حمل الدعوة الإسلامية لإقامة الخلافة الراشدة: أمانة لها أهلها
2008/08/03م
المقالات
2,029 زيارة
حمل الدعوة الإسلامية لإقامة الخلافة الراشدة:
أمانة لها أهلها
أبو إسلام
قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب 72-73].
قال العوفي عن ابن عباس: الأمانة تعني الطاعة، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: الأمانة تعني الفرائض، وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك والحسن البصري. وقال قتادة: الأمانة هي الدين والفرائض والحدود. وفسرت بغير ذلك… وهذه المعاني لكلمة الأمانة لا تنافٍ بينها، بل ترجع إلى معنى التكليف وقبول الأوامر والنواهي بشروطها.
ويحدونا الكلام في هذا المقام عن حملة الأمانة، عن رجالها بحق، لا عمن تثاقلوا في حملها فأصبحوا فسقة وعجزة وأعواناً للظلمة، ولا عمن حملوها على ظلم وجهل فما كان إلا مقدار ما بين العصر إلى الليل من أول يوم حملوها فيه حتى أصابوا الخطيئة، أو أصبحوا من المنافقين أو المشركين الذين حقت عليهم كلمة العذاب. وإنما نريد أن نذكر بعضاً ممن حملوا الأمانة بأمانة، عمن رعوها حق رعايتها ليكونوا قدوة حية وأمثولة خير، تعيد الحياة لهذه الأمة تماماً على الذي أنزل الله جل في علاه.
لقد شاء الله سبحانه، أن يكون لهذه الأمة في دول آسيا الوسطى رجال من الرعيل الأول حملوا الأمانة بحق وصدق فأعلى الله شأنهم، وأعلى شأن الأمة الإسلامية بهم، كالبخاري والترمذي والزمخشري وقتيبة بن مسلم… وكذلك تشهد الأمة الإسلامية اليوم هناك انبعاثاً جديداً من ثلة من الشباب المسلم العلماء، وأبناء العلماء، الواعين المخلصين الذين يقتفون آثار من سبقهم من أئمة الخير السابقين، من صحابة رسول الله الميامين، ثلة من الشباب الذين يتحملون أقسى أساليب التعذيب من قبل طواغيت هذا الزمن الرديء، وجريمتهم أنهم قالوا: ربنا الله، ثم استقاموا عليها، معتصمين بحكم الله في الصراع الفكري لإثبات فوقية الإسلام على ما عداه، ومستمسكين بحكم الكفاح السياسي لكشف ما يكاد لهذه الأمة من شر من قبل دول الغرب الكافر، وأذنابهم من الحكام العملاء، وأتباع هؤلاء من أشباه العلماء الذين فرطوا بحمل الأمانة فكانوا الأقبح وجهاً والأسوأ سيرة…
إن ثلة الخير هذه من شباب حزب التحرير سطرت وتسطر تاريخاً للدعوة الإسلامية من ذهب، وسجلت وتسجل مواقف جعلت العدو قبل الأخ والصديق يعترف لهم ويقر بأن هؤلاء بشر ليسوا كباقي البشر. فإذا كان الله سبحانه يباهي ملائكته بمواقف بعض المؤمنين، فنسأل الله أن يكون هؤلاء منهم، وأن يذكرهم فيمن عنده ويكرمهم في دار القرار.
لقد ابتلي المؤمنون بحكام انطبق عليهم وصف رسول الله الصادق المصدوق «جثمانهم جثمان إنس، وقلوبهم قلوب شياطين» وبعض هؤلاء كان يهودياً متستراً باسم الإسلام كـ(إسلام كريموف) فكان أشد على شباب حزب التحرير من غيره من حكام السوء أضعافاً مضاعفة، فقد التقى هذا الحاكم اليهودي سنة 1997م بصنوه اليهودي الآخر رئيس وزراء تركيا سليمان ديميريل ليسترشد بنصائحه في محاربة الإسلام والمسلمين، وليشمر بعدها عن ساعد الجد في محاربة حزب التحرير والنيل من شبابه ملاحقةً وتشريداً وتعذيباً وتقتيلاً…
إن محاربة كريموف، لم تقتصر على شباب الحزب وحدهم، بل امتدت لتشمل الآباء والأبناء والإخوة والأزواج اللواتي أصبن فيما تأبى الألسن عن النطق به وتأنف الآذان عن سماعه… اللهم انتقم من هذا الظالم وأعوانه… اللهم أحصهم عدداً وأفنهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً…
إنه بالرغم من أن بعض زبانية هذا الحاكم اليهودي الأصل، قد قتلهم الله شر قتلة، قتلة جعلها الله عبرة للذين يعذبون الشباب وأهلهم من الأولاد والأزواج، ولكن من ران على قلبه، وضرب الله على سمعه، وجعل بينه وبين الذين آمنوا حجاباً مستوراً، فأمثال هؤلاء يزيدون كيداً للمسلمين، ولا يوقفهم إلا أن يأتي الله بأمره عليهم في الدنيا، أو يأذن الله أن يكون ذلك بأيدي المسلمين، وفي كل الأحوال بعذاب شديد في الآخرة… ومن الأمثلة الحية على ذلك كان مصير رئيس فرقة ميليشيا، فقد كان اقتاد ابن أحد الشباب الذي لم يبلغ من العمر إلا أربع عشرة سنة إلى قبو التعذيب، وطلب منه أن يزوده بمعلومات عن أبيه، ولما لم ينل منه ما قصد أخذ يعذبه بشدة ويرميه إلى الأعلى ليسقط إلى أسفل، وأمه التقية الصابرة تتوسل إلى رئيس الفرقة أن يتوقف عن ذلك وقلبها يتقطع على ابنها، وهذا الرئيس لا يرد عليها بل يستمر ويستمر، وعندها أجهشت الوالدة بالبكاء وتلت بأعلى صوتها «حسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، غفرانك ربنا وإليك المصير» وفعلاً كفاهم الله شر هذا الرئيس فقتل بعد ذلك أبشع قتلة في حادثة مجزرة أنديجان حيث كان يقوم بمهمة تجسس.
لقد ظن كريموف وزبانيته أنهم سيشفون غلهم بإعدام الشباب وسجنهم وتعذيبهم… إلا أن ظنهم قد خاب وانقلب السحر على الساحر، فأوجد هذا الكيد قوة لدى الشباب، وأظهر أن عندهم قدرة على التحمل كانوا هم لا يتوقعونها، وأدى بهم هذا الواقع إلى أن أصبح الناس ملمين بواقع حزب التحرير وغايته وطريقته دعوته وأفكاره التي يقوم عليها بعد هذا الصمود الرائع في المواجهة، والصدق في حمل الدعوة، وصاروا بعدها ينظرون إلى الشباب على أنهم هم القادة الفعليون للبلد، وهذا ما جعل كريموف وزبانيته يشددون أكثر على الشباب.
لقد اندفع الشباب إلى ميدان الدعوة بالصراع الفكري والكفاح السياسي، وقاموا بتوزيع النشرات التي تكشف خطط الاستعمار، ويتبنى فيها الحزب مصالح الأمة بشكل سافر، مبتعدين عن الأعمال المادية، أسوة بعمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في حمل الدعوة لإقامة الدولة، فكشفوا بذلك كذب ادعاء كريموف ونظامه بأنه يحارب الفكر بالفكر… وفي خضم هذا الصراع لم يكن الشعب غافلاً عما ترتكبه أيادي هذا النظام المجرم من موبقات بحق هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم، ولم يكن واحد منهم إرهابياً ولا أصولياً كما ادعى هؤلاء الأفاكون، بل حملوا الدعوة إلى الشعب الأوزبكي للالتزام بالإسلام كاملاً، وتأييد إقامة الدولة الإسلامية في أية بقعة من بقاع العالم؛ لذلك صار الشعب لا يصدق إشاعات ولا دعايات كريموف وزبانيته الكاذبة… ولم يغيروا رأي الناس فيهم…
وأما قتلى الشباب تحت التعذيب الشديد، الذين امتنعت وسائل الإعلام عن عرض آثارها لهولها، فإننا نسأل الله أن يكونوا عنده من الشهداء الأحياء غير الأموات الذين هم عند ربهم يرزقون، أما الشباب المسجونون فإن نفوسهم قد تشربت بالإيمان وبالصبر ما جعلت سجانيهم يخافون منهم، ويندهشون من مواقفهم ويتحيرون ماذا عليهم أن يفعلوا حتى ينالوا من إرادتهم… وأما الآخرون الذين مازالوا طليقين منهم بالآلاف، يتحملون أقسى أنواع الملاحقة والتشريد والجوع والعطش تحت القر والحر، وقلوبهم مطمئنة، يحبون أن يقارنوا أنفسهم بالسابقين الأولين، يتربصون بأعدائهم: إما النصر عليهم بإظهار دينه وإما الشهادة والفوز بالجنة… فهل يمكن لمثل هذه الكتلة المبنية على مبادئ الإيمان الحق أن تغلب؟! نسأل الله التأييد والتمكين.
إن قائمة الشهداء من شباب حزب التحرير تطول، وأمثلتها كثيرة تحمل كل يوم أنباء تجعل الواحد منا يتأكد أن الله سبحانه يتخذ منا الشهداء، ومن أمثلة هؤلاء نذكر الشهيد بإذن الله تعالى، فرهاد عثمانوف الطشقندي، فقد كان رجلاً بطلاً يشبه الشباب بطولته ببطولة صلاح الدين الأيوبي، فقد اعتقله زبانية الميليشيا ثم عذبوه أشد العذاب حتى الاستشهاد إن شاء الله تعالى. تقبل الله شهادته وبعثه في مقام الصديقين والشهداء في الآخرة.
ومن الشهداء -بإذن الله- أولوغبيك مرغلاني, فقد كان فتيّا فى ريعان قوّته وازدهار عمره, احتمل ضربات ورفسات رجال ميلشيا الجور, وقالوا له: ارجع عن يمينك الحزبىّ وإلاّ سنقلع كبدك!… أفتدرون بمَ أجابهم هذا اليافع, قال: أيّها الجبناء, أنتم تطلبون منّي كبداً، وأنا مستعدّ بأن أفدي ديني بعشرة أكباد…
لا حول ولا قوّة إلاّ بالله… ثمّ استشهد البطل الفتى -بإذن الله- والحقّ إنه فدى كبده كما استشهد حمزة عمّ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وفدى كبده… نسأل الله أن يبعثه مبعث سيد الشهداء.
لقد تسلسل قتل العشرات ثمّ المئات من شباب الحزب تحت تعذيب زبانية كريموف. وكلّما قُتل شابّ تحت تعذيبهم لم يذيعوا قتله بل أسرّوه عن وسائل الإعلام، وكانوا يؤكّدون فى التقرير الطبىّ ولعائلة المقتول أنّه مات نتيجة نوبة قلبيّة, زد على ذلك أنّهم كانوا يرغمون عائلة المقتول على عدم حضور دفنه إلا قلة من الناس من غير أن يكون هناك تجمع للمشتركين في التعزية. لأنّ الّذين يعادون الإسلام والمسلمين اليوم من رؤساء الدول الكافرة وأمثالهم من حكّام المسلمين يخافون من اجتماع الناس حول قتلى المسلمين الشهداء وانكشاف مؤامراتهم على المسلمين, ولكن الناس يدركون حقيقة الأمر مهما فعلوا.
ومن الشهداء -بإذن الله- كان أخ لنا مريض بداء السكّري مبتور القدم، اعتقلوه فى السوق بينما كان يوزّع المنشورات على عربة المقعدين واتّهموه بالإرهابي. وقال أحد الحاضرين لقاضي المحكمة: أتتّهمون مثل هذا الرجل المشوّه بالإرهابيّ فتحكمون عليه؟! فأجابه المدّعي العام: «ليس الإرهاب متمثلاً فى جسمه, بل أخطر شىء عنده هو ذهنه»، فحكموا عليه لمدّة ثلاث عشرة سنة، ثمّ أرسلوه تحت حراسة مشددة إلى سجن جاسليك فى القطار. وفى الطريق منع الحرّاس الماء عنه تحت قيظ حزيران عمداً، علماً أنّ المريض بداء السكّري يظمأ كثيراً… فلم يزل المحبوس ظمآن مدة يومين فمات فى الطريق…
بلغه الله سبحانه وتعالى منـزلة الشهداء، وسقاه من ماء الكوثر من يد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الشريفة.
إن ما يشهده شباب حزب التحرير في أوزبكستان هي أحداث تتكرر في كل مكان تشهد دعوة له. وإن دعوته في أوزبكستان كانت ظاهرة ظهور الشمس في كل أنحاء العالم، وقد بلغ شهداؤها بالمئات، ومسجونوها بالآلاف، وترى الأمة معهم تؤيد دعوتهم وترجو معهم تحقيق غايتهم وقيام دولتهم، وحينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم.
إن ساعة النصر للمؤمنين قد حانت بإذن الله، والهزيمة لكريموف وزبانيته قد آذنت، ولن يلحق به إلا الخزي والعار واللعنة في الدنيا. والعذاب الأليم إن شاء الله في الآخرة، وإنا لنسأل الله سبحانه أن يشفي صدورنا منهم في الدنيا قبل الآخرة.
اللّهمّ يا غياث المستغيثين أغث محبوسي حزب التحرير, ويا أرحم الراحمين ارحم قتلاهم, ويا خير الحافظين احفظ المطاردين منهم, ويا رجاء المنقطعين لا تقطع رجاء منقطعيهم… اللهم آمين.
اللهم يا هادياً من الضلالة, يا ناصر الفئة القليلة على الفئة الكثيرة, يا ذا الكبرياء والجبروت, إنّا نسألك غضبك وسخطك وجبروتك على عدوّك وعدوّنا وعدوّ المؤمنين إسلام كريموف. اللّهمّ انتقم منه ومن زبانيّته, فإنّهم يحاربون دينك ودعوتك ويقتلون من يرفع رايتك. اللّهمّ عجّل بالفرج ويسّر نصرة دينك. اللّهمّ عجّل بالخلافة الراشدة, حتّى تنتقم من طواغيت أوزبكستان وأمثالهم من حكّام المسلمين العملاء الّذين باعوا الأمّة فى سوق النخاسة وتآمروا على قضاياها. اللّهمّ صبّ عليهم عذابك, واقصم ظهورهم , واقطع دابرهم, ومكّنّا من رقابهم, وانصرنا عليهم, واشف صدورنا منهم, وأكرمنا بفتح قريب, إنّك سميع مجيب، وإنّك على كلّ شىء قدير.
قال الله تعال: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح 10].
2008-08-03