بسم الله الرحمن الرحيم
النموذج الأردوغاني أمل بالخلاص أم بارقة أمل مزيفة!
احتفل كثير من العرب والمسلمين بفوز أردوغان برئاسة تركيا، وهو إحساس تلقائي ينم عن مشاعر صادقة من قبل هؤلاء تجاه قضايا الأمة وحرقتهم على مُصاب المسلمين. ويرجع هذا في جله إلى وحشية ممارسات وسياسات شياطين الإنس من حكام العرب بحقها، ما جعل أية مقارنة بهم لصالح أردوغان قطعاً، لا سيما أن شعوب أمتنا تشعر بحال من اليتم، تحتاج معه إلى من يحنو عليها. لذلك، فإنه كلما برقت بارقة أمل ظنت أن القدر يبتسم لها وأنها على موعد مع الخلاص. وكأن خياراتها تنحصر في أن يحكمها طاغية يشردها ويجوعها ويضطهدها ويذيقها الأمرين أو أن يحكمها سياسي وصولي انتهازي يمثل عليها ويستغلها في معاركه الانتخابية وصراعاته مع خصومه على السلطة.
إن المتابع لظاهرة أردوغان بعمق يجد أنها ليست نموذجا أخلاقيا يحتذى، فهو سياسي براغماتي همه الأول حيازة السلطة والمحافظة عليها، وغاية نموذجه ترسيخ النظام العلماني بمسحة مشاعر دينية، بل وتعميمه على المنطقة إن أمكن، بدليل ذهابه إلى مصر غداة تحررها من حكم مبارك «مبشراً» أهلها بأن العلمانية هي الحل، وأنه يجب عليهم أن لا يعادوها أو يخافوها. كما عقد لقاءات وصفقات واتفاقيات مع إيران التي دعمت الأسد وشاركته اقتراف أبشع الجرائم بحق أهل الشام، بعد أن غرر بهم بوعود عرقوبية (إبان انطلاق ثورتهم)، وذلك بتعهده بعدم سماح تركيا للنظام السوري بارتكاب مجازر بحقهم مرة أخرى بعد جرائم الأسد الأب في الثمانينات، ثم خذلهم بكل بساطة وتركهم للنظام يذبحهم ويعتقلهم ويشردهم. كما كان يفترض به خلال 4 سنوات من معاناة الأهالي أن يقدم للمدافعين عنهم صواريخ (ولو عدداً قليلاً منها) مضادة لطائرات الأسد التي حولت ببراميلها المتفجرة مدن سوريا خراباً، عوضاً عن ذلك باعهم شتائم لبشار وذرف لهم الدموع، ونصب لهم مخيمات اللجوء والتشريد (التي يتباهى بها)، غافلاً أن ما قدمه لهم لا يصل إلى مستوى أقل دول الاتحاد الأوروبي (التي يسعى بكل قوة للانضمام لها). ناهيك عن موقفه من غزة، فهو يسكب الدموع على أطفالها ولا ينسى شتم حكومة الإجرام (الإٍسرائيلية)، فيما العلاقات الدبلوماسية مع (إسرائيل) كاملة، بل ويُباح لـ(الإسرائيليين) الدخول إلى تركيا من غير داعٍ لأي تأشيرة مسبقة فيما تفرض على أهل فلسطين اليتيمة. فيما تتفاعل دول أميركا اللاتينية مع غزة بحس إنساني رفيع مع أنها في أقصى الدنيا مقارنة بتركيا الجارة المسلمة التي يرأسها أردوغان. إن غزة بحاجة من تركيا أكثر بكثير من دموع أردوغان وتصريحاته، التي يتخللها بين الفينة والأخرى محاولات ذميمة لدفع عملية بيع فلسطين باسم التسوية الأممية التي تقودها أميركا والتي ترسخ كيان يهود فيها.
كما لا بد من التذكير بموقفه إبان ثورة الناس على طاغية ليبيا، حيث سارع أردوغان إلى ممالأته وإلى تهدئتهم والدعوة إلى إجراء تسوية مع القذافي خشية على استثمارات الشركات التركية في ليبيا! غير عابئ بليبيا ولا بمعاناة أهلها ولا بطغيان القذافي ووحشيته ودمويته. فأين الإٍسلام من كل هذا وغيره، بل أين أردوغان من الحكم بالإسلام وتحكيمه وجعله أساساً للنظام السياسي والاجتماعي والتعليمي والاقتصادي والأخلاقي للدولة والمجتمع والأفراد والأمة!؟ ما يؤكد أن هم أردوغان الحقيقي منصب على ما يخدم أجندته الخاصة، وعلى ما يرسخ علمانية الدولة أكثر ويجعل تجربته «الناجحة اقتصادياً» ذريعة لتعميمها بين المسلمين، كأنهم أمة عابرة أو شاردة ليس عندهم رسول ولا رسالة تحدد لهم طريقة عيشهم ونظام حكمهم!.