مع القرآن الكريم: الأخوة الإسلامية
1999/12/01م
المقالات
1,589 زيارة
قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وقال جل وعلا: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) وقال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسّسَوا ولا تجسّسَوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً» رواه مسلم.
جعل الله رسالة الإسلام عالمية للعرب وغيرهم قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) وقالصلى الله عليه وسلم : «بعثت إلى كل أحمر وأسود». ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وكان كل من يسلم معهم يصبح واحداً منهم عربياً كان أم غير عربي، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، قال تعالى: (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) فارتبط المسلمون برابطة الأخوة الإسلامية، بمجرد دخولهم في دين الله.
يقول القرطبي في تفسير آية (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) أي في الدين والحرمة لا في النسب، ولهذا قيل إن أخوة الدين أثبت من أخوة النسب، فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب، قال القرطبي رحمه الله «كونوا عباد الله إخواناً» في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: «ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا كونوا عباد الله إخواناً»، وفي فتح الباري في شرح هذا الحديث: “وكونوا عباد الله إخواناً” هذه الجملة تشبه التعليل لما تقدم في الحديث، كأنه قال إذا تركتم هذه المنهيات كنتم إخواناً، ومفهومه إذا لم تتركوها تصيروا أعداء، ومعنى كونوا إخواناً اكتسبوا ما تصيرون به إخواناً، مما سبق ذكره، وغير ذلك من الأمور المقتضية لذلك إثباتاً ونفياً، وقوله: “عباد الله” بحذف حرف النداء، وفيه إشارة إلى أنكم عبيد الله، فحقكم أن تتآخوْا بذلك.
وقال ابن عبد البر: تضمن الحديث تحريم بُغض المسلم والإعراض عنه وقطيعته بعد صحبته بغير ذنب شرعي، والحسد له على ما أنعم به عليه، وأن يعامله معاملة الأخ النسيب، وأن لا ينقب عن معايبه، ولا فرق في ذلك بين الحاضر والغائب، وقد يشترك الميت مع الحي في كثير من ذلك.
والأخوة الإسلامية هي من ركائز الحياة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية، وقد غفل عن مقتضياتها كثير من المسلمين إما جهلاً أو قصداً، بسبب الضعف الذي طرأ على أذهانهم، في فهم أحكام دينهم، وبسبب تطبيق قوانين الكفر عليهم. ولهذا فهم لا يتصرفون بحسب مقتضيات هذه الأخوة مقتصرين منها على الدعم المعنوي والإرشادي للمسلمين، متناسين أن الأخوة الإسلامية تقتضي أن ينظر إلى مشاكل المسلمين باعتبارها مشكلة لكل واحد منهم، فما يصيب المسلمين في القوقاز وكشمير والفلبين، وما لحقهم في كوسوفا والبوسنة، وما يعانيه بشكل متواصل أهل فلسطين ولبنان والجولان، يجب أن يحس به كل مسلمي الأرض كما يحسه الذين يقع عليهم القهر والعدوان سواء بسواء.
وقد آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقد جعل جعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخوين، وجعل أبا بكر وخارجة بن زهير أخوين، وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك أخوين…، وهذا هو الأسلوب الذي اعتمده الرسول صلى الله عليه وسلم في بناء المجتمع بتكريس الأخوة بين المسلمين، بغض النظر عن اختلاف ألوانهم وأعراقهم ولغاتهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره»، فالإسلام قد عمل على إيجاد المحبة والألفة بين المسلمين، واعتبر ذلك من علامات الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». وقد دعا الإسلام أيضاً إلى إفشاء المحبة بين المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، ويقول: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً».
ومن مقتضيات الأخوة النصرة قال صلى الله عليه وسلم: «أنصُر أخاك ظالماً أو مظلوماً» والنصر يكون كما حدده الشرع الإسلامي، لا كما يقتضيه العقل والمصلحة، فنصرة المسلم الذي يحتاج إلى سلاح ورجال لا تكون بإرسال شحنات الأغذية، ولا بمطالبة مجلس الأمن ولا باستجداء أميركا، أو بإرسال المعونات الطبية وفرق الإنقاذ، ولا بإرسال السجاد للمسجد الأقصى، والنصرة هنا تعني رفع الظلم والعدوان، وذلك بتسيير الجيوش الجرارة، كما أمر الشرع، كما أن المسجد الأقصى بحاجة إلى تحرير وليس بحاجة إلى تعمير.
ومن مقتضيات الأخوة الموالاة بين المؤمنين وعدم موالاة الكفار، قال تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)، وقال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ).
ومن مقتضياتها أيضاً القضاء على النعرات والعصبية القبلية والقومية والمذهبية، والتي هي من عوامل تحطيم الوحدة الإسلامية، واعتبرها الإسلام نوعاً من الجاهلية، فلا يوجد في الإسلام قوميات، ولا يوجد ما يسمى بالأخوة العربية أو الأخوة التركية أو الأخوة الفارسية، وقد دعا الإسلام إلى إزالة الفروق والطبقية بين المسلمين (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). وأقر بأن المجتمع الإسلامي مجتمع متماسك كالجسد الواحد وكل عليه مسؤوليته ولا تطغى مصلحة الفرد على مصلحة المجموع، كما لا يتم سحق الفرد وتذويبه في مصلحة المجتمع. قال صلى الله عليه وسلم: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً».
هذا ما سار عليه الصحابة ومن بعدهم وما فهموه من جملة الأحكام في الأخوة الإسلامية، فلم تكن شعارات تطلق وإنما ممارسات فعلية، حتى إن الأخوة الإسلامية تعدت ذلك، فقد روي عن ابن عباس قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخاهم بها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نسخ هذا فيما بعد، قال تعالى: (وَأُولُواْ الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ).
والأخوة الإسلامية لا تعني التابعية، فالأخوة تكون في حال وجود الدولة، وفي حال عدم وجودها، إلا أن تحقيق الأخوة بالشكل الكامل تكون في ظل الدولة الإسلامية التي تنظم العلاقات في المجتمع بحسب أحكام الشرع الحنيف.
قال ابن عبد البر: كانت المؤاخاة مرتين: مرة بين المهاجرين خاصة، وذلك بمكة، ومرة بين المهاجرين والأنصار، بعد الهجرة.
وعلى هذا فما أحوجنا في هذه الأيام إلى الأخوة الإسلامية، للعمل على حل جميع مشاكلنا، واسترداد حقوقنا، بإقامة الدولة الإسلامية ونبذ كل الخلافات، وإزالة كل العوائق التي وضعها الاستعمار وعملاؤه لإبقاء البلاد الإسلامية مقسمة إلى دويلات هزيلة، فهيا إلى إزالة الحدود المصطنعة التي فرقت الأخوة ومزقتها لتعود هوية المسلم: لا إله إلا الله محمد رسول الله، بلا حدود ولا فواصل، فيحس كل مسلم أن معه مئات الملايين من المسلمين، يشعرون معه، ويتألمون لألمه، ويفرحون لفرحه، وفي ذلك دعم لمعنويات المسلمين في مواجهة أعدائهم، وفي عملهم المبرور لرفع راية الإسلامصلى الله عليه وسلم
1999-12-01