حدائق 377
قطوف من حدائق الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
– حينما توفي سيدنا أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، ألقى سيدنا عمر،رضي الله عنه، خطبة الخلافة، فقال فيها: “أيها الناس، كنت خادم رسول الله، وسيفه، وجلواذه، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي عني وهو عني راضٍ، الحمد لله على هذا كثيرًا، وأنا به أسعد. ثم آلت الأمور إلى الصديق، فكنت خادمه، وكنت جلواذه، وكنت سيفه المسلول، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي عني وهو عني راضٍ، الحمد لله على هذا كثيرًا، وأنا به أسعد. ثم آلت الأمور إلي، اعلموا، أيها الناس، أن تلك الشدة قد أضعفت، وإنما تكون على أهل المعصية والفجور، أما أهل التقوى والعفاف فأضع خدي لهم ليطؤوه بأقدامهم. أيها الناس، خذوني بخمس خصال، لكم عليّ ألا آخذ من أموالكم شيئًا إلا بحقه، ولكم علي ألا أنفقه إلا بحقه، ولكم علي أن أزيد عطاياكم إن شاء الله تعالى، ولكم علي ألا أجمركم في البعوث، فإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا.
– عيَّن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه واليًا، فأراد أن يمتحنه فقال له: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو بناهب؟ قال: أقطع يده. قال إذًا إن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك. يا هذا إن الله قد استخلفنا على خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها. إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملًا التمستْ في المعصية أعمالًا، فأشغلْها بالطاعة، قبل أن تشغلك بالمعصية.
– عرف الخليفة الراشد مقدار المسؤولية التي حُمِّل فقال: “لست خيرًا من أحدكم، ولكنني أثقلكم حملًا، والله لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها، لمَ لم تصلح لها الطريق يا عمر “
– كان سيدنا عمر، رضي الله عنه، يتجول مع سيدنا عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) في أسواق المدينة، فرأيا في ظاهر المدينة قافلة حطت رحالها، فقال عمر لسيدنا عبد الرحمن رضي الله عنهما :تعالَ نحرس هذه القافلة، وإذا بعمر يسمع صوت بكاء صغير، فاتَّجه إلى أمه وقال: أرضعيه، فأرضعتْه. ثم بكى ثانية، فقال: أرضعيه، فأرضعته. ثم بكى ثالثة، فتعجَّب ماذا تفعل!! ليس هذا هو الإرضاع !! فقال لها :يا أمة السوء أرضعيه. فقالت: وما شأنك بنا، إنني أفطمه؟ قال: ولمَ ؟ قالت: لأن عمر لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام .فضرب عمر جبهته وقال: ويحك يا عمر، كم قتلت من أطفال المسلمين؟ فلما صلَّى بأصحابه الفجر لم يفهم أصحابه قراءته من شدة بكائه، فكان يدعو ويقول: “ربي، هل قبلت توبتي فأهنئَ نفسي، أم رددتها فأعزيها؟ ” وأصدر توجيهًا جديدًا أن العطاء يستحق حين الولادة.
– أرسل سيدنا عمر كتابًا إلى بعض الولاة، فقال: أما بعد، فقد نمي إلي أنه قد صار لك هيئة حسنة في مطعمك ومشربك، وملبسك، ومركبك، ومسكنك، ليست لعامة المسلمين، احذر يا عبد الله، أن تكون كدابَّة مرت بوادٍ خصبٍ، فجعلت همها في السِمَن، وفي السِمَن حتفها.
– وجه سيدنا عمر توجيهًا لبعض الولاة، فقال له: لا تغلق بابك دون الناس، فيأكل قويُّهم ضعيفَهم.
– كان سيدنا عمر، رضي الله عنه، يقول: أريد أميرًا، إن كان أميرًا بدا وكأنه واحد من الناس من شدة تواضعه، وإن لم يكن أميرًا بدا وكأنه أمير من شدة هيبته، ومن شدة غيرته على مصالح المسلمين.
– في عام المجاعة امتنع سيدنا عمر عن تناول اللحم مدة طويلة، فقرقر بطنه، فخاطبه وقال: أيها البطن قرقر أو لا تقرقر، فوالله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين.
– قدم لسيدنا عمر، رضي الله عنه، طعام نفيس، وقدموا له أطيب ما في الناقة، فبكى وقال: بئس الخليفة أنا إذا أكلت أطيبها، وأكل الناس كراديسها.
جاء رسول عامل عمر بن الخطاب،رضي الله عنه، على أذربيجان إلى المدينة، ومعه رسالة من سيده، وصل المدينة في منتصف الليل، وكره أن يطرق باب عمر في هذا الوقت المتأخر، فذهب إلى المسجد، فإذا برجل – والظلام عميم – يناجي ربه ويقول :ربي، هل قبلت توبتي فأهنئَ نفسي، أم رددتها فأعزيها؟ فقال: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا عمر. قال: يا أمير المؤمنين، ألا تنام الليل؟ قال: إني إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي. وانتظرا حتى دخل وقت الفجر وصلى عمر بالناس إمامًا، ثم دعاه إلى بيته ليطعمه، فخيَّره بين أن يأكل بين فقراء المسلمين وبين أن يأكل في بيته، فاختار الرسول أن يأكل في بيت عمر. فلما دخل بيته قال :يا أم المؤمنين، ما عندك من طعام؟ قالت :والله ما عندنا إلا خبز وملح. قال: هاتيه لنا، وكان الفقراء يأكلون اللحم، أكل وشرب، وبعد أن أتمّ طعامه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا. ثم قال :ما وراءك يا هذا؟ قال: معي هدية من عاملك على أذربيجان. فتح الهدية فإذا هي طعام نفيس، وحلوى نفيسة، فكان أول سؤال سأله إياه: يا هذا، هل يأكل عندكم عامة الناس هذا الطعام؟ قال: لا، إنه طعام الخاصة – طعام الأغنياء – فأخرج عمر اللقمة من بطنه ثم قال: حرام على بطن عمر أن يأكل طعامًا لا يأكله فقراء المسلمين. فوجَّه إلى الوالي رسالة قاسية قال له فيها: كيف يعنيك ما يعنيهم، إن لم تأكل مما يأكلون؟!