عودة الإسلام إلى الحياة
1987/10/18م
المقالات
3,046 زيارة
حوار مع فضيلة القاضي الشيخ: محمد كنعان
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ). ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء».
وفي واقع الأمة السيئ: تكالب الأعداء عليها، وتوالي المصائب عليها وتحكّم الكافرين بخيراتها ومواردها، في هذا الواقع السيئ كان لا بد للأمة من وقفة تعيد النظر في حالها: ما سبب تخلف الأمة الإسلامية وانحطاطها، وهي التي قال الله تعالى فيها: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)؟
وبحثاً عن أجوبة لأسئلتنا تلك، قصدنا فضيلة القاضي الشرعي ببيروت الشيخ محمد كنعان. والقاضي كنعان مواقفه مشهودة في الدفاع عن الحق دون أن يخشى في الله لومة لائم. وخطبه أيام الجمعة تستقطب الكثيرين من المسلمين، لما فيها من فائدة عظيمة، وعلم غزير.
وقد استقبلنا القاضي في بيته، واستضافنا، وأجاب بصبر على أسئلتنا، فكان بيننا وبينه الحوار التالي:
واقع الأمة الإسلامية
– وصلت الأمة الإسلامية إلى حال يلزم معه إعادة النظر في واقعها. ولابد أن نسأل أخيراً: هل نحن نعيش الحياة التي يرتضيها لنا الله ورسوله؟
إن الأمة الإسلامية لا تعيش عملياً الحياة التي ارتضاها الله تعالى لها وأمرها بأن تحياها. فالله عزّ وجلّ أمر المسلمين أن لا يقبلوا بغير الإسلام ديناً، وبغير الشريعة المحمدية منهاجاً وسبيلاً، وهكذا كانوا في الماضي ممتثلين لأمر الله تعالى، تاركين لنهيه، يجاهدون في سبيله ولا يخافون في الحق لومة لائم.
_ ما سبب تخلف المسلمين إلى هذا الحد؟
أن سبب تدهور حالة المسلمين إلى هذا الحد الخطير هو نجاح أعداء الأمة في فصل الإسلام عن حياة المسلمين، بحيث صوروا لهم وأقنعوا السواد الأعظم منهم أن الإسلام شيء والحياة بكل ما فيها من نظم سياسية واقتصادية واجتماعية.. شيء آخر،ن وأنه لا علاقة للإسلام بأي من مجالات الحياة، وأن الحياة يمكن أن تكون سعيدة رغيدة إذا تخلى المسلمون عن دينهم. فغاب العلاج وسر السعادة، ودبت الفوضى وتأزمت الأحوال، وبات المسلمون في وضع لا يحسدون عليه على الإطلاق.
ومما لا شك فيه أن من واجب المسلمين أن يعيدوا النظر في واقعهم هذا، فهو واقع سوء بكل ما في الكلمة من معنى. وهو واقع لا يرضي الله تعالى ولا رسوله ولا جماعة المؤمنين. وإعادة النظر هذه تعني فهم الواقع تمام الفهم، ووضع اليد على العلة ـ وهي معروفة الأوصاف والعوارض، وبالتالي العمل بجد ودأب لاستئصال المرض وإعادة الوضع إلى ما كان عليه في عهود الإسلام الزاهرة.
– فضيلة القاضي، ما حكم الله في أنظمة الحكم القائمة اليوم «على» المسلمين؟
من الواجب على كل عاقل أن لا ينسى أن الأرض لله وحده، وأن الخلق كلهم عباده، وأنه لا خيار للعبد في أن يعبد الخالق أو أن لا يعبده، بل طاعة الخالق واجبة على المخلوق. يقول تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). وإذا كان الإنسان لا يقبل ولا يرضى أن ينفذ في بيته غير أمره، ولا في معمله أو محله التجاري غير تعليماته وتوجيهاته، ويغضب بل ويعاقب كل من يخالف أوامره، فكيف بالخالق العظيم الذي له تعالى الخلق والأمر، هل يصح أن يطيع عباده أوامر غيره؟ هل يجوز وهو الرازق لهم أن يشكروا سواه ويكفروه؟ إنما الملك له وحده، والخلق له وحده، وكذلك الأمر والنهي في كل صغير وكبير.
نقول هذا لنصل إلى نتيجة واحدة هي: أن كل نظام غير شرع الله تعالى يطبق على عباد الله في أرضه فهو مرفوض، ويجب على المسلمين أن يحاربوه ويكافحوه حتى تكون كلمة الله دائماً هي العليا.
وماذا بالنسبة للأنظمة التي تتحكم بعلاقات المسلمين: اجتماعية واقتصادية وتعليمية…
عندما نقول «أنظمة الحكم» فإننا نعني كل الأنظمة بجميع وجوهها، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية وسواها، فكل ما ليس من الإسلام فليس من الله في شيء.
– وإذا كان الوضع كذلك، فماذا يتوجب على المسلمين لتغيير هذا الوضع الشاذ؟
على المسلمين أن يعملوا على تغيير هذا الواقع السيئ الذي هم فيه، وهذا واجب شرعاً عليهم، فهو من باب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وطريقهم إلى هذا الهدف يبدأ من فقه المسلم في أمور دينه، ومعرفة أحكامه، ثم التوجه نحو المجتمع بالتوعية والإفهام، والسير في خطى ثابتة حتى الوصول إلى الغاية المنشودة، الآيلة في النهاية إلى أن يكون الحكم والأمر والنهي لله تعالى وحده في عباده فعلاً وتطبيقاً.
العودة إلى الإسلام
– نسمع كثيراً أن حل مشاكل المسلمين يكمن في العودة إلى الإسلام. لكن كثيراً من المسلمين لا يدركون أبعاد هذه الكلمة، وبالتالي لا تحدد لهم هدفاً محدداً أو معالم سير واضحة فماذا تعني «العودة إلى الإسلام» بالضبط؟
إن العودة إلى الإسلام عبارة واسعة المعنى، فهي تعني أولاً أن المسلمين بعامتهم ليسوا في وضع يرضاه الله ورسوله، أي أنهم حادوا عن السبيل القويم فضعفوا وهانوا. وثانياً تعني أن الإسلام هو الحل والعلاج.
فالعودة إلى الإسلام تعني لجوء الجيران والمرتبك والمريض إلى من عنده الحل والدواء. وحديث الناس اليوم عن «العودة إلى الإسلام» نابع من هذا الإحساس الكامن في نفوسهم، لأن كل مسلم ـ ولو كان عاصياً ـ لا يرى في غير الإسلام حلاً لمشكلة ولا علاجاً لمعضلة.
– أي إسلام يجب أن نعود إليه. بعبارة أخرى: هل تحل قضايانا إذا أصبحنا «دراويش»؟
نعني بـ «الدروشة» الانزواء والعزلة من غير ضرورة شرعية. وقد يرى البعض أن «الدروشة» عودة إلى الإسلام، وهذا التوجه ليس توجهاً صحيحاً، وليس هو المطلوب شرعاً، بل المطلوب هو الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بخلفائه الراشدين المهديين الذي أسسوا مجتمعاً بجهدهم، وأقاموا للإسلام دولة بجهادهم.
– ما دور العلماء في ذلك؟
أن دور العلماء خطير جداً، إذ تقع على عاتقهم مسؤولية التفقيه والتعليم. فالعامة منهم يأخذون وعنهم يتلقون علوم الشرع. فمسؤوليتهم أمام الله تعالى كبيرة جداً، فإن أحسنوا فيا هناهم، وإن أساؤوا فيا ويلهم…
– هل يقبل الإسلام منّا حلولاً جزئية؟
ليس في الإسلام حلول جزئية أصلاً، لأن الأحكام الشريعة وحدة متكاملة، فطالما أن بإمكاننا أن نطبق حكماً من أحكام الإسلام ـ أياً كان ـ فلا يجوز لنا التوقف في ذلك ولا التردد.
– ما حكم الشرع في «التدرج في تطبيق أحكام الإسلام»، وبالأخص في المرحلة الانتقالية التي لا يطبق الإسلام فيها كاملاً؟
نحن لا نرى فرقاً بين الحلول الجزئية أو التدرج في تطبيق الأحكام، وجوابنا عن التدرج هو جوابنا عن الحلول الجزئية. فطالما نحن قادرون على التطبيق فلا يجوز عدمه، وليسمى هذا الواقع ما يسمى. فالمهم أن ندرك أنه لا يجوز لمسلم قادر على تطبيق حكم شرعي الآن أن يؤخر ذلك، وإلا فهو آثم. فإن لم تتوفر الاستطاعة المطلوبة للتطبيق، فإن هذا لا يسمى تدرجاً، بل هو عجز، ولو كان هذا العجز عن حكم واحد فقط. فإذا قام حاكم ما وبدأ يطبق الشريعة الإسلامية شيئاً فشيئاً، كما حصل في السودان ـ وهو مثل سيئ، فإن ذلك النظام إما أنه كان قادراً على التطبيق ولا يفعل فقد وقع في المعصية. وإن كان عاجزاً عن الكل فطبق البعض فهذا ليس تدرجاً بل هو عجز عن تطبيق البعض الآخر إن أحسنّا الظن. يضاف إلى هذا أن التدرج لا يكون إلا زمن الوحي، وقد كان ذلك زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حي بعده عليه الصلاة والسلام.
– وصلنا إلى نقطة هامة. ماذا لو أراد حاكم بتطبيق قانون إسلامي ـ أو بعض القوانين، لإرضاء طرف إسلامي معين وليس إرضاء لله ورسولهن كما فعل النميري في السودان، هل يعد ذلك تطبيقاً للإسلام؟
إن إقدام الأنظمة الحاكمة لبعض الشعوب الإسلامية كالسودان، على تطبيق جانب من أحكام الإسلام دون سائرها ليس أمراً حسناً ولا جيداً، بل المراد منه الإساءة إلى الإسلام وتشويه جماله، وذلك لأن هؤلاء لا يفكرون بتطبيق الإسلام كله، ولا يرغبون في ذلك. والأحكام الشرعية ـ كما أشرنا ـ متكاملة يظهر بعضها عظمة بعض.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن هؤلاء الحكام لا يجربون إلا بتطبيق الحدود. فيقيمون حدّ السرقة في مجتمع يكثر فيه الفقر والحاجة. فيقيمون أيدي أناس ربما لم تتوفر فيهم شروط إقامة الحد. ويجلدون الزاني في مجتمع ملئ بالفساد. فتقوم الصيحة، ويرى الناس أن الأمر غير منطقي ـ وهو الواقع ـ فينفر الناس من الإسلام، ويطلبون إقصاءه عن الحياة من جديد، وهذا هو هدف أعدائنا من هذا الأسلوب في التطبيق. لقد عمدوا إلى هذا الأسلوب لضرب القوى الإسلامية المناضلة. الداعية إلى الحكم بما أنزل الله تعالى، وكأنهم يقولون للناس: هؤلاء يريدون حكم الإسلام، فهذا هو حكم الإسلام: إنه قطع أيدي، وجلد زان، وقطع رأس. هكذا يشوّهون صورة الإسلام باللجوء إلى تطبيق بعض أحكامه ف ظل نظام مخالف من أساسه وبكل دعائمه لأحكام الإسلام. فمن أين سيرى الناس جمال الإسلام وعدلهن والرخاء والأمن في ظل الإسلام؟
الحياة الإسلامية
– حبذا لو نتحدث عن الحياة الإسلامية. في الإسلام نظام حكم متميز هو الخلافة. ما أبرز معالم هذا النظام؟
إن الحديث عن الحياة الإسلامية لا يكفي لإعطاء الصورة الصحيحة عن الإسلام، لأن الإسلام ارتضاه الله ليكون ديناً، أي للعمل، فمن ذاق عرف، ولن يعرف الناس قدر الإسلام حتى يروه مطبقاً تطبيقاً سليماً صحيحاً. فالإسلام نظام فريد من نوعه، وكيف لا، وهو شرع الله تعالى، وما سواه فمن وضع البشر، وشتان بين هذا وذاك.
– ما مفهوم الدار في الإسلام، وهل نحن نعيش دار إسلام أو دار كفر؟
أياً كانت الدار التي نعيش فيها، طبقاً لاختلاف الفقهاء في تعريف دار الإسلام ودار الحرب، فإن مما لا خلاف فيه أن المسلمين لا يعيشون في ظل نظام إسلامي كما يجب أن يكون عليه الحال. ونعود لنؤكد ما تقدم أن قلناه: أن على المسلمين أن يعملوا بكل قواهم ليعود الإسلام إلى حياتهم العامة والخاصة بكل ما في الكلمة من معنى، والله المستعان.
– أين أصبح العمل للإسلام الآن؟ هل ترى معالم صحوة؟
لا شك أن هناك صحوة إسلامية ولله الحمد، رغم الكبت والعنف والإرهاب الذي يواجه به المسلمون من الأنظمة الحاكمة في بلادهم. وأملنا بالله تعالى كبير أن يأخذ بيد العاملين المخلصين، وأن ينصر الإسلام وأهله، إنه على كل شيء قدير.
في الختام، لا يسعنا إلا أن نشكر فضيلة القاضي على استضافته لنا، وصبره علينا، وإجابته على أسئلتنا
1987-10-18