اللهم بلغنا رمضان
واجعله شاهدًا لنا
أحاديث صحيحة عن صوم رمضان:
عن ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان«. [رواه البخاري ومسلم].
عن ابن عمر، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: »لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن أغمي عليكم فاقدروا له« [رواه البخاري ومسلم].
عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: »إذا جاء رمضان، فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين«. [رواه مسلم].
عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغيَ الخير أقبلْ، ويا باغيَ الشر أقصرْ، ولله عتقاءُ من النار، وذلك كلَّ ليلة«. [رواه الترمذي].
عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: »الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر«. [متفق عليه]
عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: »من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه«. [رواه البخاري ومسلم].
عن عائشة ،رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة في رمضان، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله، فلما أصبح قال: »قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم«. [رواه البخاري ومسلم].
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »إن في الجنة بابًا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم، أغلق فلم يدخل منه أحد«. [رواه البخاري ومسلم]
عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: »كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الريح المرسلة«. [رواه البخاري ومسلم].
عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: »قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله، يوم القيامة، من ريح المسك («[رواه البخاري ومسلم].
عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: »تسحَّروا فإن في السحور بركة«. [رواه البخاري ومسلم].
عن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: »الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيُشفَّعان«. [رواه أحمد].
عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: »كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدَّ مئزره وأحيا ليله، وأيقظ أهله«. [رواه البخاري ومسلم].
عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: »التمسوها في العشر الأواخر من رمضان«. [رواه البخاري ومسلم].
عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال: »قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني«. [رواه أحمد وأصحاب السنن].
فضّل الله سبحانه وتعالى أماكن على غيرها كمكَّة المكرمة، ومساجد كبيت الله الحرام في مكة، وأشهر كرمضان، وليالٍ كليلة القدر… فرمضان ذكره الله تعالى في كتابه مشرِّفًا فقال: ]شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ 185[ وهو الشهر الذي نزل فيه القرآن الكريم وتحديدًا في ليلة القدر المباركة؛ التي تعتبر خيرًا من ألف شهر فهو شهر القرآن. والله جعله شهرًا فيه تؤدى فريضة الصيام التي تعتبر الركن الرابع من أركان الإسلام، قال تعالى: ]حمٓ 1 وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ 2 إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ 3 فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ 4[. وهو الشهر الذي فيه تؤدى فريضة الصيام التي تعتبر الركن الرابع من أركان الإسلام… فيه تُفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفَّد الشياطين. يغفر الله تعالى في شهر رمضان ذنوب عباده الصائمين إيمانًا واحتسابًا، وكذلك من قامه، ويدخلهم يوم القيامة الجنة من باب الريّان الذي لا يدخله إلّا الصائمون. وجعل الصيام يشفع لصاحبه كما القرآن الذي تكثر تلاوته في رمضان، وتكثر تأدية الصلوات في المساجد، ويتخيَّر المسلم فيه لنفسه ما يشاء من الدعاء وعمل الخير، ومساعدة المحتاجين والفقراء. يدعى فيه المسلم لأحسن الأخلاق، ويؤمر بالابتعاد عن المخاصمة والرفث وأن لا يجهل مع الجاهلين بأن لا يرد على المسيء إساءته ولا شتيمته… ومن رحمة الله فيه أنه سبحانه أباح للمريض والحامل والمرضع والمسافر الفطر فيه، وعذَرَ الناسي بأن أمره بالمضي في صومه فلم يبطله ولم يأمره بقضائه، وأوجب على المريض الذي لا يُرجى شفاؤه، وكبير السنّ الذي لا يستطيع تحمّل مشقّة الصيام دفع فدية بدل الصوم، وهي إطعام مسكين عن كلّ يوم أفطره في رمضان؛ لقوله تعالى: ﴿ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدۡيَةٞ طَعَامُ مِسۡكِينٖۖ ﴾ وجعل فيه ما لم يجعله في أهل الكتب الأخرى السحور؛ حيث جعل فيه البركة، وصلى الله وملائكته على المتسحرين، وسنَّ فيه سنة الاعتكاف في العشر الأواخر في المساجد، وخص جزاء الصيام فيه وحده سبحانه دون غيره من الأعمال. وسنَّ فيه صلاة التراويح التي جعلها الله قيام ليل لمن صلاها. وجعل فيه صدقة الفطر التي تجعل المسلم الفقير ينعم بعيد الفطر كغيره من المسلمين، ويكفي فيه أن الله سبحانه يفتح للمسلم باب التقوى والتوبة والعفو والمغفرة والرحمة والعتق من النار، وجعل جائزتين لمن صامه: جائزة عيد الفطر في الدنيا، وعظم الجزاء في الآخرة… ويكفي فيه أن الله سبحانه وتعالى يحب لعباده كل ذلك الخير، فكان هذا الشهر مفتاحًا له.
لكل ما ذكرناه ولغيره كان لرمضان هذه المنزلة عند المسلمين، وبالتالي اعتبره المسلم فرصة رحمة سنوية له من الله، يستغفر فيها ربه حتى يصفو من ذنوبه، ويجدد العهد معه حتى يكون عبدًا صادقًا منيبًا طيلة أيام السنة، ويجعل أيامه كلها مثل رمضان، أو قريبة منه.
وإذا كان لرمضان كل تلك المنزلة، وكل ذلك الأجر، فينبغي على كل مسلم شهد رمضان أن يجتهد فيه حتى يخرج منه وقد نقي من كل وزر، وأن يعمر آخرته، فيكثر من الطاعات فيه لأن أجرها فيه أكثر من أجرها في سواه. فالله تعالى جعل عاقبته التقوى، وعلى المسلم أن يحسن استغلال وقته في رمضان بحيث لا يفوته من الخير شيء ما استطاع. ومن ذلك:
إذا كانت صلاة التراويح فيه تعتبر قيام ليل، فينبغي على كل منا أن يداوم عليها، وأن يخشع فيها، حتى يعتبر أنه قام رمضان إيمانًا واحتسابًا؛ حتى يخرج من رمضان وقد غفر له ما تقدم من ذنبه. وفي ذلك فوز عظيم.
وحتى يكون صيام الواحد منا إيمانًا واحتسابًا، ينبغي علينا أن نصومه ونرجو بصيامنا وجه الله وحده ورضاه، محتسبين الأجر عنده وحده.
أن يحرص الواحد منا، إن استطاع، على أن يُفطر إخوة له صائمين طمعًا في نوال مثل أجر صيام من أفطره…
إذا كان الاستغفار والدعاء وقراءة القرآن مطلوبة شرعًا في كل الأوقات، فهي في رمضان ألزم، وأكثر ما يساعد على ذلك أن يخصص الواحد منا أوقاتًا معينة يقوم فيها بالقربات، كأن يخصص بعد صلاة الفجر لقراءة القرآن، وقبل السحور ولو بوقت قليل لصلاة التهجد، وأن يكثر من الاستغفار في السحر ]وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ[ أو بعد صلاة العصر لحضور الدروس… كل ذلك بحسب وقت كل منا الذي يختلف من شخص لآخر.
أن يكثر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خاصة وأن المسلمين يكثرون من ارتياد المساجد، ويرومون الخير ونفوسهم مفتوحة… فهي فرصة رائعة للتعرف عليهم ودعوتهم إلى الخير الذي يحمله للأمة بدعوتهم إلى العمل لإقامة حكم الله في الأرض. ويدعوهم معه إلى تجديد الإيمان وصحة الالتزام، ويذكر لهم أن عدة الشهور عند الله هي اثنا عشر شهرًا وليس رمضان فقط، ويدعوهم إلى كل ما فيه من خير طمعًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها.
أن يجود على الفقراء، بحسب اقتداره، والمقصود بالفقراء الذين لا يملكون ما يأكلون فعلًا وليس المتسولين، فهناك من الناس من يتعفف عن المسألة وهو فقير محتاج، فهؤلاء يحتاجون من يدق بابهم ويقدم لهم بعض ما يحتاجون إليه من غير أذية لمشاعرهم.
أن يكثر من بره لوالديه وصلته برحمه وزيارتهم والإحسان إلى محتاجهم فيجمع بين صلة الأقارب والرحم وبين إطعام الفقير.
أن يبتعد عن الإغراق في حضور برامج التلفزيون وفي استعمال وسائل التواصل من فيسبوك وواتس أب وغيرها… التي لا يكون من ورائها طائل، والتفتيش عن البرامج والدروس الشرعية والدعوة إلى الإسلام.
لكل واحد منا وضعه الخاص فقد يكون فقيرًا لا يستطيع أن يجود على غيره، وقد لا يكون معه الوقت الكافي لأن عمله المضطر إلى القيام به لا يسمح له كثيرًا، وقد يكون ميسورًا، وقد يكون عنده متسع من الوقت… فعلى كل واحد منا أن يقدم ما هو متاح له أن يقدمه في طاعة الله.
أن يتعاهد نفسه في ختم القرآن في رمضان، وأن يكون واعيًا بعقله خاشعًا بقلبه في قراءته وفي كل ما يقوم به، مستحضرًا لطلب مرضاة الله. فصلاته وقراءته واستغفاره ودعاؤه وذكره… يناله منهم من الأجر بقدر ذلك الاستحضار. فإن الله عز وجل عندما أمر بإقامة الصلاة فقال: و]أَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ[، ومعنى إقامتها هو إقامتها ظاهرًا وباطنًا. فإقامتها ظاهرًا بإتمام شروطها وأركانها وواجباتها. وإقامتها باطنًا بالخشوع واستحضار القلب فيها، فالخشوع هو لُبُّ الصلاة وروحها، وليس للإنسان من صلاته إلا ما عَقِلَ منها وحضره بقلبه. كما هو معلوم عند المسلمين.
على المسلم أن يستمر ما كان معه في رمضان إلى ما بعده: من الاستيقاظ لصلاة الفجر، وتعاهد نفسه على قراءة القرآن وختمه، والحفاظ على السنن والنوافل، والمحافظة على صلاة الجماعة في المسجد. التوجه إلى الله بالدعاء، والإكثار من ذكر الله، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الابتعاد عن إضاعة الوقت وإمضائه في حضور المسلسلات، والأفلام، التي لا طائل منها، وإشغال العقل في قراءة الكتب الدينية، ومشاهدة البرامج الإسلامية.
الالتزام بحسن التعامل مع الآخرين، وغضِّ البصر عن المحرمات، والتصدُّق والجود على الفقراء، والبعد عن التفحش والخصومة ورد الشتيمة بمثلها…
اللهم بلغنا رمضان، وسلِّمنا لرمضان، واجعله شاهدًا لنا، ولا تجعله شاهدًا علينا.