صلاحية نظام الحكم في الإسلام لكل العصور
2019/05/19م
المقالات
8,390 زيارة
صلاحية نظام الحكم في الإسلام لكل العصور
محمود عبد الكريم حسن
هذا الموضوع قديمٌ جديد، وفيه أبحاثٌ وتساؤلاتٌ وإجابات، وهو يتعلق بالشريعة ككلّ، ولا يقتصرُ على نظام الحكم. ومِما يقالُ فيه مثلًا: إنَّ شريعةَ الإسلام مرَّ عليها نحو أربعةَ عشر قرنًا، تطوَّرت خلالها المجتمعات ووسائل العيش والعلاقات. فهل ما زالت الأحكامُ التي كانت تصلحُ للناسِ قبل قرونٍ، صالحةً لهم في هذا الزمنِ، وبخاصَّةٍ بعد التطوُّرِ الهائل الذي شهده العالم في الوسائل والمخترعات، وبعدما صار أشبهَ بقريةٍ صغيرةٍ مقارَنةً بما كان عليه قبل عقود، فكيف بما قبل قرون؟. وهل ما زال من المقبولِ أو الممكنِ وجودُ دولةٍ إسلاميةٍ اليوم؟ وهل يوجدُ نظامُ حكمٍ إسلامي، أو اقتصادي، أو اجتماعي، يصلحُ لهذا العصر؟ وإذا كانت الخلافةُ ونظامُها مناسبةً لعصرِ الخلفاء الراشدين y، فهل هي مناسبةٌ في القرنِ الواحدِ والعشرين؟ ألا يتطوَّرُ الإنسانُ، فيلزمُ تبعًا لذلك أن تتطورَ الشرائعُ التي تُعالجُ أفعالَه؟
والجوابُ عن ذلك أنَّ الإسلامَ هو رسالةُ اللهِ سبحانه وتعالى إلى الناسِ جميعًا، منذ بعثَ النبيَّ محمدًا صلى الله عله وسلم إلى يومِ القيامة. قال تعالى: (قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا) [الأعراف،158]، وقال أيضًا: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ) [الأنبياء، 107]، وما حكم به الإسلام في أيِّ قضية هو الحق والرحمة، وهو الأقوم. قال تعالى: (إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا) [الإسراء، 9]؛ لذلك كانت الشريعةُ الإسلاميةُ صالحةً لكلِّ زمانٍ ومكانٍ. ولا عجبَ، فهي من عند العليمِ الخبير. ولا يرجِعُ ذلك إلى أي تغييرٍ في أحكامِ الشريعة بسبب زمانٍ أو مكانٍ، وإنما يرجِع إلى خصائصَ في خطابِها، الذي جاء يتعلقُ بأفعالِ الإنسانِ لجهة كونه إنسانًا، وليس بالوسائلِ والأشياءِ. وكذلك في أحكامِها التي كانت المساحةُ الأكبرُ فيها لحكم الإباحة، وهو ما يُوَفِّر سعةً في الخياراتِ للانتفاعِ بالمكتشفاتِ الجديدةِ، وتوظيفِها في ابتكارِ الأساليبِ المناسبةِ للعصر. هاتان الخاصيتان، تعلقُ الخطابِ بأفعالِ الناسِ وليس بالوسائلِ والأشياءِ، ثمَّ سعةُ مساحةِ الإباحةِ في الشريعةِ، تجعلانِها قادرةً على إنباتِ أحكام تعالج الإنسان مهما تطورتِ الوسائلُ، ومهما تعدَّدَت أفعالُ الناسِ وتنوَّعت. وفيما يلي بيانُ ذلك.
أ– تعلق الخطاب الشرعي بالأفعال وإحاطته بها:
وهذا من أهم خصائص الشريعة الإسلامية التي تعطيها صفاتِ الشمول والثبات. وبيان هذه الخاصية من جهتين. الأولى أن الشريعة الإسلامية تحكم على فعل الإنسان وليس على الأشياء التي يستعملها عند القيام بفعله. والثانية أن الإنسان ثابتٌ عبر الأزمنة والأمكنة لا يتغيّر. وبذلك تحيطُ الشريعةِ بكلِّ الأفعالِ التي يمكنُ أنْ تصدرَ عن الإنسان، في كل زمان ومكان. وفيما يلي بيان ذلك وتوثيقه بالأدلة والنصوص الشرعية.
1- الإسلامُ أحكامٌ لأفعالِ الإنسانِ، وليس للوسائلِ المتغيرةِ:
يدلُّ استقراءُ النصوص الشرعية، على أن الشريعةَ جاءت أحكامًا لأفعالِ الناس، ولم تكن أحكامًا للوسائل أو الأدوات المتغيرة بمرور الزمن. وهذا من خصائصها التي تجعلها لا تتأثر بتغيُّر الوسائل أو تطورها. ومهما تعدَّدت أفعالُ الناس، فهي ثابتةُ الأصول، ومهما تنوَّعت فإنها تظل فروعًا لأصول ثابتة هي من خصائصِ الإنسان. وخصائصُ الإنسان لا تتغيرُ بمرور الزمن، ولا تتغير بتطوُّر وسائل العيش. فهي ثابتة تبعًا لثباته. وإنما الذي يتغير في أفعال الإنسان هو أشكالها ومظاهرها. هذه الأشكال والمظاهر هي التي تتأثر بالوسائل والأشياء والأدوات. بتعبيرٍ آخرَ، إنَّ الشريعة الإسلامية جاءت بنظامٍ للإنسان. والإنسان ثابت لا يتغير، لذلك كان طبيعيًا أن الشريعةَ الصالحةَ له في زمانٍ صالحةٌ له في كلِّ زمان.
أما ثباتُ الإنسانِ، فطريقةُ تكوُّنِه ثابتةٌ عبر العصور، يكون جنينًا ويولد وينمو، وله أثناء كل ذلك حاجاته، ثم يكبر وتكتمل خصائصه الإنسانية، التي هي حاجاته العضوية وغرائزه وإدراكه العقلي، ويسعى إلى إشباع حاجاته المادية والمعنوية، ثم يموت. ولو ذهبنا ندرس واقعه بالتفصيل، لوجدناه هو هو في أي زمان أو مكان. في كيفية وجوده في الحياة، وفي حاجاته للعيش، وطاقاته للبقاء، وفي خصائصه الجسمية والنفسية والفكرية. وأفعاله هي هي عبر العصور، لا تنقص ولا تزداد. وأفعال الناس متشابهةٌ رغم أنها كثيرة ولا تُحصر، لأن حاجاتِهم ودوافعَهم وغاياتِهم راجعةٌ إلى خصائصهم الإنسانية الثابتة. وهذه الأفعال بمنزلةِ أصولٍ تتفرَّعُ عنها أفعالٌ كثيرة، تتعدَّدُ وتتنوَّعُ، ولكنَّها فروعٌ لتلك الأصولِ ومن جنسِها، وليست طارئةً على الإنسان أو ناشئةً عنده بعد أن لم تكن. فالعبادة مثلًا، فعلٌ يقوم به الإنسان، وواقعه معروف. ولكنه يتفرع عنه ما لا يُحصى من أفعال، من ذلك عبادةُ الله سبحانه وتعالى، وعبادةُ الأوثان، أو عبادةُ المستكبرين… وهذه العبادات فيها ما لا يُحصى من الأعمالِ والمظاهرِ، كالصلاة والحج، والتفكّرِ والنصح، والإحسانِ بأنواعه… وفيها البدعُ بأنواعِها، وأنواعٌ من الزهدِ والرهبنة، وعباداتِ الكفارِ وما إلى ذلك من مخترعات لا تُحصى. ولا يسعنا أكثر من ذكر أمثلة هي بمثابة قطرة من بحر. ولكنَّها كلَّها ترجعُ إلى فعلٍ واحد هو العبادة. وكلُّها أفعالٌ يقوم بها الناس في كلِّ عصر، بدوافعَ من خصائصِهم الإنسانيةِ الثابتة، ولا علاقة للوسائل المتطوِّرة والمخترعات الناشئة بها. ومثل ذلك فعلُ القتل مثلًا وفعلُ القتال، فقد يكون بالسيف أو بالبندقية، أو بالصاروخ أو غير ذلك، فتتعدد الأفعال بتطور الوسائل، ولكن يظلُّ الفعل هو نفسَه. ومثلُه فعلُ السفرِ مثلًا، تتطورُ وسائله وتختلف، والسفرُ هو هو.
وهكذا تتعدد الأفعال وتتنوَّع بتنوُّعِ أساليبها وتطوُّر وسائلها، تبعًا لتجدُّدِ الأشياءِ والمخترعات، ولكنَّ أصلَها واحد، والقيامُ به مقدورٌ للإنسانِ، وهو من خصائصِه منذ خلقه الله سبحانه وتعالى، وسيظلُّ كذلك إلى يوم القيامة. ولا يوجد فعل يقوم به الإنسان في عصرنا لم يكن أصلُه موجودًا من قبل. ولن يمتلك خصائص لم تكن لديه. فقد كان عاجزًا عن الخلق وما زال، وكان عاجزًا عن الطيران بجسمه وسيظل كذلك، وكان وسيظل لا يحيا بغير ماءٍ وهواءٍ وغذاء. وكان وسيظلُّ يحبُّ الشهوات (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلۡبَنِينَ وَٱلۡقَنَٰطِيرِ ٱلۡمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلۡفِضَّةِ وَٱلۡخَيۡلِ ٱلۡمُسَوَّمَةِ وَٱلۡأَنۡعَٰمِ وَٱلۡحَرۡثِۗ ) [آل عمران،14]، وهذا هو معنى أنَّ الإنسان ثابت ولا يتطوَّر، وأن الإنسان في هذا القرنِ، هو نفسُه الإنسانُ زمن نزول الإسلام وعبر العصور.
ولذلك، عرّفَ الأئمَّة الحكم الشرعي بأنه «خطابُ الشارع المتعلِّقُ بأفعال المكلَّفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع»، أو «بأفعال العباد». ولا خلاف في هذا، أي في تعلقه بالأفعال، وليس بالأشياء أو الوسائل. فالحكمُ الشرعي هو حكمٌ على فعلٍ وليس على شيءٍ. والنصوصُ التي جاءت ناصَّةً على أحكامٍ لِأشياء، المرادُ بها أفعالُ الناس المتعلقةُ بتلك الأشياء، كقولِه سبحانه وتعالى: (حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ) [المائدة، 3]، وقولِه: (حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ) [النساء، 23]. فالتحريم في الآية الأولى، وإن نصَّ على أشياء، إنَّما المرادُ به أكلُ هذه الاشياءِ، أو الانتفاعُ بها. والآية الثانية، نصَّت على تحريمِ الأمهاتِ والأخوات… والمرادُ بذلك تحريمُ أفعالٍ معينةٍ. وعلى ذلك فإنَّ الشريعةَ الإسلامية نصَّت على أحكامِ أفعال العباد، ونظَّمتِ العلاقاتِ على أساسِ هذه الأفعالِ الثابتةِ عَبرَ الأزمنةِ والأمكنةِ.
أما الأشياءُ التي تُكتشفُ وتُخترعُ، وتستجدُّ في حياة الناس، وسائر ما خلقَ اللهُ في السمواتِ والأرضِ مما يمكنُ أن تتعلقَ به أفعالُ العبادِ، فقد جاءت الشريعةُ لها بحكمٍ عامٍ جعلها مسخَّرةً للإنسان، فكان الانتفاعُ بها مباحًا إباحةً عامةً وشاملةً، إلا ما استثناه دليلٌ خاصٌّ. قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية، 13]، وقال: (هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا) [البقرة، 29]، الآية. ومن ذلك استُنْبِطَت القاعدة: «الأصل في الأشياء الإباحة»([1]). وكل أنواع الانتفاع بالمخترعات والعلوم التي تتجدد عبر الزمان يخضع لقاعدة أصل الإباحة. وأما الأفعال المستحدثة، فلا تخرج عن أصولِ الأفعالِ الإنسانيةِ التي أحاطتْ بها الشريعةُ.
2- إحاطة الشريعة بأفعال العباد:
وباستقراء النصوص الشرعية نجد أنها تأتي – في الغالب – بحكمٍ عامٍ لأصل الفعل؛ بحيث تكون الأفعالُ المتفرعةُ عنه، مهما اختلفت أشكالُها، تابعةً له، وأحكامها مندرجةً تحت حكمِه. فعلى سبيل المثال، جاء الشرع بإباحة البيع، (وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ) [البقرة، 275]. وهذا أصل عام تندرج تحته بيوعٌ لا تُحصى، قديمةٌ وجديدة. فيكون هذا النوع من الأفعال كله محكومًا عليه بالأصل العام وهو الإباحة، ولا يُستثنى منه فعل إلا بحكم آخر، وهكذا تحيط الشريعة بنصوصها المحدودة، بأنواع الأفعال أو أجناسها. وعلى سبيل المثال أيضًا الرخص الشرعية بقصر الصلاة وبالإفطار في السفر، جاءت متعلقةً بفعل العبد الذي هو السفر، وكانت لها شروطُها التي هي شروطُ السفرِ؛ لذلك تتعدد الأسفار ومسافاتها، وتختلف ظروفها ووسائلها، من السفر المرهِق إلى السفر المُرفَّه، ومن الناقة والجمل إلى السيارة والطائرة؛ ولكنها تظل تابعة لجنس السفر، ويظلُّ حكمُ القصرِ والإفطارِ هو هو، مهما تغيرتِ الأسفار أو اختلفت. وذلك لأن حِكمةَ الشارعِ اقتضت أنْ يتعلقَ الحكمُ بالفعلِ، بل بأصله العام الثابتِ. وهكذا، فهذه الرخصُ أحكامٌ ثابتةٌ تتعلق بفعل السفر عبر العصور، ولا تتغير أحكامها. والأمر نفسُه يُقال بالنسبة لفعل القتل مثلًا، مهما اختلفت أشكاله، أو الأدواتُ المستعملة فيه. فلا يُنظر في حكمه إلى كونه بالسيف أو بوسائلَ حديثةٍ، أو إذا قام به فردٌ أو جماعة. وإنما إلى اندراجه تحت عموم القتل. وهكذا يُقالُ في سائرِ الأحكامِ.
وباستقراءِ أفعالِ العبادِ التي يمكن تصورُ وجودِها، لا نعثرُ على فعلٍ ليس له حكمٌ في الشريعة. ولا يَعرضُ فعلٌ إلا وله في الشريعةِ أصلٌ وحكم، مما يؤكد على شمول الشريعة لكافَّة أفعال العباد. وهذه من المسائل التي لا تخلو منها أمَات كتب أصول الفقه. قال الجويني: «وأما الشافعي فقال: إنَّا نعلم قطعًا أنَّه لا تخلو واقعةٌ عن حكمٍ الله تعالى»، وقال: «إنَّ الأئمة السابقين لم يُخْلوا واقعةً على كثرةِ المسائلِ وازدحامِ الأقضيةِ والفتاوى عن حكمٍ لله تعالى»([2]). ويؤكد إحاطةَ الشريعة بكلّ أفعال العباد قولُه سبحانه وتعالى: (ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ )[المائدة، 3]، وقولُه: (وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ) [النحل، 89].
ب– سعة مساحةِ الإباحةِ في الشريعةِ الإسلاميةِ([3]):
وينبني على هذه السعةِ سعةٌ في خيارات التخطيطِ والتنظيم، وفي نُظُمِ الإدارة واستحداثِ المصالحِ والإدارات، عبرَ الانتفاعِ بالمستجدات وتوظيفها بما يواكبُ كلَّ عصر. وهذا يدخل في كل مجالات العلاقات، سواءٌ في ذلك الحكمُ وغيرُه. وتعتمدُ سعة مساحة الإباحة على مصدرين: أ- عموم الأدلة أو النصوص، ب- ما عفا عنه الشارعُ رحمةً بالناس، أو ما يُسَمَّى منطقةَ العفو.
1- عموم الأدلة:
سبق الكلام عن عموم الأدلة أثناء الكلام عن صلاحية الشريعة لكل زمان، والكلامُ الآن عن سعة منطقة الإباحة. وأدلة هذه الإباحة قسمان. الأول: إباحة الفروع المندرجة تحت أدلة عامة في إباحة الفعل. والثاني: إباحة الفروع المندرجة تحت أدلة عامة في طلب الفعل([4]).
أما الأدلة العامة في إباحة الفعل فهي النصوص التي جاءت دالةً على الإباحة، وعمومها يعني إباحة كل ما تشمله أو يندرج تحتها. فهذه الأدلة أصل في التخيير، والتخيير بيْن أمور يعني قابلية التغيير باختيار أيٍّ من هذه الأمور، حسبما تقتضي المصالح والظروف. كقولِه تعالى: (وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ) [البقرة، 275] وقولِه: (يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ) [الأعراف، 31]، وقولِه: (هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ ) [الملك، 15]. أمّا الآية الأولى فقد تقدّم القول إن هذا أصلٌ عامٌ بإباحة البيع، فينطبقُ على كلِّ أنواع البيعٍ، وعلى كلِّ ما يمكن إن يُباع، بناءً قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم، فيشمل البيعَ بالتقسيط وبالدين، وبالنقود ومقايضةً، وبين الأفراد وبين الدول، ويشمل بيع الأشياءِ المعهودةِ زمنَ نزول النص، ويشمل غيرها مما يستجدّ مع الزمن من أجهزة أو أدوات وأسلحة. هذا هو المرادُ بعموم أدلة الإباحة، فهي في البيع تنطبق على كل فعلٍ يُطلَق عليه لفظ «بيع». والقاعدة الأصولية تنصُّ على أنَّ «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»([5]). وتشمل كل شيءٍ يمكن بيعه، ما لم يُحرِّمْه نصٌّ بعينِه أو صفتِه. ومثل ذلك ما جاء في الآية الثانية. فقد جاء النص عامًا في إباحة التزيُّن عند كل مسجد، وإباحة الأكل والشرب، فهذه نصوص عامة تبيح أصل الزينة وأصل الأكل والشرب، وبعد ذلك يصبح كل فعل يشمله اللفظ (زينة، أكل، شرب) مباحًا، وكل ما يقع عليه الفعل، أي كل ما يُتزيَّن به وكل ما يؤكل ويشرب مباحًا، إلا الفعل الذي يستثنيه دليلٌ. ومثل ذلك ما جاء في الآية الثالثة، فامشوا في مناكبها، وكلوا من رزقه. فهو عام في الضرب في الأرض، وفي طلبِ الرزقِ والمعرفةِ، وشتى ضروب المنافع([6]).
وأما الأدلة العامة في طلب الفعل، فهي أن يأتي دليلُ الأصلِ عامًا، ولكن ليس في إباحة الفعل وإنما في طلبه. وهذا الطلبُ يكون إما على سبيل الوجوب وإمّا على سبيل الندبِ. وتبعًا لذلك، يكون الفعلُ إما واجبًا وإما مندوبًا، ويكون كلُّ ما يخدم تحقيقه أو يؤدي إليه مباحًا، أي من الوسائل المباحة في سبيل تحقيق المطلوبِ. كقوله سبحانه وتعالى: ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰ)[المائدة، 2]، وقوله: (قَٰتِلُواْ)[التوبة، 29]، وقوله: (وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ) [البقرة، 191]، وقوله: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ) [الأنفال، 60]. فالأمر بالتعاون على البر والتقوى في الآية الأولى جاء عامًا ينطبق على كلِّ ما يُعدُّ شرعًا من البرِّ أو التقوى. وجاء عامًا أيضًا لجهة كيفيةِ التعاون وليس فقط موضوعِ التعاون. فهذه الكيفيات أساليب تتغيرُ مع الزمن. وسواءٌ أكان هذا الأمر على سبيل الوجوب أم الندب، فإن كيفيات تنفيذه على الإباحة، يتم الاختيار فيها بما يناسب الظروف. فقد يكون التعاون في مساعدة فقراء، أو في طبابة، أو في إنشاء مدارس وجامعات، أو جمعيات تقوم بذلك، أو في الإصلاح بين الناس، أو غير ذلك. ومثل ذلك يُقال عن النصوص الأخرى التي تأمرُ بالقتال، وبقتلِ الكفار المعتدين، وبالإعداد. فقد جاءت توجبُ أصلَ الإعداد، وأصلَ القتالِ. ولكنَّها لم تُحدِّدْ كيفيةً بعينِها لتنفيذِ ذلك. وإنما جاءت عامةً. فيكون تحقيقُ الأصلِ المطلوبِ هو الغاية، ويكونُ اختيار كيفيةٍ يتحقق بها المطلوبُ من بين عدة كيفيات أسلوبًا مباحًا. وبما أن الكيفياتِ تتغير وتتطور تبعًا لتغيُّر الوسائل والمخترعات، ولِما تُبْدِعُه العقول والخبرات، فيكون كلُّ ذلك مباحًا يتمُّ الاختيارُ فيه بحسبِ المصالح والإمكانات.
2- منطقةُ العفوِ:
منطقةُ العفو وعموم الأدلة متشابهتان، لأن الحكمَ فيهما الإباحة؛ ولكنْ، تختلف الإباحة عن العفو بأنها من قبيلِ التخفيف أو التجاوز. أي أن الذي فيه رضىً لله سبحانه وتعالى فيه مشقة وضيق، فخفّف الله سبحانه وتعالى عن الناس بهذا العفو، أي بإباحة ما كان يمكن أن يكون حرامًا، أو أن يكون واجبًا. وفي هذا توسعةٌ على المكلفين ومزيدُ خيارات لهم. كما في الحديث عن أبي ثعلبة الخشنيرضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عله وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ، فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ، فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا»([7]). فهو يقول: إنه سبحانه وتعالى «فَرَضَ فَرَائِضَ» و»وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ»، فيكون معنى «وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ» أنَّه لم يُلحقْها بأيٍّ من القسمين. وبيّن في الحديث أنَّ هذا السكوتَ رحمةٌ للناس، فدلَّ على أنَّه ليس سكوتًا عن بيان الحكم. وإنَّما هو تخفيفٌ في التكليف، بإباحة ما كان يمكن أن يكون واجبًا، أو أن يكون حرامًا. فهذا فيه مراعاةٌ، وتوسعةٌ لدائرةِ المُباح، وبالتالي لدائرة الخيارات.
وتدلُّ على المعنى نفسِه النصوصُ التي جاءت تنهى عن الاستفصالِ في مواضعَ معينةٍ، وتأمرُ بالاكتفاءِ بالتكاليفِ الموجودةِ، وتنهى عن السؤالِ عن أشياءَ ليس فيها تكليفٌ. أي أنها
مباحة، وقد يؤدي السؤالُ عنها إلى جوابٍ يرفعُ الإباحة، وهذا فيه كُلفةٌ ومشقةٌ. قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسَۡٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ وَإِن تَسَۡٔلُواْ عَنۡهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلۡقُرۡءَانُ تُبۡدَ لَكُمۡ عَفَا ٱللَّهُ عَنۡهَاۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٞ١٠١ قَدۡ سَأَلَهَا قَوۡمٞ مِّن قَبۡلِكُمۡ ثُمَّ أَصۡبَحُواْ بِهَا كَٰفِرِينَ) [المائدة، 101-102]. ومن هذا القبيل أمرُ موسى لقومه أنْ يذبحوا بقرة: (وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تَذۡبَحُواْ بَقَرَةٗۖ) [البقرة، ٦٧]. فلفظ «بقرة» مطلق، ولو ذبحوا أيَّ بقرة لأجزأهم، ولكنهم استفصلوا بشأنها، فجاءهم الجواب مُضيّقًا عليهم، ثم تابعوا في الاستفصال، فازداد التضييق عليهم، بأنْ وجب عليهم ما كان معفُوًّا عنه، وضاقت الخيارات (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفۡعَلُونَ) [البقرة، 71]. ومنه أيضًا: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا، فقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ»([8]). ومنه أيضًا قول النبي صلى الله عله وسلم: «إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ»([9]). وفي مسند أحمد بلفظ: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا رَجُلًا سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ وَنَقَّرَ عَنْهُ حَتَّى أُنْزِلَ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ تَحْرِيمٌ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ»([10]).
جـ – صلاحية نظام الحكم في الإسلام لهذا العصر:
بناءً على ما سبق، فإن التشكيك بصلاحية الإسلام لهذا العصر هو طرحٌ قائمٌ على جهل وليس على علم. لأن أحكام الإسلام تعالِجُ أفعالَ الإنسانِ بوصفِه إنسانًا وليس بأيِّ وصفٍ آخر. وقد جاءت أحكامُه شاملةً لكلِّ أفعاله، وعامةً لكل أشكالِها أو مظاهرِها، مهما تطورت وسائل العيش والعلاقات، سواءٌ في نظام الحكم أو سائرِ أحكام الشريعة.
ولو أخذنا بعضَ الأحكامِ العامةِ كوجوبِ الخلافةِ أو الحكم بالإسلام مثالًا على ذلك، لوجدنا أنها ليست مما شأنُه التغيُّرُ بتغيُّر الزمان أو المكان. فوجوب نصبِ الخليفة حكمٌ ليس فيه ما يتغير، فهو رئاسةٌ للمسلمين، ولا دخل فيه لوسيلة أو شيءٍ يتطور. ولو نظرنا إلى شروطِ المرشحِ للخلافة، كالإسلامِ أو العدالةِ أو الذكورةِ، لما وجدنا في ذلك أيَّ شيءٍ مما يتغيَّر. والأمر نفسُه نجدُه في منصبِ القضاءِ وشروطِ القاضي، وفي كلِّ أحكامِ العقوبات والبيِّنات والشهود وشروطهم. وهكذا الحالُ في سائرِ الأحكامِ الشرعيةِ.
وإن استقراء هذا الأمرِ في شريعةِ الإسلام وأحكامِه، يدفع إلى ملاحظة هذه الخاصية، ويُنبِّه إلى أن مثاليّة التشريع والشريعة هي في هذا الثبات وليس في الحاجة إلى تغيير الشرائع. وذلك لأنَّ الإنسان ثابتٌ، وإذا ما أُضيف إلى ذلك إحاطةُ الشريعة الإسلامية بأفعاله، فإنه لا يبقى ثمَّ شكٌ أنها شريعةٌ مُعْجِزة. أمّا وصْمُ هذا الثباتِ بالجمود والعجز، ووصفُ تغيير الشرائع بأنه تقدُّمٌ وتطوُّرٌ، فهو لا يقوم على أدلةٍ أو وقائع، وإنّما على أوهامٍ وأخلاط. وما التغييرُ والتبديلُ في الشرائعِ إلا نتيجةَ فشل وتخبط، يؤيدُ ذلك قوله سبحانه وتعالى: (وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ) [طه، 124]. وما هذا الشقاءُ الذي يتَقَلَّبُ العالمُ على أشواكِه، ويتلظَّى في سعيرِه إلا دليلًا على ذلك.
وإن ما في الشريعة الإسلامية من عمومِ نصوصٍ وأحكام، ومن إحاطةٍ بأفعال العباد، إضافةً إلى أصل إباحة الأشياء، يجعلُها رحبةٌ في اتساعِها لأحكامِ المستجدات، وفي الاستجابةِ لمقتضياتِ العصر، ورعاية شؤون الناس كافة في كل زمانٍ ومكان. وهو مما يدل عليه قوله سبحانه وتعالى: (وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ) [النحل، 89]؛ ولذلك كان طبيعيًا جدًا أنِّ يحْكُمَ أميرُ المؤمنين عمر رضي الله عنه دولةً متراميةَ الأطراف، ولا يعرف حكمُه غيرَ الإسلامِ نظامًا. وكان طبيعيًا أيضًا أن يُطوِّر الإدارة، فيستحدث الدواوين ويُنشئ المصالح، تحت رقابةٍ رجالٍ صحابةٍ، متأهبين للأخذ على يدِ أيٍّ حاكمٍ يحاول الخروج عن أحكام الشريعة، وتقويمِه إذا اعوجَّ. وهذا يدل على أن هذا التطوير والإنشاء هو مما جاءت الشريعة بأصوله، ومما يقتضيه تحقيق مقاصد الشرع والشارع.
وعلى ذلك فالشريعة الإسلامية صالحةٌ لهذا العصرِ، ولكل العصور. ونظامُ الحكمِ الإسلامي صالحٌ ولا ريب، لهذا العصر ولكل عصر. ولا يوجدُ أيُّ سببٍ لشكٍّ في هذا الأمر.
[1]– محمد صدقي البورنو، موسوعة القواعد الفقهية، 2، 280. لذلك كانت كل أشياء الكون مباحة للانتفاع بها، إلا ما نص عليه دليل بعينه كالميتة والدم والخنزير… أو بصفته كذي المخلب من الطير وذي الناب من السباع… عن ابن عباسرضي الله عنه : “نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ”. المسند الصحيح، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان (34)، باب تحريم أكل كلِّ ذي ناب من السباع، وكلِّ ذي مخلب من الطير (3)، الحديث (1934)، 3، 1534.
[2]– الجويني، البرهان في أصول الفقه، تحقيق: عبد العظيم محمود الديب، المنصورة، دار الوفاء، ط3، 1412ه/1992م، 2، 723، فقرة 1133.
[3]– هذه المساحة وقواعدها، هي التي تبيِّن مجال المتغيرات وتضبطها ضمن إطار الشريعة السمحة.
[4]– عُرِّف الحكم الشرعي بأنه خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلَّفين أو (العباد)، بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع. أما التخيير فهو الإباحة، وأما الاقتضاء فهو طلب الفعل وطلب الترك، وينقسم كلٌ منهما إلى طلبٍ جازمٍ وطلبٍ غير جازمٍ، فطلب الفعل الجازم هو الفرضُ أو الواجبُ، وطلبُ الفعلِ غيرُ الجازمِ هو المندوبُ، وطلبُ التركِ الجازمُ هو الحرامُ أو المحظورُ، وطلبُ التركِ غيرُ الجازمِ هو المكروه.
[5]– ينظر: محمد صدقي البورنو، موسوعة القواعد الفقهية، 12، 87.
[6] – قوله سبحانه وتعالى: (جَعَلَ لَكُمُ)، أي ذللها لكم لتنتفعوا بها، وهذا إباحة لكل منفعة فيها إلا ما يُستثنى بدليل.
[7]– ينظر: أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (-795ه/1393م)، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم، تحقيق شعيب الأرناؤوط وإبراهيم باجس، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط7، 1422ه/2001، 2، 150، الحديث (30)، وقال: “حديث حسنٌ رواه الدارَقطني وغيره”. وينظر: نبيل سعد الدين سليم جرار، الإيماء إلى زوائد الأمالي والأجزاء، الرياض، أضواء السلف، 1428ه/2007م، الحديث (5389)، 6، 127. وفي الموضع نفسه رواية للطبراني بلفظ: “إنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَسَنَّ لَكُمْ سُنَنًا فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَشْيَاءَ فَلَا تَعْتَدوهَا، وَتَرَكَ بَيْنَ ذَلِكَ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ مِنْ رَبِّكُمْ، رَحْمَةً مِنْهُ فَاقْبَلُوهَا وَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا”.
[8]– مسلم، المسند الصحيح، كتاب الحج (15)، باب فرض الحج مرة في العمر (73)، الحديث (1337)، 2، 975. والسائل كما في غير هذه الرواية هو الأقرع بن حابس.
[9]– متفق عليه، البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (96)، باب ما يُكره من كثرة السؤال وتكلُّف ما لا يعنيه (3)، الحديث (7289)، 9، 95. ومسلم، المسند الصحيح، كتاب الفضائل (43)، باب توقيره صلى الله عليه وسلم (37)، الحديث (2358)، 4، 1831، واللفظ لمسلم.
[10]– أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل (-241ه/855م)، مسند الإمام أحمد بن حنبل، أو المسند، تحقيق شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد وآخرون، بيروت، مؤسسة الرسالة، الحديث (1520)، 3، 105.
2019-05-19