استراتيجيات سياسة القوة لدى مفكري الغرب في القرنين التاسع عشر والعشرين
كيفية السيطرة على العالم باستخدام القوة (3)
عبد الحميد عبد الحميد
لأننا في عالم رأسمالي متوحش لا مكان فيه للضعفاء، ونطمح إلى بناء دولة يجب أن تصمد نواتها الأولى أمام هجوم الدول الراسخة في القوة، ثم تقوى هذه النواة وتتمدد لتحوي حدودها جميع بلاد المسلمين، ثم تقوى وتتمدد لتحكم العالم أجمع بالإسلام.. لأجل ذلك رأينا أن نفتح هنا نافذة نطلُّ منها على مبدأ سياسة القوة ونظريات منظِّريه الغربيين؛ لنقف على أساليب تفكيرهم، وأسباب انطلاقهم من وجهات نظر مختلفة في الأداة الأهمِّ الواجب استخدامها لأجل حكم العالم.
وكنا قد عرضنا في العددين السابقين العناوين التالية في الموضوع، وهما:
1- مفهوم سياسة القوة
2- المفهوم السياسي للقوة البحرية ـ الاستراتيجية البحرية.
3- المفهوم السياسي للقوة البرية ـ الاستراتيجية البرية:
وسنكمل البحث بالمقال التالي:
مفهوم القوة وسياسة المجال الحيوي في ألمانيا:
يأتي في مقدمة المفكرين الألمان أصحاب فكرة المجال الحيوي خارج حدود الدولة العرقية عن طريق التوسع الأرضي للدولة باستخدام القوة، يأتي فريدريك راتزل /1844 ـ 1904/م الذي يرى أن الدولة كائن عضوي يرتبط بالتربة ويتأثر بالطبيعة، وأن نشاطات الإنسان وخصائص السكان والدولة تتأثر بالخصائص الجغرافية، مشيرًا إلى العلاقة الوثيقة بين القوة السياسية والدول القارية ذات المساحات الواسعة والمواقع الجيدة. ورأى أن الطابع السياسي للدول في القرن العشرين سيكون سعيها لتأمين مجالات أرضية واسعة، والتمتع بقدرات عالية من أجل استغلال مجالها بأفضل صورة، وأن العلاقة القائمة بين الطاقة البشرية كبيرة العدد والمسلحة بالتقنية وبين العناصر الجغرافية للمساحة الواسعة هي الأساس الملائم لقيام دول عالمية عظمى. ولهذا فالدول الكبيرة هي من سيقرر مجريات التاريخ المستقبلية للبشرية، كروسيا وأميركا وأستراليا. ورأى أن الولايات المتحدة ستصبح دولة عظمى في المستقبل، وأنها ستسبق أوروبا وتجعلها من الدرجة الثانية في السياسة الدولية.
أما الباحث كيلين /1864 ـ 1922/م، فقد أكد أن الدول ذات المساحات المحدودة تسيطر عليها حاجتها للتوسع عن طريق الاستيطان أو الاستعمار أو الوحدة مع الدول الأخرى، وأن التوسع هو اتجاه طبيعي ووسيلة ضرورية للبقاء. أما الدول الصغرى فموقفها السياسي كموقف البشر البدائيين في عالم الحضارة، وكلما ازداد نمو الدول الكبرى قلَّت أهمية الدول الصغرى.
ويرى كيلين أن القوة أهمُّ من القانون في وجود الدولة، وأن الحرب ما هي إلا مجرد حقل لتجارب سياسات القوة لتأمين المجالات الحيوية الأرضية للدول. وأن النصر سيكون حليفًا للدول القارية على الدول البحرية مستقبلًا، وأن الأولى ستصل إلى البحار وتسيطر عليها. وأنه لقيام دولة قوية عظيمة لا بد من المساحة الواسعة والمحمية بحدود طبيعية تقع على تخومها، وحرية الحركة والمواصلات، ودرجة عالية من الوحدة الداخلية.
وقد لاحظ أن روسيا محرومة من حرية الحركة ومرونة المواصلات لكونها لا تشرف على بحار مفتوحة وصالحة للملاحة طوال العام. وأن بريطانيا ينقصها الوحدة الداخلية لكونها مؤلفة من قوميات وشعوب متعددة. وأما ألمانيا المبعثرة، فتنقصها العوامل الثلاثة، لكن في حالة توحدها وتوسعها فستصبح أعظم قوة في أوراسيا.
وقد أكد هاوتسهوفر /1896 ـ 1946/م على ضرورة وجود المجال الجغرافي الحيوي الواسع بالنسبة للدولة؛ لأنه سيكون العامل الهامِّ الذي سيسيطر على سياسات الدول. ورأى أن الغرض من قوة الدولة هو النصر في الحرب، وأن موقع الدولة بالنسبة لليابسة والبحار والمحيطات هو العنصر الجغرافي الذي يحدد قوتها. وأن على الدولة السعي لتوسيع مجالها الأرضي للوصول إلى اقتصاد يقوم على الاكتفاء الذاتي. وأن قوة الدولة تعتمد على تنمية قواتها الثلاثة: البرية والبحرية والجوية.
لقد وجد هاوتسهوفر في منطقة المحيط الهادي الاتساع الكافي والثروات التي يمكن أن تعوض ألمانيا عن خسارتها في الحرب العالمية الأولى، وعليها أن تسعى إلى استغلالها بعد بسط سيطرتها العسكرية عليها؛ ولذلك نادى بضرورة التعاون ما بين ألمانيا واليابان إلى جانب التعاون ما بين ألمانيا وروسيا للوصول بالمجال الحيوي الألماني إلى المحيط الهادي. ورأى أهمية التحالف ما بين الصين واليابان، وأنه إذا ما توغلت الروح اليابانية في الجسد الصيني فستتجاوز قوتهما كلًا من قوتي الروس والأميركان.
ولاحظ هاوتسهوفر أن موقع ألمانيا في أوروبا وموقع اليابان على أبواب آسيا هما بمثابة محطتين غربية وشرقية، وأن التعاون بينهما سيقود إلى قيام قوة عظيمة. إلا أن الجسم الروسي يفصل بينهما؛ لذلك يجب على اليابان التوسع غربًا، وعلى ألمانيا التوسع شرقًا. وقد تم الإنصات إلى هذه الآراء خلال الحرب العالمية الثانية.
وقد حدد ناومَن حدود منطقة المجال التوسعي الأرضي الحيوي لألمانيا ببحر الشمال شمالًا، والبحر الأدرياتيكي جنوبًا، وبحر البلطيق ومنطقة الفلاندرز غربًا، والبحر الأسود ومستنقعات بريبيت في أوكرانيا شرقًا. واعتبر أن هذه المنطقة ستجعل اقتصاد الدولة التي تسيطر عليها في حالة اكتفاء ذاتي في كل من الإنتاج الزراعي والتعديني. أما امتداد سواحلها إلى الشمال والجنوب فلإتاحة الفرصة لسكانها في المستقبل الحصول على ممتلكات تقع في ما وراء البحار على حساب الدول المجاورة.
أما رورباخ فقد عدَّ سيطرة ألمانيا على المنطقة السابقة ما هي إلا محطة للتوسع نحو الشرق. وارتأى أن على ألمانيا التحالف مع الدولة العثمانية إذا ما أرادت أن ترجح كفتها على إنجلترا، وأن إنجلترا يمكن أن تهاجَم من أوروبا بقوات برية، وذلك في نقطة حيوية واحدة هي مصر، فبخسران إنجلترا لمصر ستخسر جميع مواقعها في الشرق الأدنى والأوسط، وفي وسط أفريقيا وشرقها. ولتحقيق ذلك تحالفت ألمانيا مع الدولة العثمانية قبيل الحرب العالمية الأولى، وتم مد الخط الحديدي العسكري الاستراتيجي الحجازي من أجل نقل الجنود العثمانيين والألمان؛ لأن توجيه ضربة لإنجلترا في الهند يتطلب ربط الخليج العربي بآسيا الصغرى بسكة حديد.
ويعد أدولف هتلر بمحاولته تطبيق الأفكار الجغرافية السياسية للمفكرين الألمان، القائمة على زرع الغرور في شعور الفرد الألماني، وتلقينه عبارة “ألمانيا فوق الجميع”، وأنها هي التي يجب أن تسود العالم، وذلك بعد سلسلة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي غاصت فيها ألمانيا بعد خسارتها الحرب العالمية الأولى، نقول: إن أدولف هتلر لهو خير تجسيد لفكرة التوسع على حساب الغير عن طريق استخدام القوة، وفكرة أن الأقوى هو الأجدر بالحياة، وأنه لا مكان للضعفاء على هذه الأرض.
وقد رفض هتلر الآراء التي تقول إن الاستغلال العلمي للأرض وثرواتها الخام سيؤمن الرفاهية للشعب الألماني ضمن حدوده السياسية، واعتبر أن حفظ كيان شعبه رهن باستيلائه على أراضٍ جديدة، وعلى ألمانيا الأخذ بسياسة التوسع الأرضي لتأمين الغذاء لشعبها الآخذ في التزايد. وعدّ أن المجال الحيوي لألمانيا يجب أن يكون القارة الأوروبية ذاتها وليس خارجها، لأن المستعمرات خارج أوروبا ستكون عديمة الجدوى إذا لم يصحبها تواجد أوروبي من أجل استغلالها وحماية أمنها.
وأخيرًا فمن المثير حقًا رأي هتلر الذي دونه في كتابه “كفاحي”، أن البلدان الصغيرة تبقى عرضة للمفاجآت غير السارة، على عكس البلدان الكبيرة التي تنهار فيها قوى المهاجم قبل أن يبلغ هدفه البعيد! ثم ارتكب ذلك الخطأ الفادح وقام بغزو روسيا! وكذلك رأيه بأنه كان على ألمانيا التحالف مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، نظرًا لموقع بريطانيا البحري وامتلاكها لقوات بحرية ضخمة، إضافة إلى مكانتها التي تحتلها عند الأنجلوساكسون في أوروبا وأميركا الشمالية معًا؛ مما يعطيها قوة مادية ومعنوية في الوقت نفسه. وأنه كان على ألمانيا أن تسترضي وتستميل إنجلترا مهما بلغت التضحيات، حتى وإن تطلب ذلك الكف عن المطالبة بمستعمرات، والتخلي عن المشروع القاضي بجعل ألمانيا دولة بحرية أولى، والامتناع عن مزاحمة الصناعة البريطانية، والاقتصار على تعزيز الجيش الألماني البري! الرأي الذي لم ينفذه أبدًا في الحرب العالمية الثانية!
3ـ المفهوم السياسي للقوة الجوية ـ الاستراتيجية الجوية:
إبان الحرب العالمية الثانية وظهور فعالية سلاح الجو واستخدامه بكثافة من قبل جميع الأطراف المتحاربة، تولدت قناعة استراتيجية على أهمية القوى الجوية مفادها أن من يستطيع التحكم بالقواعد الاستراتيجية الجوية سيصبح أقوى قوة في العالم، وذلك لقدرة سلاح الجو على ترجيح كفة المعركة بين المتحاربين، وتفوقه على سلاحي البر والبحر في تجاوز العقبات الطبيعية من جبال ومستنقعات، والتي لا تصلح لأن تكون مسرحًا للعمليات الحربية البرية والبحرية. ويعد الجنرال الطيار الروسي ألكسندر سفريسكي من أبرز الذين أتوا بأفكار ذات طابع استراتيجي بالنسبة للقوى الجوية؛ حيث بين أهميتها وأكد على أنها ستجعل القوى البرية والبحرية تحت رحمتها مستقبلًا.
لقد قسَّم سفريسكي العالم إلى قسمين متساويين، أحدهما في النصف الغربي والآخر في النصف الشرقي، متخذًا من المنطقة القطبية الشمالية مسقطًا لخريطة الفعالية الجوية الاستراتيجية في العالم. واعتبر أن أميركا الوسطى والجنوبية تحت السيادة الجوية للقوات الأميركية، وهي في الوقت نفسه مستودع لتموينها بالمواد الأولية والغذائية، وسوق لتصريف المنتجات الصناعية للولايات المتحدة. بينما اعتبر منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا خاضعة لسيادة القوى الجوية السوفياتية، إضافة إلى منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الفاصلة بين السلالتين البشريتين، البيضاء في الشمال والسوداء في الجنوب.
واعتبر أن منطقة التداخل ما بين القوتين الجويتين الروسية والأميركية تشمل منطقة القطب الشمالي والقلب الروسي والقلب الأميركي إضافة إلى دول غرب أوروبا وشمال شرق آسيا وكامل بلاد العرب. وقد أطلق على منطقة التداخل تلك اسم منطقة “المصير” التي يتم فيها القول الفصل، وهي متركزة حول القطب الشمالي. ورأى أن من يملك القوة الجوية الأقوى يسيطر على منطقة المصير، التي هي مكمن الخطر وساحة التصادم والطريق المؤدي إلى السيطرة على العالم.
وكتنفيذ عملي لآراء سفريسكي، فإن الولايات المتحدة اتخذت من المنطقة القطبية الشمالية خطًا أوليًا للدفاع عن القارة الأميركية عن طريق إنشاء القواعد الجوية المتقدمة والصاروخية وقواعد الرصد الراداري، كما أن السوفيات بدورهم قد قاموا ببناء قواعد عسكرية في المناطق الشمالية المتجمدة التابعة لدولتهم، علمًا أنها مناطق تصعب مهاجمتها بريًا، وفي نفس الوقت يصعب الدفاع عنها.
فتتوسط المنطقة القطبية الأجزاء الشمالية التابعة لكل من قارات أميركا وآسيا وأوروبا. وتملك روسيا حوالي 49% من مساحة هذه المنطقة الحاوية على المحيط المتجمد الشمالي البالغة مساحته /14/ مليون كم2. وتمتد حدود روسيا من منتصف مضيق بيرنج الفاصل بين آسيا وأميركا الشمالية إلى حدودها الأوروبية مع فنلندة وشبه جزيرة كولا. أما الجزء التابع للولايات المتحدة فيمتد من المضيق المذكور إلى حدود أميركا مع كندا في آلاسكا. وتمتلك كندا الجزء الممتد من آلاسكا إلى الأرخبيل المثلث شمال هدسون. وهناك جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك، ومجموعة جزر سبيتيسبرجن التابعة للنرويج.
وتمر في المنطقة القطبية والمحيطة بها خطوط الطيران التي تتبع الدائرة العظمى، والرابطة للولايات المتحدة وكندا مع الشرق الأقصى وشمال غرب أوروبا. وقد ترتب على ذلك اختصار المسافات والزمن، وتغير في العلاقات الموقعية بين الشرق والغرب، وتحول المنطقة القطبية بجزرها المتجمدة وما يحيط بها إلى منطقة ارتكاز استراتيجية؛ حيث صرح الجنرال الأميركي هـ. هـ. أرنولد بأنه إذا كانت هناك حرب عالمية ثالثة فإن مركزها الاستراتيجي سيكون القطب الشمالي.
ولذلك فقد أحيطت هذه المنطقة بقواعد جوية وصاروخية استراتيجية سوفياتية وأميركية، حتى أصبحت المسافة بين قاعدة ثول الأميركية شمال غرب غرينلاند وموسكو /4430/ كم، كما أن نيويورك لا تبعد عن القاعدة الروسية رودلف أيلند سوى /6115/ كم، مما لا يحيج كلًا من الدولتين إذا أرادت تدمير المراكز السكنية الكبيرة في الدولة الأخرى إلا إلى صواريخ نووية متوسطة المدى.
وتعد جزيرة غرينلاند ذات أهمية خاصة كنقطة دفاع وهجوم في نصف الكرة الغربي ضد نصفها الشرقي، إذ رفضت الولايات المتحدة إخلاءها بعد إنهاء عقدها مع الدانمارك، وتذرَّعت بأنها في وضع لا يسمح لها بسحب قواتها منها. ويلاحظ أن أغلب القواعد الجوية الأميركية تقع خارج حدودها السياسية مما يضعف سيادتها المطلقة عليها، بينما كانت القواعد السوفياتية جميعها على أراضي الدولة، مما كان يجعل موقف السوفيات أصلب لأنهم مطلَقو الحرية في التصرف بقواعدهم؛ حيث يمكن التذرُّع بأنها للدفاع، والادعاء أن القواعد الأميركية للاعتداء.
ٍوهذه نقطة سلبية تلاحظ في القواعد العسكرية المنتشرة خارج الحدود السياسية للدولة؛ حيث تبقى معرضة للمطالبة بالإخلاء؛ لأنها تتعارض مع سيادة الدول على أراضيها، ويمكن استغلالها للاعتداء على الدول الأخرى مما يجعل الدول المضيفة لتلك القواعد هدفًا للدول المتضررة، ككندا والدانمارك اللتين تضعان نفسيهما في مواجهة مباشرة مع روسيا إذا تم اعتداء أميركي عليها من أراضيهما. ويمكن أن يسبِّب ذلك اضطرابات سياسية في البلد المضيف ناجمة عن احتجاجات شعبية مطالبة بإزالتها. ومن شأنها أيضًا كشف العملاء في الدول التابعة والتي تدور في فلك الدول الكبرى، كقاعدة إنجرليك ودورها في كشف تبعية أردوغان ونظامه للولايات المتحدة.
هذا وتهدف السياسة الأميركية من نشر قواعدها خارج الحدود إلى وضع حاجز فولاذي ما أمكن في وجه القوات المعادية الساعية للوصول إلى أراضيها، حيث ترى أن حدود السلامة الوطنية لها ليست محصورة ضمن رقعتها السياسية، وإنما هي مرتبطة بسلامة المناطق التي ترى أنها ذات أهمية حيوية بالنسبة لها.
وبالعودة إلى سفريسكي فقد أعطى أهمية فوق العادة للقوات الجوية المتفوقة برأيه على القوات البرية والبحرية. وهذا أيضًا رأي مبالغ فيه؛ لأن الغاية من أي حرب ليست هي التدمير، وإنما احتلال الأرض من أجل استغلالها اقتصاديًا وعسكريًا، وهذا لا يتم إلا بالقوى البرية. وستبقى القوات البرية عماد أي حرب، وتبقى القوات البحرية والجوية عوامل دعم وإسناد؛ لأنه حيث يقف الجندي تقف معه الحدود التوسعية أو الانكماشية لدولته.
4ـ المفهوم السياسي للقوة الفضائية ـ الاستراتيجية الفضائية:
بعد امتلاك القطبين العالميين في النصف الثاني من القرن العشرين ـ الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ـ للسلاح النووي، وقدرتهما على تدمير بعضهما والعالم في لحظة جنونية، تمّ في أميركا ادّعاء تفوق السوفيات على الأميركان في السلاح النووي، مما برر إعلان الولايات المتحدة بداية الثمانينات استراتيجية دفاعية جديدة تدعى بحرب النجوم، انطلاقًا من المقولة السياسية: من يملك الفضاء الكوني يملك الأرض بما فيها ومن عليها.
وكانت الدولتان العظميان قد دخلتا في سباق وتنافس على ارتياد الفضاء بدءًا من سنة /1961/م، من أجل كشف أسراره، وتسخيره لصالحهما بغية الحفاظ على مصالحهما الحيوية على الأرض وقوتهما وزيادتها.
وبعد إعلان أميركا عن خططها العسكرية الرامية إلى عسكرة الفضاء الكوني المحيط بالأرض بأسلحة تدميرية ذات قدرة خارقة في السرعة ودقة الإصابة وتدمير الأهداف المتحركة على الأرض أو في غلافها الجوي أو في الفضاء الكوني، كالصواريخ البالستية العابرة للقارات ذات الرؤوس النووية، وذلك بعد ثوان معدودة من إطلاقها من قبل الخصم، عن طريق استخدام سلاح الطاقة الموجه وأشعة الليزر وأشعة إكس، نقول: بعد هذا الإعلان بدأ سباق تسلح جديد؛ حيث عملت كل من الدولتين على نشر الأسلحة الشعاعية في مئات المحطات الفضائية. وبحسب الادّعاء، فإن هذه المحطات يجب أن تصبح قادرة على إخراج القسم الأعظم من الصواريخ البالستية من المعركة خلال بضع دقائق من انطلاقها.
فالمبادرة الأميركية عنت أن الصراع الحاسم بين الأقوياء سيكون هناك في الفضاء؛ لتبقى الأرض ملكًا للمنتصر في حرب النجوم. وهدفها كان إنشاء درع فضائية مضادة للصواريخ تحمي أميركا من صواريخ السوفيات، ثم تحقق سيطرتها على بقية أرجاء المعمورة؛ لأن استراتيجية القوة الفضائية مبدؤها أن من يملك الفضاء يملك الأرض. وهذا من شأنه أن يجعل جميع صنوف الأسلحة التقليدية: البرية والبحرية والجوية، وحتى الصاروخية النووية، قد عفا عليها الزمن مقارنة بالقوة الفضائية، بسبب التقدم التقني الذي نقل أرض المعركة إلى الفضاء.