كلمة الوعي: مبادرة باول حرب أخرى على المسلمين، تحت مسمى (إصلاح التعليم!) فاحذروها أيها المسلمون
2003/01/25م
المقالات, كلمات الأعداد
1,435 زيارة
أعلن كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة في 12/12/2002م «مبادرة الشراكة الأميركية في الشرق الأوسط» وذلك في إطار خطة إصلاحية شاملة تشارك فيها قيادات شعوب الشرق الأوسط. وقال باول إن مبادرته تقوم على ثلاثة أعمدة اقتصادية، ديمقراطية سياسية والثالث الذي سماه الإصلاح التعليمي، والمدقق في مبادرته يرى أن هذا الثالث هو الركن الأساس المقصود فيها. لقد ركز على مساوئ الأمية وتهميش المرأة الذي اعتبره من أسوأ الظواهر الاجتماعية في المنطقة. وأشار إلى أهمية ردم هوة المعرفة من خلال إنشاء مدارس أفضل وفرص تعليم عالٍ أكثر. ثم كشف حقيقة ما يريده بما سماه الإصلاح وهو قبول الدين بالقيم العلمانية كما يريدها فقال باول: «يمكن أن يكون هناك التزام قوي بالدين كما نفعل نحن ولكن يجب إيجاد نموذج يسمح بتعايش الدين مع المؤسسات السياسية والاقتصادية». ورفض العروض القائلة بتعليق هذه المسائل وحل القضايا السياسية والاستراتيجية الملحّة الأخرى.
إن أميركا التي تريد أن تفرض نفسها زعيمةً على العالم من غير منازع، تعيش في هاجس تطويع المسلمين لإرادتها، وجعلهم منقادين لسياساتها. لذلك رأت أن تضيف إلى استعمارها السياسي والاقتصادي والعسكري استعماراً ليس بالجديد ولكن يبدو أنه قد أفلت من يديها، وهو الاستعمار الفكري الذي سمّته الإصلاح التعليمي. إنها تريد أن تعلم المسلمين دينهم وأن تنشئ المدارس (بتمويل من دول الخليج كما أعلن باول) لتعليم المسلمين الإسلام المعتدل والتشجيع على ممارسته كما يمارس في الولايات المتحدة. إنها تجعل من نفسها نموذجاً لالتزام المسلمين بدينهم بأن يفصلوه عن حياتهم وأن يوجدوا حالةً من الانسجام والتعايش ما بين الإيمان والمؤسسات الاقتصادية والسياسية. إنها تريد «تعليماً» بخصائص أميركية تجعل المسلمين يتأثرون بطريقة العيش الأميركية ووجهة نظرها عن الحياة. إنها تريد للمرأة المسلمة أن تتأسى بالمرأة الأميركية فتجعل من نفسها سلعة رخيصة تعرض في الملاهي والمطاعم ودور الأزياء؛ من أجل أن تخرج من حرم الأسرة الطاهر إلى تهتك الحياة، ومن صون العلاقة الشريفة إلى العلاقة المفتوحة من غير رباط ديني ولا عقد زواج يحفظ شرفها وكرامتها وعفتها. إنها تريد أن تحبس ديننا ضمن جدران المساجد، وتحصر مجاله ضمن فردية ضيّقة فلا يتدخل الدين في أمور الحياة من سياسة واقتصاد واجتماع. تريد أن تصوغ الإسلام بحلة أميركية… هكذا تريد أميركا أن تصلح التعليم في بلاد المسلمين وكأنه شأن داخلي من شؤونها.
إن أميركا لا تريد فقط أن تتدخل في مناهج التعليم العامة، بل في مناهج التعليم الدينية لذلك تفكر وزارة الدفاع الأميركية كما ذكرت وسائل الإعلام في 17/12/2002 «بإطلاق حملة إعلامية تهدف إلى التقليل من تأثير خطباء المساجد والمدارس الدينية، وتتضمن الحملة إنشاء مدارس بتمويل أميركي سراً لتعليم الإسلام المعتدل والتشجيع على ممارسته، كما هو ممارس في الولايات المتحدة». أي أنها ستعهد إلى وكالة الاستخبارات المركزية التابعة لها لشراء الذمم وتنفيذ ذلك.
قد يقول قائل: كيف تستطيع أميركا أن تتدخل في مثل هذه الأمور البعيدة عنها. فهي تستطيع أن تؤثر في الأعمال السياسية، والضغوطات الاقتصادية، والحشودات العسكرية، ولكنها لا تستطيع التدخل في هذه التفصيلات التي يعتبر الاهتمام بها شأناً داخلياً.
إن مبادرة باول لحظت هذا الجانب ولهذا ذكرت أنه يشارك فيها قيادات وشعوب الشرق الأوسط. أي إنها ستطلب من حكام المسلمين أن ينفذوا ما وضعته لهم من خطط وأساليب وما رسمته لهم من سياسات لصياغة المسلمين الصياغة المطلوبة أميركياً. سينفذ هؤلاء الحكام ما يطلب منهم ليس جبراً عنهم بل طواعيةً، وذلك لأن لهم مصلحةً في ضرب التوجه الإسلامي لدى شعوبهم، تماماً كما هو موقف أميركا. لذلك سنرى فتحاً واسعاً للقنوات الفضائية التي تنقل البرامج الإعلانية والأفلام الأميركية التي تصنع خصيصاً لاستعمار الشعوب. سنرى فتحاً واسعاً للمدارس الدينية ذات التوجه المنسجم مع التوجه الغربي بعامة والأميركي بخاصة. وسنرى تضييقاً كبيراً على المدارس التي تُعَدُّ أنها تخرّج أصوليين، ومنعاً للحركات والأحزاب التي تدعو إلى التغيير في كافة أنحاء العالم الإسلامي. وسنشهد عقد مؤتمرات تدعو إلى مشاركة المرأة في الحياة العامة وتخصيص مختلف البرامج التلفزيونية «للنساء فقط»، وسنرى مختلف الأنظمة التي تحكم المسلمين تتباهى أمام أميركا والغرب أنها أوصلت بعض النساء إلى اللحاق بحياة المرأة الغربية. وسنجد تركيزاً أكبر على بث أفكار الديمقراطية على أنها الشورى، وإبراز علماء ديمقراطيين يدعون إلى (الإسلام الأميركي)، وستكثر البرامج التلفزيونية على الفضائيات وغير الفضائيات التي تريد أن تَلْبِس على المسلمين أمر دينهم. نعم إن أميركا ستنفذ ما خططت له في هذا المجال عن طريق الحكام. وهؤلاء الحكام هم أصحاب مصلحة حقيقية في بث هذه الأفكار لأنهم يعلمون أن عروشهم مهددة من هذه الصحوة الإسلامية.
ولكن هل يتوقع النجاح لأميركا في مسعاها هذا؟
إن الغرب استطاع في بداية القرن الماضي أن يستعمر المسلمين، ويفرض عليهم برامجه التعليمية ويستعمر عقولهم، ويملي عليهم توجههم، ويفرض عليهم حكامهم. ولكن هذا الاستعمار قد زال تأثيره وانكشفت سوءته وفقدت برامجه التعليمية السابقة بريقها، ولم تعد أساطير الكتاب الذين جندهم للتضليل تنطلي على المسلمين، بل صار بعضهم يوصَم بالكفر ويعزَل كالشاة الجرباء… لقد استطاع المسلمون أن يتخطوْا هذه الأباطيل رغم الجهودالحثيثة التي بذلها الكفار المستعمرون، فهم وإن نجحوا في القضاء على دولة المسلمين، وفي هزيمة المسلمين، لكنهم لم ينجحوا في هزيمة الإسلام. ولأن الغرب الكافر وعلى رأسه أميركا يعلم أن بقاء الإسلام حياً في نفوس المسلمين سيبعث نهضتهم من جديد وتعود دولتهم من جديد، لذلك فهو يركّز على إضعاف الإسلام في النفوس عن طريق مناهج التعليم.
من هنا كانت مبادرة كولن باول وبخاصة ما جاء فيها عن مناهج التعليم. إن أميركا تنظر إلى مناهج التعليم نظرة مصيرية، وبذلك فهم لن ييأسوا من محاولاتهم المرة تلو المرة ليلبسوا على المسلمين دينهم ويوجدوا اضطراباً في تفكيرهم. فإذا لم تقف الأمة بكل قوتها في وجه هذه المبادرات الخبيثة السامة فقد تجد طريقاً إلى جسد الأمة ومن ثم تصيب هذه السمومُ منها مقتلاً.
إن على الأمة أن تدرك أن الإسلام هو مصدر قوتها وطريق عزتها، وأن هجمة أميركا عليها القديمة الجديدة فيما سمته (إصلاح مناهج التعليم) هي دليل على إحساس أميركا بأن مخزونها الفكري خاوٍ، وهي دليل على أنها تدرك قوة ما عند المسلمين من فكر، فهي تخشاه وتخشى عنفوانه، وتحاول ما استطاعت أن تتدخل في شئون التعليم لعلها تزيل شيئاً من الفكر الإسلامي، أو تخلطه بشوائب من عندها.
إن أميركا لم تعد تملك إلا القوة المادية، لقد أفلست قوتها الفكرية، وهذا بحد ذاته نكوص إلى الوراء. ولم تعد دعاوى نصرة الدول الضعيفة والحريات وحقوق الإنسان والسلام العالمي والعدل الدولي تنطلي على أحد. الكل يقول إن ضرب أفغانستان وراءه الوصول إلى ثروات آسيا الوسطى وإنَّ ضَرْبَ العراق وراءه وضع اليد على نفط الخليج، وصار الجميع يشبه بوش بأنه هتلر. فلا يغترَنَّ أحد بالظاهر. إن ما تفعله أميركا يدل على ضعف لا على قوة. إنها لا تتصرف بهذا الشكل السافر إلا لأن الأمور قد خرجت عن سيطرتها، ولولا ما ابتليت به الأمة من حكام عملاء لأميركا والغرب، لولا ذلك لما استطاعت أميركا أن تنفذ إلى بلاد المسلمين، مهيمنةً عليهم وعلى ثرواتهم، بل وصلت إلى حد التدخل في غذاء عقولهم.
إن مبادرة باول التي ينادي فيها علانيةً بوجوب تدخل أميركا في ما أسماه (إصلاح مناهج التعليم) على سمع وبصر الحكام في المنطقة وبمشاركة منهم، حقيق بها أن تستنفر الأمة لتقف بصلابة لتحول دون تنفيذ هذه المبادرة وأمثالها في بلاد المسلمين، وفي الوقت نفسه لتعمل عملاً حثيثاً مخلصاً لإزالة هؤلاء الحكام، أدوات أميركا في تنفيذ مخططاتها، وإعادة حكم الله إلى الأرض، فيُطفَأ الكفر وظلامه، ويعم نور الإسلام وأحكامه. ]ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله[ [الروم] .
2003-01-25