العوامل الجغرافية لقوة الدولة وضعفها ـ دراسة بدائية ومختصرة (1)
عبد الحميد عبد الحميد
الدولة مؤسسة تستمد هيبتها من ثقة الأمة التي شكلتها بهدف تحقيق طموحاتها داخل حدودها وخارجها، فلا بد من حيازتها قوة تمكنها من تحقيق تلك الطموحات… وهذه دراسة بدائية ومختصرة لأهم العوامل الجغرافية لقوة الدولة وضعفها، لخصتها من أحد كتب الجغرافيا السياسية، لتنبيه الشباب عليها، وتكون نواة لدراسات تالية متخصِّصة ومعمَّقة.
1 ـ الموقع الجغرافي:
يجب على موقع الدولة أن يعينها على بناء قوتها العسكرية والاقتصادية، حائلًا دون تعريضها إلى ضغوط خارجية كبيرة؛ لذلك يجب أن تكون الدولة ذات شواطئ على بحار دافئة ومفتوحة، تسرّع من عملية تطوير اقتصادها، وتصلها بمن تشاء من الدول والقارات، على عكس الدول القارية المحرومة من الشواطئ. فموقع البرتغال المشرف على شاطئ الأطلسي الصالح للملاحة والمفتوح على العالم بطول /600/ كم ساعدها على احتلال بلدان بعيدة عنها في كل من أفريقيا وأميركا اللاتينية، إبَّان عصر النهضة والكشوف الجغرافية. أما موقع هنغاريا القاري فيجعلها تحت رحمة الدول المحيطة بها وهي: رومانيا وأوكرانيا وسلوفاكيا والنمسا وسلوفينيا وكرواتيا وصربيا. وأمامها للنفاذ إلى البحر المتوسط المرور عبر رومانيا وصولًا إلى البحر الأسود، أو عبر دول يوغوسلافيا للوصول إلى البحر الأدرياتيكي، أو سلوك الطريق البري اليوغوسلافي الإيطالي للوصول إلى الموانئ الإيطالية؛ حيث تعد هذه البوابة الأفضل لهنغاريا في علاقاتها التجارية مع بلدان أفريقيا. وهناك دول مشرفة على بحار شبه مغلقة، كرومانيا وبلغاريا المشرفتين على البحر الأسود الذي تشرف تركيا على ذراعه المائي الذي يصله بالبحر المتوسط؛ حيث يعدُّ هذا الذراع الشريان الحيوي لكل منهما، فذلك أخف وطأة من عدم الإشراف على أي بحر. وعلى الرغم من التطور الذي طرأ على وسائل النقل البري والجوي، فلا تزال الدول القارية تعتمد على إحدى الدول المجاورة أو أكثر لتنشيط تجارتها واقتصادها.
ويدفع الموقع القاري دولته للتوسع على حساب جيرانها إذا ما وجدت القوة العسكرية والاقتصادية المناسبة للوصول إلى الشواطئ البحرية. وخير مثال على ذلك الأطماع التاريخية للروس في الوصول إلى البحر الأسود، ومنه إلى البحار الدافئة عبر مضيقي البوسفور والدردنيل.
ويكون موقع الدولة عامل ضعف إذا كان قريبًا من دولة قوية، كموقع منغوليا بين روسيا والصين المتنافستين أبدًا على السيادة الإقليمية في منطقتيهما. ويزيد من ضعف هذه الدولة المطالب القومية الصينية فيها، بالإضافة إلى كون موقعها قاريًا محرومًا من أي شاطئ، وقلة عدد سكانها البالغ /3/ مليون نسمة فقط بالنسبة إلى مساحتها الضخمة البالغة /1.5/ مليون كم2.
ويمكن الاستفادة من قرب موقع الدولة من دولة قوية من قبل دولة ثالثة منافسة لها في القوة؛ حيث يمكن جعلها رأس حربة في الهجوم عليها، أو جعلها بمثابة شوكة في خاصرتها وعامل ضغط عليها وتهديد، كالاتحاد السوفياتي الذي استفاد يومًا من قرب موقع كوبا من الولايات المتحدة.
ومما ساعد الاتحاد السوفياتي في استخدام كوبا لهذا الغرض، اختلاف النهج السياسي والاقتصادي بين كوبا الاشتراكية والولايات المتحدة الرأسمالية، إضافة إلى التباين الديني واللغوي والعرقي بينهما، حيث ينحدر الشعب الكوبي، كعموم شعوب دول أميركا الوسطى والجنوبية، من المجموعة العرقية اللغوية اللاتينية (اللغات الإسبانية والبرتغالية والإيطالية والفرنسية)، ويدين بالمسيحية الكاثوليكية، على خلاف الأصل العرقي واللغوي للشعب الأميركي الذي ينحدر من العائلة العرقية اللغوية الجرمانية (اللغات الإنجليزية والألمانية)، ويدين بالبروتستانتية والمذهب الإنجليكاني، إضافة إلى الظلم الناتج من اعتبار الولايات المتحدة لأراضي القارتين الأميركيتين المجال الحيوي لها، والخاضع لهيمنتها العسكرية والاقتصادية. وكذلك موقع اليابان في المحيط الهادي قبالة شواطئ دولتين كبيرتين هما روسيا والصين، فيشكل تحديًا أمام عودتها دولة عظمى، إضافة إلى ندرة مواردها الطبيعية من المواد الخام وسهولة حصارها بحريًا.
وتزداد أهمية موقع الدولة من خلال ما يكتشف فيها من المواد الخام الضرورية للتطور الصناعي الحديث، كبلدان الخليج العربي التي ستفقد جزءًا كبيرًا من أهمية موقعها في حال نضوب مادة النفط؛ حيث تشكل هذه البلدان حاليًا البقرة الحلوب التي تمد العجل الأوروبي والأميركي بالحليب.
وبعض الدول القارية تتصل بالعالم الخارجي عبر شواطئ مائية لبحار غير مفتوحة تمامًا في وجهها، كروسيا التي تشرف من الشمال على المحيط المتجمد الشمالي غير الصالح للملاحة طوال العام بسبب تجمده، ومن الشرق على المحيط الهادي ولكنه طريق طويل من أجل الوصول إلى البلدان المتأخرة صناعيًا واقتصاديًا حيث ميدان الصراع بين الدول العظمى، ومن الشمال الغربي تطل على بحر البلطيق الذي يخضع منفذه البحري لسيطرة الدانمارك الدولة العضو في حلف الناتو، وتشرف من الجنوب على البحر الأسود الذي لا يقود الروس إلى البحار الدافئة إلا عبر مضيقي البوسفور والدردنيل الخاضعين لسيطرة تركيا العضو كذلك في حلف الناتو.
ووقوع الدولة على الطرق التجارية الرئيسية والممرات الهامة كالمضائق والقنوات واحتواؤها على الرؤوس والخلجان يكسبها أهمية كبرى، ومثالها البلدان العربية التي تحتل عنق الزجاجة للعالم القديم، والبوابة المطلة على كل من العالمين المتطور والمتخلف صناعيًا. ولكن أهمية هذا الموقع يفرض على شعوبه إقامة دولة قوية تحميه دائمًا من أخطار الاحتلال ومطامع الطامعين.
هذا وإن الموقع القاري يدفع الدولة إلى امتلاك قوة برية ضاربة تدعمها القوة الجوية المناسبة، كما هو لروسيا اليوم وكما كان لألمانيا يومًا. بينما يدفع الموقع البحري أو الجُزُري الدولة لامتلاك القوى البحرية المناسبة، كما هو لأميركا اليوم، وكما كان لبريطانيا واليابان سابقًا.
أما الموقع الجُزُري فذو أهمية خاصة؛ حيث يشكل البحر المحيط عامل وصل بالعالم الخارجي، وفي نفس الوقت يشكل عامل فصل وعزلة، وينمي في شعب الجزيرة روح الشجاعة وارتياد المخاطر، ويدفع الدولة إلى بناء أسطول بحري ضخم يمكّنها من الغزو والسيطرة.
وأخيرًا فموقع الدولة بالنسبة إلى خط الاستواء مؤثر في قوتها، فكلما كان المناخ معتدلًا رطبًا قليل الحرارة ساعد على قيام دول قوية ومدنيات كبرى، كالدول والمدنيات التي قامت في حوض المتوسط وسادت العالم.
-
ـ الرقعة السياسية ـ المساحة:
تعد الرقعة السياسية بمثابة الجسد الحقيقي للدولة، الذي تستمد منه عناصر قوتها من عوامل جغرافية وموارد اقتصادية وإمكانيات دفاعية. وكما تمتد الرقعة السياسية إلى مياه البحر الذي تشرف على شواطئه أراضي الدولة، حيث يصل عمق المياه الإقليمية إلى ما يزيد على /22.2/ كم حسب ما تم إقراره في ما يسمى بالقانون الدولي بحسب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ـ جامايكا 1982م، فإن الدولة كذلك تبسط سلطانها على أجواء رقعتها السياسية.
وتتفاوت الدول في مساحاتها تفاوتًا كبيرًا، فهناك دول عملاقة كروسيا الاتحادية التي تزيد مساحتها على /17/ مليون كم2، وكندا التي تكاد تصل إلى /10/ مليون كم2، والولايات المتحدة /9.8/ مليون كم2، والصين /9.6/ مليون كم2، والبرازيل /8.5/ مليون كم2، وأستراليا /7.7/ مليون كم2. وهناك دول قزمة تكاد لا ترى على الخريطة، كقطر /11.5/ ألف كم2، ولبنان /10.5/ ألف كم2، والبحرين /765/ كم2، ومالطا /316/ كم2، وجزر المالديف /298/ كم2، وإمارة ليشتنشتاين /160/ كم2. وللمقارنة فمساحة محافظة حلب تبلغ /18.5/ ألف كم2.
وتتميز الدولة ذات المساحة الواسعة باحتوائها على مناخات متعددة وترب مختلفة، وبالتالي تمتلك ثروات جيولوجية ونباتية وحيوانية متنوعة، وتكون مهيئة لإنتاج اقتصادي متنوع يحقق التكامل، وتمتلك بها القدرة على استيعاب عدد أكبر من السكان؛ حيث تعد الرقعة الكبيرة عامل قوة للدولة إذا ما رافقها نمو سكاني وتطور تقني كافٍ لاستغلال موارد تلك الرقعة.
ووجود مساحات واسعة ضمن الدولة الكبيرة غير صالحة للاستثمار الاقتصادي بسبب رداءة الظروف المناخية أو انعدام الثروات المعدنية يشكل عبئًا على الدولة، ويسهم في توزيع السكان توزيعًا غير متعادل. فالجفاف في صحارى وسط أوستراليا، والحرارة الشديدة والمطر الغزير والغابات الكثيفة وسط البرازيل وغربها، والمناخ البارد شمال كندا وغربها، جعل المناطق الأكثر ازدحامًا في كل من هذه الدول هي الأطراف الخارجية، بينما تخلو مناطق كبيرة تمامًا من السكان. لكن الإنسان، ومع التقدم العلمي والتقني، يستطيع تذليل كثير من الصعوبات الطبيعية، كما في حالة شق الأقنية المائية واستصلاح الصحارى، مما يسمح بإيجاد مراكز سكنية جديدة.
وتظهر القوة الكامنة للمساحات الكبيرة للدول أثناء الحروب، حيث تلعب المساحات الواسعة دورًا هامًا في إمكانية الدفاع والمقاومة ضد الغزاة في حالات الاجتياح العسكري، حيث تمنحها المرونة الكافية والقدرة على استيعاب واحتواء القوات الغازية ليتم الإجهاز عليها بعد إنهاكها، فيما يسمى في الاستراتيجيا العسكرية بـ”الدفاع في العمق”. وذلك على عكس الدول الصغيرة التي تسقط بالضربة الخاطفة الأولى، كما حدث لبلجيكا في الحربين العالميتين عندما سقطت بسرعة على أيدي القوات الألمانية، وكما حدث للكويت أمام العراق عام 1990م. بينما كانت الأراضي الروسية مقبرة للغزاة الفرنسيين أيام نابليون، والألمان أيام هتلر.
فأيام نابليون، قرر القائد الروسي كوتوزوف من أجل الحفاظ على الجيش الروسي قرارًا مؤلـمًا بالانسحاب من موسكو نحو الجنوب وتسليمها للفرنسيين دون قتال، بعد أن فضّل جميع القادة الموت تحت أسوارها، وقال كلمته: “إن خلاص روسيا ببقاء جيشها”. ووافقه أحد القادة بالقول: “إذا كان الأمر موقوفًا على سلامة روسيا وأوروبا، فموسكو ليست أكثر من مدينة مثل باقي المدن”، وقال الثاني: “إنه لفخر أن نموت تحت أسوار موسكو، ولكن الموقف الآن ليس هو موقف اكتساب الفخر”. وهكذا انسحب كوتوزوف بالجيش واستفاد من العامل الجغرافي الذي يقف لصالح قواته وضد القوات الفرنسية التي تجاوزت /600/ ألف مقاتل توغلوا في أراضٍ واسعة المساحة وباردة تغمرها الثلوج، وبعيدة عن أماكن إمدادهم بالمؤن والعتاد والرجال. وبعد مدة وجيزة قضي على جيش نابليون الذي لم يبقَ منه سوى /40/ ألف مقاتل. وقد تكرر هذا الفعل الروسي بقيادة المارشال جوكوف الذي تراجع وماطل وقام بالمناوشات اليومية والمعارك الجانبية الاستنزافية استعدادًا للمعركة الفاصلة مع القوات الألمانية المنطلقة كالسهم، والتي احتلت من روسيا أكثر من مليون كم2 ووصلت إلى ضواحي موسكو أيام هتلر؛ حيث قصمت ظهرها الظروف المناخية السيئة كذلك وأرغمتها على الانكفاء. فمما يرهق العدو المندفع التراجع إلى العمق الاستراتيجي، ومقاومته أثناء التراجع حتى تنهك قواه في معارك غير حاسمة، وتأجيل الحسم إلى وقت تصبح فيه قوات العدو منهكة وبعيدة عن مراكز إمدادها. وكذلك الأمر مع احتلال اليابانيين لجميع الأجزاء الساحلية للصين قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، حيث استطاع الصينيون احتواء هذا الغزو ومواصلة الدفاع والمقاومة والمحافظة على الدولة.
وتبقى الدول الصغيرة عاجزة تمامًا عن التغلب على عيبها المتمثل في صغر مساحتها، حتى ولو استغلت أفضل استغلال. وإن أي نصر تحققه دولة صغيرة على دولة كبيرة لهو نصر مؤقت، ويشكل عبئًا على الدولة الصغيرة التي ستجد نفسها مضطرة لنشر وتشتيت قواتها في الأراضي المحتلة. ومثاله كيان يهود وجواره العربي الكبير.
-
ـ الشكل:
يلعب شكل الدولة دورًا هامًا في الدفاع عنها أيام الحروب، وفي تنظيم الداخل إدارايًا واقتصاديًا ومواصلات. فكلما كان شكل الدولة ملمومًا وأطراف الدولة متقاربة البعد عن مركزها أعطاها ذلك قدرة على الدفاع؛ لعدم حاجتها إلى بعثرة قواتها على أطرافها البعيدة لأجل حمايتها واستقرار أمنها، وكانت ضابطة لحدودها بشكل أفضل، وساعدها في بناء شبكة مواصلات مركزية تصل ما بين العاصمة وبقية المراكز الإدارية بشكل متساوٍ، مما يؤدي إلى تسهيل استتباب الأمن، وتوزيع سلطة الدولة على أرجائها بقدرٍ متساوٍ. ومن الأمثلة على تلك الدول كل من رومانيا وبولونيا.
وتمتاز الدولة ملمومة الهيئة بقصر حدودها بالنسبة لمساحتها، مما يقلل من نقاط الضعف الدفاعية. ويزداد أمن الدولة واستقرارها كلما اقتربت عاصمتها من وسطها، على خلاف الدول ذوات العواصم المتطرفة.
أما الدول المتطاولة فتزيد فيها نقاط الضعف على حدودها خلال الدفاع ضد أي هجوم خارجي؛ لأن قواتها تكون مبعثرة بشكل متقطع كي تستطيع تغطية الحدود الطويلة. ويزيد هذه الدول ضعفها إذا ما جاورت دولًا معادية على طول الحدود. أما إذا جاورت دولًا متجانسة معها في الأصول البشرية والنمو الاقتصادي فيخف العبء عنها كثيرًا. وتكون الدولة محظوظة إذا ما فصل بينها وبين جيرانها حواجز طبيعية تسهل عليها الدفاع عن نفسها من جهتها مع نشر أقل عدد ممكن من القوات عليها.
ومثال الدولة المتطاولة تشيلي التي يزيد شريطها الساحلي على /4000/ كم في إشرافه على المحيط الهادي، وتقارب حدودها الشرقية مع الأرجنتين هذه المسافة، لكن ساحلها بعيد جدًا عن اليابسة المقابلة حيث دول شرق وجنوب آسيا، مما يجعل الدولة شبه معزولة وقليلة التعرض إلى هجوم بحري، إضافة إلى الطبيعة التضريسية الجبلية الوعرة على الجانب الغربي من الدولة مما يؤمن الحماية لمراكز السكن شرقها. بينما حدود تشيلي الشرقية مع الأرجنتين فمستقرة وهادئة لعدم وجود خلافات إقليمية على الأرض، أو في النمو الاقتصادي، أو حتى في الأصول البشرية واللغوية والقومية. فالجميع ينتمون إلى المجموعة اللغوية اللاتينية، إلى جانب السكان الأصليين من الهنود الحمر والهجناء من التزاوج ما بين الطرفين، والجميع يدينون بالمسيحية الكاثوليكية.
لكن مع وجود تلك الصفات المشتركة يمكن للدولتين المتجاورتين أن تشتعل بينهما نار الخلاف إذا كانتا تتبعان نهجين سياسيين وبالتالي اقتصاديين واجتماعيين مختلفين، كما كان قائمًا من خلافات بين نيكاراغوا الاشتراكية المدعومة من الاتحاد السوفياتي وبين هندوراس الرأسمالية المدعومة من أميركا، أو ما هو قائم بين الكوريتين.
أما النرويج فلا يشكل شكلها الطولاني عبئًا كبيرًا عليها في الدفاع لكون ما يزيد على نصف طول شريطها الساحلي يشرف على المحيط المتجمد الشمالي، والباقي على الأطلسي. وإن موقع النرويج لذلك يقلل من أهميتها الاستراتيجية إذا ما استثنينا ساحلها الجنوبي المشرف على بحر الشمال، والذي كان يمكن أن يستخدم كقواعد عسكرية لحلف شمالي الأطلسي ضد السوفيات الذين كانوا مندفعين غربًا عن طريق بحر البلطيق باتجاه الأطلسي لشل حركة البحرية الأميركية في النقل والإمداد إذا ما حدث صدام بين الدولتين على الساحة الأوروبية. أما الحدود الشرقية للنرويج فهي مشتركة مع السويد، وكلاهما عضو في حلف الناتو الذي أوجدته أميركا كسد حديدي في وجه زحف الاتحاد السوفياتي غربًا نحو أوروبا، ولتخفف عن نفسها من عبء مواجهته؛ حيث تصبح دول غرب أوروبا تتحمل عبء الدفاع عن نفسها ضد الهجمة السوفياتية.
وأما الشكل المتطاول لإيطاليا في عُرض المتوسط فيعطيها مرونة في الحركة، حيث يسهل اتصالها بدول أفريقيا وشرق المتوسط، وقد ساعدها في سيطرتها على معظم البلاد المشرفة على المتوسط زمن الدولة الرومانية. وحدودها الشمالية مع النمسا وسويسرا تجعلها تستفيد من القوة الاقتصادية الأوروبية بعلاقات التعاون وحسن الجوار، حيث تتفرغ للتغلغل العسكري والاقتصادي جنوبًا وشرقًا إذا استطاعت. وهذا الاعتبار كان قاعدة التحالف بين إيطاليا موسوليني وألمانيا هتلر، حيث كان المأمول أن تستفيد ألمانيا من الموقع الهام لحليفتها.
وهناك الشكل المتناثر للدول عندما تتكون من مجموعة من الجزر المبعثرة والمتقاربة كما هو حال الفليبين وإندونيسيا واليابان، حيث يصل طول امتداد جزر الأخيرة إلى حوالى /2000/ كم. ومن سلبيات هذا الشكل صعوبة بناء سلطة مركزية قوية، وإضعافه لعملية الدفاع لاضطرار الدولة إلى بعثرة قواتها في جزرها كافةً، مما يسهل قيام حركات تمرد وانفصال للجزر البعيدة، ويسهل غزوها من الخارج.
والموقع الجُزُري يلعب وظيفتين متناقضتين معًا، وهما سهولة الاتصال بالعالم الخارجي عبر البحر إذا كان مفتوحًا، وفي نفس الوقت يشكل حماية من الأخطار الخارجية، إلا من خطر دولة تمتلك قوة بحرية تفوق قوة دولة الجزر البحرية. ومن أمثلتها بريطانيا.
وقد كان اتصال إيطاليا بالبر الأوروبي هو الذي يعرضها للأخطار في كل مرة عبر تاريخها، ومنها الدمار الذي لحق بالإمبراطورية الرومانية عام 410م على يد القبائل الجرمانية من الوندال والهون والقوط. وقبل ذلك كان القائد القرطاجي هنيبعل قد عبر جبال الألب قادمًا من فرنسا ووصل إلى سهل البو، مهددًا أراضي الدولة الرومانية ومشرفًا على تدميرها، لولا استنزاف قواته وخسارته أمام فابيوس سنة /220/ ق.م.