«ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةً… ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّة»
التغيير الكوني القادم
عن حُذَيْفَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ فِي النُّبُوَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» ثُمَّ سَكَتَ. [مسند أبي داود الطيالسي].
إن هذا الحديث الصحيح الجامع، يكشف مختلف المراحل التي سيمر فيها المسلمون على مر التاريخ، وهو من دلائل النبوة، وقد صدَّق عليه الواقع في كل مرحلة مر بها حتى الآن: من مرحلة النبوة، إلى مرحلة الخلافة الراشدة، إلى مرحلة الملك العاضّ، إلى مرحلة الملك الجبري التي نحن بصددها، إلى مرحلة الخلافة الراشدة التي نحن بانتظارها. وهو إن شكل نذيرًا للمسلمين بانتقاله من الخلافة الراشدة إلى الملك العاض الوراثي، فإنه يشكل لهم اليوم بشيرًا بالتنبؤ الصادق بانتقال الأمة من مرحلة الحكم الجبري الذي يكتوون فيه إلى مرحلة الخلافة الراشدة التي هي أزهى العهود بعد النبوة.
إن هذا الحديث يشير بوضوح إلى أن التغيير الذي ينتظره المسلمون اليوم، من الحكم الجبري الذي يتسلط على الحكم فيه، في بلاد ممزقة مقسمة، حكام عملاء للغرب الكافر، يحكمونهم بدساتير وضعية علمانية… إلى الحكم بالخلافة الراشدة التي تجمع المسلمين في دولة واحدة جامعة، تحكمهم بدستور واحد منبثقة أحكامه من العقيدة الإسلامية… هو تغيير كوني وليس مجرد تغيير نظام حكم في بلد من بلاد المسلمين مع المحافظة على التشرذم.
فدولة الخلافة هي، في بذرة إنشائها، دولة عالمية، ستنقل المسلمين منذ أول قيامها إلى أمة واحدة في الفكر والمشاعر والنظام، وفي الأرض الواحدة التي تضمهم بكل خيراتها؛ وذلك مصداقًا لقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ﴾ [الأنبياء] إنها دولة تجمع مليار و800 مليون نسمة، لأمة ولود في نسلها، ولود في فتح القلوب عليها، أمة عقيدتها حية، ورجالها ليسوا كسائر الرجال. دولة موقعها يمسك بخواصر دول العالم، وغناها بالثروات الطبيعية يفوق التصور؛ ما يجعلها أغنى الدول وأقواها على الإطلاق، وليس لها من مكان تقتعد فيه سوى الذروة، والقوامة على العالم قوامة هداية ورعاية ونشر فضيلة الإسلام، وهذا هو المركز السامي الذي يتناسب مع الغاية التي وجدت من أجلها لتحسن القيام بوظيفتها ولتكون كلمة الله هي العليا… من هنا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يبشر المسلمين بهذه المرحلة فهو يبشرهم ببشارة حقيقية. وتأكيدًا منه صلى الله عليه وسلم على حصول هذه البشارة، وردت أحاديث أخرى تخبر عن حدوث بشارات تتلوها؛ فقد روى مسلم والحاكم وغيرهما عن ثوبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وأن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها». وروى ابن حبان في صحيحه عن المقداد بن الأسود عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلًا يذل به الكفر». وروى البخاري عن أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ وَرَاءَهُ الْيَهُودِيُّ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ». رواه البخاري.
إن من يقارن بين ما جاء في هذا الحديث الشريف، والواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم من تكالب الكفار عليهم، ومن قيام ثورات تمت فيها المطالبة بالخلافة، ومن صدور تصريحات من زعماء الغرب ومفكريه، وكذلك صدور دراسات من مراكز الأبحاث الغربية، وخاصة الأميركية منها، تحذر من قيام الخلافة… ثم من ينظر كذلك إلى وجود حزب التحرير في الأمة، والذي يمثل فيها دعوة صادقة واعية جادة لإقامة الخلافة الراشدة، والذي أعدَّ فيها دستورًا إسلاميًا للحكم بما أنزل الله من خلاله، وأعدَّ لها رجال دعوة ورجال دولة على مستواها، وهو هيَّأ، ولا يزال، الأمة لاحتضان هذه الدعوة والدولة متى قامت، ولحمايتها ولقيامها معه متى جاء أمر الله، وينتظر هذا المشروع اكتماله بقيام ثلة من الأنصار من أهل القوة بنصرة هذه الدعوة على غرار الأنصار الذين نصروا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأقاموا معه دولة الإسلام الأولى. وعلى هذا يمكن القول بكل اطمئنان إنه قد أظل زمن إقامة الخلافة التي بشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف المذكور؛ من هنا فإن هذا الحديث يعتبر بشارة من الرسول صلى الله عليه وسلم بكل معنى الكلمة.
هذه البشارة، ينبغي أن لا يستعظم حدوثها أحد من المسلمين، فكما شهدت نهاية القرن الماضي سقوط المبدأ الشيوعي ودولته الكبرى الممثلة بالاتحاد السوفياتي ومعها منظومته من الدول التابعة له؛ حيث لم يورث أهله إلا الشقاء والفقر والتضييق عليهم في الأمن والمعيشة ومناقضة الفطرة… فكذلك اليوم، جاء الدور على المبدأ الرأسمالي الذي يسود العالم، والذي بات سقوطه متوقعًا حتى عند مفكريه، فإن أهله يشهدون اليوم، ونتيجة تطبيقه عليهم، حالة من الإفلاس على كل صعيد: إفلاس في الفكر، وانعدام في القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية، وتفسخ في العلاقات الاجتماعية، وصاروا هم أنفسهم يبحثون عن بديل… هذا بالنسبة إلى أهله، أما بالنسبة إلى الآخرين فحدث ولا حرج، فقد بلغت الرأسمالية في تعاملها مع الشعوب والدول أبشع صور الظلم، بالعولمة ونهب مقدرات دول العالم، وتوليد الأزمات، وخرق القوانين الدولية التي تدعي الإيمان بها، وغرس الشقاقات العنصرية بين الشعوب، وزرع الحروب ونشر الفقر والرذيلة…
وعليه، يمكن القول إن الرأسمالية على شفا جرف هار، وتنتظر انهيارها، وهي تصارع من أجل بقائها، ويمكن القول إن العالم يعيش اليوم حالة من الفراغ الحضاري، ويحتاج لمن يملؤه، ولعل ما ينقل عن دخول أعداد كبيرة من الغربيين في الإسلام هو من هذا القبيل، ويمكن القول إن المرحلة التي نعيشها ويعيشها العالم اليوم، هي مرحلة سقوط المبدأ الرأسمالي، وسقوط منظومة دوله المتكبرة المتجبرة المتوحشة اللاإنسانية، وهي في الوقت نفسه مرحلة عودة مبدأ الإسلام إلى مسرح الحياة، وقيام دولته.
نعم، إن الحضارة الغربية تعيش أيامها الأخيرة وذلك بشهادات مفكرين منهم، والفضل ما شهد به الأعداء، وسننقل من أقوال بعضهم ما يشهد بهذه الحقيقة:
– لقد وصف (جان زيغلر)، وهو عالم اجتماع وسياسي أوروبي الرأسمالية المالية المعولمة بـ «المجتمع القاتل».
– وفي نهاية منتدى دافوس، فاجأ (كارل شواب) الحضور، بإعلانه المفاجئ أن «النظام الرأسمالي انتهى».
– وتنبَّأ الفيلسوف الدنماركي (سورن كيركغارد): أن «الجانب المادّي والنّفعي تغلّب على الجانب الروحاني في الحضارة الغربية؛ لذا سيكون السقوط مآل هذه الحضارة».
– هذا وأصدر الألماني (أوزوالد شبينغلر) كتابًا بعنوان «تدهور الحضارة الغربية» بشر فيه باقتراب موت الحضارة الغربية بعد خوضها للحروب الكونية، ولاقى كتابه شهرة واسعة…
– وفي مطلع العام الحالي، أصدر الفيلسوف الفرنسي (ميشال أونفري) كتابًا حمل عنوان «تدهور» أعلن فيه عن اقتراب انقراض الحضارة الغربيّة. ويذكر فيه أن«الحضارة الغربية تترنح، وهي بانتظار سقوطها المدوي». ويرى أنه «ليس بالإمكان فعل أيّ شي لهذه الحضارة التي تموت». ويقول أيضًا: «لقد هيمنت الحضارة الغربية على الشعوب، والحضارة التي ستقوم مقامها ستعوضها. إنها مسألة وقت فقط. الباخرة تغرق. ولم يتبقَّ لنا سوى أن نغرق بأناقة ورشاقة». ويخلص المؤلف إلى قوله: «بأن موت الغرب ليس تنبؤًا بما سيحدث، إنه تصوير لما يحدث الآن، إن أمم العالم تموت، وهي تواجه أزمة مميتة، لا بسبب شيءٍ ما يحدث في العالم الثالث، بل بسبب ما لا يحدث في الوطن وفي بيوت العالم الأول».
– أما كتاب «انتحار الغرب» لكاتبيه (ريتشارد كوك) و(كريس سميث) فقد جاء فيه: “فإذا كانت هناك أزمة للغرب، فهي أزمة تولدت تولدًا داخليًا، إنها تكمن في انهيار الغرب في الثقة في النفس، إنها تكمن في الرؤوس الغربية، إنها تكمن في الأفكار”.
وهناك الكثير الكثير من المفكرين والشعراء والكتاب الذين ينذرون الرأسمالية لقاء يوم سقوطها الوشيك، ولكن لا يسع المقام لذكرهم؛ ولكن ما يلفت النظر أكثر هو أن بعض هؤلاء رشحوا الإسلام ليكون هو البديل المنقذ والمخلص الوحيد للبشرية، وعلى سبيل المثال:
– يقول المفكر الفرنسي ديباسكييه: «إن الغرب لم يعرف الإسلام أبدًا، فمنذ ظهور الإسلام اتخذ الغرب موقفًا عدائيًا منه، ولم يكفّ عن الافتراء والتنديد به لكي يجد مبررات لقتاله، وقد ترتب على هذا التشويه أن رسخت في العقلية الغربية مقولات فظة عن الإسلام، ولا شك أن الإسلام هو الوحدانية التي يحتاج إليها العالم المعاصر ليتخلص من متاهات الحضارة المادية المعاصرة التي لا بد إن استمرت أن تنتهي بتدمير الإنسان».
– ويقول الأديب العالمي (ليف تولستوي): «يكفي محمد فخرًا أنه خلّص أمةً ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم، وأن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة».
– أما المفكر الأميركي (باتريك جيه بوكانن)، وكان مستشارًا كبيرًا لثلاثة رؤساء أميركيين، فيؤكد في كتابه «موت الغرب»: «انهيار أوروبا وأميركا و(إسرائيل) وصعود الإسلام»
وفي المقابل من هؤلاء، فقد عبر الكثير من أصحاب الرأي عن رعبهم وهلعهم من استلام الحضارة الإسلامية لقيادة العالم. فالباحث الألماني (باول شمتز): يقول: «إن انتفاضة العالم الإسلامي صوت نذير لأوروبا، وهتاف يجوب آفاقها، يدعو إلى التجمع والتساند الأوروبي لمواجهة هذا العملاق الإسلامي الذي بدأ يصحو وينفض النوم عن عينيه، هل يسمعه أحد؟ ألا من مجيب».
هذا وتتعدد الدراسات حول الإسلام وأخطاره على الغرب، فتقرير معهد «بيو» الأميركي، حول انتشار الإسلام، وجد اهتمامًا كبيرًا من وسائل الإعلام الغربية، ويذكر فيه أن الإسلام هو الدين الأسرع انتشارًا في العالم، بحسب الأرقام التي تم إعدادها والبيانات الإحصائية في الغرب خاصة.
إن ما تقدم من كلام عن التغيير ينتظره المسلمون وغير المسلمين، فالعامة من المسلمين ينتظرون أن تتغير الأوضاع بتدخل رباني من غير أن يحددوا شكله، أما العامة من غير المسلمين فإنهم يريدون أن يتخلصوا من الأزمات التي أوقعتهم الرأسمالية فيها، ومن الخواء الروحي، والتفكك الأسري، وطغيان الأنانية على كل مظاهر الحياة عندهم… ولكنهم لا يعرفون عن ماهية هذا التغيير شيئًا، إنهم يدركون أنهم يعيشون في واقع سيئ يجب أن يتغير. أما المسلمون العاملون الواعون المخلصون فإنهم لا ينتظرون بل يعملون من أجل تغيير واضح المعالم محدد الطريق، وهو «خلافة راشدة على منهاج النبوة». أما المفكرون والباحثون والاستراتيجيون من غير المسلمين فمنهم من يتوقع سقوط الرأسمالية فحسب، ومنهم من يتوقع سقوطها ويتوقع اعتلاء الإسلام مقعد قيادة البشرية، من الناحية الفكرية الحضارية المبدئية كما رأينا. من هنا يظهر الإسلام والخلافة تحديدًا منقذًا للبشرية ويظهر أنه أكثر المواضيع إثارة للنقاش على المسرح الدولي كبديل حضاري صالح، ومن هنا نفهم أن الهجمة الشرسة على الإسلام ليست عشوائية، ولا ظرفية، ولكنها هجمة منهجية يريد أهل الشر والمكر والإجرام من سياسيي الغرب أن يمنع المسلمين من إقامة دولتهم التي أمرهم الله بها، والتي هي المنقذة لهم وللبشرية من الرأسمالية الضالَّة المضِلَّة.
وعندما نقول إن الله قد أمر بها فمعناه أن الصراع يجب أن يكون صراع إيمان وكفر، حق وباطل، وهذه هي حقيقته، فالصراع هو بين عقيدتين متناقضتين لا تلتقيان، عقيدة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) التي تقوم على عبادة الله وحده، وعلى أن المسير للحياة، الخاصة الفردية والعامة الجماعية، هو أوامر الله ونواهيه، وأن الخلق والأمر لله وحده… وبين الرأسمالية التي ترفض رفضًا مطلقًا أن يكون الدين هو المسير للحياة، بل هي تصر على منع تدخل الدين في الحياة العامة، وليس بينهما أي نقاط مشتركة من حيث الأساس، بل هي تقوم على أن الشعب هو المشرع، وهو الذي يختار الحاكم الذي يحكمه بما شرعه.
فهذان خطان لا يلتقيان وليس ما يجمع بينهما، ومن قال بالجمع، فإنما يريد أن يجمع بين الحق والباطل، بين الكفر والإيمان، قال تعالى: (قُل لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ كَثۡرَةُ ٱلۡخَبِيثِۚ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ). وقال تعالى: (أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡيٞ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ ).
أما ما يطرح من إسلام معتدل أو معدَّل يأخذ من جينات الرأسمالية، فإنما هذا لعب مكشوف ومفضوح في الدين، ومحاولة يائسة للتلبيس على المسلمين، وتمديد لبؤس الرأسمالية التي أصبح أهلها يقرون بفشلها وبقرب يوم إعلان موتها ودفنها إلى غير رجعة. وهنا لا بد من كلمة أن مشروع الخلافة يلقى تشويهًا متعمدًا له في الساحة الإسلامية قام الغرب به عن طريق اختلاق خلافة مزعومة، ووقف إلى جانبه أعداء الأمة من عملائه من الحكام عن طريق المشاركة معهم بالحرب على الإسلام، وتحديدًا الخلافة، تحت شعار «الحرب على الإرهاب» وعبر عملائهم من الفضائيات التي تعمل على تصوير الخلافة أنها حلم، وعبر من يسمون بعلماء السلاطين، أو العلماء الرسميين الذين يزينون للحكام باطلهم ويكتمون الحق، ويهاجمون المسلمين العاملين للتغيير الجذري الذي بشر به الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي الختام نقول: إن الحل والخلاص ليس للمسلمين فحسب، بل وللعالم أجمعه، وإن طريقه لمعروف موصوف، وهو سلوك الطريق نفسه الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل… هذا أمر من ربنا لا خيار لنا فيه، وبهذا يعود الصراع إلى حقيقته، إلى ما يرضي الله، صراع بين الحق والباطل، بين الكفر والإيمان، ونعود إلى أسوتنا سيدنا محمد ص لقيادتنا من جديد، هكذا يفهم الدين على حقيقته فهمًا صحيحًا، لا فهمًا مريضًا سقيمًا متأثرًا بالفكر الرأسمالي المفلس، فإن من يتمسك بالساقط سيسقط معه. نعم إن البشرية تحتاج إلى هذا الدين تمامًا على الذي أنزل فيه، وهذا ما يريده الله منا ورسوله أن نفهمه، قال رسول الله ص: «وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً ، قَالُوا : وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» رواه الترمذي.