(الحرب على الإسلام)
حرب حضارية،
والنصر فيها معقود بإقامة الخلافة الراشدة
لا تزال بلاد المسلمين في قلب الأحداث الدولية، وعين عاصفتها بلاد الشام، اجتمعت فيها دول الكفر، بقضِّها وقضيضها وبمختلف أديانها ونحلها، على المسلمين ليخمدوا ثوراتهم التي أرادوا منها التخلص من نير الاستعمار الغربي لبلادهم، بما فيه التخلص من أنظمة الحكم العلمانية، والتخلص من الوسط السياسي التابع لها، وعلى رأس هؤلاء الحكامُ وقادة الجيوش العملاء… وبالتالي العيش في كنف دينهم والنهضة على أساس من تحكيم شرعه.
إن هذه الحملة الدولية على بلاد المسلمين لم تكن محصورة مع فئة من المسلمين، وإنما هي مع الأمة جميعها، وكانت ردًا من الغرب على ثوراتهم لتقول لهم: ممنوع عليكم الانفكاك عن سيطرتي واستعماري، ممنوع عليكم أن تعودوا إلى دينكم لتتحاكموا إليه وتعيشوا في كنفه؛ لذلك راحت تقتل المسلمين بالجملة؛ لتحملهم على التخلي عن هذا الأمل ولتصوِّره لهم إنه حلم ووهم…
وهذه الحملة الدولية الوحشية مستمرة حتى تحقق دول الكفر منها أهدافها هذه؛ والتي من أجل تحقيقها، خرجت عن كل القوانين الدولية، وعطلت كل مساءلة دولية، وسخرت كل الهيئات الدولية والإقليمية لتغطي على إجرامها، وتبرر لها القتل تحت حجة (الحرب على الإرهاب)… وأنشأت التحالفات العسكرية الدولية، وشنت الحرب على المسلمين، في كل مدينة وكل قرية حتى وكل زقاق، فهدَّمت البيوت وقتلت الناس وشردتهم بعشرات الملايين في مختلف بلادهم… وفي المشهد المأساوي هذا، وقف حكام المسلمين في مقدمة الحرب ضد شعوبهم… هذه الحملة المسعورة هي في حقيقتها حرب على الإسلام. وفي واقعها حرب عالمية. وبناء على هذا يمكن القول إن هذه الحرب هي حرب بين الإسلام والكفر، هي حرب حضارية…
وكم يخطئ من يظن أن هذه الحرب هي حرب عسكرية، والغلبة فيها تكون للمنتصر عسكريًا، بل هي حرب حضارية تختلف فيها حسابات الغلبة عن الحرب العسكرية كل الاختلاف. فالحروب الحضارية، من أجل أن يتم فيها الظهور والغلبة تحتاج، وبشكل لازم، إلى وجود مبدأ أو فكر كلي عن الحياة، وتحتاج إلى أناس يقتنعون به، وتحتاج إلى فئة من هؤلاء الناس تكون قادرة على تجسيده فكرياً وترجمته عملياً بتطبيقه في واقع الحياة، وتحتاج إلى قوة تنصره وتوصله إلى مسرح الحياة بإقامة دولة تمثله؛ ليعيش أهله في كنفه، وليحملوه إلى العالم كله باعتبار أن فكرته عالمية، ودولته عالمية، ونظامه إنساني… من هنا يتبين أن ما يحدث من حرب على المبدأ الإسلامي لمنعه من الظهور، لن تكون الغلبة فيها لمن ينتصر عسكرياً.
فالناظر في هذه (الحرب على الإسلام) الحضارية التي يشنها الغرب الكافر على الإسلام والمسلمين من هذه الزاوية، يرى أن الإسلام ما زال يتقدم مشروعه الحضاري، والمسلمون يزيدون إصراراً عليه، بالرغم من كل ما نراه من قتل وتدمير، وانتصار عسكري وهمي.
أما بالنسبة إلى الإسلام كمبدأ ومشروع حضاري فإنه ما زال عالمياً يتقدم ويطرح نفسه على ساحة الصراع الحضاري بشكل أقوى، ويطرح على أنه يملك حلاً لمشاكل العالم أجمع على كافة الأصعدة، تلك المشاكل التي نجمت عن تطبيق النظام الرأسمالي عليه، وما أكثرها!. بل إن أزمات دول الغرب الرأسمالي تزداد وتتجمع وهي بانتظار الانفجار الكبير. فعلى سبيل المثال، عندما نشأت الأزمة المالية سنة 2008م أدرك اقتصاديو الغرب أن النظام المالي الإسلامي يمنع حصول مثل هذه الأزمة لديه، والغرب بات يخاف من تحوُّل شعوبه إلى الإسلام، والذي بات يؤرقه، ليعالج لهم ما أوقعهم فيه من خواء روحي، وفقدان للقيم، وتفكك أسري…
لقد لجأ الغرب إلى إنشاء خلافة لغو تقوم بالذبح والقتل والحرق والغرق للمسلمين ولغير المسلمين من أجل تشويه صورة الخلافة في عقول المسلمين ولفظها من نفوسهم جاهلاً أنها تشكل في ذاكرتهم تلك الصورة التي تقرب من حياة النبوة، وأنها لا يمكن أن يتسرب لا إلى عقولهم ولا إلى نفوسهم أدنى شك في مشروعيتها. وكذلك لجأ إلى اللعب بورقة التفرق المذهبي والعرقي والطائفي في بلاد المسلمين، واللعب بورقة الأقليات حتى لا يتوحد المسلمون من جديد على أساس دينهم وإقامة دولتهم دولة الخلافة، ووحتى لا يجد له موطئ قدم إذا ما تغيرت الأوضاع في بلاد المسلمين بغير ما تشتهي رياحه… حتى إن شمولية هذه الحرب كونها طالت كل المسلمين لتدل بشكل واضح على أن مشكلته هي مع الأمة الإسلامية ككل
أما بالنسبة إلى المسلمين، فبالرغم من كل ما أصابهم ويصيبهم من جراء تلك الحرب العالمية عليهم وعلى دينهم، فإنهم لم يستسلموا بل ازداوا إصراراً على تحقيق هدفهم هذا، فلم تؤثر فيهم خلافة اللغو هذه، وكذلك ازداد كرههم للحكام أضعافاً مضاعفة عما كان قبل الثورات، وازداد انكشاف الغرب لديهم، فهو الذي وقف وراء إجهاضها، وهو الذي جاء بالحكام البدائل الأسوأ من أمثال السيسي، والسبسي من طينة علمانية نجسة، ودوله تتصارع في اليمن وفي ليبيا عن طريق أذنابها، وتمدُّ بشارًا ضد شعبه، حتى من تولَّى كبر مواجهة الحكام من الفصائل المقاتلة والميليشيات ومن يسمى بالمعارضات السياسية أصبحوا ساقطين في نظر الأمة… وبالإجمال الأمة تنتظر القائد المخلص أو الحزب المخلص الواعي الذي ينجو بها، ويضعها على صراط ربها المستقيم.
إذًا، هذان الجانبان، جانب وجود المبدأ، وجانب وجود الرأي العام الذي يطالب بإقامة الخلافة، زاد إصرار الأمة عليهما، ويعدُّ هذا انتصارًا للإسلام في معركته الحضارية مع الغرب، وهزيمةً منكرة للغرب ازداد فيها سقوطًا.
أما الجانب الثالث، وهو وجود حزب في الأمة يكون القائم على هذا المشروع، فإن الأمة باتت تدرك وجود حزب التحرير، وتدرك أكثر وأكثر أنه أهل لهذه المهمة العظيمة، وقد قدَّم رؤيته للثورات وبيَّن حكم الشرع فيها، وعمل على ترشيدها، ودعا أهل القوة فيها لأن يكونوا أهل نصرة لإقامة الخلافة، ودعا المسلمين الثائرين إلى أن لا يكتفوا بالدعوة إلى إسقاط الأنظمة، بل أن يضيفوا إليها الدعوة إلى إقامة الخلافة.
أما الجانب الرابع، وهو وجود القوة التي تنصره؛ فإنها ولله الحمد، من حيث الأصل، موجودة في الجيوش، وبكثرة، فأهل القوة في الجيوش ومن يؤثر بهم من الوجهاء والعشائر هم جزء من الأمة، ويؤمنون بما تؤمن به، ويحملون همومها، وقد دل على وجودهم مشاركتهم في الثورات، وما قاموا به من انشقاقات، ولكن هؤلاء نتيجة عيشهم في أجواء إرهابية تفرضه عليهم الدول، ونتيجة المراقبة الدائمة لهم وإحصاء أنفاسهم من قبل المخابرات، يحتاجون إلى من يثقون به ثقة أمانة من أن الذين يريدون أن يقودوه هم أهل إيمان وتقوى وصادقون وواعون، وغيورون على دينهم وأمتهم، وثابتون على الحق وجريئون… وليسوا خونة، أو يعملون لمصلحتهم، أو لمصلحة دول أجنبية… وثقة قدرة من حيث إن من سيعطيهم ثقته عندهم القدرة على التخطيط، وجادون في الوصول لتحقيق الهدف.
والناظر في واقع هذه الثورات من زاوية تعلقها بعملية التغيير الجذري، فإنه يمكن القول بكل ثقة إن الغرب لم ينجح، وإن الانتصار العسكري لا يحسم أبداً هذه الحرب. وكذلك فإن الأمة لم تنجح حتى الآن، مع أن كل عوامل النجاح التي ذكرناها موجودة، وهي تحتاج فقط لأن يجمع الله بينها، ويمنَّ على المسلمين الذين استضعفوا في الأرض، ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين… بل إن ما شهده المسلمون من تضافر كل قوى الشر في العالم وتجمُّعها في سوريا تحديدًا كان له أثره الإيجابي على تمسكهم بالإسلام كمشروع حضاري، وكان له أثره في تراجع مشروع الغرب الذي ينتظر أن ينهزم ويخرَّ، كعصا سيدنا سليمان عليه السلام التي نخرها سوس الفساد والإجرام والتوحش.
أيها المسلمون، على كل واحد منكم أن يعلم أن فرض الله عليه أن يكون مع الدعوة لإقامة الخلافة، وأن فرض الله على أهل القوة والمنعة أن ينصروا هذا الدين بنصرة الجماعة التي تقوم بهذا الفرض على الوجه الشرعي الحق. ومتى قامت ثلة مؤمنة من أهل القوة بواجبها الشرعي، والذي لا يقوم به غيرها، تنصر هذه الثلة المؤمنة الواعية المخلصة من العاملين لإقامة الخلافة فإنه النصر سيكون أقرب من رد الطرف إليهم بعون الله وحده.
وإن حزب التحرير الذي نذر نفسه لهذه الغاية العظيمة منذ أول نشوئه يثبت يومًا بعد يوم أنه النذير العريان، وهو يسأل الله أن يفتح قلوب الجميع عليه، وأن يكون هو صاحب بشرى رسوله عندما بشر المسلمين بالرفعة والسنا… وبإقامة الخلافة الراشدة كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»