الهجرة النبوية كانت أعظم حدث كوني، ولا يدانيه إلا حدث مثله:
«إقامة الخلافة الراشدة الموعودة»
عبد الرؤوف بني عطا – أبو حذيفة
إن الله سبحانه وتعالى قد سنَّ للناس سنة ماضية لا تتخلَّف ولا تتبدَّل، وهي: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ) والأحداث الكونية التي تغيِّر مجرى حياة الناس ونمطَ عيشهم وثقافتهم هي أحداث نادرة الوقوع، وقد سمَّاها القرآن بإنشاء القرون، فقال سبحانه: (ثُمَّ أَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قُرُونًا ءَاخَرِينَ ٤٢ ) أي أممًا وخلائق كما ورد في تفسير ابن كثير.
ولو عدنا إلى حدث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرَّمة إلى المدينة المنوَّرة لوجدناه هو الحدث الأبرز إلى يوم الدين، ولن يدانيه إلا حدث مثله، وهو إقامة الخلافة الراشدة الموعودة في آخر الزمان، والتي يبعث فيها الدين من جديد، تمامًا على ما أُنزل يوم أُنزل على رسولنا الكريم.
لقد كان لليلة الهجرة قصتها المليئة بالدروس والعبر، كانت ليلة اجتمع فيها صناديد الكفر وهم عاقدو العزم على اغتيال دعوة الحق باغتيال صاحبها، انطلقوا وهم ماضو الإرادة على إطفاء نورها بقتل بدرها… اجتمعوا واجتمع معهم مكر الشيطان حتى يضيع دمه في قبائل البغي والظلم والجهل والتخلف كما تفعل أمريكا اليوم ومعها المجتمع الدولي في محاربة الإسلام عن طريق ما يسمى بالتحالف الدولي… ولكن أنَّى لهذه الجموع والأحلاف، مهما بلغت عددًا وعدة، ومهما تآمرت وأجرمت، أن تقف أمام سنَّة الله هذه في التغيير. فحدث الهجرة كانت تقف وراءه إرادة جبَّار السموات والأرض، وتعلَّق به تغيير كوني شامل طال بخيره العالم أجمع، وأراد الله سبحانه له أن يمضي إلى قيام الساعة، وهو الآن في حالة انقطاع. وكما أنه لم يستطع أن يوقف حركته وبلوغه هدفه زعماء قبائل جاهليون منتفِخون، ولا قطاع طرق مفسدون محاربون، ولا صائدو مكافآت مأفونون… وكذلك سيكون يوم عودة مثل يوم الهجرة، بعون الله وتوفيقه، وعدًا مفعولًا وقدرًا مقدورًا.
وتشاء إرادة الله سبحانه أن تتوهج لمعة الهجرة الكونية لتخطَفَ الأبصار، ولتُشرق الأرض بنور ربها وتنيرَ أبصارَ من عمي عليهم الحق ونُكِسوا على رؤوسهم، ولتمرَّ اللحظة وصاحبها بسلام من بين أيديهم تشق طريقها كأشهر لحظة كونية مرت بالعالم على مرِّ تاريخه… فسبحان خالق الكون، ربِّ العالمين… صانع لحظات تَغَيُّرِهم الحاسمة الفاصلة، فلم تمضِ إلا سويعات قليلة حتى سُمع هناك في يثرب، في طيبة الخير، أصداء خبر وصول البدر إلى ثنية وداعها، ولتصدحَ حناجر المؤمنين هاتفةَ للحدث ولصاحبه ودعوته أن “طلع البدر علينا من ثنيات الوداع، وجب الشكر علينا ما دعا لله داع، جئت شرَّفت المدينة، مرحبًا يا خير داع” ليحدثَ بعدها الاستخلاف والتمكين، وليحلَّ الأمن محل الخوف… وليتجمَّعَ الجميع حول صاحب الدعوة والدولة، وليسلموا (مهاجرون وأنصار) أمرهم له عن رضا، وكلهم إيمان بالله، وانتماء لدولة الإسلام الناشئة وطاعة لنبيِّها… الكل (مهاجرون وأنصار) يرحب بالرسول وصاحبه وهم متوشِّحون سيوفهم، جاهزون لحماية هذه الدعوة ورسولها. وحتى اليهود من أهل المدينة والمنافقون من مشركيها لم يخرجوا عن أجواء هذا الاحتفاء.
مع هذه الهجرة النبوية، وجدنا أنفسنا أمام مشهدية رائعة في سنة الصراع بين الحق والباطل: سيوف هناك في مكة تأهَّبت للقتل والإجهاز على الدعوة ورسولها من أجل حماية الكفر ونظامه. وسيوف هنا في المدينة تأهَّبت من أجل حماية رسالة الإسلام ورسولها عليه أفضلُ الصلاة وأتمُّ السلام… مؤامرة هناك في مكة حيكت لسفك دم الرسول من صناديد الأهل والعشيرة وغيرهم من الذين كفروا بدعوته فصاروا بيئة طاردة، واحتفالية وفرح هنا في يثرب بقدوم صاحب الدعوة، ليحلَّ على إخوة له مؤمنين به، ناصرين له ولدعوته، وليشكلوا له بيئة حاضنة حامية له من كل عادية. إن الهجرة النبوية كانت أعظم حدث كوني أرّخَ لبناء أعظم دولة لأعظم فكرة وأعظم أمة. إنها ذكرى فرض الله علينا أن نعيدَها من بعد ضياع، وأن يكون فينا ثلة خير من السابقين الآخرين الذين يتَّبعون السابقين الأولين بإحسان إلى يوم الدين.
نتذكر هذا الحدث وما سبقه وما رافقه من المعاناة والصبر على الأذى والتآمر، والخوف والرجاء والترقب؛ لنؤكد للجميع أننا على الدوام ننظر إلى هذا الحدث من زاوية جدُّ مختلفة، ولنتساءل معًا:
– إنه، ومن أول نزول القرآن، وفي سورة العلق تحديدًا، نزل ذكر الله الخالق للإنسان كإنسان بغض النظر عن عرقه أو لونه أو قومه أو أي اعتبار آخر، وذكر العلم والقلم والإكرام الذي يناله هذا الإنسان منهما وأولهما العلم بالله، وذكر الصراع بين الحق والباطل، وذكر الكافر الذي ينهى عن الخير والمؤمن الذي يأمر بالتقوى، وذكر المعاد والعذاب، وأمر المؤمن بأن يتقرب إلى الله بالسجود له سبحانه… فمن أول ما نزل من القرآن يفهم الإنسان أن هذه الدعوة هي له كإنسان.
– إن هذه الدعوة أتت لتكون تتمة للرسالات السابقة ولكنها بلون جديد يقوم على التوحيد، على عالمية الرسالة بعالمية النظام الذي جاءت به، والذي سار الرسول على طريق إرساء عالميته منذ خطواته الأولى، فها هو سلمان الفارسي، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي وأبو بكر العربي قد اجتمعوا عليها على السواء… أتت لتدعو أصحاب الدعوات الأخرى من يهودية ونصرانية ومجوسية وصابئة… ولم توفر واحدة منها… أتت لتعلن البراء من كل عرقية أو عصبية ولتحصر الولاء بما جاء به هذا الدين القيِّم…
– إن هذه الدعوة أتت لتستوعب أصحاب الأديان الأخرى، وتدرجهم في رعاية دولة الإسلام حين تركت أصحابها وما يعتقدون وما يعبدون، وتركت أمور أحوالهم الشخصية من زواج وطلاق ومأكل وملبس لهم بحسب أديانهم، على أن يكون النظام العام هو النظام الذي أنزله الله على رسوله، ولتتحقق بهذا عالمية النظام.
– إن هذه الدعوة قد أتت لتعلن أنها تحمل الدين الحق للبشر، وأن كل ما عداها هو الباطل إلى قيام الساعة، فهي كما رفضت وهاجمت أفكار الشرك والكفر السائدة في زمانها من عبادة الأصنام أو النجوم أو الدهريين الذين يقولون وما يهلكنا إلى الدهر… فهي على القياس كذلك ترفض ما يسمى اليوم بالديمقراطية والاشتراكية، وتلفظ دعوات الوطنية والقومية المنتنة، وتدعو على الدوام إلى عبادة الله الواحد الأحد القهَّار…
– إن هذه الدعوة سعت من أول خطواتها إلى إقامة دولة تحكم بهذا الدين، فهو صلى الله عليه وسلم القائل فيها لكفار قريش: “كلمة تعطونيها تحكمون بها العرب وتدين لكم بها العجم”، وهو الذي طلب النصرة لإقامة الدولة، والتي تأكَّدت قريش بطلبه لها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو لإقامة دولة؛ لذلك حاربتها من هذه الزاوية محاربة شديدة وأعلنت النفير عليها، واجتمعت على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم لمنعها؛ ولكن الله غالب على أمره، فكانت ثمرتها بإقامتها في المدينة…
– إن الدولة التي أوجدها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة إنما وجدت لتدوم لأنها تعلَّقت بها أحكام شرعية وأنظمة حياة، بامتثالها وطاعتها تتم عبادة الله، ومتى انقطعت انقطع معها حبل العبادة ووجب استئنافها. وبتعطُّلها تتعطَّل كل الأحكام الشرعية المنوطة بها، وبإيجادها تعود للتطبيق، وبغيابها تتحوَّل طريقة تطبيق الدين من دين عالمي إلى دين فردي شبيه بدين اليهود والنصارى. وهذا قبوله والسكوت عنه إثمه عظيم ما بعده إثم، وفي عدم العمل لعودته واستئنافه غضب من الله على القاعدين ما بعده غضب.
– إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اعتمد على مبدئية الدعوة وصدق المواقف من أول خطواتها حتى منتهاها للوصول إلى تحقيق هدفه. فهو عليه الصلاة والسلام لم يقبل المساومة عليها، ورفض عرض قريش له بأن يكون سيدهم، وأن يجعلوه أغناهم مقابل أن يتخلَّى عن دعوته، ورفض أن يساوم على الحكم عندما رفض عرض بنو صعصعة أن يكون الأمر أي الحكم لهم من بعده، مع أنه كان في أكثر الأوضاع شدة عليه وعلى صحابته وعلى دعوته… وهذه المبدئية نحن أحوج ما نكون إليها اليوم فنرفض معها كل ما يلبس الحق بالباطل، ونرفض معها كل إشراك لغير الله في إقامة الدولة والحكم بما أنزل الله؛ فنرفض فكرة التدرج وما فيها من قبول لغير حكم الله، ونرفض فكرة المشاركة في الحكم مع أنظمة الكفر وما فيها من تحاكم لغير شرع الله، ونرفض كل مقولات الغرب في محاولاته الحثيثة لتمييع الإسلام من مثل مقولة “خذ وطالب” و”ما لا يدرك كلُّه لا يترك جلُّه” ونرفض مقولة الديمقراطية وتفسيرها ظلمًا وعدوانًا بالشورى؛ إذ إن قبول مثل تلك المقولات إنما تنمُّ عن ضعف في الإيمان، وضعف في التفكير، وضعف في الفهم، وضعف في الالتزام… مرده التأثر بالغرب. فالرسول صلى الله عليه وسلم نهانا أن نأخذ شيئًا مهما كان يسيرًا من خارجها، فعن جابر بن عبدالله أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب، فقرأه النبي صلى الله عليه وسلم فغضب فقال: «أمتهوِّكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو باطل فتصدقوا به. والذي نفسي بيده لو أن موسى – صلى الله عليه وسلم – كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني». بل علينا أن نحافظ على هذه الدعوة نقية صافية كما جاء بها رسولنا الأكرم, ففي حديث رواه ابن ماجه عن العرباض بن سارية قال: وعظَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع. فماذا تعهد إلينا؟ قال: «قد تركتُكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن عبدًا حبشيًّا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قِيد انقاد.”
– إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أصابته أشواك الدعوة كما أصابت أصحابه ليكون لهم وللمسلمين حتى قيام الساعة المثل والقدوة والأسوة الحسنة، فلم تقم الدولة بتدخل رباني مباشر بعيدًا عن مشاقِّ التكليف، ولم يتم في قيامها إهلاك الأقوام المناوئة والرافضة والمحاربة بنوازل من عند الله لا تبقي على أحد منهم، بل على العكس من ذلك، فقد حدثت فيها معارك وغزوات دالت على الكفار والمسلمين على السواء، حتى هلك الصناديد وآمنت بقية الناس ومنهم أبناء هؤلاء الصناديد وذراريهم… لقد قامت بشكل يجعل العمل لإقامتها متاحًا في كل زمان، ويتطلب أن تبذل له الجهود ويصبر عليه الصبر الجميل في الله، ويذاق في سبيلها البأساء والضرَّاء، كما هو حالنا اليوم؛ حتى تقوم كما قامت من قبل.
– إن هذه الدعوة أحيت الموات؛ فهي قامت في جزيرة العرب البعيدة عن مفهوم الحضارة، ومفهوم الدولة، والضاربة في العرقية والعصبية والرق والعبودية، والراتعة في ظلمات الأمية والجاهلية…
– إن هذه الدعوة لم تسيطر عليها فكرة الغلبة على الآخرين، ولا فكرة استغلالهم، ولا التنقُّص منهم… بل كان دأبها نشر هذا الدين وإدخال الناس فيه عن طريق إزالة أي عائق يحول دون اختيار هذا الدين عن طواعية واقتناع، ولهذا كانت الأكثر قبولًا وانتشارًا، وسيبقى كذلك إلى يوم الدين.
وهكذا نجد أن الدعوة في مكة بما أظهرته من مبدئية، وصبر على الأذى، ومن حرص على هداية الآخرين، وعدم الدعوة إلى الانتقام بعد ظهور الدين… وباعتمادها فقط على سلاح الحجة البالغة والكلمة الطيبة والدعوة الصادقة، وعدم الدعوة إلى استعمال السلاح في نشر الدعوة في مكة لإقامة الدولة، فلم تَسلِ الدماء، ولم تنتشر الأحقاد، ولم تنتشر ثقافة الانتقام… وكل ذلك لأن الإسلام هو دين هداية، والدولة دولة رعاية. والمسلم أحب إلى نفسه أن يهدي الناس من أن ينتقم لنفسه منهم… وهكذا نرى أن علائم المبدئية ظهرت على دعوة الرسول في مكة بشكل لافت، وكان من علائم نجاح الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته العالمية أنه خرَّج رجال دولة على غير نظير في القيادة، مؤهلين لهذه المهمة العالمية، فكانت مرحلة مكة مرحلة غرس الإيمان والتطلع لحمل الدعوة إلى الناس كافة، وكانت مرحلة المدينة هي المرحلة العملية لنشر الإسلام عالميًا، وكانت الدولة الإسلامية هي الآصرة التي تطبِّق الإسلام وتحافظ عليه وتحمله وتنشره: عقيدةً ونظامَ حياة.
نعم، لقد غير يوم الهجرة واقع الناس؛ فها هم المهاجرون صارت لهم دار تسمى دار الهجرة، وصار اسم أهل المكان الأصليين الأنصار، وصار اسم “يثرب” “المدينة” و”طيبة الخير”… أسماء كلها دلالات على كيان جديد صهر المهاجرين الوافدين مع الأنصار أهل البلد في بوتقة واحدة بلا وثائق تميزهم عن بعضهم بأن هذا وافد وهذا مواطن، فالكل مسلمون يحملون وثيقة “الشهادتين” ويتفاضلون بالتقوى.
أيها المسلمون، إننا في حزب التحرير، نعلن لكم أننا نحمل الدعوة ذاتها التي جاء بها رسولنا الكريم، وسرنا وما زلنا على الطريقة ذاتها التي سار عليها صلى الله عليه وسلم، مؤمنين بأنها الطريقة الوحيدة التي سنتمكن بها من بناء دولة الإسلام كما بناها عليه الصلاة والسلام أول الأمر، متسلِّحين بسلاح الفكر والحجة وطلب النصرة ذاته لنحصد النتيجة ذاتها فنقيم دولة الإسلام بالمسلمين وفيهم؛ لتعود العزة لله ولرسوله وللمؤمنين في الأرض. وإننا لنبعث في دعوتنا نفس الألفاظ ودلالاتها: طريقة الرسول في حمل الدعوة، وطلب النصرة، ودار الهجرة أي دار الإسلام، والخلافة الراشدة على منهاج النبوَّة، والحكم بما أنزل الله، وإظهار الدين على الدين كله…
إن الدعوة إلى إقامة الخلافة الراشدة هي بمثابة إعلان عن حياة جديدة يرعاها نظام عالمي جديد بكل تفاصيله؟ هو نظام الإسلام، فلنكن من شهودها وجنودها وعمَّارها وأئمتها، ولنجعل من الهجرة مناسبة لهجر أنظمة الكفر وأئمته وأوليائه، وإقامة أمر الله وإظهاره على الدين كله.
لقد مضى قرن على الأمة من دون خلافة، وسيمر قرن آخر غيره إن لم تسلك الأمة طريق رسولها، وقادة الغرب يخشون أشد الخشية من أن يأتي يوم على المسلمين مثل يوم الهجرة؛ لأنهم يعلمون أن سيستأصل شأفتهم؛ لذلك نراهم يكيدون لهذه الدعوة حتى لا تصل إلى مبتغاها، ونحن علينا أن نعمل ببصر وبصيرة وصبر ونعلم أن الجنة هي سلعة الله الغالية. وعلينا أن نرفق بأمتنا فهي وإن كانت غائبة عن الوعي بفعل الكافر المستعمر وأعوانه، إلا أن هذا الغياب مفتعل وعارض ويمكن إزالته بتحري الصواب وإخلاص العمل لله وحده. وبالصبر حتى يقضي الله أمر الخير فيها فتقوم “خلافة راشدة على منهاج النبوة” وتتحقق البشرى.
وفي الختام، نتوجه إلى المسلمين كافة برسالة ندعوهم فيها إلى قراءة سيرة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لتطلعوا على الطريقة الشرعية لإقامة دين الله ودولة الإسلام، ومن ثم الاطلاع على منهج حزب التحرير الذي فصَّل فيه لمشروع نهضة الأمة ببناء دولة الخلافة على منهاج النبوة، حتى يتَّبع من يتَّبع عن بيِّنة، لافتين إلى أمر في غاية الأهمية ألا وهو أن الأمر كله بيد الله، فلا قيام لأي مشروع بدون إذنه وتوفيقه، فنسأله تعالى أن نكون أهلًا للنصر والتمكين. ولأن غايتنا بناء دولة الخلافة لاستئناف الحياة الإسلامية بكل تفاصيلها بنظام الإسلام، فليست الفكرة في استعجال الإعلان عن قيام الدولة بقدر ما هو الإعلان عن قيام دولة إسلامية قادرة على الحكم بما أنزل الله حقيقة. فنحن نقدر لهذا الحدث الكوني قدره الذي يستحقه، ونصل الليل بالنهار في عمل دؤوب هادف مثمر بإذن الله تعالى، نملأ به جنبات بلادنا الإسلامية، فنحن حزب سياسي محترف ولسنا هواة مغامرين نجرب أفكارنا في حياة الناس، بل نعمل وفق رؤية ومنهج شرعي مستوحى من كتاب الله وسنة رسوله، نعمل ونحن مطمئنون إلى أن الأمر لله وأنه سبحانه متمُّ هذا الأمر ولو بعد حين، نراه بإيماننا رأي العين… فاللهَ نرجو أن يعجِّل لنا بالنصر والتمكين؛ فيُفرج عن هذا الحدث الكوني عما قريب؛ لنعيش والمسلمين أجواء هذه اللحظات؛ فتشرق الأرض بنور ربها، ويتحقق فينا معنى الهجرة إلى الله وشريعته؛ فتهاجر أمتنا إلى رضوان الله وتخلع وتهجر كل أنظمة الكفر؛ فيتجلَّى في حركة حياتنا معنى أن لا إله إلا الله، وأن الله أكبر… وعلى الله قصد السبيل.