سؤال وجواب: الإضراب إخلال بعَقد إجَارة شَرعي وَهو حَرام
1987/12/30م
المقالات
3,439 زيارة
تتوارد الأسئلة على أسرة التحرير. ولعل القارئ يلاحظ – كما لاحظنا – أن الأسئلة إنما تنطلق من الواقع العملي، وتخص واقع الحالة الاقتصادية في لبنان في الآونة الأخيرة. وهذا دليل على أن الأسئلة إنما يقصد بها العمل والالتزام بالإسلام. وهذه طائفة من الأسئلة تقدّم بها القارئان الموقعان
رئبال – ح وعبد الرحمن – ن من بيروت – لبنان
الإضراب إخلال بعَقد إجَارة شَرعي وَهو حَرام
س1: الإضراب، ما حكمه في الشرع الإسلامي؟
ج1: نحن نفترض أن السائل لا يسأل عن الإضراب مطلقاً، بل هو يسأل عن إضراب معيّن. إذاً فلن نتكلم عن الإضراب عن الطعام، ولا عن إضراب المرء عن الأعمال الخاصة به، كإيقاف أعماله، بل سنتكلم عن إضراب الموظف (الأجير) عن القيام بمهام وظيفته التي تعاقد عليها مع صاحب العمل.
(لقد اتفق العلماء على أن عقد الإجارة من العقود اللازمة). والعقد اللازم هو الذي لا يحق لأي واحد من العاقدّيْن أن يفسخه من طرف واحد، ولا يحق لأي منهما أن يُخِلّ به. وهذه الإجارة سواء تمت مع أجير عامّ كالخياط الذي يخيط لسائر الناس، أو مع أجير خاص كالموظف عند رب عمل معين، هذه الإجارة ما دامت عقداً وقد تمت بموجب أركانها وشروطها الشرعية فلا يحل لأحد يخلّ بها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). فكما لا يجوز لصاحب العمل أن ينقُض العقد أو يعدِّله من طرف واحد، كذلك لا يجوز للعامل أن ينقض العقد أو يبدّله أو يمتنع عن الوفاء ببعض جوانبه.
وإضراب معلمي المدارس وإضراب العمال هو إخلال بالعقد، (وهو حرام).
رُبَّ قائل يقول: إن القانون المعمول به في البلد يسمح بالإضراب إذا أحسّ العامل بالإجحاف. والجواب على ذلك هو أن القانون المعمول به ليس قانوناً شرعياً، بل هو من أنظمة الكفر الغربية. فإذا كانت الأنظمة الرأسمالية تسمح بالإضراب، والشرع الإسلامي يحرّم الإضراب، فما على المسلم إلا أن ينجو بنفسه وأهله من الحرام إلى شرع الله الحلال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).
ورُبَّ قائل يقول: هؤلاء المعلمون والعمال مظلومون. نقول: نعم مظلومون. وها هم أضربوا لرفع الظلم عنهم، فهل حُلَّت مشكلتهم، كلا. ولن تُحلَّ ما دام هذا النظام مفروضاً عليهم. والدواء الناجع يجدونه في قوله تعالى: (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا).
النظام الرأسمالي يظلم العمال، فابتدع العمال في بلاد الغرب في ظل هذا النظام الإضراب عن العمل كوسيلة ضغط على الرأسمالي صاحب العمل، بتعطيل أعماله، وإنقاص أرباحه، كي يوافق على إعطاء العمال حقوقهم. ثم رأت الحكومات في النظام الرأسمالي أن تسنّ قوانين تنشأ بموجبها النقابات، وتسمح بالإضرابات في حالات معينة، وذلك كترقيع للنظام الرأسمالي المهتريء. والبلاد الإسلامية كلها، ومن ضمنها لبنان، تخلت عن أنظمة الشرع الإسلامي بسبب انحطاط المسلمين وجهلهم، وبسبب خضوعهم للاستعمار والانتداب الغربي، وبسبب كون الحكام الذين بيدهم الأمر، والذين يسنّون القوانين هم من عملاء الغرب الذين يحملون الولاء للغرب ولأفكار الغرب، ويحملون العداء لشرع الإسلام وعقيدة الإسلام. فصار المسلمون يقلدون الغربيين تقليداً أعمى. فرأيناهم يحتجون على إسرائيل أو على أميركا بالإضراب (أي بتعطيل أعمالهم وليس بتعطيل أعمال إسرائيل). إنه سفاهة وانحطاط. والأمل معقود على هذا الجيل الذي تسري في عروقه دماء الإسلام الحارة، والتي ستجرف نظام الكفر وأهله، وتحل محله النظام الذي هو رحمة للعالمين.
س2: نسمع كثيراً من الناس يقولون بأن التجارة بالدولار حرام. فهل هذا صحيح؟
ج2: الدولار هو أحد أنواع العملات الرائجة في العالم. ومثل الدولار هناك عملات كثيرة، مثل الفرنك والمارك والين والإسترليني والريال والدينار والدرهم وغيرها. هذه العملات يحل للمسلم أن يشتريها أو يبيعها بالعملة اللبنانية أو بغيرها. وشراء النقود بنقود هو (الصرف). والصرف هو نوع من أنواع البيع، فيجب أن تتوفر فيه أركان البيع وشروط البيع مضافاً إليها شروط إضافية. هذه الشروط الإضافية وردت في النصوص المتعلقة ببيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، أو ببيع أحدهما بالآخر. وهذه النصوص شملت أيضاً بيع القمح بالقمح، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح أي المواد الربوية. ولكن بيع القمح بالقمح، لا يسمى صرفاً فلا يدخل في بحثنا، وكذلك بيع الشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح كلها لها شروط زيادة على شروط البيع العادي، ولكنها ليست من الصرف. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبُرّ بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد».
فإذا كان البيع ذهباً بذهب (يشترط فيه أن يكون الوزن متساوياً، ولو كان بعض الذهب جديداً وبعضه قديماً أو مكسراً؛ أو بعضه مسكوكاً وبعضه غير مسكوك. والواقع أن هذا لا يحصل عند تجار الذهب، بل هم يشترون الذهب بنقود غير ذهبية، ويبيعون بنقود غير ذهبية ولكن بسعر أعلى من سعر الشراء. وكذلك شأن الفضّة بالفضة).
ويشترط أن يكون البيع حالاً، فلا يصح في الصرف بيع السِّلم ولا أي نوع من أنواع التأجيل.
(ويشترط أن يجري التقابض من الطرفين في المجلس)، فإذا تفرقا دون تقابض من أحدهما أو من كليهما بطل البيع. ولا يوجد في الصرف خيار الشرط الموجود في البيع العادي.
فإذا كان بيع ذهب بفضة فلا يبقى لزوم للشرط الأول وهو تساوي الأوزان، أما الشرط الثاني وهو أن يكون البيع حالاً، والشرط الثالث هو التقابض من الطرفين في المجلس فإنهما حتميان.
والدولار والعملات الأخرى المتداولة اليوم ليست في واقعها ذهباً ولا فضة، ولا هي نائبة عن الذهب أو الفضة، ولذلك فإن جمهور الأئمة اعتبروها مثل سائر عروض التجارة التي تخضع لشروط البيع العادي فقط ولا تخضع لشروط الصرف. وهناك بعض المجتهدين استدلوا على أن هذه العملات تأخذ حكم الذهب والفضة من كل النواحي النقدية ومنها ناحية الصرف. وهذا هو الفهم الأرجح وإن كان مخالفاً لرأي الجمهور، لأن الرأي يتّبع قوة الدليل وليس الأكثرية. وبناء على ذلك فلو أردنا صرف ورقة مائة دولار مثلاً بخمس ورقات من فئة عشرين دولاراً فيجب أن تتوفر شروط الصرف الثلاثة: (المماثلة والحلول والتقابض). أما إذا أردنا أن نشتري دولارات بعملة لبنانية مثلاً، فلا محل لشرط المماثلة، ولكن لا بد من توفر شرطي الحلول والتقابض، وإلا كانت عملية الصرف باطلة لأنها تكون داخلة تحت النهي. (وكل عقد باطل يحرُمُ الإقدام عليه).
(ولذلك فإن التجارة بالدولار وبغيره من العملات هي عمل مباح إذا كانت مقيدة بأحكامها الشرعية).
هناك فئتان من الناس تنهيان عن تحويل العملة اللبنانية إلى عملات أخرى. إحدى هاتين الفئتين هي جاهلة بأحكام الشرع وجاهلة بالواقع. والفئة الأخرى هي فئة خبيثة تحاول تضليل البسطاء لأكل أموالهم. وهذه الفئة الخبيثة تشمل رجال الدولة الذين بيدهم البنك المركزي، وأصحاب البنوك الأخرى التي فيها ودائع مسجلة لأصحابها بالعملة اللبنانية.
وأمام فتاوى الجهلاء وتضليل الخبثاء، ترك البسطاء مدخراتهم بالعملة اللبنانية التي صارت تذوب وتتضاءل حتى تبخّر أكثر من 99% من قيمتها.
وهناك من يقول: سنُّ القوانين يعيد لليرة قيمتها، وكأن سنَّ القوانين يمطر ذهباً!
وهناك من يقول: بيعوا قسماً من الذهب، فيرد عليه آخر: كلا، لا تمسوا الذهب، بل لتسترجع الدولة المرافئ والمرافق من الميليشيات، وبذلك تستطيع دعم الليرة.
وهناك من يقول: لتجتمع الحكومة أو فليقبل رئيس الجمهورية استقالتها وليشكِّل حكومة غيرها تجتمع، ومجرد اجتماعها يكون عصاً سحرية تحل المشاكل وتدعم الليرة وتطعم الناس سمناً وعسلاً.
لقد آن لكم يا أهل لبنان أن تفهموا أن لبنان ليس دولة ولا يملك مقومات الدولة، ليس اليوم فقط، بل مذ كان لبنان، فهو إمَّا محمية أو مجموعة محميات. ورئيسه لا يجرؤ على إقالة حكومة، بل حتى لا يجرؤ على قبول استقالتها.
الحل أن يُعاد هذا الجزء الذي قطع عن أصله وسمي لبنان، وسمي زوراً باسم دولة، أن يعاد إلى أصله، وان يعاد هو وأصله إلى الحكم بالشريعة السمحة التي أنزلها الله رحمة للعالمين. فالمشكلة ليست في تجارة الدولار، بل هي في البعد عن رحمة الله.
1987-12-30