أحداث مصر الأخيرة… دروس وعبر
2013/10/29م
المقالات, كلمات الأعداد
2,514 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
أحداث مصر الأخيرة… دروس وعبر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤونة الناس» الترمذي، وأبو نعيم في الحلية عن عائشة رضى الله عنها، وبعد،
على الرغم من اختلافنا مع نهج الإخوان المسلمين في العمل، والقائم على مشاركتهم أنظمة الحكم الجبري، الحياة السياسية، والاعتراف بوجودها وشرعيتها ابتداء، إلا أن ما جرى في مصر يؤلم المسلمين جميعاً، ولسبب بسيط، وهو أن أعداء الإسلام في مصر وخارجها، عملوا على استخدام الإخوان هناك، من أجل ضرب الإسلام والعاملين له، وتصويرهم أن الإسلام لا يصلح أن يحكم، وأن الحركات الإسلامية حركات فاشية رجعية، وأن ما يسمى بالإسلام السياسي محكوم عليه بالفشل… وهذا فيه تضليل أيما تضليل.
إن أكثر ما يؤلمنا اليوم هو شماتة أعداء الإسلام، والذين يضحكون ملء أفواههم على توريطهم الإخوان وغيرهم من الحركات، وجعلهم ينادون بما يريدون من أفكار الديمقراطية قبل أن يلفظوهم ويلاحقوهم كخارجين على القانون، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون.
لكنَّا نقول: إن ما حصل في مصر خيرٌ بإذن الله، فمن شأن مؤامرات أعداء الدين أن تعيد المسلمين، ومنهم الإخوان، لإدراك كيف يكون التغيير، وكيف يكون العمل للإسلام، وكيف تجب أن تكون العلاقة مع الأنظمة المأجورة، التي نقبع تحت وطأة جبروتها، إضافة إلى إدراك فساد الديمقراطية التي يتشدقون بها، والعلاقة مع الغرب الكافر المجرم، الذي لا يصدر لنا إلا كل شر.
وقبل الحديث عما حصل في مصر بعد الثورة هناك، أبدأ بالنتيجة التي أحسب أن كل الناس، ومنهم الإخوان المسلمين، باتوا يحدثون أنفسهم بها اليوم، ويقطعون أنها باتت حقيقة، بعد إزاحة العسكر للدكتور محمد مرسي، وهي أن ما يسمى بالمشاركة السياسية في النظم السياسية الفاسدة العميلة، لا يوصلهم لأي شيء، وأن هذه الأنظمة، والغرب من ورائها، يكيدون للإسلام، ويستدرجونهم لهذه المشاركة، من أجل استخدامهم في ضرب الإسلام وتشويهه. إن الإخوان المسلمين اليوم يكفرون بـ (الديمقراطية) التي طالما اعتبروها الطريق، وهم يلمسون ذلك ويرونه رأي العين، ولا يرتابون فيه.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يتعلم الإخوان المسلمون من الدرس؟ هل ينفضون أيديهم من كل الأعمال السياسية التي تعتبر الأنظمة الموجودة في العالم الإسلامي أنظمة شرعية؟ هل يخرجون على الحكام الذين يحاربون الدين ويتآمرون عليهم؟ هل يطلقونهم طلاقاً لا رجعة فيه؟ أم تراهم لا يفعلون؟ هل يتعلمون من هذا الدرس القاسي، أم يستمرون بالاعتراف بالأنظمة الغاشمة، والعمل من خلال منظومات حكمها الفاسدة؟ أقول وبكل الوضوح: إن لم يخرج الإخوان على الحكام بعد هذا الدرس البيِّن والجلي والبليغ، والذي تكرر معهم في أكثر من مكان (في الجزائر، السودان، فلسطين، … واليوم في مصر)، فليس لذلك إلا معنى واحد: وهو أن أصحاب القرار في الإخوان المسلمين لا يريدون أن يغيروا نهجهم، وهم بذلك لا يسعون للتغيير الحقيقي، الذي يعز به الإسلام والمسلمين، وأنهم يفضلون أن يبقوا جزءاً من لعبة سياسية غير نقية مع الأنظمة، ولا تخدم الدين، وأنهم بهذا لا يصدقون أتباعهم، بل يضللونهم، فمن يقطع أن الأنظمة في حرب مع الإسلام والمسلمين، ويستبين من ذلك (والأدلة باتت قطعية الثبوت والدلالة)، لا يشاركها، ولا يحاورها، ولا يساومها، ولا يرقعها، بل تكون علاقته بها علاقة التغيير الجذري، أي الاجتثاث.
إن الواعي المتبصر، والموضوعي المنصف، والوقاف عند الحقائق البينات، والذي قطع أن الأنظمة ومن يقف خلفها، في حرب مع الحركات الإسلامية، بدليل ما حصل مع الإخوان في مصر، عليه، وبنفس الدرجة من الإدراك والقطع، أن يعي أن المشاركة السياسية مع الأنظمة، ومنذ البداية، نهج غير شرعي، نهج غير صحيح، نهج غير مثمر، نهج يورث الفشل، نهج يشمت الأعداء فينا ويفرحهم، وعليه أن يراجع طريقه، وأن لا يجرب المجرب بعد اليوم، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وأرجو الله أن يفهم الإخوان المسلمين أن ما حصل معهم، بعد ثورة 25 يناير وإلى الآن، سببه في الأساس نهجهم في العمل ابتداء، وقبل وصول رئيس منهم للحكم. وهذه قضية من المهم جداً الوقوف عندها، وعلى الناس أن يدركوا أن الخلل الأساس هو في نهج الانطلاق في العمل من نقطة الاعتراف بالأنظمة، قبل أن يكون الخلل في تجريب العمل معها، أو في أي شيء آخر. آن الأوان لأن يدرك المسلمون، أكثر من أي وقت مضى، أن الأنظمة في العالم الإسلامي، في حرب شرسة مع الإسلام، قبل أن تدخل الحركات الإسلامية في الحكم، وبعد أن تشاركها الحكم بالفعل، وأن يدركوا أن توريطها في الحكم هدفه شيء واحد: ضرب الإسلام وتشويهه وإقصاؤه، والالتفاف على المسلمين، الذين ينادون به وبعودته. لقد أصبح هذا حقيقة تاريخية قطعية، ويؤكد، ومرة أخرى، أن ما حصل مع الإخوان في مصر سببه الأساس النهج الخطأ في العمل، فما بُني على نهج خطأ لا يثمر إلا أخطاء وأخطاء، وهو ما ساعد المتآمرين على الإسلام، في مصر، لأن يقوموا بما قاموا به. وهكذا اجتمع، في مصر، خطأ النهج للعاملين للإسلام، ومكر وتآمر النظام العميل، وأتباعه العلمانيين، فكانت النتيجة التي آل إليها الحال هناك.
أما ما حصل في مصر، بعد ثورة 25 يناير، فأبرز ملامحه التالية:
-
اندلعت الثورة في مصر وخرج الناس على نظام مبارك. كان الطبيعي، والمفروض شرعاً، من القوى السياسية الإسلامية في مصر أن تستغل هذه الهبَّة للشعب المسلم، وأن تعمل وتنادي بتحكيم شرع الله، من خلال دولة إسلامية حقيقية، تقوم لتكنس كل النظام السابق، فهو سبب كل المآسي. ولكن هذه القوى الإسلامية، ومنها الإخوان المسلمون، لم يستغلوا الرأي العام المتجذر للإسلام، ولم يبنوا عليه عملاً ومطالبة بتحكيم الإسلام، وبناء دولة خلافة تجمع المسلمين، ولو أنهم فعلوا لوقف الشعب المصري بجانبهم وأيدهم، فهو محب للإسلام، وعنده استعداد لأن يضحي في سبيله.
-
فكرت أميركا، صاحبة القرار في مصر، بسرعة، ورأت أن تزيل مبارك، بشخصه فقط، عن طريق الجيش، حتى تلتفَّ على الشارع، الذي يحب وينادي بالإسلام، مع إبقائها على النظام وأسسه وفلوله وإعلامه، فلم يتغير شيء. أي أن أميركا أبقت على النظام الفاسد، والوسط السياسي الفاسد عن مكر مكرته، ثم عملت على تضليل الشعب المسلم في مصر، مرة أخرى، حين صورت له أن قيادات الجيش المصري قيادات وطنية، وأنها حامية الحمى، مع أن قيادته عميلة لها (وهذا حقيقة تأكد منها الجميع الآن، وعلى رأسهم الإخوان) فكانت أميركا تدخر الجيش، ممثلاً بقيادته، لمهمات لاحقة.
-
أشرفت قيادات الجيش المصري، المرتبط بأميركا، على ترتيب البيت الداخلي المصري بعد مبارك، فقبلت قياداته أن يدخل الإخوان، وبشكل مباشر، في منظومة النظام الديمقراطي الفاسد، بعد أن رأت أن الناس يريدون الإسلام ويطالبون به. وكان هدف الجيش، ومن ورائه أميركا، من إشراك الإخوان في التغيير المزعوم الجديد في مصر هو منع التغيير الحقيقي هناك، وإسكات الجماهير، وطبعاً التآمر على الإخوان، والعمل على استدراجهم، وإفشالهم، وإسقاطهم، حتى يتشوَّه بذلك الإسلام، ويظهر أنه عاجز أن يكون في الحكم. وللأسف، دخل الإخوان في هذه اللعبة، وقبلوا أن يتقاسموا ويتشاركوا تركة النظام السابق، مع رموز الحرس القديم لنظام مبارك، والأحزاب العلمانية، والجيش المرتبط، وهذا كما تأكد خطأ في النهج والطريقة والعمل، ما جعلهم يدفعون الثمن لاحقاً.
-
أمام هذا الزواج (غير الشرعي أساساً) بين القوى السياسية المعادية للإسلام، والقوى ذات التوجه الإسلامي، بقيادة الإخوان، في مؤسسات الحكم والتشريع والقضاء… ، حرص الإخوان أن يظهروا مرونة عالية في قبول ما ليس بإسلامي، حتى يرضوا شركاءهم في الحكم؟؟! وحتى يظهروا تسامح واعتدال الإسلام؟؟! وحتى لا يحمل الغرب فكرة سيئة عن المسلمين، الذين يسمون أنفسهم بالمعتدلين، ولا ينقلب عليهم؟؟! وهكذا لم يتغير أي شيء في دستور مصر، وقضاء مصر، وتعليم مصر، وإعلام مصر، واتفاقيات مصر السياسية والاقتصادية، حتى مع أعداء المسلمين، يهود. وأصبح المشهد السياسي في مصر، بقيادة حاكم إخواني، مشهداً مؤلماً، يراوح بين: مسجد وخمارة… ملهى ليلي ودار تحفيظ قرآن… شواطىء بكيني للسواح ولمن يحب، وشواطىء جلباب للأخوات… إعلام يبث الرذيلة ليل نهار، وإعلام يتحدث عن الوضوء والأخلاق… رئيس ملتحٍ، وأفراد شرطة ممنوعون أن يطلقوا لحاهم باسم القانون العلماني، والذي يحكم به الرئيس نفسه… وبرامج إعلامية تستهزئ بالإسلام وبالرئيس المسلم وبالمشايخ (غير الحضاريين والمسيئين لصورة البلد والعبيطين؟!) … مشهد لدولة الأعاجيب ؟! أهذا هو التغيير المنشود في مصر الكنانة؟ هل كان يقبل مبارك أن يستهزئ أحد به وبنظامه العلماني؟! هل كان مبارك يحرص على أن يستضيف المشايخ وعلماء المسلمين، ويقول لهم «هاكم الميدان» كما قال مرسي لأهل الغناء والفنانين في بداية حكمه، والذين يعبرون عن شماتتهم به اليوم، وعن فرحتهم الغامرة لعزله؟! هل كان مبارك يعظم ويكرم معارضيه ممن يعملون للإسلام، وهل كان يؤمن بالتعددية كما يؤمن بها مرسي وجماعته؟؟! أم أن هذا حلال على العلمانيين المجاهرين بعدائهم للإسلام، حرام على من يقدم نفسه كممثل للإسلام؟ باختصار: لم يتغير الحال في مصر، رغم كل الشعارات الإسلامية البراقة: فالنظام الجمهوري ظل على حاله، والدستور ظل علمانياً بامتياز، والاقتصاد الربوي المرتهن لقروض الغرب وهيمنته ظل على حاله، وقواعد أميركا العسكرية، وتمويلها المالي للنظام التابع ظل على حاله، والعلاقات الدولية ظلت على حالها، والاتفاقيات الاقتصادية والسياسية مع يهود ظلت على حالها، والغاز الطبيعي ليهود ظل على حاله… ماذا تغير؟ لم يتغير شيء … وصل الإسلاميون إلى الحكم، ولم يصل الإسلام ؟!
-
وهكذا انتهى المشهد السياسي، بوصول محمد مرسي للحكم في مصر، إلى وجود فريقين يتشاركان هذا الحكم المشوه: الفريق الأول فريق علماني عميل يحارب ويتآمر على الإسلام، مكون من القيادات السياسية الفاسدة، التي بقيت بعد زوال مبارك، وأحزابها العلمانية، وقيادات الجيش المرتبطة بأميركا. وهؤلاء يكرهون أن يكون الإسلام في السياسة والحكم، ويكرهون (رئيسهم) محمد مرسي وجماعته، وهؤلاء بيتوا للإخوان المسلمين كل شر، منذ أول يوم، وجهدوا لأن يظهروا الإسلام السياسي، من خلال مرسي وجماعته، غير قادر على إدارة الدولة، بل وعاجز في السياسة، ورجعي في الأفكار والنظرة، وفاشي واستقصائي في التعامل مع خصومه، فتآمروا عليهم في كل شيء، وفي كل مفصل من مفاصل العمل السياسي، وتربصوا بهم في كل شأن سياسي: في الحكم، والقضاء، والتشريع.. وسخروا منهم ومن رئيسهم، وشككوا بأهليتهم في كل محفل وخصوصاً في الإعلام، وروجوا في البلد حالة من النفور من الإسلام، والحركات الإسلامية؟! وهكذا قاد هذا الفريق عملاً ممنهجاً، تحت عين السفارات الغربية وبمباركتها، ضد كل ما هو إسلام، طعناً وتشويهاً وسباً وتعريضاً، حتى طالت هذه الهجمة المسلمين، الذين ليس لهم ارتباط بأي جماعة إسلامية … كل هذا يحصل والرئيس يحافظ على حبال الود، ويتفانى في خدمة المشروع الوطني العظيم، وهو المشاركة السياسية مع عملاء الغرب والعلمانيين وحتى بعض رجال الحرس القديم ؟! أما الفريق الثاني فهو فريق محمد مرسي وجماعته، وكما قلنا، فقد قام بأول الخطايا عندما قبل بمشاركة العلمانيين، وبعض فلول النظام السابق، الحكم، فدخل اللعبة السياسية مكبلاً عاجزاً عن أي تغيير، فهو أقسم منذ أول يوم على القبول بكل مفردات الدولة العلمانية، التي يقاتل في سبيل بقائها فلول النظام السابق، وأعوانهم. وعلى هذا الأساس، وخلال السنة التي حكم فيها، قاد محمد مرسي سياسة لم تقدم نهجاً بديلاً للشعب المصري، ولم تأخذ بيده إلى أي ارتفاع، فلم يطبق شيء من إسلام، أو اختلف عن سلفه في أي سياسة تذكر، بل على العكس، أعطى الدنية في دينه، عندما سمح لخصومه أن يسبوا الإسلام، ويستهزئوا بأحكامه، ويقللوا من شأنه، فكان محمد مرسي يعيش (ويتعايش) في حقل الغام، وفخاخ، كان ينصبها له شركاؤه في الحكم، وهو يعلم بهذا. نعم كان مرسي وجماعته متأكدون أن شركاءهم في الحكم يكرهونهم، ويكيدون لهم، ويتربصون بهم منذ أول يوم، وهذا لا يحتاج إلى عبقرية، لملاحظته، لكن المشكلة مرة أخرى تكمن في نهج محمد مرسي وجماعته: فهم لا يعرفون سبيلاً آخر للعمل غير المشاركة السياسية مع أعدائهم، أعداء الإسلام ؟!
-
وبعد سنة من حكم محمد مرسي (الديمقراطي)، والمرضي عنه من قيادات الجيش المتربصين، وبعد سنة من التشويه والتوريط والإفشال، أخذ الجيش، صاحب القرار الفعلي، القرار بالإنقلاب على (الشرعية) وهذه الديمقراطية المزعومة، وأزاح مرسي، المنتخب (شرعياً) واتهم مرسي وجماعته بالحكم الفاشي، واختطاف البلد، وأنهم يريدون حكماً دينياً؟! وأنهم روعوا الجماهير في مصر، وأساءوا لمؤسسات البلد الوطنية والدينية ؟! وأنهم فشلوا في أن يكونوا ديمقراطيين؟! وها هيا قيادات الإخوان، التي كانت قبل أسبوع في الحكم، تؤخذ إلى السجن، وتحاكم من قبل شركائها السياسين، لأنها تحرض على العنف والقتل والإرهاب ؟! كل هذا يحصل والديمقراطية الغربية، التي طالما تطلع إليها الدكتور محمد مرسي، تطعنه وتنقلب عليه وعلى جماعته المعتدلة، ولا تقف لتدافع عن شرعيته الديمقراطية ؟! أطاح الجيش بمحمد مرسي، فدعا الإخوان أنصارهم للخروج إلى الشارع للاحتجاج، والمناداة بعودة الرئيس إلى موقعه السابق رئيساً للبلاد، وها هو الجيش يقتل منهم، ويلاحقهم، ويلاحق قياداتهم، عقاباً لهم على تحديه. ونحن نتساءل هنا: هل تدعو تلك الجموع لعودة مرسي رئيساً على الأسس السياسية السابقة، أم على أي أساس؟ هل تعلموا من تجربة التوريط والتشويه والإفشال والإقصاء؟؟ هل عرفوا من هم أعداؤهم الحقيقيون؟ فإذا كانت الدعوة لأن يعود رئيساً كما كان، وعلى أساس التعاون السياسي، والمشاركة السياسية، مع فلول النظام السابق وعلمانييه، فهذا والله لهو التخبط السياسي، والتيه السياسي، والخسران المبين؟!
إن ما يحدث في مصر، وتحديداً بعد ما يسمى ثورة 30 يونيو، يقدم الدروس والعبر التالية، لمن يلقي السمع وهو شهيد:
-
مبدأ الإسلام ونظامه لا يقبل أن يتزاوج ويتشارك ويتعايش مع أي نظام آخر، فإما إسلام كامل في الحكم والسياسة، وإما كفر حتى يأتي كل الإسلام فيكنسه ويحل محله. كما لا يماري أحد أن الإسلام دين ونظام ودولة، وأنه لا دين سواه. وقضية الإسلام منذ أن أرسل رسول الخير محمد، صلى الله عليه وسلم، هي احتكام الناس إلى أنظمته في دولة الخلافة. وطالما أن الإسلام قطعاً دين ودولة، كان الواجب على كل من يريد إعزاز الدين، أثناء عمله للتغيير، أن يفكر في هذه القضية، ولا يتلهى بغيرها، خصوصاً وأن أعداء الدين يحرصون على تضليل من يعمل للإسلام، حتى ينصرف عن التفكير بتحكيم الإسلام في دولته مرة أخرى.
-
الغرب الكافر يخاف من عودة الإسلام السياسي ممثلا بخلافته، وهو يقبل بكل شيء سواها، وهو يعمل على تضليل المسلمين بمسميات المشاركة السياسية، وفصل الدين عن السياسة، والإسلام المعتدل، والدولة المدنية، والإسلام المتدرج، ودولة المواطنة وحقوق الأقليات، وغيرها من أحابيل الشيطان. والغرب وأتباعه يعملون على تشويه الخلافة، والتخويف منها، حتى لا ينادي بها أحد، ليست لأنها لا تصلح، بل لأنها الوحيدة التي ستقطع يده عن مقدراتنا وثرواتنا، وسترد كيده إلى نحره سياسياً واقتصادياً، ولأنها ستزيحه عن عرش العالم، وتهدم استعماريته.
3 . الديمقراطية الفاسدة الكاذبة ليست السبيل إلى وصول المسلمين إلى الحكم ليحكموا بكل الإسلام، والدليل ما حصل في مصر وغيرها ؟!
4 . الثورة في مصر مختطفة إلى الآن، وكل الثورات ستستمر حتى ترسو، بإذن الله، في محطة إقامة الخلافة، على أنقاض الأنظمة الجبرية في مصر، في تونس، في سوريا، وفي كل العالم. والالتفاف على الثورات لن يلبث إلا قليلاً حتى يعود الناس إلى وعيهم مرة أخرى، ويقيموا دولتهم الضائعة، دولة الخلافة، لا الدولة المدنية الديمقراطية التي يحاول الغرب، وعملاؤه العلمانيون أن يجعلوها بديلاً عن الدول الآيلة للسقوط في بلاد المسلمين.
5 . الطريق إلى دولة الخلافة تكون عن طريق وحيد: أن تقود الأحزاب الإسلامية المبدئية جموع المسلمين، ممثلين بقياداتهم السياسية والعسكرية، لأن يطبقوا الإسلام في دولته. وهذا معناه أن لا تتقاسم تلك الأحزاب الحكم مع أعداء الدين، كما حصل إلى الآن في تونس ومصر، لأن البديل سيكون دولة مشوهه لا تحكم بشيء من إسلام، ولا يزدهر فيها إلا الفساد والتآمر والعلمنة والخيانة والخنوع للكافر المستعمر ومشاريعه، وقبل ذلك كله، العجز الكامل عن تطبيق أي شيء في الإسلام.
-
الحل في مصر وغيرها هو أن يأخذ المسلمون الحكم كاملاً غير منقوص، بعد أن تصبح المطالبة بالحكم بالإسلام في خلافة رأياً عاماً قوياً لا يتحداه أحد، وبعد أن تتحد إرادة الأمة بإرادة ونصرة جيشها القوي، الذي يوصلها إلى تطبيق الإسلام بكامله، دون تمييع ولا مسايرة، ولا مداهنة لعملاء الغرب، من الحكام والسياسيين والإعلاميين، وكل الأوساط السياسية الفاسدة التي يجب أن تزول، أو تزال من المشهد السياسي. ولا شك أن دور الجيش المسلم في هذا الحل دور بارز، وهو الذي سينصر هذه الدولة ويحافظ على بقائها. إن الحل في مصر لا يكون بالمشاركة السياسية كما حصل بانتخاب محمد مرسي، بل بإيجاد حاكم يطبق كل نظام الإسلام، تؤيده جماهير الأمة الهادرة، وجيش مسلم مخلص، يعطيه النصرة، والولاء ليطبق الإسلام، دون لف ولا دوران ولا مواربة.
-
لا يوجد في الإسلام إسلام وسطي وإسلام متطرف، فالإسلام واحد ولا يقبل هذه التسميات، التي يراد منها مداهنة الغرب ومنافقته. وها هم أعداء الإسلام، في مصر وغيرها، ومنهم بشار الأسد، يقولون اليوم إن الإسلام الوسطي في مصر قد سقط، ليدللوا على أن ما يسمونه بـ «الإسلام المتطرف» أولى أن يسقط. ونحن نقول لكل هؤلاء: إن الإسلام السياسي لا يسقط بسقوط ما يسمى بالحركات الإسلامية المعتدلة، التي تعتنق الديمقراطية، ويستخدمها أعداء الدين. إن الغرب يريد إسلاميين (معتدلين) يتعايشون مع الكفر، ومع الأنظمة الغاشمة في بلاد المسلمين، إسلاميين لا يختلفون عن الليبيراليين العلمانيين إلا في الشكل. والناظر بتدبر في طروحات هذه الحركات الإسلامية، المحتواة من الأنظمة، يرى جلياً أنها لا تخلتف عن طروحات الحركات العلمانية، وكفانا تشويهاً للحقائق ولعباً بالألفاظ. كما أن أعداء الإسلام يحسبون أن ضربهم وتشويههم وإفشالهم لما يسمى بحركات الإسلام المعتدل (كما في حالة مصر) سيعطيهم أساساً ومسوغاً، من أجل ملاحقة المخلصين من أبناء المسلمين، من يعتبرونهم أصوليين إرهابيين، في غيرها من البلدان ؟! لكنهم لا يعلمون أن سقوط من يعتبرونهم معتدلين معناه شيء واحد: انتباه واصطفاف المسلمين مع المبدئيين من أبنائها، من أجل العمل الجاد باتجاه الخلافة، ولا شيء سواها.
-
إن تنظير وترويج من يسمون أنفسهم بحركات الإسلام الوسطي المعتدل لفكر التدرج، لتبرير مشاركتهم الحكم الجبري في الحكم قد سقط سقوطاً مدوياً، وتبرير هؤلاء لعدم تطبيق أحكام الإسلام بموضوع الظروف والأوضاع الداخلية، والأولويات وترتيب البيت الداخلي، وتهدئة الدهماء وإرضاء النفوس، وعدم إثارة المجتمع الدولي علينا، والمجاملة لقبول الآخر، واستيعاب الجميع… فإن كل هذا لم يقم عليه دليل، وهو ابتداع ما أنزل الله به من سلطان، ولا يبرر عدم تطبيق كل أحكام الإسلام، ويكفي حديث واحد في الموضوع لرد هذا الطرح السقيم، فقد أخرج ابن ماجة بإسناد رجاله ثقات عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله، عليه الصلاة والسلام، فقال: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ»، إلى أن قال: «وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ»، وهذا نصُّ في المسألة، ينهى نهياً جازماً عن التّخيُّر مما أنزل الله، والتدرج هو عين التخير، فيكون منهياً عنه نهياً جازماً. وإنا نسأل من يدعون إلى التدرج: هل سمعتم يوماً أن الغرب الكافر تدرج في تطبيق قوانينه ؟! الجواب لا، فهؤلاء يطبقون ما يشرعون فوراً، ولا يوجد أصلاً عند دول الغرب فكرة التدريج في تطبيق القوانين؟! فلماذا يجب أن تنتظر أحكام الإسلام لسنوات وسنوات حتى ندخلها الخدمة ؟ ألأنها أحكام الله عز وجل، وهي الصالحة لكل زمان ومكان؟ أم لسبب آخر؟ وأتساءل مرة أخرى: هل احتج أحد في الشرق والغرب على تطبيق قانون دولة ما إذا كان هذا القانون دنيوي علماني، ومن وضع البشر؟ والجواب: لا، فهل قوانين الله صعب أن نطبقها، إلا قليلاً قليلاً، وعلى مدى عقود وعقود، وقوانين البشر واجبة الالتزام الفوري ؟! هل اعترض أحد من أهل مصر، أو غيرهم، على قانون مبارك غير الإسلامي، أم كان التطبيق كاملاً وفورياً في كل مجال؟! إن فكرة التدريج في تطبيق الإسلام ما هي إلا وصفة غربية لعدم تطبيق الإسلام، وفقط الإسلام، على وجه الحقيقة. قال تعالى( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
-
إن تصوير المسألة في مصر، بعد عزل محمد مرسي، على أنها معركة بين مسلمين وكفار فيه تضليل، فالمسلمون المعتدلون، الذين وصلوا للحكم في مصر رضوا باقتسام الكعكة مع العلمانيين، وهم لم يطبقوا إسلاماً أثناء حكم رئيسهم، ولم يكن لهم سلطان فعلي في البلد، بدليل ما فعله الجيش بالرئيس، فأين كان الإسلام حينما كانت المشاركة، وقبل الانقلاب على (الشرعية) ؟! وأين كان الإسلام عندما كان القبول بالأحزاب العلمانية المأجورة للغرب ؟! أم أن الإسلام يتوسل به حين تذهب المكاسب والكراسي؟! أين كانت حمية الإسلام حين كان العلمانيون يطعنون فيه، ويشككون في أهليته ؟! لماذا لم يكن الرئيس مرسي يرد على كل جرائم هؤلاء؟ أبسبب أن الإسلام ضعيف ؟! أم حتى يظل الغرب والعلمانيون راضين عنه، وعن مشاركته الحكم؟ هل إذا عاد محمد مرسي رئيساً للعلمانيين…هل يتوقف وصفهم بـ«أعداء الإسلام والخونة والعملاء»؟ إن المسألة في مصر باتت مسألة محاصصة سياسية بين فريقين، كل يستخدم الدين حسب مصلحته.
-
على المسلمين اليوم أن يدركوا أن وصول، أو إيصال حركات الإسلام المعتدل إلى الحكم في بلاد المسلمين هدفه الأساس حرف الأمة عن التفكير الجاد للتغيير، والذي يكون فقط من خلال تحركها التحرك الرشيد، باتجاه تحكيم شرع الله في دولة الخلافة، لتكون التعبئة للفكر الإسلامي، لا للحركات، وحتى تدافع الأمة عن دولتها بعد أن تقوم، لا عن أحزابها وحركاتها. وعلى الأمة أن تدرك أن إيصال الإسلاميين دون إيصال الإسلام للحكم، لن يغير من حالها المتردي، وسيبقى على حالة الفوضى السياسية التي تسود الآن. إن الأنظمة الغاشمة في بلاد المسلمين راضية أن من أبناء المسلمين من لا يدعو للقضاء عليها، والتخلص من جرائمها في حق الإسلام والمسلمين، خدمة لأعداء الدين. والنظام الفاسد في بلاد العالم الإسلامي يستخدم أبناء هذه الحركات أبشع استخدام لاحتوائهم والترويج لهم، لصرف أنظار الناس عن العمل الإسلامي المبدئي. وهذا الاستخدام شوه صورة العمل الإسلامي، وأوجد انقسامات بين المسلمين حول قضايا هامشية، وضاعف من حجم الصعوبات التي تواجه حركة التغيير الصحيح. ولا شك أن مشاركة أبناء تلك الحركات الواقعية في الحكم طاعة للطواغيت، وركون إليهم وإطالة في أعمارهم، وهذا ما يميَّع الحل الصحيح، ويخلط فهم الناس عن النظام الفاسد، بعد أن يروا أبناء تلك الحركات يرتمون في أحضانه، متخذهم زينة يحلي بهم قبحه، وممرراً من خلالهم كفره وفجوره.
أخيراً أقول ما قاله عز وجل:( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وقوله تعالى( وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا).
أسأل الله العظيم أن يوفقنا لأن نستقيم على دينه ودعوته، حتى نلقاه وهو عنا راض. اللهم إنا نسألك الإخلاص الخالص لك في الفكر والعمل إنك سميع مجيب، اللهم احقن دماء اخواننا في مصر، وفي كل ومكان واهديهم سبيل الرشاد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
2013-10-29