بسم الله الرحمن الرحيم
إنه قرن الإسلام… قرن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة
شاكر عبد الله – بيت المقدس
لقد صار واضحاً وجلياً أن الإسلام السياسي أصبح حالة مستعصية في الصراع الدولي، ورقماً صعباً في وجه العلمانية والديمقراطية و«منظومة القيم الغربية»، وأصبحت الحضارة الغربية في تراجع مستمر بعد أن استنفذت كل أهدافها، واستخدمت كل وسائلها، وأحرقت كل أوراقها؛ فلم يعد لها من الهزيمة مفر. فقد أضلت وأفقرت وتآمرت وقتلت المسلمين عقوداً طويلة من الزمن، وهي الآن تقوم بآخر ما تستطيع عمله كسباً للوقت لتحقق ما تريد ولو على حساب كرامة مبدئها وثوابتها التي باتت تتراجع عنها علناً، وهذا يعني أنها في الفترة الحرجة قبل السقوط المدوِّي لمنظومة دولها لتتحوَّل، إن شاء الله تعالى، إلى مجموعة من الدول الفاشلة. وهذه هي بداية التمكين للقوى المخلصة التي تحمل الإسلام كمنقذ للبشرية، بعون الله وفضله.
فحال المسلمين اليوم ليست كحالهم مع مطلع القرن العشرين عندما أُخضعوا لمشاريع هيمنة الدول الغربية الاستعمارية. فمع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كانت بداية انتهاء عصر الخلافة الإسلامية وانهزام المسلمين أمام النموذج الحضاري الغربي الذي كان في ذروة تألقه وانتصاره ودخوله في عقول بعض المتعلمين من أبناء المسلمين الذين أفقدهم الغرب الكافر الثقة بأحكام الإسلام مستغلاً ضعف دولتهم التي كانت تحتضر بسبب ضعف فهمها للإسلام وسوء تطبيقها له، ولقد تمكن هذا الغرب الكافر بمساعدة هؤلاء من التمكن والسيطرة على بلاد الإسلام، وكان لهم ما أرادوا حتى اليوم حيث انتفض المسلمون على الأنظمة الموالية للغرب الكافر، فانتقل العالم الإسلامي نقلة نوعية، وبدأ الوضع يتجه باتجاه التغيير الجذري. وبدأت مرحلة الفسطاطين.
فسطاط الإسلام الذي أدرك فيه المسلمون أن دينهم هو الدين الحق، وأن السبب في انهزامه سابقاً إنما هم المسلمون أنفسهم وليس الإسلام، وفسطاط الكفر الغربي الرأسمالي بقيادة أميركا، وبذلك تصبح مرحلة المفاصلة والمواجهة هي العنوان الأبرز لهذه المرحلة، ولا يجب أن يكون لليأس والهزيمة مكان رغم جنون القوة الغربية وخاصة الأميركية ورغم شدة الضربات من الأنظمة العميلة لها.
لقد سقط النموذج الغربي فكرياً وسياسياً، وما تخبُّط أميركا في الشام وفي التعامل مع الثورات إلا خير دليل على بداية انتصار الأمة. فمقومات انتصار الكفر قد تم حصارها وتم كشف ضعفها وتخلفها حتى في بلادها وبين أتباعها، فلم يبقَ من مقومات الهيمنة الغربية إلا «جنود القوة الفرعونية لرعاة البقر». وإن الغرب بات يدرك هذه الحقيقة؛ لذلك نراه يتعامل مع الثورات، ومع ثورة الشام تحديداً، تعاملاً مصيرياً، ويستنفر لها جنوده واضعاً نصب عينيه منع أن يكون هذا القرن هو «قرن الخلافة». هذا هو صعيد الصراع الحقيقي مهما حاول الغرب أن يُلبَّس عليه. وفي المقابل نجد أن الأمة الإسلامية في تقدم مطرد ومستمر مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد في مسنده بسند حسن عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لايلبث الجور بعدي إلا قليلاً حتى يطلع ، فكلما طلع من الجور شيء ذهب من العدل مثله، حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره، ثم يأتي الله بالعدل، فكلما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله حتى يولد في العدل من لايعرف غيره». فصلابة الأمة تتصاعد، وكراهيتها للنظام الرأسمالي وأتباعه تتزايد، ورفضها للظلم والجور والهيمنة الغربية تنمو وتكبر، وثقتها بإسلامها بأنه هو الحل الوحيد بات واضحاً، ودولة الخلافة صارت مطلب الأمة للخلاص من كل هذه الأوضاع الشاذة.
وإن المرحلة التي تمر بها الأمة لم تعد مرحلة نفاق وتملق للأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين ولا مرحلة إصلاح لها، فهذه الأنظمة، وهؤلاء الحكام إنما هم صنائع الغرب، ووجودهم من وجوده، واستئصالهم استئصال له، فقد تم كشف زيف وعدم جدوى محاولات الترقيع للباطل وإصلاحه، فاصله باطل منحرف لا يمت للإسلام بصلة، لقد انتهي عهد التملق للأنظمة وإلى الأبد فالوقت وقت تغيير للأنظمة وللحكام؛ من هنا فإن بداية التغيير تبدأ بتغييرهم وتغييرهم، يعني قطع شرايين الغرب عن بلادنا، ولن يكون ذلك إلا بإقامة دولة الخلافة، وهذا ما تريده الأمة. فالمرحلة الحالية هي مرحلة الخلافة ودعاتها. وها هي الثورة في الشام تغذُّ السير بهذا الاتجاه، وقد جعلها الله كاشفة فاضحة لكل المتآمرين عليها من غرب حاقد يدعم السفاح بشار ويغطي إجرامه، ومن مجتمع دولي جائر، وقانون دولي منحاز، ومن أنظمة حاكمة حجزت جيوشها في ثكناتها ومنعت السلاح المخزن في مستودعاتها عن المسلمين، ومن علمانيين (عملاء فكريين) وقفوا بمجملهم إلى جانب الغرب والحكام مخالفين أبسط قناعاتهم الفكرية
ولقد آن الأوان للحركات الإسلامية المعتدلة التي تطرح فهم الإسلام على الطريقة الغربية أن تقلع عن هذه الدعوى ، وخاصة بعد أن استغلها الغرب التي تظن به وبفكره خيراً أبشع استغلال، وأراد من خلال إيصالها إلى الحكم وإفشالها إظهار فشل الإسلام السياسي، وإعلان موت مشروع الخلافة قبل ولادته، ولكن مشكلة المسلمين مع الغرب هي أعمق من ذلك بكثير، وسرعان ما ردت الأمة على الغرب مكره ودعواه وأعلنت أن الذي فشل حقيقة هو الإسلام السياسي المعتدل وليس الإسلام السياسي الذي يحمل مشروع دولة الخلافة، وشتَّان ما بينهما. وأن مشروع دولة الخلافة له أيجدياته المختلفة، وله أهله وروَّاده، له حزب التحرير الذي أعدَّ للأمر عدَّته، والذي يسير في فسطاط الإيمان الذي لا نفاق فيه، والذي يتبع طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التغيير، ولا يطلب النصر إلا من الله، وهو يطمع بتأييد الله ونصره. ويسعى بعد هذا الليل الطويل أن يكون هو رائد المرحلة القادمة إن شاء الله تعالى. فعسى أن يكون حزب التحرير عند الله كذلك.
إن الخلافة باتت على الأبواب تنتظر الفتح من الله وحده، وهي لم تعد حلماً أوضرباً من الخيال، بل أصبحت ملء العين وملء السمع بعد ستين عاماً من العمل الدؤوب، وأصبحت ينتظرها قدومها الأعداء كالمسلمين، وليس أدل على صدق هذا الكلام من توقع الساسة الغربيين ومراكز أبحاثهم من إقامتها والتوجس منها، والكيد لها، وفي هذا يقول هيلير بيلوك : «لقد بدا لي دائماً أنه من المحتمل أن الإسلام سيبعث مرة أخرى، وأن أولادنا أو أحفادنا سوف يرون عودة الصراع الضروس بين الحضارة النصرانية وبين أقوى أعدائها لأكثر من ألف عام”. ويقول أيضاً «حقاً لقد قاومت العقيدة الإسلامية قرنين من الهزيمة والمذلة، إذ هزمت الخلافة العثمانية وألغى كمال أتاتورك نظام الخلافة. ولقد صمدت تلك العقيدة أجيالاً تحت الحكم الغربي، وتغلبت على مسيرة التغريب من مصر والعراق وليبيا وأثيوبيا… لقد تغلب الإسلام بسهولة على المد الشيوعي ومسيرة الناصرية القومية، وأثبت أنه أقوى من قومية عرفات وصدام، والآن يصارع القوة العالمية الأخيرة»
إذاً نحن في المعركة الفاصلة لإنهاء مرحلة الحكم الجبري وإنهاء مرحلة تفوق الغرب الكافر المادي على المسلمين. والأمة الإسلامية اليوم تعمل على الانعتاق من سيطرة الغرب عليها، وقد بدأت بثوراتها على الحكام وستُثَنِّي عملها، بعون الله وهدايته، بإقامة الخلافة وبقطع كل تدخل أجنبي في حياة المسلمين، ثم بأخذ دورها في الحياة بحيث تقيم الإسلام في حياتها وتحمل دعوته إلى الغرب من جديد عن طريق الجهاد، وهذا عين ما يخشاه الغرب ويعمل على منعه بالقوة، كما ظهر في سوريا مع السفاح بشار، وفي الحقيقة مع أميركا رأس الإرهاب العالمي. وبهذا تكون الأمة قد بدأت من جديد تسطر الأحداث وتصنع مستقبلها بعيداً عن أميركا والغرب الكافر، فقد فرضت عليهم تتبُّع الأحداث لا صناعتها.
لقد آن الأوان ليعرف كل مسلم وكل حركة إسلامية واقع هذا الصراع ليضع الجميع أنفسهم في المكان الصحيح.
إن عوامل التغيير الشرعي قد بدأت بالاكتمال بفضل الله تعالى ورغم أنف الغرب، والغرب مهما حاول أن يمنع ذلك فلن يستطيع؛ لأن الأمة قد وعت على إسلامها من جديد ورأت في الخلافة خلاصها، ووعت على فساد الفكر الغربي وممارسات دوله العدوانية وزال سحر حضارته عنها، وتهيَّأ لها من نفسها من يقودها بالإسلام قيادة سياسية تفرض نفسها على المسرح الدولي بقوة وجدارة، وهذه القيادة السياسية متمثلة بـ «حزب التحرير»، ولم تعد الأمة بحاجة إلا إلى أمرين ميسورين هما: قيام أهل القوة من أهل النصرة بما أوجبه الله عليهم من نصرة هذا الدين وأخذ الحكم، ثم تسليم الحكم إلى الحزب ليقوم بما أوجبه الله على المسلمين من الحكم بما أنزل الله عن طريق إقامة دولة الخلافة. وعندها تتحقق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقامة دولة الخلافة الراشدة في آخر الزمان، [وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)]