مع القرآن الكريم
1993/06/24م
المقالات
1,591 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [سورة النساء 60].
وقال تعالى: ﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [سورة المائدة 44].
﴿أَلَمْ﴾ هو خطاب للرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿يَزْعُمُونَ﴾ أي يقولون. وتستعمل غالباً في القول الكاذب.
﴿ِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ أي القران والسنة.
﴿مَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ أي ما أنزل على الرسل الذين سبقوا محمداً عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، أي الإنجيل والتوراة والزبور وصحف إبراهيم.
﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا﴾ أي يفضلون أن يرجعوا من أجل فضل المنازعات.
﴿الطَّاغُوتِ﴾ مشتقة من (طغى) التي تعني جاوز القَدْرَ وارتفع وغلا في الكفر. وكلمة (طاغوت) تقع على الواحد و الجمع والمذكر والمؤنث. والطاغوت: الشيطان والكاهن والصنم وكل رأس في الضلال وكل شريعة ضلال. والمعنى المقصود في هذه الآية يحدده السياق ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا الطَّاغُوتِ﴾ فالطاغوت هو الشخص الذي يحكم بغير ما أنزل الله, والطاغوت أيضاً هو النظام أو القانون الذي يطبقونه غير الشريعة التي أنزلها الله. فالأنظمة الوضعية التي يضعها البشر هي طاغوت ما دامت ليست من الشريعة المنزلة وما دامت لم يأذن بها الله.
﴿وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ أي أُمِروا أن يكفروا بالطاغوت. أي يعاملوا الطاغوت معاملة الكفر. وهذا يعني أن الأنظمة والقوانين الوضعية (التي لا يقرها الإسلام) هي كفر, ولا يكفي أن يقال هي أنظمة وقوانين وضعية. فشريعة الإسلام وحدها حق وما سواها كفر وضلال, كما قال تعالى: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾.
﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ أي أولئك المنافقون الذين يزعمون إنهم مسلمون ومؤمنون ويزعمون أنهم يؤمنون أن القرآن من عند الله وأن السنة المحمدية من عند الله ثم يهملون ذلك ويبحثون عن شرائع وأنظمة أخرى يحتكمون إليها, أولئك يتبعون الشيطان, والشيطان يزيِّن لهم ويقودهم إلى الضلال, وليس أي ضلال, بل إنه الضلال البعيد. نعوذ بالله من ذلك.
﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾ يخاطب الله سبحانه عباده آمراً بأن لا يخافوا الناس بل يخافوا الله وحدَه. فما دامت الأعمار والأرزاق والخير والشر والدنيا والآخرة وكل شيء بيد الله, والناس لا يملكون شيئاً إلا أن يكون أذن به الله, مادام الأمر كذلك فإن العاقل يخشى الله ولا يخشى أحداً سواه ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾.
﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ أي إذا تعارضت مصلحتكم في بعض الحالات مع دين الله فلا تتركوا دين الله لتطمعوا بثمنٍ قليل. وهذه الآية ليس لها مفهوم مخالفة بمعنى أنه لا مانع أن تشتروا إذا كان الثمن كبيرا لأن الدنيا كلها بما فيها من متاع هي شيء قليل وتافه.
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ هناك من وضع بجانب قول الله هذا عبارة أخرى هي (من حكم بغير ما أنزل الله) وقالوا: يجوز الحكم بغير ما أنزل الله ولكن لا يجوز ترك الحكم بما انزل الله. وهذا يعني في نظر هؤلاء أن الشريعة لا تكفي فما أنزله الله يجب العمل به, وما نحتاج إليه ولم ينزله الله نضعه نحن ونحكم به فنكون قد حكمنا بغير ما أنزل الله ولم نترك الحكم بما أنزل الله. وهذا القول مردود على أصحابه لأن الشريعة الإسلامية كاملة.
﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ يوجد الآن سؤال سجال بين كثير من الجهات حول كفر الحكام الذين يبعدون الشريعة الإسلامية ويحكمون بالأنظمة الوضعية أي أنظمة الطاغوت أو الكفر.
هناك اتفاق بين المفسرين والعلماء والفقهاء على أن الحاكم الذي يُحكِّم شريعة غير الشريعة الإسلامية وهو يعتقد أنها أفضل من الشريعة الإسلامية هو كافر. فالحاكم (ومثله المحكوم أيضاً) الذي يَسُنّ قانون الربا والخمر والقمار والارتداد عن الإسلام وكشف العورات وتعطيل الحدود… إن كان يستحل هذه الأمور فلا شك أنه كافر وإن صام وصلَّى وحجَّ وزكَّى وزعم انه مسلم.
أما إن كان لا يستحلِّها ولا يعتبرها أفضل من الإسلام وإنما يعملها بدافع طمع أو شهوة أو ما شاكل ذلك وهو يحس أنه يعصى الله ويعمل الحرام, فهذا عاصٍ أو فاسقٍ وليس بكافر وليس بخارج من الملَّة.
ولذلك فجميع حكام المسلمين هذه الأيام هم بين كافر خارج من ملة الإسلام أو عاصٍ فاسقٍ متمرد على شريعة الإسلام. وليس بينهم من هو مقهور ومكره, وإذا وُجد من هو مقهور في بعض المسائل فانه ليس مقهوراً ولا مكرهاً في كثير من المسائل الأخرى.
والذي يتتبع القرائن والأدلة يصل إلى نتيجة أن هؤلاء الحكام يستحلون المحرمات ويسنون القوانين عن رضىً وطيب خاطر ويعتبرون هذه القوانين أفضل من شريعة الإسلام. وكل من كان من الشعب (غير الحكام)يرى هذه الرؤية فهو مثل هؤلاء الحكام¨
1993-06-24