماء فيها، فيضعون الأفكار الإسلامية ويستنبطون الأحكام الشرعية اللازمة للعمل. فالجماعة الواجب على المسلمين إيجادها لإقامة حكم الله يجب أن تقوم أولًا على العلم والعلماء.
– كسب العلماء وانضمامهم للدعوة، هو من أكبر عوامل نجاحها، فهم مفتاح قلوب المسلمين، فالعالم فرض عليه كما هو فرض على سائر المسلمين أن يعمل لإقامة حكم الله في الأرض. والعلماء هم أهل وزن بين الناس، وكلامهم معتبر جدًا. فلا بد من وضع العمل لكسب العلماء في صفوف حملة الدعوة في أعلى سلَّم الأولويات الدعوية.
إن الحكام قد أدركوا أهمية دور العالم، فكسبوا منهم العلماء كمؤيِّدين لهم ليستخدموهم وليكونوا تبعًا لهم وليفتوا بما يريدون. فكان في الأمة علماء السلاطين، علماء فسقة وحذَّر النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم بعدي كلُّ منافقٍ عليمُ اللسانِ» (مسند الإمام أحمد). وجاء أيضًا في حديث جابر بن كعب بن عجرة، أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لكعب بن عجرة: «أعاذك الله من إمارة السفهاء يا كعب، قال: وما إمارة السفهاء، قال: هم قومٌ بعدي، يهدون بغير هديي ويستنُّون بغير سنتي، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فقد برئوا مني وبرئت منهم ولم يردوا عليَّ الحوضِ، ومن لم يصدِّقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم، وَسَيَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ». فهذا الحديث يحذر المسلمين أن يكونوا وراء السلاطين وعلى أبوابهم. من هنا يتبيَّن أن دور العلماء دور خطر في الإسلام، وهذا الدور ينبغي على الدعوة أن تستفيد منه أكثر مما يستفيد منه هؤلاء الحكام الظلمة.
وفي الختام، أثبت العلماء من قبل أن وجودهم هو من أجل الإسلام وحده، وأنهم حقًّا ورثة الأنبياء. إن الإسلام اليوم يريد خصوصًا من معاشر العلماء وهم على مفترق الطرق أن يبذلوا أقصى الجهد ومنتهاه في بيان أحكامه بصراحة وجرأة، وحمل الدعوة إليه جاعلين وجودهم قائمًا على أساسه. فإذا كانوا لا ينصرون حقًّا، ولا يمنعون باطلًا، ولا يأمرون بمعروف ولا ينهَون عن منكر، ولا يحاسبون حكامًا ولا، ولا… فما فائدة وجودهم إذًا؟ أوليس بطن الأرض خيرًا لهم من ظهرها.
إن العلماء الذين قصروا تُجاه إسلامهم، وهُزموا في ساحة الصراع مع الكفر، عليهم أن يقتفوا أثر السلف الصالح من العلماء العاملين ليجعلوا من الفشل الذي حاق بهم نصرًا مبينًا؛ ليعيدوا إلى الإسلام سيرته الأولى باستئناف الحياة الإسلامية التي يُعزُّ بها الدين وعلماؤه وأتباعه، ويخذل بها الكفر وجنده وأنصاره.
إن صلاح هذه الأمة لا يتحقق إلا بوجود علماء ربَّانيين وخلفاء راشدين الذين يقودون الأمة نحو مجدها وكرامتها وعزها باستئناف الحياة الإسلامية. فما أحوجنا هذا اليوم إلى العلماء الذين يصلح بهم الناس إذا صلحوا ويفسدون إذا فسدوا.
2022-03-31