تغيير نظام الإنقاذ وإقامة نظام الإسلام واجب تمليه عقيدتنا الإسلامية
2019/05/19م
المقالات
4,005 زيارة
تغيير نظام الإنقاذ وإقامة نظام الإسلام
واجب تمليه عقيدتنا الإسلامية
عبد الله عبد الرحمن (أبو العز)
عضو مجلس حزب التحرير/ ولاية السودان
لقد ظل حزب التحرير النذير العريان الذي يأخذ بيد الأمة،ويأخذ على يد الظلمة، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، امتثالًا لقول الله عز وجل: ﴿وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴾، وقد قام الحزب امتثالًا لهذا الواجب، بكشف الباطل وأدوار الاستعمار، وقام بتعرية هذا النظام للأمة، والاتصال بقيادات هذا النظام منكرًا عليهم، ومبينًا لنظام الإسلام، ومتبنيًا لأحكامه، وحذر الحزب أعوان النظام، الذين شاركوا فيه، من حرمة المشاركة في نظام الكفر، ولكنهم لم يرعووا، بل اتبعوا أهواءهم، وأصبحوا سبة على لسان الأمة جراء ما اقترفوه من آثام.
لقد كشف الحزب على مر السنين، علمانية حكومة الإنقاذ الملتحية، وتمسحها بالإسلام نفاقًا، وقد أكدت الأمة أنهم قد خُدعوا بشعارات الإنقاذ، مع أن أتباع النظام هم من خدعوا أنفسهم، فالناس يؤكدون أن نظام الإنقاذ خالف كل شعاراته، ولم يعمل بالإسلام، بل قام بكل عمل قبيح يخالف الإسلام، حتى أوصل السودان إلى غرفة الإنعاش.
لقد تعرض الحزب في عمله السياسي لمراسيم الإنقاذ الدستورية التي لم تجعل الإسلام أساسًا، والتي أتت بالفدرالية؛ حيث أهّلت السودان للتشظي، وكشف الحزب علمانية دستور 1998م، وبين بطلان اتفاقية نيفاشا الأميركية، وما تمخض عنها من دستور علماني في 2005م، تمزق السودان بموجبه، ودُمّر اقتصاده.
وكشف الحزب الحوار الوطني، الذي أتى به الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في كانون الثاني/يناير 2014م، لإكمال علمنة السودان. هذا غير أعمال الحزب الكثيرة والدائمة في فضح عمالة النظام، وكشف خطط الاستعمار، وتبني مصالح الأمة في الجزئيات المختلفة…
لقد قام الحزب بكل ذلك وغيره، لاستئناف الحياة الإسلامية، وبيّن وجوب ذلك على الأمة، فخاض صراعًا فكريًا عظيمًا، لا يخاف في الله لومة لائم، مستخدمًا كل الأساليب والوسائل السياسية؛ من مسيرات هادرة، ومؤتمرات، وندوات، ووقفات، وتوقيعات مليونية، ومحاضرات، وخطب مساجد، وأحاديث، وتوزيع لملايين النشرات، واتصال بقيادات وفعاليات الأمة، ووضع برامج منتظمة، وحملات، كان آخرها حملة بعنوان (التغيير الحقيقي فرضٌ ووعد) في 26 محرم 1440هـ، الموافق 6 تشرين أول/أكتوبر 2018م. وقد سار الحزب في عمله بخطًا ثابتة، وهو يعلم أن الأمة لا تبتغي لشرع الله بديلًا، ووجد الحزب سندًا عظيمًا من الأمة في المدن والقرى والبوادي، كونه لا يعرض فكرًا غير الإسلام.
إن ما فعله الاستعمار في السودان عبر عملاء الإنقاذ كان حتمًا أن يوصِل البلد إلى هذه الحالة المزرية، وضياع مرتكزات نهضته الفكرية والسلوكية والمادية، وكان آخر هذه الأعمال تنفيذ روشتات صندوق الدولي التدميرية، من زيادة الضرائب الباهظة أصلًا، ورفع الإنفاق والدعم عن الخدمات والسلع الضرورية، وتعويم الجنيه مقابل الدولار، ففاق سعره السبعين جنيهًا مقابل الدولار الواحد، ومما زاد الطين بلة توقف الإنتاج في البلد، لكثرة الضرائب والجبايات وانخفاض الصادرات؛ ما أدى، مع طباعة العملة دون مسؤولية، إلى الشلل التام في البلد: انعدام النقد في البنوك والمصارف، صفوف طويلة في محطات الوقود، والمخابز، والصرافات الآلية، وغلاء فاحش انتظم كل السلع والخدمات، حتى وصل سعر تذكرة الطيران إلى نيالا (إحدى مدن غرب السودان)، مثلًا 15 مليون جنيه!
إن تسارع الأحداث يجعلنا نقف عند نقاط جديرة بالبحث العميق المستنير، حتى نسير في الدرب الموصل إلى الغاية، وهي استئناف الحياة الإسلامية؛ عن طريق إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وهذه النقاط هي:
1- إن نظام الإنقاذ ساقط منذ زمن، وقد أفسد في الأرض وأذلَّ العباد والبلاد، وقد تأخر الناس في تغييره، مع أن تغيير هذا النظام الباطل فرض وواجب، وهو نظام ترفضه الملايين، وقد قامت ثلة منهم بالتظاهر كاسرة لحاجز الخوف، بل سكبت دماءها رخيصة منكرة للمنكر، وهذا يؤكد خيرية هذه الأمة، وأن الأمة مهما مرضت لا تموت.
2- كان من الطبيعي لنظام باطل ومفسد في الأرض أن يتصدى للمتظاهرين بالقمع الشديد؛ من إطلاق الرصاص الحي، والسماح بالقتل بدلًا من حماية المتظاهرين، بل تجرأ على الناس حتى انتهك الحرمات والأعراض، واقتحم البيوت، وآذى الناس بالضرب والتخويف والمطاردة واستخدام الغاز المسيل للدموع، فرمى بعبوات كثيرة جدًا داخل المنازل، فنتج منها كوارث في بيوت أوجب الإسلام أن تكون آمنة مطمئنة. إن هذه الأعمال القذرة التي يقوم بها نظام الإنقاذ، لا يحل منها شيء؛ ابتداء من كبيرةِ قتل النفس المعصومة، وانتهاء بالغاز المسيل للدموع، التي اختُرعت لتفريق الكلاب الضالة وليس لتعذيب الرعية!
3- إن نظام الحكم في الإسلام هو الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وليس النظام الديمقراطي أو العسكري. وقد أجمع الصحابة الكرام أنه لا يحل للأمة أن تبيت فوق ثلاث إلا ولها إمام يقودها بالكتاب والسنة، فالواجب علينا أن نذهب بهذا النظام، ونقيم الحكم بما أنزل الله، والذي قد تعمدت الإنقاذ عبر هذه السنين أن تهرب منه، بل ركزت على تشويهه تنفيذًا لخطة الاستعمار، مصورةً، كذبًا وزورًا، أن ما يصدر منها من جرائم هو الإسلام.
4- إن المظاهرات لا تغير نظامًا، وهي وسيلة من وسائل الضغط والإعلام بالسخط العارم، ولكن التغيير لا يتم إلا بوقوف أهل القوة والمنعة مع قضية الأمة، الإسلام، فالواجب على هذه القوى أن تنحاز إلى ما يرضي الله ورسوله، والرسول عليه الصلاة والسلام قد طلب النصرة من أهل القوة والمنعة، فعلينا أن نتأسى به عليه الصلاة والسلام، وعلى الجيوش التي ناصرت الباطل ردحًا من الزمان، أن تتوب إلى الله فتنصر الحق وأهله لتعز في الدنيا والآخرة.
5- لا يجوز الاعتماد في التغيير على الدول الكبرى، أو ما يسمى بالمجتمع الدولي، فهي أس البلاء، سيما أميركا سارقة الثورات وداعمة الطغاة، وهي بطبعها تحوِّل الحكام إلى عملاء لها، بل تصنعهم، وبعد أن تستنفد أغراضها منهم، وعندما يثور الناس تأتي بعملاء جدد، وبشعارات ثورية خادعة؛ ليستمروا في استعباد الناس من جديد، فاصلين الدين عن الحياة. فلا بد أن نتَّعظ من أن أميركا هي التي سرقت الجهود العظيمة التي قام بها أهل مصر في ثورتهم، فذهبت بعميلها حسني مبارك لتأتي بأسوأ منه (عبد الفتاح السيسي)! فبالخلافة وحدها نقطع يد الاستعمار من بلادنا.
6- إن قيادات هذه المظاهرات أظهرت علمانيتها كنظام الإنقاذ سواء بسواء، مما يؤكد أن هذه المظاهرات مقودة إلى علمانية أخرى أسوأ من نظام الإنقاذ وفق المشروع الأميركي. فما لم نقم بتوجيه مسار هذا الحراك الاتجاه الصحيح، فحتمًا سيتم ضياع هذه الجهود والاستبسال وسكب الدماء وإزهاق الأرواح.
7- إننا حملة دعوة الإسلام، مسؤولون أمام الله عز وجل عن تبليغ الأمة، وكشف الحقائق جلية واضحة، فلا يمكن أن يمر هذا المخطط الإجرامي الذي يخدع الناس ويسرق جهودهم؛ ليوصلهم إلى ذل ومزيد من التنكيل.
إن الناس انقسموا إلى أقسام شتى في تعاملهم مع هذا الحراك، وعند الوقوف على واقعهم نستطيع أن نعالج كل قسم أو كل طائفة بناء على واقعها:
أولًا: من يقف مع النظام وينادي بشعار (تقعد بس)، فهؤلاء ينطبق عليهم الحديث: «... ثُمَّ يُنَادِي مَلَكٌ مِنْ قِبَلِ اللهِ تَعَالَى فَيَقُولُ: أَيْنَ الظَّلَمَةُ؟ أَيْنَ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ؟ أَيْنَ مَنْ بَرَى لَهُمْ قَلَمًا؟ أَيْنَ مَنْ نَاوَلَهُمْ دَوَاةً؟»، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ أُمَرَاءُ يَكْذِبُونَ وَيَظْلِمُونَ، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنَّا وَلَسْتُ مِنْهُمْ وَلا يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ». وفي الحديث «إِذَا رَأَيْتَ أُمَّتِي تَهَابُ الظَّالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ أَنْتَ ظَالِمٌ فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ».
ثانيًا: من يقول بشعار (تسقط بس) فيختزل الأمر في الفساد وفي الأشخاص دون النظر إلى النظام، فلا رؤية له أصلًا حتى توصف بالوضوح أو عدمه، فأي عمل لا بد أن يكون من أجل غاية؛ إما أن يكون لله أو لغير الله، وأن يكون العمل وفق أوامر الله، فالتغيير فرض لتغيير الباطل بالحق، ولا حق بغير الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». فلا يصح أيها الإخوة أن نتفق على هدم صرح من دون أن نتفق على البناء، ونحن نريد أن ننشئ حياة كريمة.
ثالثًا: من يريد تبديل نظام علماني آخر بهذا النظام العلماني، إن الذي يقول بذلك ويعمل له، لا فرق بينه وبين مجرمي الإنقاذ، فهو داع إلى ضلالة. ومنهم من يقول إن دعاة الإسلام السياسي خدعونا ونظامهم فاشل، فلا بد أن لا نسمع لمن يدعوننا إلى الحكم بما أنزل الله، وفي المقابل هذا يعني أنهم يريدون من الناس أن يستمعوا للعلمانيين غير الملتحين، ويسلموا لهم أنفسهم، حتى يستمر الباطل الذي تسير عليه الإنقاذ، وهؤلاء مجرمون كجرم الإنقاذ، بل أكبر، لأنهم يكذبون أيضًا على أنفسهم، ويكذبون على البسطاء الذين يأخذون قولهم دون التفكير فيه، فهم عن قصد جمعوا بين سلوك الظلمة والإسلام، حتى يبعدوا الناس عن الإسلام.
والمعلوم أن نظام الإنقاذ لم يحكم بالإسلام يومًا، بل حكم كما تبين في المقدمة بكل قبيح من دساتير علمانية واتفاقيات ظالمة مزقت بها البلد، وحكمت بتدخل سافر للمستعمر في الشأن الداخلي، فالإسلام لم يحكم، بل حكم من سموا أنفسهم إسلاميين، ومن يجمع بين الإسلاميين وهم علمانيون ملتحون، وبين الحكم بالإسلام، فهو كاذب لا يمت قوله إلى الحق بصلة، بل يجب أن يفضح ويقصى كالإنقاذ سواء بسواء.
رابعًا: المتفرجون على الرصيف، ولا يقومون بعمل للتغيير وفق الشرع، وهؤلاء مقصرون لأن العمل للتغيير واجب فلا يصح أن لا يعمل المسلم للتغيير، ولا يصح أن يكون المسلم لا لون له، وفي الحديث: «… وَيُؤْتَى بِعَبْدٍ مُحْسِنٍ فِي نَفْسِهِ لا يُرَى أَنَّ لَهُ ذَنْبًا، فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ كُنْتَ تَوَالِي أَوْلِيَائِي؟ قَالَ: كُنْتُ لِلنَّاسِ سَلْمًا، قَالَ: فَهَلْ كُنْتَ تُعَادِي أَعْدَائِي؟ قَالَ: يَا رَبِّ، لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَحَدٍ شَيْئًا، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لا يَنَالُ رَحْمَتِي مَنْ لا يُوَالِي أَوْلِيَائِي ويُعَادِي أَعْدَائِي».
خامسًا: إن الواجب الشرعي هو التغيير السياسي، المبني على الفكر الشرعي، من خلال جماعة يلتفُّ حولها الناس تعمل في الأمة للتغيير، وتطلب النصرة من أهل القوة والمنعة… هكذا سار القدوة المهداة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التغيير.
ختامًا: إن هنالك صراعًا محمومًا بين الحق والباطل، بين الإسلام والكفر… فمَنْ للإسلام إن لم نكن نحن؟! كيف نسمح للباطل أن ينتشر وينتصر؟! كيف لا نغذ الخُطا، ونكثر العمل، ونقدم التضحيات لينصرنا الله عز وجل؟!… والله المستعان.
2019-05-19