نداء حار إلى المسلمين في ذكرى الهجرة النبوية،
ذكرى إقامة الدولة الإسلامية
نصرة ارتبطت في حياة المسلمين بالهجرة، وهجرة ارتبطت بإقامة الدولة الإسلامية… وأعوام هجرية تترا، كلما هلَّ عام يذكِّر المسلمين بتلك الذكرى، وقد مضى على هدم الخلافة الإسلامية زهاء قرن من الزمان.
قرن من الزمان أيها المسلمون، ونحن هَلَكةٌ ليس لنا قدر ولا شأن، كانت بلادنا مستباحة يصول فيها الكفار طولًا وعرضًا، لا يرد عاديتهم عنا قعقاعٌ ولا بايزيد، دماؤنا مسفوكة تخَضَّبت بها الثرى لا تجد من يحقنها، أعراضنا منتهكة حالها كالتي لا ترد يد لامس، لا تجد مُلبيًا يُلبي صرخات الحرائر ربات الحجال، مقدساتنا مغتصبة مُدنسة تشكو إلى الله حالها ومآلها.
عامٌ هجريٌّ جديد أيها المسلمون، وحكام المسلمين يتبجحون على الله بتعطيل شرعه، وهم بالكفر يحكمون. والكفر البواح يظهرون، وعلى رؤوس الأشهاد به يتباهون. يوالون أعداء الله : أميركا وروسيا وأوروبا ويهود والهندوس… ويعادون شعوبهم كأشد ما تكون العداوة والبغضاء، وكذلك يفعلون. قد مَزَّقونا مُزقًا ونحن أمة الجسد الواحد، وفَرَّقونا فِرقًا ونحن خير أمة أخرجت للناس! ألا ساء ما يحكمون، ألا بُعدًا لهم من صبيان سفهاء رويبضات، وتبًّا لهم من أقزام ليسوا منا ولسنا منهم، كفرنا بهم، وبدا بيننا وبينهم العداوة والبغضاء أبدًا حتى يرجعوا عن غِيِّهِم، وما هم براجعين!
مُحرَّمٌ آخر أيها المسلمون، أَهلَّ هلالُهُ علينا، ونحن محرومون من بركة الوحي، بركة الحكم بما أنزل الله… قُرآننا مُعطلةٌ أحكامه، مُغيَّبةٌ حدوده، لا يجد خليفةً يَتَعَهَّدُهُ، ولا سلطانًا يُنفِّذه، إلا بقيةٌ من تحبيرٍ في المحراب، أو ترتيلٍ خلف الباب… سنة نبينا محمد ﷺ حروفٌ مُضَيَّعَةٌ مُدوَّنةٌ في الكتب والمصنفات، في الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم والمستدركات!
قُرآنُنا وَرَقٌ مُعَلَّقٌ هُجِرَا
وَالسّــنَّةُ سَــنَدٌ مَقطوعَةٌ بَتَرا
حَدٌّ بِلا سَيفٍ يا لَيتَهُ حَدٌّ
حُكمٌ بِلا حُكمٍ طَاغٍ عَدا فَجَرا
حُكَّامُنا وَلَغوا في الظلم قَد فسقوا
يا رَبَّنا خُذهُم أَخذًا فَلا تَذَرا
في خِضَمِّ هذه المعاناة، ومن عمق هذا الظلام الكالح، نستشرف من عبق الهجرة النبوية الشريفة قادمًا من الأيام نرنو إليها. المسلمون مقهورون؟ نعم. مغلوبون؟ نعم. مستضعفون؟ أيضًا نعم، وألف نعم. ولكن هذا الوضع الطارئ علينا يجب أن يرحل حتى يصير في طي النسيان، يجب أن يُدفن حيث دَفَن بلال بن رباح – رضي الله عنه – عبوديته، فصار سيدًا من سادة الأمة، يقتل أمية بن خلف بيديه، من بعد أن كان أمية يطرحه على الرمال ويعذبه أشد العذاب. لا بد من نسف قرنٍ من الذل والتبعية والاستضعاف كما نسف رسول الله ﷺ أصنام الضلال، ونسف معها تاريخًا من الجاهلية والفرقة القبلية المتناحرة، فجعل من هذه القبائل أمةً، هي خيرُ أمةٍ أخرجت للناس، تغزو الروم وفارس وتنتصر عليهم.
رسول الله محمد ﷺ يبعثه الله على فترة من الرسل، فيوحي إليه وحيًا ناسخًا لكل الشرائع ومهيمنًا عليها، ينطلق بدعوته من مكة المكرمة نقطة الانطلاق، يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ولا ند له، ولا نظير له. سبحانه، سبحانه، سبحانه، في عليائه، فيؤمن به من يؤمن – وقليل ما هم – ويكفر به من يكفر – وكثير ما هم – فيحتدم الصراع ويتفجر الكفاح حتى بلغ الأمر مبلغاً ضَيِّقًا حَرجًا، حيث لا تلاقي بين الحق دين الله تعالى، والباطل دين قريش موروث الضلال. وسنَّة الله سبحانه ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، الباطل يستضعف الحق وأهله، وينكِّل بهم قتلًا وحصارًا وتشريدًا، والحق قدمه راسخة تأبى أن تتزحزح، وَأَنَّى لها أن تتزحزح؟! والله ولِيُّها، نِعمَ المولى ونِعمَ النصير: ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ ٥١ يَوۡمَ لَا يَنفَعُ ٱلظَّٰلِمِينَ مَعۡذِرَتُهُمۡۖ وَلَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوٓءُ ٱلدَّارِ ).
نعم لا تلاقي بين الحق والباطل، وكيف يتلاقيان؟! هذا دين الله تعالى أوحى به على نبيه ﷺ وذاك دين صنعته أوهام الضلال، وقد خُيِّلَ لها أن حجرًا لا يقوى على أن يَهُشَّ ذبابةً عن أنفه، قادر على أن ينفع أو يضر! إذًا لا تلاقي ولا حلول وسطية، فإما أن يظهر الحق على الباطل –وهو كائن لا محالة– وإما أن يظهر الباطل على الحق –وهذا لن يكون- ولكن الحق لا يملك قوة تحميه أو دولة تؤويه، فمهما يكن من أمر، هذا أبو جهل يعربد، يقتل آل ياسر، يؤذي رسول الله ﷺ أشد الأذى، يستصدر قرار الصحيفة، قرار مقاطعة المسلمين في شعاب الجبال، يُهدد ويتوعد، وكفار قريش كذلك يفعلون.
هكذا بلغ الصراع مبلغه، تحجَّر المجتمع المكي أمام الدعوة، أُقفلت قلوب عِليةِ القوم عن أن تنشرح للإيمان. إذًا لا بد من مجتمع آخر يحتضن الدعوة إيمانًا بها ونُصرةً لها، فتتمكَّن في دولة تحكم بالإسلام دين الله العظيم. قصدَ رسول الله ﷺ الطائف يلتمس نصرة أهلها؛ فكان الرد كأسوأ ما يكون، ولا حول ولا قوة إلا بالله. يرجع رسول الله ﷺ إلى مكة وهو يقول لزيد بن حارثة مُتَبَنَّاهُ: «إن الله جاعل لما ترى فرجًا ومخرجًا».
نعم، وحقًا يا حبيبي، يا رسول الله، إن الله جاعل لأمرك فرجًا ومخرجًا، وقد جعل، وبعد إصرار ومثابرة على طلب النصرة، والبحث عن قوة تحتضن دعوة الله، وبعد جولات جالها نبيُّ المرحمة، ونَبيُّ الملحمة، طلب فيها النصرة مرارًا ومرارًا، وبعد أن عرضت بنو عامر بن صعصعة على رسول الله – عليه الصلاة والسلام – نصرةً مشروطةً أباها، وعرضت بكر بن وائل بني شيبان نصرةً أخرى منقوصةً لم يقبلها، ساق الله تبارك وتعالى لِنَبِيِّهِ ﷺ نصرةَ الأنصار –رضوان الله عليهم– وتَمَّ أمرها، فكانت الهجرة مباركةً إلى المدينة المنورة عقر دار الإسلام، ومأوى دولته.
أيها المسلمون، لم يهاجر رسول الله ﷺ من بلده مكة لاجئًا سياسيًا، فاحتمى بحِمى الأوس والخزرج ليصرف عنه أذى قريش، وإنما هاجر واستقبله الأنصار – رضوان الله عليهم – سيدًا عزيزًا حاكمًا مطاعًا، يأمر وينهى، وهم له سامعون مطيعون. جاء عند البخاري في صحيحه من طريق أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ إِلَى المَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللَّهِ ﷺ شَابٌّ لاَ يُعْرَفُ، قَالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، قَالَ : فَيَحْسِبُ الحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الخَيْرِ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ، فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا، فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ» فَصَرَعَهُ الفَرَسُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مُرْنِي بِمَا شِئْتَ، قَالَ: «فَقِفْ مَكَانَكَ، لاَ تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا» قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَانِبَ الحَرَّةِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الأَنْصَارِ، فَجَاءُوا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا، وَقَالُوا : ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ. فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ، وَحَفُّوا دُونَهُمَا بِالسِّلاَحِ، فَقِيلَ فِي المَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فَأَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ … «
قامت دولة الإسلام في المدينة المنورة، نِعمَ الدولةُ ونِعمَ بانوها، قامت عزيزةً أبِيَّةً على أعدائها عَصِيَّةً، دولةً ذات سيادة كاملة السيادة، فحكمت بالإسلام، وجاهدت أعداء الله، حتى دانت العرب لدين الله طوعًا وكرهًا قبل أن تهدأَ نفس النبي ﷺ.
يا أبناء خير أمة أخرجت للناس، لا يخفى عليكم ما آلت إليه أحوال المسلمين، فرقةٌ وضياع، ذِلَّةٌ وهوان. هأنتم ترَون الكافر المستعمر كيف يصول ويجول في بلادكم طولًا وعرضًا، وتشاهدون بأم أعينكم كيف أن حكامكم يوالونهم ويعادونكم، فإلى متى تستجيرون بالذئاب من الكلاب، وتحتمون بالثعالب من المخالب؟ ظننتم بالقومية خيرًا فأردَتكُم، ابتَغيتُم العزةَ عند العلمانية فأذَلتكُم، يَمَّمتُم وجهَكُم شطرَ الغرب الكافر فَحَنى رقابكم… أَلا فعودوا إلى إسلامكم، ففيه طاعة ربكم، أعيدوا خلافتكم مبعث عزَّتكم، فلا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بطاعة، ولا طاعة إلا بإمارة.
أيها المسلمون، هاجِروا من دار الكفر التي أنتم فيها تعيشون، وفي ظل طاغوتها تُحكمون، وبإمرة رويبضاتها راضون. إلى دار الإسلام خلافة المسلمين، دار القوة والمنعة والتمكين، اهجُروا العلمانيةَ وانبذوها، اهجروا الوطنيةَ وادفنوها، اهجروا القومية واطرحوها، اقطعوا الحبال مع أميركا وروسيا وأوروبا ويهود، اعتصموا بحبل الله المتين، عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا». [رواه أبو داود].
أيتها الجيوش الرابضة في معسكراتها، يا أهل القوة والمنعة، القول قولكم، والفصل عندكم، انصروا دينكم وأمتكم، اخلعوا عنكم سِربال الذل الذي ألبسكُم إياه حكامكم، متى كانت وظيفة الجيوش حراسة الظالمين؟ متى كان السلاح للتكديس في الثكنات يعلوه الغبار ويغشاه الصدأ؟ متى أغمد المسلمون السيوف في أغمادها؟ أم إنكم استمرأتم الهوان حتى أَلِفَكُم وَألِفتُموه؟ أين الصناديد المغاوير؟ أين أصحاب النخوات أبناء الحرائر؟ اللَّهَ اللَّهَ في دينكم، اللَّهَ اللَّهَ في أمتكم، صاحت الحرائر، استغاثت المحصنات، هَلَّت البشائر، رَجَّت المنابر، نادى منادي الجهاد: (وَٱلۡعَٰدِيَٰتِ ضَبۡحٗا ١ فَٱلۡمُورِيَٰتِ قَدۡحٗا ٢ فَٱلۡمُغِيرَٰتِ صُبۡحٗا ٣ فَأَثَرۡنَ بِهِۦ نَقۡعٗا ٤ فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا ).
يا جُيوشًا كَبَّلوها بِالقُيود
اكسِروا قَيْدَ الطُّغاةِ بالحَديد
زَمجِروا واستَنفِروا في هِمَّةٍ
ثَارَ نَقعُ الحَربِ نَادى بايَزيد
أَسقِطوا طاغُوتَ بَغيٍ ظالِمٍ
أَنزِلوهُم إِنَّهُم حَقًا عَبيد
سَلسِلوهُم صَفِّدُوهُم كُلُّهُم
وَاجمَعوهُم واحْكُموا حُكمًا سَديد
يا رجال الخلافة، أيها العاملون لإقامتها، بُشراكم باثنتين:
الأولى: خلافة راشدة على منهاج النبوة. عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: «كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ بَشِيرٌ رَجُلًا يَكُفُّ حَدِيثَهُ، فَجَاءَ أَبُو ثَعْلَبَةَ، فَقَالَ: يَا بَشِيرُ بْنَ سَعْدٍ، أَتَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْأُمَرَاءِ؟ وَكَانَ حُذَيْفَةُ قَاعِدًا مَعَ بَشِيرٍ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا أَحْفَظُ خُطْبَتَهُ، فَجَلَسَ أَبُو ثَعْلَبَةَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّكُمْ فِي النُّبُوَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ». [مسند أبي داود الطيالسي]
والثانية: رضوان من الله أكبر وأعظم، وجنة فردوس سقفها عرش الرحمن، عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمُ الشُّهَدَاءُ وَالنَّبِيُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِقُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَجْلِسِهِمْ مِنْهُ فَجَثَا أَعْرَابِيٌّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا وجَلِّهِمْ لَنَا. قَالَ: قَوْمٌ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ، مِنْ نِزَاعِ الْقَبَائِلِ، تَصَادَقُوا فِي اللَّهِ وَتَحَابَّوْا فِيهِ، يَضَعُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، يَخَافُ النَّاسُ وَلَا يَخَافُونَ، هُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ». [أخرجه الحاكم في المستدرك].
إِنَّ الهجرة النبوية حدثٌ عظيم، وليست ذكرى يجتمع فيها الحاكم وبطانته بطانة السوء، وزبانيته وأعوانه على الظلم، فيُتلى القرآن الكريم بين يدي الظالمين، وتُلقى الكلمات والأشعار والمدائح، ثم ينفضُّ السامر وبيت المسلمين دامر. هذا الحدث العظيم يستأهل عملًا فيه اتباع وتأسٍّ بطريقة الرسول ﷺ في العمل لإقامة دولة الخلافة. وهذا حزب التحرير داعي الخلافة، والعامل لإقامتها، ماضٍ في عمله يدوس على الشوك، ويجتاز العقبات صابرًا محتسبًا لا يضره من خذله حتى يأذن الله بنصره، وقيام دولة الإسلام التي فيها حكمه.
اللهم استعملنا في طاعتك، وأكرمنا بإظهار دينك، وإقامة شرعك، ونشر دينك، وإدخال الناس في دين الله أفواجًا… اللهم أكرمنا بخلافة راشدة يعزُّ بها الإسلام وأهله، ويذلُّ بها الكفر وأهله… إنك على كل شيء قدير