النصرة: دقة في التخطيط وجرأة في التنفيذ
2008/08/03م
المقالات
1,580 زيارة
النصرة: دقة في التخطيط وجرأة في التنفيذ
إن النصرة حكم شرعي واجب على أهل القوة من المسلمين، وعليهم إثم التقصير فيه، وهو إثم عظيم، وهؤلاء عليهم واجبان، وكل واحد منهما لا يقل عن الآخر: الأول: واجب تسلم الحكم ولو بالقوة من الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، والثاني: واجب تسليم الحكم للجهة التي تعمل لإقامة الحكم بما أنزل الله، فبهذين الواجبين يتحقق مقصود النصرة، ويتحقق فيمن يقوم بها أنهم أنصار الله، ونعمّا هم. وسيكون لهم شأن عظيم بعد قيامها كما كان لسابقيهم الذين نصروا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أمثال: سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسعد بن زرارة، وأسيد بن حضير. وسيذكرون بالخير حتى قيام الساعة.
وما يذكر في هذا الصدد، أن عملية التسلّم والتسليم تحتاج إلى تخطيط دقيق وجرأة لا مثيل لها في التنفيذ، واتخاذ خطة ووسائل وأساليب فيها إبداع…
وتحتاج إلى تعاون وتنسيق بين أهل القوة ممن يريدون نصرة الدعوة وبين الحزب الذي يعمل في الأمة، والذي يكون قد هيّأ سائر الأعمال الشرعية المطلوبة لإقامة الدولة الإسلامية من إيجاد شخصيات إسلامية ورجال دولة وأعضاء ناضجين على فكرته، ورأي عام على فكرته… ليتحركا بالتوافق للوصول إلى المقصود، وهو إقامة الحكم بما أنزل الله.
فالتخطيط، والبراعة في التنفيذ مطلوبان، ويذكرنا بهما فعل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما هاجر من مكة إلى المدينة. فقد اتخذ خطة له واستعمل وسائل وأساليب ذكية جداً، آخذاً بعين الاعتبار أنها عقلية تابعة (للرأي والحرب والمكيدة)، فلم يترك ثغرة في التخطيط ولا تقصيراً في التنفيذ، ثم إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان متوكلاً على الله فيما يقوم به حق التوكل، مؤمناً بالله إيماناً لا يتطرق إليه أدنى ريب بأنه سبحانه هو معبوده المطاع وحده، وأنه سبحانه معينه ومنجز وعده له في نصره… فلننظر كيف خطط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكيف أعان الله، حتى قامت دولة الحق، دولة (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) حتى يكون لنا ذلك نبراساً ونوراً نهتدي به في ظلمات هذه الأيام المدلهمة، وخاصة في طلب النصرة.
تذكر السِّيَر أن جبريل عليه السلام نزل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بوحي ربه تبارك وتعالى، وأخبره بمؤامرة قريش لقتله، وأذن له بالخروج، وقال له: «لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه».
ذهب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الهاجرة إلى أبي بكر (رضي الله عنه)، وكان متقنعاً، وجاء في ساعة لا يأتي فيها أحد، وهو وقت الظهيرة، وقت الحر والقيظ، فأخبره بأمر الهجرة والصحبة، واتفق معه على خطة الهجرة كيف تكون، ثم عاد إلى بيته ينتظر مجيء الليل.
أما في المقلب الثاني، فقد كان أكابر المجرمين في قريش قد قضوا نهارهم في الإعداد لتنفيذ خطتهم بقتل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوزيع دمه في القبائل، وتم اختيار أحد عشر رئيساً من أكابرهم، ولما كانت عتمة الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى نام فيثبون عليه، وهنا بدأ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بتنفيذ خطته.
فقد أمر سيدنا علي (رضي الله عنه) أن ينام على فراشه، وطلب منه أن يتسجى ببرده الحضرمي الأخضر الذي كان من عادته أن يتسجى به وينام، وأخبره أنه لن يخلص إليه شيء يكرهه منهم، وكان مقصد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التمويه والتعمية على أعدائه، ونجح هذا الأمر، إذ خرج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من بينهم وهو يتلو قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ) [يس 9] ووضع التراب على رؤوس المحاصرين فلم يروه. ولما رآه رجل من خارجهم وأخبرهم أنه خرج، لم يصدقوه لأنهم كانوا يظنون أن ذاك الذي يتسجى ببرده هو سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكنهم عرفوا الحقيقة بعد وقت كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ابتعد عنهم وذهب إلى بيت أبي بكر (رضي الله عنه)، ومن هناك خرجا في رحلة الهجرة ضمن خطة محكمة، فلم يخرجا من باب البيت بل من خوخة في دار أبي بكر ليلاً حتى لا يراهما أحد ولا يعرف وجهتهما، ولحقا بغار ثور في اتجاه اليمن، وهو بعكس وجهته الأصلية، وكان ذلك في 27 من صفر.
لما تحقق المحاصرون أن علياً (رضي الله عنه) هو الذي في داخل البيت بدل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طاش رأسهم. وسألوه عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخبرهم أنه لا يعلم، وأسقط في يدهم.
وكان تخطيطه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أنظار قريش ستتجه لأول وهلة إلى طريق المدينة الرئيسي المتجه شمالاً، فسلك الطريق الذي يضاده تماماً، وهو الطريق الجنوبي المتجه نحو اليمن. وبعد نحو خمسة أميال وصلا إلى جبل ثور، وهو جبل شامخ، وعر الطريق، صعب المرتقى، ذو أحجار كثيرة، وكان في الجبل غار، فمكثا فيه ثلاث ليالٍ. وكان يبيت معهما عبد الله بن أبي بكر ويغادرهما في السحر، فيصبح في قريش وكأنه بائت معهم، وكان عندما يأتي إليهما فليخبرهما بما يتحدث به القوم. وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يؤمن لهما اللبن في الغلس من كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، وكان يتبع بغنمه أثر عبد الله بن أبي بكر بعد ذهابه إلى مكة ليعفى عليه.
لما علمت قريش بخروج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جن جنونهم، فضربوا علياً وسحبوه إلى الكعبة وحبسوه ساعة علهم يظفرون بخبرهما، فلم يكن لهم ذلك. بعد ذلك ذهبوا إلى بيت أبي بكر (رضي الله عنه) وسألوا عنه، فلما أجابتهم ابنته أسماء بأنها لا تعرف لطم أبو جهل (لعنه الله) وجهها.
ثم اجتمعوا بعدها في جلسة طارئة ليقرروا فيها استخدام جميع الوسائل التي تمكنهم من القبض على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصاحبه (رضي الله عنه)، فوضعت جميع منافذ الطرق من مكة تحت المراقبة الشديدة، ووضعوا مكافأة ضخمة قدرها مائة ناقة مقابل حياة كل منهما، حياً أو ميتاً. وعلى أثر ذلك جدّ الفرسان والمشاة وقصّاص الأثر في الطلب، وانتشروا في الجبال والوديان والهضاب… ولكن من دون جدوى، حتى وصل المطاردون إلى باب الغار، ولكن الله غالب على أمره، وحفظه يتم لمن يشاء.
وصلوا إلى مكان يقول فيه أبو بكر (رضي الله عنه): لو نظر أحدهم إلى موضع رجله لرآنا، ولكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طمأنه وقال له: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما». وفي ذلك نزل قوله تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة 40]. وهكذا رجع المطاردون حين لم يبقَ بينهم وبينهما إلا خطوات معدودة.
بعد ثلاثة أيام خف الطلب، وتوقفت دوريات التفتيش، فتهيأ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصاحبه (رضي الله عنه) للخروج إلى المدينة، وكانا قد استأجرا عبد الله بن أريقط الليثي، وكان على دين قومه، هادياً لهم في الطريق؛ لأنه كان ماهراً فيها، وأمناه على ذلك، وسلّما إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليالٍ ليوافيهما براحلتيهما، فلما كانت غرة شهر ربيع الأول، أتاهما على ما واعداه عليه، وأتت أسماء بسفرتهما، ثم ارتحلا وارتحل معهما عامر بن فهيرة.
أما بن أريقط، فقد أمعن في سلوك طريق الجنوب نحو اليمن، ثم اتجه غرباً نحو الساحل، حتى إذا وصل إلى طريق لا يألفه الناس، اتجه شمالاً على مقربة من شاطئ البحر الأحمر، وسلك طريقاً لا يسلكه أحد إلا نادراً.
وفي الطريق لقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الزبير، وهو في ركب المسلمين، كانوا تجاراً قافلين من الشام، فكسا الزبير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبا بكر ثياباً بيضاء.
وفي 8 ربيع الأول من السنة التي عدت فيما بعد الأولى من الهجرة. نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقباء.
كان المسلمون في المدينة قد سمعوا بخروج الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارهم، فلما آووا إلى بيوتهم، أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح.
كبَّر المسلمون فرحاً بقدومه، وخرجت المدينة كلها لاستقباله، وكان يوماً مشهوداً لم تشهد المدينة مثله في تاريخها… فأقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بقباء أربعة أيام، ثم في اليوم الخامس ركب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر (رضي الله عنه) ردفه، وأرسل إلى بني النجار أخواله فجاؤوا متقلدين سيوفهم فسار نحو المدينة ودخلها، وكانت البيوت والطرق ترتج بأصوات التحميد والتقديس، وكانت بنات الأنصار تتغنى بهذه الأبيات: ولله درها من أبيات:
طلع البدر علينا
وجب الشكر علينا
أيها المبعوث فينا
جئت شرفت المدينة
حقاً:———-
وجب الشكر علينا
|
|
من ثنيات الوداع
ما دعا لله داع
جئت بالأمر المطاع
مرحباً يا خير داع
ما دعا لله داع
|
إن ما يلفت النظر في خطة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للهجرة أمران مهمان:
1- الإعداد البشري: فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أعد خطة من عنده، وكانت خطة محكمة لم يترك فيها جانباً من غير اهتمام، وهذا الذي أعده (صلى الله عليه وآله وسلم) ينطبق عليه أنه من (الرأي والحرب والمكيدة). فالله سبحانه قد أمر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالهجرة، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دبر خطة واتخذ لها كافة الوسائل والأساليب التي تمكنه من هجرة ناجحة. وفي مقابل ذلك فإن المطلوب ممن يقوم بنصرة دين الله أن يعدوا خطة محكمة تمام الإحكام، يتجلى فيها الدقة في التخطيط، والإبداع في اختيار الوسائل والأساليب، والجرأة في التنفيذ… فإن عمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دل على ذلك، وهي من باب التذكير والاختصار:
– مبيت علي (رضي الله عنه) في فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
– خروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيت أبي بكر في الظهيرة حتى لا يراه أحد.
– خروجه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبا بكر (رضي الله عنه) من الكوة حتى لا يراهما أحد فيتابعهما ويعرف وجهتهما.
– سلوك طريق الجنوب نحو اليمن وهو على عكس الطريق إلى المدينة باتجاه الشمال.
– المبيت في غار ثور ثلاثة أيام ريثما يهدأ الطلب.
– الطلب إلى عبد الله بن أبي بكر أن يتسمع ما يقوله الناس فيهما.
– تأمين الزاد عن طريق أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنها).
– إعفاء الأثر عن طريق مولى أبي بكر وهو عامر بن فهيرة.
– استئجار دليل هادٍ خريت يعرف الطريق وهو ابن أريقط…
2- التدخل الرباني: ورد في السيرة فيما يتعلق بهجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض التدخلات الربانية المباشرة التي ذكرها القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة. فما هي؟ وكيف نفسرها ونستفيد منها لوقتنا وعملنا في النصرة. ولنكتفِ بذكر مثلين منها:
– في رواية للإمام أحمد عن المطاردين للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه، أنهم خرجوا يطوفون جبال مكة، حتى انتهوا إلى الجبل الذي هم فيه، فقال أبو بكر (رضي الله عنه) لرجل مواجه في الغار: يا رسول الله، إنه ليرانا. فقال له الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «كلا، إن ملائكة تسترنا بأجنحتها». فجلس ذلك الرجل، فبال مواجه الغار، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لو كان يرانا ما فعل هذا». ذكره ابن هشام. وفي رواية للبخاري: «فقلت يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ رأسه رآنا، قال: «اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما…».
فهنا بالرغم من كامل الجهد البشري في وضع الخطة وتنفيذها من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد وصل الكفار المطاردون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مكان اختفائه، فيما يدل على مبلغ اهتمامهم بقتل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والقضاء على دعوته، وهنا يظهر تأييد الله وعونه، وذلك مقابل بذلهما لكامل جهدهما، فقال جل من قائل: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة 40]، وهنا يجـــب علـــى الدعاة وأهل القوة أن يعلموا يقيناً أن من ينصـــر الله لا يغلبه أحد، ونصــر العبد لخـــالقه ودينه تكون بالاتباع والتقيد والالتزام بإحسان، ونصر الله لعبده يكون بتأييده وجعل إظهار الدين على يديه.
– كذلك، فإنه مع بالغ الاحتياط من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصاحبه (رضي الله عنه) استطاع سراقة بن مالك أن يلحق بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبمن كان معه طمعاً بالجائزة، ويصل إليهم ويهم بإيذائهم أكثر من مرة، فلم يفلح حتى إن يدي فرس سراقة قد ساختا في الأرض حتى بلغتا الركبتين، فعرف أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ممتنع عنه، وحدثته نفسه أن أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيظهر، فناداهم بالأمان، فوقفوا (كانوا أربعة: الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبو بكر، وابن فهيرة، وابن أريقط (رضي الله عنهم)). فقال له الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «أخفِ عنا» وكتب له الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كتاب أمن بحسب طلبه، ورجع سراقة، فوجد الناس في الطلب، فجعل يقول: لقد استبرأت لكم الخبر، لقد كفيتكم ما ههنا، فكان أول النهار جاهداً عليهم، وآخره حارساً لهم. وهكذا نجد مرة أخرى تدخلاً ربانياً كفى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحبه (رضوان الله عليهم) من الإيذاء، وكف عنهم ما يمنع من وصول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة لإقامة الدولة.
هذا التدخل الرباني استحقه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بحسن اتباعه وحسن قيامه بما هو مطلوب منه حتى إنه لم يقصر في إعداد العدة للهجرة أدنى تقصير، وكانت الجائزة من الله، الهدية، المنحة، المنة: إقامة الدولة الإسلامية في المدينة… واليوم، فإنه إذا قامت الثلة المؤمنة من أهل القوة وأهل الدعوة بهذا الفرض خير قيام، وبذلوا له كامل جهدهم من غير أي تقصير، فإن نصر الله آت ولاريب، قال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر 51] وإن تأييده وتدخله الرباني سيحصل وإن لم نعرف كيف، وقد لا نعلم بوجوده.
2008-08-03