كلمـة إلى شـباب الصـحـوة
1999/11/01م
المقالات
1,640 زيارة
عقدت رابطة مسلمي سويسرا ملتقاها السنوي التاسع في الفترة ما بين 10 ـ 12 سبتمبر/ أيلول 1999، ودعت جمعاً من المحاضرين والشباب المسلم وغير المسلم من كافة أنحاء أوروبا: فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا وغيرها، وكان المنتظر أن يكون هذا الملتقى مناسبة للنظر في شؤون المسلمين في العالم الإسلامي بعامة، وفي دول الغرب بخاصة، ولكن الذي غلب عليه، هو الدعوة الصريحة لدمج الجالية المسلمة في المجتمع الغربي، أو المجتمع المدني على حد تعبير الشيخ راشد الغنوشي، الذي أشاد بالنموذج الغربي وديموقراطيته المثالية إلى حد أنه اتهم بالحمق كل من يكفر الديموقراطية، وبأنهم لا يفقهون في السياسة. وقد أثارت مداولات الملتقى بعض الشباب المسلمين الغيورين على دينهم، والحريصين على بلورة مفاهيم الإسلام وأحكامه، والعاملين لإعادة طراز الحياة الإسلامي المتميز إلى الوجود، فأصدروا نشرة وزّعوها على أعضاء الملتقى، لاقت استحساناً وقبولاً من البعض، وأثارت حفيظة آخرين، هدّدوا باستدعاء رجال الأمن السويسري. وقد عنونت النشرة «كلمة إلى شباب الصحوة» وذُيلت باسم: خالد العمراوي. ونورد فيما يلي بعضاً مما جاء فيها.
حينما بدأ تململ المسلمين في العالم، قال الجميع إنها صحوة إسلامية، وبدأت الأقلام والألسن تهتم بهذه الظاهرة، وما انفكت إلى اليوم تركز اهتمامها على شباب هذه الصحوة، وتقتفي آثارهم، وتبحث في واقعهم، وفي المراحل العملية التي يمرون بها. وهنا لا نريد أن نتعرض بالسرد لما قيل وما يقال في شأن هذه الصحوة لأن الآراء تختلف حولها، فمن قائل إنها فعلاً صحوة من المسلمين على أحكام دينهم وبخاصة منها الفقه السياسي، ومن قائل إنها صحوة من أعداء الإسلام على ما يعتمل في نفوس المسلمين، وما بدأوا يتحركون لتحقيقه، وهو الشوق الشديد للعيش في ظلال أحكام الشريعة الغراء. ولكننا نحيل الموضوع إلى شباب الصحوة ونقول لهم، إن مرحلة الانطلاق وهي مرحلة النشوء والتكوين تكون في الغالب غير ناضجة تبعاً لعدة عوامل منها عدم الخبرة وقلة المعلومات وعدم التحكم بالواقع الاستراتيجي للعمل السياسي، وعدم اكتمال مرحلة النضج الفكري والسياسي، ومنها أيضاً انعدام الوسائل والإمكانيات المادية إلى جانب الحصار والتضييق والتعتيم الإعلامي إلى غير ذلك من الأمور التي قد تكون مقبولة في مرحلة التكوين.
وأما اليوم وبعد هذه السنوات الطويلة من التجربة والممارسة الفكرية والسياسية، نسأل شباب الصحوة ماذا قدموا لجمهرة الناس عموماً وللأمة الإسلامية خاصة. فهل أتوا على المعضلات الشائكة التي عرقلت نهضة الأمة، وعالجوها بالشكل الذي يُمكّـنها ـ أي الأمة ـ من تجاوز هذه المعوّقات، أم تراهم زادوا المشكلة تعقيداً وأثقلوا كاهلها بقضايا جانبية أخرى ليس لها أي علاقة بقضيتها المصيرية؟
والحقيقة أن ما نلاحظه اليوم في السواد الأعظم لرجالات هذه الصحوة وأتباعهم هو أنهم يعيشون في غير العالم الحالي، ويعالجون أموراً لا تمت إلى الواقع بأدنى صلة، كأن العالم يعيش في زمان والمسلمون يعيشون في زمان آخر مغاير له، أو بالأحرى كأن العالم لا يحوي المسلمين فضلاً عن كونه لا يحوي الإسلام، وهذا صحيح لأن القوى التي تتحكم في العالم اليوم هي قوى غير إسلامية، إلا أن المسلمين غير مهتمين ولا مبالين بالمرة بما يحدث داخل هذا العالم من أمور غريبة وخطط رهيبة، تتعلق بهم بشكل مباشر أو غير مباشر.
هذه الحالة ـ أي حالة التهميش ـ تعود لأمرين:
الأول: إن معظم القائمين على أمور المسلمين، وأقصد هنا معظم التكتلات الإسلامية، لم يكتمل فيهم النضج الفكري ولا الوعي الصحيح ولا حتى الإرادة الصحيحة، بل كل ما لديهم هو الرغبة والحماس في تحقيق بعض المطالب الآنية، وهذا ما جعلهم غير مؤثرين في العلاقات، وغير موجودين في اللعبة العالمية ـ إن صح منا هذا التعبير ـ.
الثاني: أن الموضوعات التي تطرحها أكثرية الحركات الإسلامية للدرس والنقاش حتى هذه الساعة هي نفسها التي بدأت بها مرحلة النشوء والتكوين، وهي مواضيع تهتم في جلها بأحوال الفرد وتحديات العصر له، بمعنى آخر أن الخطاب الإسلامي كان ولا زال يركز على أحوال الفرد وسلوكياته، ولم يهتم بالمرة بأحوال المجتمع وقضاياه، ولهم في ذلك رأي يقول إن إصلاح المجتمع لا يتم إلا بإصلاح الفرد، مع أن الفرد لا يؤثر في المجتمع إلا يسيراً، وإنما المجتمع هو الذي له ثقل وتأثير قوي على الأفراد. ولهذا كانت كل المواضيع المطروحة على طاولة النقاش هي مواضيع مكررة مع بعض التعديلات، نظراً لتحكم الواقع فيها، إلى أن أصبحت مواضيع مبتذلة لاكتها الألسن إلى حد الملل.
والآن نقول لشباب الصحوة هل من النباهة أو السذاجة أن نبقى دوماً وأبداً نبحث في السلوكيات والخُـلُـقيات والشكليات، ونترك للأعداء فرصة التمكن والتحكم بقضايا العالم عموماً وقضايانا نحن خاصة؟ وهل من النباهة أن نركز جهودنا اليوم في بحث القضايا الفرعية والجزئية المفتعلة لنرهق بها أنفسنا ونترك لغيرنا فرصة التفرد بالأمور الهامة والتحكم فيها على غير مشيئتنا؟ وهل يكون الأمر منطقياً حينما نزعم أننا حملة المشروع الإسلامي، ونحن في الحقيقة لا نملك البديل المجتمعي وليس بين أيدينا أي مشروع مفصل ودقيق للبديل المجتمعي المطلوب منا، متجاهلين في ذلك حاضر هذه الأمة ومستقبلها ولا نملك إلا بعض الشعارات الفضفاضة والعامة لندغدغ بها مشاعر الناس ونداعب أحلامهم وأمانيهم؟
والنتيجة أن المشروع الإسلامي بعدما كان يحلم بتحقيق الأهداف العالية والغايات السامية، وبعد ما كان يحمل لذلك شعارات ضخمة لافتة للرأي العالمي، تراجع عن هذا كله واقتصر على حمل الشعارات البسيطة والمطالب الجزئية، فتراجع شعار النداء بالدولة الإسلامية الكبرى ليحل محله شعار الدولة القطرية، وتراجع شعار لا حكم إلا لله ليحل محله شعار المطالبة بالمشاركة في الحكم، وتراجع شعار الإسلام هو الحل والجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة، ليحل محله شعار التدرج في الحكم، وشعار حوار الأديان، والتفاعل بين الحضارات، إلى غير ذلك من الشعارات المطروحة اليوم على الساحة الإسلامية.
فهل يعد هذا كله من مظاهر النضج والصحوة الفعلية للحركة الإسلامية، أم هو تقهقر وتراجع وحالة من حالات الفشل الواضح؟
وللإجابة على هذا السؤال عليكم أيها الإخوة الكرام بتقويم وضعكم بأنفسكم، وأن يطرح بعضكم على بعض الأسئلة الهامة المتعلقة بالقضية المصيرية للأمة، وهي أسئلة قد تكشف لكم مدى وعيكم السياسي ومدى نضجكم الفكري، وقد تُطرح عليكم من قبل أناس يثقون بكم، فتنظروا هل بإمكانكم أن تجيبوا عليها أو أنكم عاجزون عن الإجابة والتبيين؟ فإذا كان الأمر كذلك، وعلى عكس ما كنتم تتصورون، صار من واجبكم مراجعة الذات، والتوجه إلى من تعتبرونهم أهل الاختصاص ومطالبتهم إن كان بمقدورهم تقديم الإجابات، وإلا فالعاقبة ستكون وخيمة علينا وسنرى مزيداً من التمزق في الصف الإسلامي وهدر الجهود والطاقات من دون فائدة تذكر ولا عمل يشكر.
ثم توجه النشرة مجموعة من الأسئلة المتعلقة بتصورات الدولة الإسلامية الكبرى الواحدة حول مواضيع داخلية وخارجية، من كيفية توحيد جميع البلاد الإسلامية في دولة واحدة، ومن معالجة مشكلة النقد، والتصنيع والتسليح، ومعالجة موضوع الأحزاب والجمعيات والشركات غير الإسلامية، وكيفية تصفية نفوذ الكفار في أوجهه المتعددة، من عملاء وسياسيين ومفكرين، واستثمارات وشركات واتفاقيات وإرساليات، ومن تسهيلات عسكرية. أما في الشأن الخارجي، فتتساءل النشرة عن موقف الدولة الإسلامية من منظمات الأمم المتحدة جميعها، ومن الدول الطامعة والمستعمرة، ومن الاتفاقات المعقودة معهم، ومن القروض التي تطالبنا بها، ومن استرجاع الأرصدة التي للمسلمين ولدولتهم في المصارف الأجنبية. وكلها أسئلة تحتاج إلى أجوبة واضحة ومحدّدة وعملية، فإن توافر هذه الإجابات وغيرها دليل على جدية الحركة في إحداث التغيير الجذري. ومؤشر على أنها تصدّق وعد الله الحق: ]وكان حقاً علينا نصر المؤمنين[.
هذه بعض النماذج من الأسئلة التي يجب على شباب الصحوة أن يتناولوها بالبحث والنقاش والدرس، وعندها نستطيع أن نقول إن الوعي والنضج بدأا يأخذان طريقهما في الشخصية الإسلامية، ومن ثم نستطيع أن نلحظ التبلور في الحركة الإسلامية، ونقول عندئذٍ إن حركة التغيير الإسلامي بخير وهي سائرة في الاتجاه الصحيح. أما إذا كان الأمر على عكس ذلك وتهرب شباب الحركة من الإجابة على مثل هذه الأسئلة وزعموا أنها أسئلة غير واجبة النظر والتفحص، على الأقل في الظرف الحالي، فهذا يعني تأكيداً لما قلناه سالفاً، أي أن الرقي الفكري والوعي السياسي لم يحصلا بعد، وأن شباب الصحوة وأتباعهم يحتاجون إلى خضة عنيفة تردّهم إلى العيش داخل هذا العالم، وتجعل ما يدور فيه مركز اهتمامهم وتنبههم، وبالله التوفيق. ]وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون [ صدق الله العظيم .
1999-11-01