الأزمة المالية في لبنان: معالجاتها المتداوَلة تزيدها غرقًا، ولا حل لها إلا بنظام دولة الخلافة
2020/06/30م
المقالات, كلمات الأعداد
2,833 زيارة
لقد بدأت رحلة الاقتراض في لبنان مع رفيق الحريري الذي جاء إلى الحكم عقب انتهاء الحرب الأهلية، وتوقيع اتفاق الطائف، وكانت استراتيجيته قائمة على جعل لبنان بلد خدمات على غرار (هونغ كونغ)، فبدأ بعملية اقتراض واسعة للقيام بعملية إعمار ما خربته الحرب، وتهيئة البنية التحتية لمشروعه القائم على السياحة والتمويل والعقارات والبناء، وفي الوقت نفسه لم يكن هذا الاقتراض ليحقق شيئًا على سبيل التنمية في البلاد، بل كان وراءه فساد وهدر ونهب للأموال اشتركت فيها كل الطبقة السياسية في البلد من غير استثناء، كل على طريقته… ومع أن هذا المشروع توقف مع اغتياله، ولكن عملية الاقتراض استمرت ولم تتوقف، وأوصل استمرارها هذا البلد الصغير إلى ديون مركبة الفوائد بلغت حوالى المئة مليار دولار، لم يستفد منها أهل لبنان بشيء؛ فلا كهرباء، ولا ماء، ولا بنى تحتية، ولا طرق معبدة… كما يجب، بل جيوب منتفخة للسياسيين ومحسوبيهم ومحازبيهم وأنصارهم. وديون مرتفعة على الناس، وهذه الديون وضعت لبنان في مقدمة الدول الـمَدينة في العالم بالنسبة إلى عدد سكانه وإلى حجم الناتج المحلي. ومع استمرار الطبقة السياسية بالفساد والهدر والنهب، وتضخم هذه الديون بفعل العجز عن تأمين خدمتها ودفع فوائدها اضطر لبنان مؤخرًا إلى إعلان عجزه رسميًا عن دفع مستحقات ديونه للجهات الدائنة بالدولار، وهو يلجأ الآن إلى صندوق النقد الدولي للاستدانة منه وعلى شروطه.
بيد أن خدمة هذه الديون التي كانت تزداد باضطراد، كان لبنان يدفعها سنويًا من ماليته العامة التي يجبيها من جيوب الناس؛ وهذا ما أدى إلى إرهاق الخزينة وحرمان الناس من تقديم فرص عمل لهم وتوفير الخدمات على كل صعيد، وكانت النتيجة المؤلمة: تضخم الديون لدرجة العجز عن سداد خدمتها، وتفاقم الوضع المعيشي والخدماتي للناس على مختلف الصعد. وكان يرافق هذا الوضع المالي والاقتصادي السيئ أحاديث الناس عن فساد الطبقة السياسية برمتها وعن صفقات السمسرة والنهب والهدر التي يقومون بها، والذين كانوا يفضحون بعضهم بعضًا في محاولةٍ من كل فريق منهم لإبعاد نفسه عن التهمة وإلصاقها بغيره. وأوضح مثال على ذلك كان ملف الكهرباء الذي يشترك الجميع في جريمته. فالكهرباء، فإنها فوق كونها لا تصل إلى المواطن بانتظام، فإن الدولة تدفع وما زالت سنويًا ثمن الفيول أكثر من ملياري دولار لتغطية دعمها لهذا القطاع، وهذا وحده شكل عبئًا على الخزينة والدين العام بعشرات المليارات، والسبب في عدم حل هذه المشكلة وتأمين الكهرباء 24/24 كان تنفُّع السياسيين ومحسوبيهم من هذا الملف السمين على مدى عقود من السنين… فهل يعقل أن يكلف ملف كملف الكهرباء في بلد صغير عشرات المليارات من الدولارات من الديون إلا أن يكون ذلك عن سابق إرادة وتصميم؟! فهذا مثال يبين بكل وضوح كيف أن الطبقة الحاكمة تتنعم على حساب فقر الناس وحرمانهم من أبسط أمور حياتهم. ومثل ملف الكهرباء ملف الاتصالات وملف الأملاك العامة، وغيرها الكثير من الملفات التي تغرق فيها الطبقة السياسية بالفساد والهدر والنهب حتى شوشة رأسها.
وعندما نقول الطبقة السياسية الحاكمة فإنه لا يقصد بهم من هم في الحكم اليوم، بل كذلك من هم خارج الحكم؛ فكل منهم مشارك في الجريمة، متورط في الفساد والاختلاس، وكل فريق منهم يحمل ملفات فساد وهدر ونهب على غيره، ويهددون بعضهم بعضًا بها، على طريقة (إن كشفتَني كشفتُك) وكل فريق من هؤلاء يحمي نفسه بطائفته أمام الطوائف الأخرى، وبمناصريه أمام خصومه من نفس الطائفة، ويعمل على تجييشهم لمصلحته إن أحسَّ بالخطر. وكل فريق من هؤلاء يُظهر نفسه في الإعلام أنه هو الصالح الذي يملك ناصية الإصلاح والآخر هو الفاسد، وبالرغم من كل الاتهامات المتبادلة بينهم لم تسر أي قضية فساد في طريق التحقيق والكشف والإدانة! لماذا؟ بكل بساطة لأن القضاء مسيَّس، والقضاة لا يصلون إلى مراكزهم إلا بدعم من هذه الطبقة السياسية أو تلك. وحتى الأمن فإن تعييناته مصنفة طائفيًا وتابعة سياسيًا لزعمائه؛ فلذلك تحدث الاختلالات الأمنية ولا يعلن عن كشف واحدة منها، من باب أن جعبة كل طرف أمني مليئة باختلالات أمنية محسوبة على الطرف الآخر… وهكذا.
هذا الضغط المادي الذي يتألم منه الناس، وهذه الصورة عن السياسيين، دفعتهم إلى النزول إلى الشارع فيما يشبه الثورة على الطبقة السياسية برمتها متهمين إياها أنها هي وراء هذه الأوضاع المتردية بامتياز…
وعندما نقول إن كل أركان الحكم في لبنان مشارك في جريمة الفساد والنهب فإن ذلك يشمل فيما يشمل حزب إيران الذي له قصة أخرى؛ ولكنه في النهاية هو مشارك فيها. وبيان ذلك أن هذا الحزب يعتقد ويتبنى استراتيجية هي على النقيض من استراتيجية الحريري، وهي استراتيجية يطلق عليها استراتيجية (هانوي) في مقابل استراتيجية (هونغ كونغ). وهانوي هي عاصمة فيتنام الشمالية التي أدت المقاومة فيها إلى هزيمة أمريكا وطردها من بلادهم التي كانت تحتلها. ومن هذا المنطلق، يحمل الحزب شعارات المقاومة والجهاد والولاء والتكليف وغيرها من المصطلحات الواردة في قاموسه، والتي تكشف عن هويته النضالية ضد كيان يهود من ضمن إطار إقليمي تتزعمه إيران.
فحزب إيران بعد قيامه باغتيال الحريري، سيطر على المشهد السياسي الداخلي في لبنان، وعمل على تسخيره لمصلحة إيران في لعبة الأمم التي تجري في المنطقة. ومشروعه هذا كان قد بدأ داخليًا قبل اغتيال الحريري عندما قام بمقاومة (إسرائيل) في لبنان وإجبارها على الخروج منه، ومن ثم سيطرته على الوضع السياسي الداخلي بمعونة سوريا، ومع الوقت أصبحت له الكلمة الحاسمة في انتخاب رئيس الجمهورية، وفي تشكيل الحكومات… وهو يعمل على الامتداد مناطقيًا حتى تكون له كتلة برلمانية تمتلك الغالبية؛ فأصبح هو اللاعب الأقوى في الداخل، وهو يدعم وضعه فيه من أجل خدمة مشروع إيران في المنطقة، ويهدد بالقوة إن لزم الأمر كل من يقف في وجهه كما حصل في 7 أيار 2008م، وهو يعتبر تحالفه مع عون خطوة تكتيكية من أجل فرض مشروعه، وكذلك يعتبر تحالفه مع بري هو تحالف من أجل السير بمشروعه ومن أجل تدعيم موقف طائفته الشيعية في تركيبة النظام اللبناني، والعمل على تغييرها لمصلحتهم حين يحين الوقت. وفي هذا السياق، فإن حزب إيران متهم بأنه يعمل على اختراق كل زوايا الدولة ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية والقضائية والجمعيات والنقابات والمؤسسات الدينية الحليفة منها والمعارضة من أجل السيطرة على البلد.
أما عن دور حزب إيران بالفساد في لبنان، ومساهمته بإيصال لبنان إلى هذا الوضع الكارثي سياسيًا واقتصاديًا، فهو مشارك في كل الحكومات الفاسدة التي حكمت البلد، وحليفاه من التيار الوطني الحر الذي يتزعمه جبران باسيل وتكتل التنمية والتحرير الذي يترأسه بري لا يختلفان في الفساد عن تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري. بل وصل الأمر بحزب إيران أن يعتبر أن أي اتهام لهما أو تحرك شعبي ضدهما يؤثر على قوة موقفه السياسي المدعوم منهما؛ لذلك وقف ضد التحركات الشعبية التي قامت في البلاد ضد الطبقة السياسية برمتها واعتبرها أنها تحركات مسيَّسة ومدعومة خارجيًا من قبل دولة الاستكبار العالمي أمريكا، وأنها تحركات تستهدف مشروعه للمقاومة وبالتالي يصفها بالمؤامرة؛ لذلك لم يتظاهر مناصروه مع المتظاهرين لأنه أقنعهم بتفسيره؛ وهذا ما أدى إلى ظهور حالة شيعية واسعة ضده وضد بري، خرجت عن الطوق ونزلت إلى الشارع بينما نزل مناصروه ومناصرو بري ضدها وعملا على قمعها.
أما عن مشاركة الحزب المباشرة في الفساد فإنها كانت بطريقة أخرى من مثل سيطرته هو وبري على مرفأ ومطار بيروت واستيراد بضائع من إيران وتمريرها من غير دفع ضرائب تذكر عليها، ومن مثل توظيف المئات من المناصرين والمسؤولين في القطاعات الرسمية، لتخفيف الأعباء المالية عن كاهل الحزب أولًا ولتثبيت قدمه في كل مؤسسة رسمية. وأما عن فساد مسؤولين فيه، فقد كشف أحد المحازبين الذي انقلبوا على حزبهم أن أحد مسؤولي الحزب كان يتولى دور الوسيط لإدخال تلاميذ ضباط إلى المدرسة الحربية مقابل مبالغ مالية طائلة، وأنه يضع يده على أراض واقعة على الخط البحري بشكل غير شرعي وتدرُّ عليه ملايين الدولارات، وأن ابنه يملك شركة لاستقدام الخدم تُدخل عشرات العاملات الأجنبيات بشكل غير قانوني إلى لبنان، تحت أعين الأجهزة الأمنية التي تبغي رضا الحاج وابن الحاج، في إشارة إلى مسؤول ملف الأمن والارتباط الحاج وفيق صفا، والذي ما زال في مركزه وهو من المسؤولين الفاعلين في الحزب. وكذلك يتهم أقارب مسؤولين ومحازبين بالاتجار بالمخدرات داخل البلد وخارجها، واستغل بعضهم الحدود والمعابر لإدخال بضائع مهربة وممنوعة. ويذكر أن الحزب أعلن مؤخرًا أنه يسير في الداخل بخطة مكافحة الفساد، وهو وإن لم يشارك في كثير منها ولكنه كان على علم بكل تفاصيل عملياتها، ويملك معلومات تدين الجميع ما يجعلهم ضعفاء أمامه ويستغلها لمصلحة مشروعه، ولا يبادر إلى كشفها لأنه كما قلنا بسبب تحالفه مع بعضهم. هذا بالنسبة إلى مساهمة الحزب في ملف الفساد داخليًا.
أما بالنسبة إلى الوضع الإقليمي والدولي، فإن حزب إيران أضعف بسيطرته على الوضع الداخلي نفوذ دول الخليج وبالأخص السعودية، وهذا أدى إلى الضعضعة في الموقف السعودي تجاه لبنان والتردد في مساعدته ماليًا أو عدم مساعدته، حتى جاء الموقف الأمريكي الأخير من النظام في إيران، والذي يتهمها وتوابعها من الميليشيات في المنطقة بمن فيهم حزب إيران بالإرهاب، ويهدد بالعقوبات كل من يتعامل معه، ثم جاء قانون قيصر الأمريكي ضد النظام السوري وضد كل من يتعامل معه… هذا كله أدى إلى أن يزيد الضغط المالي والاقتصادي ليصل بالبلد إلى حد الاختناق… هذا هو الجانب الآخر المتعلق بحزب إيران ومساهمته بإيجاد الأزمة المالية والاقتصادية في البلد.
هذا هو واقع الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان وهذه هي مسبباتها بشكل عام. ونريد أن نسجل الملاحظات التالية:
– إن لبنان، كغيره من دول المنطقة، صاغه الغرب لكي يكون دولة فاشلة، واقتصادُه مرهونًا، ونظامُه السياسيُّ تابعًا، وحكامُه أمراءَ طوائف وسياسيين بالقوة لا بالفعل، يرثون الحكم بالإجمال أبًا عن جد، يتقاسمون الحكم بينهم عن وراثة لا عن كفاءة وجدارة، ويحكمون البلد، كغيرهم من حكام بلاد المسلمين، كنواطير مأجورين لحساب الغرب. اختيار رئيسه ينتظر الوحي في الربع الساعة الأخير من السفارات، والتي غالبًا ما كانت في الفترات الأخيرة أمريكية. وهؤلاء ينطبق عليهم كل وصف إلا أنهم حكام. وهذا ما يجعل الوضع الاقتصادي يتداخل مع الواقع السياسي ويتأثر به ولا ينفصل عنه. ويثبت أن الطقم السياسي الحاكم يكون مسيَّرًا بأحد أصابع الدولة الكبرى المهيمنة على قراراته، والوضع الاقتصادي بإصبع آخر في لعبة الأمم، وليس حكامه هم من يرسمون سياسته…
– إن حكام المنطقة، ومن غير استثناء هم عملاء تأتي بهم السفارات والمخابرات الغربية ليكونوا أدوات في يديها في لعبة الصراع الدولي، ويتم انتقاؤهم انتقاء، وبالتالي يتم التخلي عنهم إن لم يستطيعوا تحقيق أجندات أسيادهم في المنطقة، وأوضح دليل على ذلك هو بشار أسد، فقد كان من أنجح عملاء أمريكا في المنطقة قبل الثورة عليه، وعندما قامت الثورة وفشل في القضاء عليها، ولأنها لا تملك البديل عنه، سكتت عن بقائه في الحكم بالرغم من الإجرام الموصوف الذي ارتكبه بحق شعبه. ولما كاد نظامه أن يسقط أعانته بإيران وتوابعها ومن ثم بروسيا حتى لا يسقط وبانتظار تأمين البديل، وعندما نقول عملاء فإننا لا نستثني من ذلك لا إيران ولا السعودية ولا أي دولة من دول المسلمين في المنطقة. وحكام لبنان هم من هذا القبيل، وقد ظهر أن للسفارة الأمريكية كلمة الفصل فيه وأنه كان لها تدخلها في الأمور الحساسة والمتعلقة بالأزمة المالية والضائقة الاقتصادية، ومنها على سبيل المثال اعتبارها المس برياض سلامة حاكم مصرف لبنان خطًا أحمر، وهذا الأخير له ما له من دور خطير في الأزمة المالية الراهنة.
– إن حكام المنطقة، فوق كونهم عملاء، هم فاسدون، وبالرغم من أن مقدرات البلد تحت أيديهم، فإن نفوسهم الدنيئة جعلت أيديهم تمتد إلى أموال الدولة وجعلتهم يدخلون في عمليات الفساد والسمسرات والصفقات المشبوهة في بلادهم، وكثيرًا ما ينقل أن المساعدات الدولية وأحيانًا القروض الدولية تحوَّل لحساباتهم الخاصة، ولبنان كان من ضمن هذا الأمر، وقد اتهم المسؤولون في ذلك؛ لذلك كان الحكام هم السبب الأول في هدر المال العام ونهبه، وفي إفقار الناس، وفي اغتنائهم مع أقاربهم وبعض المحسوبين عليهم، ولهم حسابات سرية في المصارف الأجنبية.
– إن حكام الغرب الشيطاني على علم بكل ما يقومون به حكام المسلمين من سرقات وسمسرات وصفقات مشبوهة وبالتفصيل، ولا يحاسبونهم عليها، بل يعملون على الاستفادة والانتفاع من ذلك بوضع البلد تحت مديونية تجعله في النهاية تحت سيطرته، وترهن مقدرات البلد له. هذا ولا يخفى أن تدخل صندوق النقد الدولي عندما تصل الأمور في البلد إلى مرحلة حرجة إنما يعني المزيد من إرهاق اقتصاد البلد لمصلحة الدول الدائنة الكبرى. وهذا الوضع المالي الحرج الذي وصل إليه لبنان يتناسب تمامًا مع سياسة دول الغرب الرأسمالية الغنية التي تتبع سياسة الإقراض للدول الفقيرة، وهي تشمل كل دول المنطقة بما فيهم لبنان، فدول المنطقة كلها مدينة، وتقدر ديون دول المسلمين بحوالى التريليون دولار، والدول الدائنة تجني من خدمة الديون الخارجية عشرات المليارات سنويًا، وهذه السياسة هي نوع من أنواع الاستعمار الجديد، وقد نشرنا في العدد (399) مقالًا بعنوان:» الديون الخارجية الربوية… من أساليب استعمار الغرب للشعوب» حيث ذكرت فيها إحصائية تبين ذلك.
– إن حل أزمة المديونية في لبنان ترتبط بالوضع السياسي الدولي والإقليمي كما ذكرنا، ففي هذا الظرف العصيب الذي يمر به لبنان، نرى بأن هناك تعمد مقصود من أمريكا يتعلق بتأخير عملية استخراج النفط، ويربط دوليًا الاستخراج بالتوافق مع (إسرائيل) على حقول معينة، وبالتالي ربطه بالصلح مع يهود عن طريق ما يسمى «صفقة القرن»… ونرى أن أمريكا أدخلت حزب إيران في العقوبات الأمريكية على إيران، وهددت بإدخال كثير من الشخصيات السياسية اللبنانية فيها… ونرى أن قانون قيصر المتعلق بمحاسبة النظام السوري كذلك له أثره في تفاقم الوضع المالي حتى بدا لبنان وكأنه هو المقصود الآخر من العقوبات.
– إن ما يطرح من وجوب سحب سلاح حزب إيران في هذا الوقت المأزوم يعطي إشارة واضحة إلى تعامل أمريكا مع الملف اللبناني كحزمة واحدة، وتعتبر الوضع المالي هو أحد أوجهها؛ إذًا هي لا تعنى بحل أزمة لبنان المالية على حدة بل تجعل القضايا كلها، اللبنانية وغير اللبنانية، متشابكة، وتجعلها تسير بحسب خطتها للمنطقة، ولمصلحة (إسرائيل) أولًا. وحزب إيران يعتبر ذلك مؤامرة على القضية التي يدعي أنه حامل لوائها. وهذا وإن كان صحيحًا لجهة أن الموقف الأمريكي هذا هو لمصلحة أميركا و(إسرائيل)، ويجب أن يحذر منه المسلمون كل الحذر؛ ولكن لم يعد المسلمون يثقون بدعوى إيران وحزبها أنهما يمثلان قضية فلسطين ولا بدعوى أنهما يريدان إزالة (إسرئيل) من الوجود؛ بل أكثر من ذلك فإن المسلمين باتوا يعلمون أن إيران كما خدمت أميركا في احتلال أفغانستان والعراق، وأعانتها في عدم سقوط عميلها بشار في الشام، فهي لن تكون ضد مشروعها في «صفقة القرن» وفي المضي في تثبيت كيان يهود في المنطقة، وإن كانت ستأخذ، بحسب ما تقتضي اللعبة الأمريكية، دور المعارض والمهدد لهذا الكيان؛ لذلك تغيرت النظرة إلى حزب إيران وامتلات القلوب والعقول بالشك في هذه الدعوى، وهم لم ولا يغفلون أبدًا مشاركته في سفك دم المسلمين الطاهر في سوريا والذي كان لمصلحة أميركا نفسها… وهذا يكشف كيف أن أمريكا تستغل الوضع اللبناني لمصلحة أجندتها وأجندة (إسرائيل) ويجب علينا أن نحذر من هذا التلبيس الذي يعتمده حزب إيران في هذه المسألة.
– إن ما يتداوله جميع المتخصصين بالشأن المالي، إن في لبنان أو من خارجه، بشأن حل الأزمة المالية في لبنان ووضع الخطط والهندسات المالية، لن تؤدي إلا إلى مزيد من الاستدانة وإلى مزيد من الربا، أي إلى مزيد من التأزم والتعقيد… وإن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي إنما هو انتحار مالي وستكون له آثار سياسية واقتصادية مدمرة على البلد… وإن الاستعانة بالمؤسسات المالية الدولية كمؤسسة «ماكينزي» لإجراء الدراسات المالية لحل أزمة مديونيته لن تستطيع أن تحل شيئًا منها طالما أن معالجاتها المقترحة ستكون قائمة على النظام الربوي؛ إذًا لا حل آني ولا مرحلي في ظل هذا النظام الربوي العالمي المسيطر على الأذهان.
نعم، إن مشكلة لبنان المالية هي مشكلة عالمية تقع فيها الدول الضعيفة فريسة للدول الغنية، وهي من صلب سياسة الاستعمار، وهذه المشكلة كان وما زال مسببوها هم اليهود على مدار التاريخ، وهي مشكلة مرشح لأن تقع بها كل الدول الضعيفة في العالم، الواحدة بعد الأخرى، واليوم لبنان واقع فيها. ومن السذاجة أن يكون الذئب راعي الغنم.
إنه إذا كان لا حل في ظل من صنع المشكلة، فما هو الحل؟. الجواب هو بكل بساطة وبعيدًا عن التأثر بثقافة النظام الدولي الحالي المسيطر على الأذهان، لا يكون إلا بتغيير جذري عالمي يطال أول ما يطال هذا النظام الدولي المتوحش المسيطر على دول العالم، والذي يزرع فساده في جنبات الأرض… لا حل إلا بإقامة نظام عالمي بديل يعنى بالإنسان كإنسان، ولا يجعل المادة فوقه وقاهرته، نظام لا ربا فيه، نظام يوزع الثروة ولا يجعلها تتجمع بأيدي حفنة من البشر تتحكم بمصائر الشعوب وتذلها في طريقة حياتها، نظام رباني من لدن إله عليم لطيف خبير لا نظام وضعيٍّ يدوس على مصالح الشعوب كلها من أجل مصلحة هذه الحفنة، إنه نظام دولة الخلافة الراشدة الذي يحتاج البشر كلهم، مؤمنهم وغير مؤمنهم، أن يستظلوا بدوحته، والذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة… إنه نظام رب العالمين. وأنعم به من نظام. وعلى الله قصد السبيل.
2020-06-30