مشروع الغرب الحاقد لتمزيق الأمةِ عرقيًا وطائفيًا مآله الفشل!!
عبد الكريم أبو مصعب
يمثل الشرق الأوسط منطقةً جغرافية وحضاريةً هامة جدًّا تمتلك موارد اقتصادية كبيرة بالمقارنة مع باقي مناطق العالم. وهو ما جعل هذه المنطقة دائمًا مركزًا للأحداث الدولية، وتشكل موقعًا في غاية الأهمية لأي قوى منتصرة عالميًا. إن أي خطط للهيمنة على العالم تمر عبر منطقة الشرق الأوسط أولًا؛ لذلك أفرد الغرب اهتمامًا كبيرًا لإخراجها من وحدتها التي كانت قائمةً تحت ظل الخلافة الإسلامية، وقسَّمها غنيمةً بين دوله كمنتصرين. وحتى بعد تغير الموقف الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، بقي الشرق الأوسط (قلب بلاد المسلمين) محورَ كل خطط تحاك.
من هنا، وضع الغرب نصب عينيه أن تبقى هذه المنطقةُ تحت السيطرة، وأن تحرم من أي استقلال حقيقي؛ لأنها سرعان ما ستعود إلى عقيدتها ومبدئها لو تُركت وشأنها، فهي دائمًا تحت الدراسة المجهرية لرصد ومنع تحركها. وأي تحرك لها نحو مبدئها ودينها تسلط عليه الأضواء بغرض حرفه عن مبتغاه الأصلي.
إن العالم الإسلامي يعيش هذه الأيام مخاضًا كبيرًا، وهذا نتاج ما طبق على هذه الشعوب المسلمة من أنظمة فاسدة مناقضةٍ لعقيدتها، ونتاج ما سُلط عليها من ظلم وقهر منذ أمد بعيد؛ لذلك فهي توَّاقة إلى موقف عز يعيدها إلى مكانتها السابقة، ويرفع عنها هذا الجور والحكم الجبري؛ ولكن المسلمين يجهلون الطريقة لذلك، فهم يقعون في كل مأزق يرسم خطته الغربُ، وللأسف يقعون في نفس الخطأ مرارًا وتكرارًا، إذ يتخذونه قدوةً لهم.
وقد أصبحت اليوم هذه المنطقة تعيش بركانًا كبيرًا جدًا لا يعلم أحد مآلات ثورانه ولا نهاياته، وخاصة بعد أن نجم عن هذه الثورات (الربيع العربي) حكوماتٌ هي أقذر مما كان، وهذا أدعى لاستمرار ارتدادات واعية لهذه الثورات حتى الوصول إلى ما تصبو إليه هذه الشعوب المسلمة. ولا يغرنَّكم ما يتناقله الإعلام المغرض، فالشارع الإسلامي اليوم أكثر استعدادًا للعودة لحكم الإسلام، ولكنه مشَّوش عليه وفاقد للوعي الصحيح الكامل، وذلك بسبب ما زرعه الغرب طيلة مئة سنة على الأقل من بغضاء وكره وطائفيةٍ وحقد بعد أن نصَّب حكامًا خدمًا مهمتُهم رعاية ذلك، وبعض الأمة مخدوع بذلك.
إن ما زرعه الغرب من طائفية بيننا اليوم لم يكن له وجود قبل مئة عام. وكان إذا وُجد بين أبناء الأمة أحيانًا خلافٌ فقد كان يحل على أساس كتاب الله وسنة رسوله، ولم نصل فيما سبق إلى ما نحن علبه اليوم من فتن، ولولا غرس الغرب لهذه الأفكار وتغذيتها وما أوجد لها من واقع نعيشه ظلمًا وصراعًا مقيتًا بيننا في هذه الأيام لكان العود إلى أيام العز أقرب، ولكن للأسف أصبح من يقود عجلة هذه الأفكار ويوجه هذا الصراع يأتمر بأمر حكامنا الخونة وإعلامهم الخادع.
إن إيران حقيقةً لا تختلف عن باقي البلاد الإسلامية، فهي عبارة عن شعب مسلم وحكومةٍ خائنة خانعةٍ نصبها الغرب عليه لتنفيذ مخططاته ونهب ثرواته وتركه يعاني ويجري وراء لقمة العيش كما هو الحال في سائر البلاد الأخرى. لو قرأنا تاريخ إيران القريب لأدركنا حجم المؤامرة، ولوجدنا (مثلًا) أن إيران تم غزوها من قبل تحالف القوات البريطانية والسوفياتية عام ١٩٤١م حيث كان يحكم إيران رضا خان من عام ١٩٢٥م م إلى 1941م، ثم ترك منصبه لابنه محمد رضا شاه بهلوي الذي أمسك بالسلطة حتى ثورة ١٩٧٩م التي أطاحت به، وتخلَّل هذه الفترة محاولة اغتيال الشاه عام ١٩٤٩م من قبل أحد أعضاء حزب توده (TUDEH) اليساري. وفي الخمسينات من القرن الماضي تطور الخلاف مع محمد مصدق أحد القوميين فهرب فترة قصيرةً، وعندما أصر محمد مصدق على الوقوف مع قرار تأميم النفط الإيراني وإخراج شركات النفط الإنجليزية حينها، فرضت لندن على طهران عقوبات قاسيةً بهدف إجباره على التراجع عن القرار، ولما لم يتراجع مصدق كانت النتيجة أن قامت بريطانيا والولايات المتحدة بالتخطيط لانقلاب عُرف باسم (عملية إجاكس) أطاحت به وأنهت أثرَ التأميم، ثم أعادوا محمد رضا إلى الحكم ليبدأ برنامجًا إصلاحيًا عام ١٩٦٣م بدعم وتعاون مع الغرب، فحكم إيران بقبضة من حديد، وألغى جميع الأحزاب السياسية مع الإبقاء على الحزب الحاكم، وأعاد تشكيل الشرطة السرية (سافاك) التي مارست أبشع أنواع الجرائم ضد الشعب في هذه البلاد. كما قام الشاه بتأميم الأراضي الزراعية الكبرى. وفي ١٦ يناير ١٩٧٩م تحرك الشعب المسلمُ لينفض عنه غبارَ الذل وخاصةً عندما منع الشاه الحجاب وغيَّر المنهج التعليمي، فكان مطلبُ هذا الشعب هو تطبيق الشريعة الإسلامية واستئنافُ الحياة فيها على المنهج الرباني، ولم يكن أثناء الثورة هناك فرق بين سني وشيعي؛ حيث كانت تمثل الانتفاضةُ جميعَ شرائح المجتمع.
ولكن عندما لجأت أميركا إلى الاستعانة بالخميني الذي كان في منفاه بفرنسا، وتم إجراء اتصال بين الرئيس الأميركي جيمي كارتر عام ١٩٧٩م وآية الله الخميني – وقد وعد الأخير إن وصل إلى أعلى هرم الدولة بعدم قطع إيران النفط عن الغرب، وعدم تصدير الثورة إلى دول المنطقة – عندها تحول مجرى هذه الثورة الشعبية إلى مصلحة الولايات المتحدة الأميركية (المصدر: تسريبات ويكليكس)؛ ولذلك تم استخدام النفوذ الأميركي على العسكر لتسهيل الانقلاب لصالح الخميني؛ بينما كانت مهمة الخميني تأمين الاستقرار بالداخل، وحرف الثورة، والتخلص من قادتها المخلصين من السنة والشيعة على حد سواء!! وعند وصول الخميني إلى طهران ألقى خطابه الأول وتلاه بالخطاب الشيخ أحمد مفتي زادة، وكان هو أكبر رموز الثورة، وهو سني، ولكن عند وضع الدستور رفضه الشيخ أحمد وقال: “هذا يُدخل البلادَ في المذهبية المفرقة للصفوف” فأودع السجن بتهمة معارضة ورفض الدستور، ولم يخرج إلا قبل موته بأيام. وإلى نفس المصير ذهبت كل قيادات الثورة المخلصة!!
ومع بدء حقبته الجديدة على حساب دماء الشهداء، ظل الشعب الإيراني المسلم يطالب بعودة الشريعة؛ ولكن كان للخميني كلام أخر أخرج الثورة عن حقيقتها وعن مسارها وحولها إلى ما يريد هو وأميركا؛ لذلك وبتاريخ ٣٠ آب ١٩٧٩م تقدم حزب التحرير بنص مشروع للدستور الإسلامي المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله، وقدمه لآية الله الخميني ولجنة الخبراء لإعداد الدستور لتبنيه إن كانوا صادقين فيما يزعمون؛ ولكنهم لم يصدُقوا وخانوا دماءَ الشهداء، وبذلك تعرَّوا أمام الأمة وأمام هذا الحزب الذي كشف ألاعيبهم، وأصدر نقضًا كاملًا للدستور الإيراني ولنظام ولاية الفقيه الذي أقروه لاحقًا. وبعد تثبيت حكمه وسلطته تحكَّم الخميني بالعباد وبالبلاد، وأخذ يوسع في الشق والهوة بين صفوف الشعب الإيراني، ويزرع الطائفية بكل الوسائل، وأصبح عصًا بيد أميركا تجهزه للمرحلة القادمة لتنفيذ سياساتها في المنطقة، فأخذ يخدع العالم بعدائه لأميركا (الشيطان الأكبر) والكيان الصهيوني، وهو الأداة بيدهم، وينفذ كل مخططاتهم.
لذلك نجد ذاكرة من يبلغون أقل من ٤٠ عامًا لا يعرفون سوى أن إيران هي عدوة لأميركا، وأن الصورة محصورة بين محور الشر والشيطان الأكبر؛ إذ لم يكن معلومًا عندهم أن الطرفين تجمعهما علاقات واتفاقياتُ صداقةٍ حتى زمن قريب جدًا! والتاريخ يثبت أنه لا عداء بين الطرفين، فلا حروب بينهم، بل على النقيض من ذلك، فقد خاضت إيران حربها الأولى مع العراق التي سميت حرب الخليج الأولى التي اندلعت بعد ثورة إيران مباشرة، أي في سنة ١٩٨٠م، والتي دامت ثماني سنوات، وراح ضحيتها أكثر من مليون قتيل، وألحقت أضرارًا بالغة بالبلدين. وبغض النظر عن الصراع الدولي، فإن تلك الحرب كانت في المحصلة لمصلحة أميركا؛ حيث منعت ارتداد الثورة على الخميني بعد قتل المخلصين، وأضعفت العراق ليصبح جانبُ الخليج مكشوفًا وساحةً للابتزاز بغرض الوصول إلى السعودية، وهنالك بدأت مرحلة العداء والصراع السني-الشيعي، وهو الخلاف الدائر إلى اليوم. ومن فصول تلك الصداقة أيضًا فضيحة (إيران جيت) وبيع أميركا والكيان الصهيوني أسلحة لإيران خلال الحرب. وفي حرب 2003م على العراق، كان النظام الإيراني ركنًا من أركان نصر أميركا حيث كان هناك تناغم كبير بين الأميركين والإيرانيين، وكانت فتوى السيستاني بعدم جواز قتال القوات الأميركية بوصفها قوات تحرير، دون أن ننسى ما فعلته المليشيات الشيعية المدعومة من الحكومة الإيرانية على أرض العراق، وكذا ما صرح به آوري شمعوني في صحيفة معارف اليهودية حيث قال: “إن إيران دولة إقليمية، ولنا الكثير من المصالح الاستراتيجية معها، وما يحدث مع كياننا ليس عداءً بل هو صراع نفوذ لا صراع وجود”… فما هي هذه المصالح الاستراتيجية بين كيان يهود وإيران؟! كما يجب أن لا ننسى أيضًا دور التنظيمات الشيعية في العالم التي تمولها أميركا سرًا لنشر “الفكر الشيعي” المتطرف ليعارض الإسلام الصحيح ويدعم فكرة الصراع السني-الشيعي؛ لأن هذا الصراع يضمن وجود وبقاء الكيان الصهيوني، ومنع الأمة من التوحد. وللخطاب الإعلامي دور كبير في تصوير وتأجيج هذا العداء وعملقة حجم القوة الإيرانية بما لا يتناسب مع الحقيقة ولا بأي شكل من الأشكال، كل هذا خدمة للمصالح الأميركية في المنطقة. وما ظاهرة المفاعل النووي الإيراني إلا فزاعة لاستنزاف مالِ الخليج، ولتسمح لها كيانات المنطقة الهزيلة ببناء قواعد عسكرية فيها مثل الكويت والبحرين وقطر وعمان والإمارات والأردن ومصر والعراق، وهذا نوع جديد من الاستعمار ينافس أو بالأحرى يقضي على نفوذ الدول الأوروبية عامةً والبريطانية خاصةً، وهذا ما حدث ويحدث فعلًا إلى اليوم. وأيضًا استخدمت الولايات المتحدة إيران وحزبها في لبنان في دعم نظام الأسد في سوريا، وقد كبدت هذه الحرب حزبَ إيران الكثير الكثير من المال والرجال، ناهيك عن تعريته وفضح أكذوبة المقاومة والممانعة.
ومع اقتراب دور إيران من الانتهاء، بدأ الموقف الأميركي بالتغير تجاه إيران، والحقيقة أنه بدأ يتغير منذ اعتلاء الرئيس ترامب سدةَ الحكم، ولكن ظهر بشكل واضح جدًا عند انسحاب أميركا من الاتفاق النووي الإيراني؛ حيث فرضت عقوبات صارمة حقيقية على إيران، وسوف يتبعها عقوبات أكثر إيلامًا؛ وذلك لأن نية الولايات المتحدة في هذا الظرف استدراج الشعب الإيراني للانتفاض والقيام بحركات عصيان ضد النظام، وهذا تحديدًا ما تتمناه أن يحصل في القريب العاجل. وقد أدت هذه العقوبات إلى هروب رؤوس الأموال إلى الخارج مما أدى بدوره إلى تدهور قيمة العملة الإيرانية، وإن التراجع الكبير لقيمة التومان مقابل الدولار في الفترة الأخيرة مع كل محاولات الحكومة مكافحة ذلك؛ حيث قامت بتثبيت قيمته رسميًا مقابل الدولار بـ ٤٢٠٠ تومان، إلا أنه في السوق السوداء هو الآن أكثر من ٧٠٠٠ تومان مقابل الدولار الواحد، وهذا شكل ضغطًا كبيرًا على الحكومة، وأدى إلى هروب أكثر من مئتي مليار دولار إلى جانب أموالٍ أخرى بعلم الحرس الثوري. فحاولت الحكومةُ الخروج من الدولار إلى عملتها فلم تنجح واكتفت بالعملة الأوروبية (اليورو) في الاستبدال وفي التعاملات الحكومية. غير أن الفساد الاجتماعي الذي خلفته ولايةُ الفقيه خلال تلك الفترة ساعد على تأزم الوضع الداخلي بشكل كبير.
إن العد التنازلي لسقوط نظام ولاية الفقيه في إيران واضح للجميع، ولكن من الصعوبة التنبؤ بوقت هذا السقوط وشكلِه، فهل سيكون انتفاضةً عنيفةً؟ أم إن التغير سيحدث على طريقة الثورات المخملية؟ أم على نمط الثورات العربية. واضح أن أميركا تسعى لتقسيم منطقة الشرق الأوسط ولا ترغب في دول كبيرة فيه، وهذا يخدم مصالحها القادمة، وقد جاء الدور اليوم على إيران والسعودية لتعقبهما مصر لاحقًا، ولا يهم من هو صديق أو غير صديق!! المهم هو أن كل الأطراف تحت سيطرة أميركا، وألا يكون لها أي لاعب أخر على الساحة على الإطلاق، وأن يكون التقسيم على شكل طائفي مغموس بالدم والحقد، وللأسف سوف يقوم التقسيم على أنه هو الفكرة العملية لحقن الدماء وحل الإشكال. وقد طرحت في هذا السياق عدة مشاريع تحدثت عن ذلك نذكر منها على سبيل المثال:
-
مشروع برنارد لويس لتقسيم الدول في الشرق الأوسط الكبير والذي كتبه عقب تصريح لمستشار الأمن القومي الأميركي بريجنسكي؛ حيث قال: “إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الأولى لتستطيع أميركا من خلالها تصحيحَ حدود سايكس–بيكو”!! وقد اعتمدته الولايات المتحدة بالفعل عام ١٩٨٣م.
-
مشروع رالف بيترز الذي جاء بعد مشروع برنارد لويس، والمتمثل في دعم الانفصال على أساس حدود الدم. وقد نُشر في مجلة القوات المسلحة عام ٢٠٠٦م؛ حيث صاحبه كلام عن تقسيم منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
وهناك كلام عن كثير من المشاريع التي تكشف نية الولايات المتحدة في تمزيق المنطقة بحسب الأعراق والمذاهب (أي عرقيًا وطائفيًا ومذهبيًا) لتأمين مصالحها بشكل دائمي، ووفق أطماع الولايات المتحدة الجديدة دون سواها. وبغض النظر عن إمكانية تطبيق هذه المشاريع، أو النية الأميركية لتقسيم المنطقة ضمن خطة استراتيجية متكاملة، فإن نسبة النجاح أو الفشل تعتمد على امتلاك أهل المنطقة خطة استراتيجية شاملة مقابلة لها؛ لذلك نقول إن أي عمل تفكيكي دون قدرة على بناء كيان إسلامي موحد ضمن رؤية ثابتة مبدئية فهو عمل يصب في مصلحة المخطط الأميركي حتمًا؛ لذلك وجب على الذين يعملون دون نظرة شاملة واضحة وأهداف حقيقية مبدئية محددة أن يراجعوا حساباتهم؛ لأنهم بذلك يخدمون الغرب عدوَّ المسلمين، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا. فيجب على جميع الشعوب الوقوف ضد أي مشروع انفصالي مهما كان يظهر أنه حل مؤقت، فهو سوف يؤدي إلى ضياع الكيانات وشرذمة أكبر للقضية، ونصبح في مواقع أضعف مما نحن عليه اليوم. والنتيجة هي أن ما لم نقبله بالأمس قد نقبله غدًا لشدة ضعفنا وعدم قدرتنا على مواجهة الأمر؛ لذلك على كل الشعوب المنتفضة أن تعي أن حلول التقسيم هي بمثابة مسمار في نعش هذه المنطقة، ويجب على كل الشعوب التي تتطلع إلى العزة والعودة إلى عز السلف أن تنظر بمنظار الشرع المبني على الوعي السياسي المنبثق من العقيدة الإسلامية، وأن كل خلاف بين أبناء الأمة الواحدة له حل في الشرع ويزول، ولكن يجب على كل الشعوب الإسلامية أن تخلع زمرةَ الحكام المتسلطة على رقابها وأن تصمَّ آذانها للإعلام المغرض الذي يوجه عقولنا إلى ما هو في غير مصلحتنا ومصلحة ديننا، فهمُّ الغرب الوحيد هو عدم عودة مارد الإسلام ولا بأي شكل من الأشكال إلى مسرح السياسة الدولي؛ ذلك أن الغرب يعي تمامًا أن الإسلام له حضارة مستقلة كل الاستقلال عن غيرها من الحضارات، ويتمتع بتاريخ حضاري كبير جدًا، وأنه جدير بأن يقيم قواعد عالم جديدٍ دون الحاجة إلى الاستناد إلى أي ركيزة من ركائز النظام الغربي أو غيره، ونحن المسلمون ننتمي إلى عقيدة راسخة رسوخ الجبال رغم كل ما عبث به الغرب عبر مئة سنة (على الأقل) فكان الإخفاق الكامل نتيجة جهوده الكبيرة!
إن العالم الإسلامي عملاق كان نائمًا، واليوم يصحو من بعد غفلة وغفوة، وإن شاء الله ستعي هذه الشعوب أنها أصل القوة، وأن حكامها ما هم إلا دُمىً في يد أعدائها؛ لذا وجب على كل مؤمن غيور يشهد أن لا إله إلا لله وأن محمدًا رسول الله أن يدفع بقوة لتحقيق مشروع الأمةِ المضاد لهذا المكر، وليس ثمة مشروع يحقق هدف إعادة استئناف الحياةِ الإسلاميةِ سوى مشروع حزب التحرير الذي هو أصلًا منبثق عن كتاب الله وسنة رسوله، وهو يعمل في الأمة منذ ٦٥ عامًا، وقد بنى بعون الله كتلةً كبيرة جدًا، وهو يواكب الصراعاتِ الدولية والتغيراتِ على الساحات الداخلية والخارجية، وله قدرة على قيادة الأمة بكل جدارة، بعون الله تعالى إلى بر الأمان.
فيا شعب إيران الأبي، إن الحل لا يصدر من أولئك الخونة والعملاء، ولا بالركون لقرارات الدول الكبرى أو ما يطلق عليه المجتمع الدولي برمته، بل الحل في صلب عقيدتنا، وهو بتحكيم الشرع والالتزام بالقانون الرباني، فالحل يكمن في دولة الخلافة الراشدة التي وعدنا إياها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فهي تحمي الحِمى، وتحقن الدماء، وترفع الظلمَ، وتحق الحق، وتبطل الباطل.
ويا جيوش المسلمين في كل بقاع الأرض: اعملوا لنصرة هذا الدين وحقن دماء المسلمين، وفوزوا بعزَّي الدنيا والآخرة، ولا تكونوا أداةً إجرامية بيد الظالمين من العملاء والخونة فينالكم سخط من الله العزيز الجبار. قال الله تعالى: ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥ ﴾، وقال جل شأنه: ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾.