أيام عشر ذي الحجة أيام خير، والمحروم من حرم أجرها
جعل الله هذه الأمة أقصر أعمارًا من الأمم السابقة، قال ﷺ: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين» رواه الترمذي وابن ماجة. ولكنه سبحانه وتعالى، بمنِّه وكرمه، عوضها بأن جعل لها كثيرًا من الأعمال الصالحة التي تبارك في العمر، ومن ذلك ليلة القدر التي قال الله فيها: ]لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡرٞ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرٖ [. قال الرازي : «اِعلم أن من أحياها فكأنما عبد الله نيفًا وثمانين سنة، ومن أحياها كل سنة فكأنما رزق أعمارًا كثيرة. ولا خلاف عند المسلمين في تفضيل أيام العشر على بقية أيام السنة، لقوة النصوص في ذلك، والخلاف في الليالي، فقيل إن ليالي رمضان أفضل، وممن رجَّح ذلك ابن القيم، فقال: وبهذا التفضيل يزول الاشتباه، ويدل عليه أن ليالي العشر من رمضان، إنما فضلت باعتبار ليلة القدر، وهي من الليالي، وعشر ذي الحجة إنما فضل باعتبار أيامه، إذ فيه يوم النحر، ويوم عرفة، ويوم القرِّ ويوم التروية. روى أبو داود في سننه من حديث عبدالله بن قرط: أن النبي ﷺ قال: «إن أعظم الأيام عند الله تعالى يوم النحر، ثم يوم القَرِّ» ويوم القر: هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة. يعتبر هذا اليوم من الأيّام الثلاثة التي يستجاب فيها دعاء المسلم، وهي: يوم القر، واليومين الثاني عشر والثالث عشر من ذو الحجّة، وللمنزلة العظيمة الّتي يحتلّها هذا اليوم كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يذكِّر به الناس في خطبته الملقاة يوم النحر، فكان يقول: «بعد يوم النحر ثلاثةُ أيام، الّتي ذكَرَ الله الأيامَ المعدودات لا يُردّ فيهن الدعاء، فارفعوا رغبتكـم إلى الله عزّ وجل».
وإنه لمن عميم رحمة الله سبحانه وتعالى على المسلمين أنه فرض عليهم العبادات والفرائض على مدار العام، فلا يوجد وقت ليس فيه طاعة أو عبادة، ولا يوجد عمل يقوم به المسلم في شؤون حياته كلها إلا وهو داخل تحت التكليف الشرعي. وإنه لمن كرمه ومحبة عفوه عن المسلمين أنه جعل لهم مواسم لطاعات عظيمة يفتح بها أبواب رحماته ويصبّها على عباده صبًّا، ولا يحرم منها إلا من حرم نفسه… ومن هذه الطاعات ما يتجدد في كل يوم كالصلاة، ومنها ما يتجدد في كل أسبوع كصلاة يوم الجمعة، أو صيام الاثنين والخميس، ومنها ما يتجدد كل شهر كصيام الأيام البيض، ومنها ما يتجدد كل سنة كصيام رمضان وست من شوال والحج، وإن كان فرضه على المستطيع في العمر مرة واحدة، ومنها ما يستمر الدهر كله كصيام داود… وإن على العبد الصادق أن يستغل رحمات جميع هذه المناسبات لكسب الأجر والثواب ورضى الرحمن.
وإنه لمن أعظم مواسم الطاعة التي تتجدد في كل عام، هي العشر الأول من ذي الحجة، فمن عجز عن الحج في كل عام، قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد. فإنّ فضلها كبير وأجرها عظيم، ففيها تجتمع أمهات العبادات مثل الحج، والصوم، والصدقة، وذكر الله، والأضحية… فقد أقسم الله تعالى بها لأهميتها البالغة والعظيمة، فقال في سورة الفجر ]وَٱلۡفَجۡرِ ١ وَلَيَالٍ عَشۡرٖ [ فالله سبحانه وتعالى عظيم، ولا يقسم إلا بعظيم جليل، جل جلاله. كما أن الله، تعالى جدُّه، ذكرها على أنها الأيام المعلومات لأهميتها البالغة، فقال، جل من قائل: ]وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ[، قال ابن عباس وابن كثير يعني: «أيام العشر”. كما أن الرسول الكريم ﷺ قال عنها فيما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: «ما العمل في أيّام أفضل في هذه العشرة»، قالوا: ولا الجهاد، قال: «ولا الجهاد إلاّ رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء». وروى الدارمي عن النبي ﷺ قال: «ما من عمل أزكى عند الله عز وجل، ولا أعظم أجرًا من خير يعمله في عشر الأضحى…» وروى الطبراني في المعجم الكبير، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ﷺ: «مامن أيّام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهنَّ من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد». فكما هو واضح من الحديث الشريف أن الأعمال الصالحة في هذه الأيام أفضل عند الله تعالى من الجهاد في سبيل الله.
وينبغي لمن وفقه الله لمعرفة فضل هده الأيام، وأمد له في عمره، أن يجتهد فيها بكثرة الأعمال الصالحة، فما هي إلا أيام معدودة ثم تنقضي. وكان السلف الصالح يجتهدون فيها، روى الدارمي أن سعيد بن جبير رحمه الله، كان إذا دخلت العشر، اجتهد اجتهادًا حتى ما يكاد يُقدَرُ عليه. وروي عنه أنه قال: «لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر» كناية عن القراءة والقيام. وقال ابن حجر في الفتح: «والذي يظهر أنّ السبب في امتياز عشر ذي الحجة هو لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره»… وينبغي على المسلم أن يستفتح هذه العشر بتوبة نصوح إلى الله، عز وجل، ثم يستكثر من الأعمال الصالحة التي يتم التقرب بها إلى الله تعالى، والتي منها:
أداء الحج والعمرة: حج بيت الله الحرام هو من أفضل الأعمال والقربات عند الله في هذه العشر، قال تعالى: ]وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ[. وهو أحد أركان الإسلام الخمسة. روى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر: أن النبي ﷺ قال: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان». فمن وفَّقَه الله تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله نصيب – إن شاء الله – من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». وروى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال النبي ﷺ: «إن الله تعالى يقول: إن عبدًا أصححت له جسمه، ووسعت له عليه في المعيشة، يمضي عليه خمسة أعوام، لا يفد إليَّ لمحروم». وفيه يوم عرفة هو للحاج كما روى مسلم في صحيحه من حديث عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله ﷺ قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلائِكَةَ». وفيه يوم التروية الذي يبدأ الحجاج فيه أداء مناسك الحج، كما أنه في هذه الأيام المباركة يوم النحر الذي يعد من أفضل أيام الدنيا كما روى أبو داود عن عبد الله بن قُرْط عن النبي ﷺ أنه قال: «إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يومُ النحر، ثم يوم القَرِّ».
هذا ولا يقتصر فضل هذه الأيام على الحجاج فقط، وإنما يصل فضلها لجميع المسلمين الموجودين في بلادهم، فعليهم استغلالها بالصورة المثلى من أجل كسب الخير الكثير والحسنات، فعليهم الصيام والإكثار من الصلاة والصدقة والتهليل والتسبيح والأعمال الصالحة المختلفة، فهي فرصة ذهبية لمن يستغلها. فهذه الأيام جعلها الله كنزًا للمسلم يغرف منه بقدر جده واجتهاده.
الأضحية: ومن الأعمال الصالحة في هذا العشر التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي واستسمانها واستحسانها. قال النبي ﷺ: «من كان له سعة ولم يضحِّ فلا يقربنَّ مصلانا» رواه أحمد وابن ماجه. وقال: «ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإنه يؤتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض؛ فطيبوا بها نفساً» رواه الترمذي وابن ماجه.
بذل المال في سبيل الله تعالى: ومنها الصدقة، قال تعالى: ]ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٢٦٢[. وروى الترمذي في سننه من حديث معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال: «والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار».
الصلاة: فإنّها من أفضل القربات، ويستحب التبكير إلى الفرائض، والإكثار من النوافل، روى مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عليك بكثرة السجود لله، فإنّك لا تسجد لله سجدة إلاّ رفعك إليه بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة» وهذا في كل وقت، وفي أيام العشر هو أزكى وأحب إلى الله، وفيه أجر أكبر.
قيام الليل: قضاء معظم الليل أو جزء منه ولو ساعة في عبادة الله بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله. ويطلق القيام ويراد العبادة عموماً، وصلاة الليل خصوصًا، وقيام الليل هو شرف المؤمنين ودأب الصالحين، فيه يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم يعظمونه ويشكرونه، ويشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله العظيم، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، تتنسم منه نفحات الخير، وترجو رحمته وتخشى عذابه. وهو من أعظم القربات، وآثاره من أطيب الثمرات، قال تعالى: ]تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ١٦ فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٧[ وقد حث النبي ﷺ على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد»رواه أحمد والترمذي. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها» فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: «من أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام» رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني. وإذا كان قيام الليل هو من أعظم القربات عند الله في سائر الأيام، فهو في أيام العشر من ذي الحجة هو آكد.
التهجد: الفرق بين التهجُّد وقيام الليل هو أنّ التهجُّد يكون بعد النوم ليلًا ولو لفترة، ثمّ الاستيقاظ للصّلاة فقط دون غيرها من العبادات، أمّا قيام الليل فيكون بالصّلاة، والذِّكر، والدُّعاء، وقراءة القرآن، وغير ذلك من العبادات في أيّ ساعة من ساعات الليل، وعليه فإنّ التهجُّد نوع من قيام الليل، يكون بالنّوم ثمّ الاستيقاظ لأداء الصّلاة، وقد ورد عن الصحابي الجليل الحجاج بن غزية رضي الله عنه ما يدل على هذا الفرق، حيث قال: «يحسَبُ أحَدُكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبِحَ أنَّه قد تهجَّدَ، إنَّما التهجُّدُ المرءُ يصلِّي الصلاةَ بعد رقدةٍ، ثمّ الصّلاة بعد رقدةٍ، وتلك كانت صلاةَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم» رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، رجاله رجال الصحيح.
الدعاء: الدعاء يصاحب كل العبادات، وهي تكتمل به، قال تعالى: ]قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا ٧٧[. وقال الله تعالى في القرآن الكريم : ]وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ٦٠[. وقال: ]وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ ١٨٦[. وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «أفضل العبادة الدعاء” روى الترمذي في سننه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: “ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء» روى الترمذي في سننه عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ «من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئًا يعني أحب إليه من أن يسأل العافية». هذا ولا ينفك المسلم عن الدعاء لله في كل وقت وفي كل حال، في اليل وفي النهار. والإكثار منه في الأيام العشر إكثار من الرضى، ومن أفضل الدعاء هو الدعاء بالعافية في الدنيا، وبالعفو في الآخرة. ودعاء المسلم لنفسه خير، ودعاؤه لغيره من المسلمين أجره كبير، ودعاؤه الذي يعم حال المسلمين جميعًا أجره بمقدار ما يعم.
الصيام: الصيام هو من أفضل الأعمال الصالحة. قال تعالى: ]… وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا [. وقد خصه الله تعالى، كما في الحديث القدسي الذي رواه البخاري: «قال الله: كل عمل بني آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به». وروى البخاري ومسلم عن النبي ﷺ قال: «إن في الجنة بابًا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد». وعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيّام من كل شهر» رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم. وقال الإمام النووي عن صوم أيّام العشر إنّه مستحب استحبابًا شديدًا. فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة. ومنه صيام يوم عرفة: روى مسلم عن رسول الله ﷺ أنّه قال عن صوم يوم عرفة: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» (لكن من كان في عرفة حاجًا فإنّه لا يستحب له الصوم، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة مفطرًا).
ذكر الله تعالى: قال تعالى: ]ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ١٩١[. وقال تعالى: ]ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ
وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ ٢٨[. روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم». قال ابن القيم، رحمه الله، «ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها، لكفى بها فضلًا وشرفًا». والذكر عمومًا، والتكبير خصوصًا من شعائر هذه الأيام، قال تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: بيَّن الله سبحانه وتعالى أن من صفات المؤمنين والمؤمنات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال في محكم تنزيله: ]وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٧١[. والله سبحانه قد ذم كفار بني إسرائيل ولعنهم على عصيانهم واعتدائهم وعدم التناهي عن المنكر، فقال جل وعلا: ]لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ ٧٨ كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ٧٩[ وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه» وقال: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكنَّ الله أن يعمكم بعقاب من عنده»، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: «يقول الله جل وعلا: يا أيها الناس! مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم، وقبل أن تسألوني فلا أعطيكم، وقبل أن تستنصروني فلا أنصركم»، هذه الأحاديث تشير إلى الخطورة العظيمة لتي جعلها الله تعالى لهذه الفريضة، فالقيام بها فيه عز الدنيا والآخرة، وتركها فيه وعيد عظيم يدل على أن الناس إذا تساهلوا فيه عمهم العقاب، وذكرُ العقاب على عمومه يشمل كل عقاب، ومنه تسلط الأعداء، وعدم نصرة الله للمسلمين، وهذا ما يحدث اليوم، وهذا يدفعنا لأن نقوم بحق الله علينا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سائر الأيام، وهو في أيام العشر آكد. ومعلوم أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون باليد وباللسان وبالقلب، على تفصيل شرعي محدد يجب أن لا يغفل المسلمون عنه أبدًا، وأن لا ينشغلوا عنه ببقية العبادات.
التكبير والتهليل والتحميد: يسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر،. والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهارًا للعبادة، وإعلانًا بتعظيم الله تعالى، ويجهر به الرجال وتخفيه المرأة؛ وذلك لما ورد في حديث ابن عمر السابق: «فأكثروا من التهليل والتكبير والتحميد»، وقال الإمام البخاري رحمه الله: «كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيّام العشر يكبران ويكبر النّاس بتكبيرهما»، وقال أيضًا: «وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتجَّ منى تكبيرًا». وكان ابن عمر يكبر بمنى، وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيّام جميعًا، والمستحب الجهر بالتكبير لفعل عمر وابنه وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين. وحري بنا نحن المسلمين أن نحيي هذه السنة. هذا وقد وردت عدة صيغ للتكبير مروية عن الصحابة والتابعين منها: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا) (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد) (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.)
وغير ذلك من أبواب الخير العظيمة التي فتحها الله لعباده في كل أيام السنة، فهي في هذه الأيام خيرها آكد.
اللهم لك الحمد على نعمائك التي لا تحصى، وأعنَّا اللهم على حسن العبادة فيها. وافتح لنا فيها باب النصر… إنك نعم المولى ونعم النصير