الشرع الإسلامي يفرض على المسلمين أن تكون بلادهم موحدة في دولة واحدة، وأن تكون جميع شعوبهم موحدة في دولة واحدة تحت راية خليفة واحد. ويحرّم الشرع الإسلامي على المسلمين أن يكونوا ممزقين إلى دولٍ متعددة أو أن يكون لهم رؤساء متعددون.
ولكن الدول الكافرة خافت من وحدة المسلمين فمزقتهم إلى دويلات صغيرة ضعيفة متناحرة كي يسهل عليها أن تستعمرهم وتذلهم. وهكذا أصبح للمسلمين هذه الأيام 46 دولة دخلت في هيئة الأمم وأصبحت تتمتع بحماية القانون الدولي.
فإذا قامت دولة تريد توحيد البلاد الإسلامية قامت قائمة الدول الكافرة المستعمرة تزعم أن هذا مخالف للقانون الدولي، وتستصدر القرارات لمنع هذا التوحيد بالقوة. كما هو حاصل الآن بعد أن قام العراق بضم الكويت.
فكيف نشأ هذا القانون الدولي، ومن هي الدول التي أنشأته، ومن هي الدول التي تستثمره الآن؟ وهل لهذا القانون الدولي قيمة شرعية في نظر الشرع الإسلامي؟ وهل يحل لعالم مسلم أن يستند في فتاويه إلى شرعة الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن؟
فيما يلي بحث مأخوذ من كتاب: مفاهيم سياسية (ص 41 ـ 53) للشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله.
أما العرف الدولي فهو قديم قدم وجود الدول والإمارات والكيانات، هو مجموع القواعد التي نشأت من جراء العلاقات بين المجموعات البشرية في حالة الحرب وفي حالة السلم فصارت من جراء اتباع المجموعات لها أمداً طويلاً أعرافاً دولية ثم استقرت هذه المجموعة من القواعد لدى الدول وصارت الدول تعتبر نفسها ملتزمة بهذه الأعراف التزاماً طوعياً وصارت تلتزمها كالقانون وهذا الالتزام التزام طوعياً وصارت تلتزمها كالقانون وهذا الالتزام التزام معنوي وليس التزاماً مادياً وكانت المجموعات البشرية تتبعه طوعياً وخوفاً من الرأي العالم ومن لا يتبعه يتعرض لنقمة الرأي العالم ويعير في ذلك. ويعتبر من هذا القبيل أي من قبيل الأعراف الدولية اصطلاح العرب قبل الإسلام على منع القتال في الشهر الحرام، ولذلك فإن قريشاً أقامت النكير على الرسول صلى الله عليه وسلم حين قامت سرية عبد الله بن جحش بقتل عمرو بن الحضرمي وأسر رجلين من قريش وأخذ قافلة التجارة، أقامت قريش النكير على ذلك ونادت في مكان أن محمداً وأصحابه استحلوا الشهر الحرام وسفكوا فيه الدماء وأخذوا فيه الأموال وأسروا الرجال، فاستعدت الرأي العلم عليه لأنه خالف الأعراف الدولية.
وهكذا كانت بين جميع المجموعات البشرية قواعد متعارف عليها يتبعونها في الحرب والسلم ومنها الرسل أو من يسمون بالسفراء ومنها غنائم الحرب إلى غير ذلك، إلاّ أن هذه الأعراف منها ما هو عام تتبعها جميع المجموعات البشرية مثل السفراء أي الرسل ومنها ما هو خاص بمجموعات معينة، وكان هذا العرف يتطور وفقاً لحاجات الدول والإمارات والكيانات أي وفقاً لحاجات المجموعات البشرية في علاقاتها مع بعضها كمجموعات. فكانت هذه الأعراف الدولية يحتكم إليها الناس للرأي العام ويعير بمخالفتها فكانت تتبع طوعاً واختياراً بالتأثير المعنوي ليس غير ولم تكن هنا قوة مادية تطبقها، فاستناداً إلى هذه الأعراف كانت تقوم أعمال سياسية من قبل المجموعات البشرية.
وأما ما يسمى بالقانون الدولي فإنه نشأ ووجد ضد الدولة الإسلامية حين كانت تتمثل في الدول العثمانية، وذلك أن الدول العثمانية بوصفها دولة إسلامية قامت بغزو أوروبا وأعلنت الجهاد على النصارى في أوروبا وأخذت تفتح بلادهم بلداً بلداً فاكتسحت ما يسمى باليونان ورومانيا وألبانيا ويوغوسلافيا والمجر والنمسا حتى وقفت على أسوار فينا وأثارت الرعب في جميع النصارى في أوروبا ووجد عرف عام لدى النصارى أن الجيش الإسلامي لا يغلب وأن المسلمين حين يقاتلون لا يبالون بالموت لاعتقادهم بأن لهم الجنة إذا قتلوا ولاعتقادهم بالقدر والأجل، وقد رأى النصارى من شجاعة المسلمين وشد فتكهم ما جعلهم يفرون من وجههم مما سهل على المسلمين اكتساح البلاد وإخضاعها لسلطان الإسلام، وكان النصارى الأوروبيون في هذا العصر عبارة عن إمارات وإقطاعيات فكانت دولاً مفككة كل دولة مفككة إلى إمارات يحكم كلاً منها سيد إقطاعي يقاسم الملك في السلطان مما جعل الملك لا يستطيع إجبار هذه الإمارات على القتال ولا يملك التعبير عنها أما الغازين وفي كل ما يسمى بالشؤون الخارجية فسهل ذلك على المسلمين الغزو والفتح، وظل حال الدول الأوروبية كذلك حتى العصور الوسطى أي حتى نهاية القرن السادس عشر، وفي القرن السادس عشر أي في العصور الوسطى أخذ الدول الأوروبية تتجمع لتكون عائلة واحدة تستطيع أن تقف في وجه الدولة الإسلامية، وكانت الكنيسة هي التي تسيطر عليها والدين النصراني هو الذي يجمعها، لذلك أخذت تقوم بمحاولات لتكوين عائلة نصرانية من مجموعة الدول، وأخذوا يحددون العلاقات بينهم فنشأ عن ذلك قواعد اصطلحوا عليها لتنظيم علاقاتهم مع بعضهم فكان ذلك أو نشوء ما سمى فيما بعد بالقانون الدولي، فأساس نشأة القانون الدولي أن الدول الأوروبية النصرانية في أوروبا تجمعت على أساس الرابطة النصرانية من اجل الوقوف في وجه الدولة الإسلامية فأدى ذلك إلى نشوء ما يسمى بالأسرة الدولية النصرانية، واتفقت على قواعد فيما بينها منها التساوي بين أفراد هذه الدول بالحقوق ومنها أن لهذه الدول نفس المبادئ والمثل المشتركة ومنها أن جميع هذه الدول تسلم للبابا الكاثوليكي بالسلطة الروحية العليا على اختلاف مذاهبها، فكانت هذه القواعد نواة القانون الدولي. إلاّ أن اجتماع هذه الدول النصرانية لم يؤثر فإن القواعد التي اتفقت عليها لم تستطع جمعها، فإن نظام الإقطاع ظل حائلاً دون قوة الدولة ودون تمكينها من مباشرة العلاقات الخارجية، وكان تسلط الكنيسة على الدول جاعلاً لها تابعاً من توابع الكنيسة وسالباً منها سيدتها واستقلالها، ولذلك حصل صراع في الدولة لكي تتغلب على أمراء الإقطاع وانتهى بتغلب الدولة وزوال نظام الإقطاع، وفي نفس الوقت حصل صراع بين الدولة والكنيسة أدى إلى إزالة سلطة الكنيسة عن الشؤون الداخلية والخارجية للدولة بعد أن كانت الكنيسة تتحكم فيها، ولكن ظلت الدولة نصرانية وكل ما في الأمر أنها نظمت علاقة الدولة بالكنيسة على شكل يؤكد استقلال الدولة. وقد أدى هذا إلى وجود دولة قوية في أوروبا ولكنها مع ذلك لم تستطع الوقوف في وجه الدولة الإسلامية وظل الحال كذلك حتى منتصف القرن السابع عشر أي حتى 1648، وفي هذه السنة عقدت الدول الأوروبية النصرانية مؤتمراً هو مؤتمر وستفاليا وفي هذه المؤتمر وضعت القواعد الثابتة لتنظيم العلاقات بين الدول الأوروبية النصرانية ونظمت أسرة الدول النصرانية في مقابلة الدولة الإسلامية، فقد وضع المؤتمر القواعد التقليدية لما يسمى بالقانون الدولي ولكنه لم يكن قانوناً دولياً عاماً وإنما كان قانوناً دولياً للدول الأوروبية النصرانية ليس غير، ويحظر على الدولة الإسلامية الدخول في الأسرة الدولية أو انطباق القانون الدولي عليها، ومن ذلك وجد ما يسمى بالجماعة الدولية وكانت تتكون من الدول الأوروبية النصرانية جميعاً بلا تمييز بين الدول الملكية والدول الجمهورية أو بين الدول الكاثوليكية والدول البروتستانتية. وكانت قاصرة على دول غرب أوروبا في أول الأمر ثم انضمت إليها فيما بعد سائر الدول الأوروبية النصرانية ثم شملت الدول النصرانية غير الأوروبية ولكنها ظلت محرمة على الدول الإسلامية إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث أصبحت الدولة الإسلامية في حالة هزال وسميت بالرجل المريض، وحينئذ طلبت الدولة العثمانية الدخول في الأسرة الدولية فرفض طلبها ثم ألحت بذلك إلحاحاً شديداً فاشترط عليها شروط قاسية منها عدم تحكيم الإسلام في علاقاتها الدولية ومنها إدخال بعض القوانين الأوروبية فقبلت الدولة العثمانية هذه الشروط وخضعت لها وبعد قبولها أن تتخلى عن كونها دولة إسلامية في العلاقات الدولية قبل طلبها وأدخلت الأسرة الدولية عام 1856 ميلادية ثم بعد ذلك دخلت الأسرة الدولية دول أخرى غير نصرانية كاليابان. ولذلك يعتبر مؤتمر وستفاليا الذي عقد عام 1648 هو الذي نظم القواعد التقليدية للقانون الدولي وبناء على قواعده هذه وجدت الأعمال السياسية بشكل متميز ووجدت الأعمال الدولية الجماعية.
وكان من أبرز هذه القواعد فكرتان خطيرتان إحداهما فكرة التوازن الدولي والثانية فكرة المؤتمرات الدولية، أما فكرة التوازن الدولي فهي تقضي بأنه إذا حاولت إحدى الدول التوسع على حساب الدول الأخرى فإن سائر الدول تتكتل بينها وبين التوسع محافظة على التوازن الدولي الذي هو كفيل بمنع الحروب وانتشار السلام، وأما فكرة المؤتمرات الدولية فإن المؤتمر يتألف من مختلف الدول الأوروبية وينعقد لبحث مشاكلها وشؤونها على ضوء المصالح الأوروبية ثم تطورت هذه الفكرة إلى مؤتمرات الدول الكبرى التي تنعقد للنظر في شؤون العالم على ضوء مصالح هذه الدول الكبرى. وهاتان الفكرتان كانتا أساساً لما يعانيه العالم من الصعوبات التي يلاقيها في سبيل رفع سلطة الدول الاستعمارية والدول الكبرى.
وأول مرة استعملت فيها هاتان الفكرتان كانت في أيام نابليون في أوائل القرن التاسع عشر، فحين قامت الثورة الفرنسية ونشرت الأفكار التي تقوم على الحرية والمساواة وعلى الاعتراف بحقوق الأفراد وحقوق الشعوب استطاعت أن تغير الخريطة السياسية لأوروبا وأن تنشئ دولاً جديدة وأن تفنى دولاً قديمة حينئذ تجمعت الدول الأوروبية بحجة التوازن وتألبت على فرنسا، وبعد أن هزم نابليون اجتمعت هذه الدول في مؤتمر فينا عام 1815 ونظرت في إعادة التوازن، وتنظيم شؤون العائلة الدولية النصرانية فأعيدت الملكية إلى بروسيا والنمسا وأقيم اتحاد فدرالي بين السويد والنرويج وضمت بلجيكا إلى هولندا لتكونا دولة واحدة تحول دون التوسع الفرنسي ووضعت سويسرا في حياد دائم. ولتنفيذ قرارات هذا المؤتمر عقد الدول المشتركة في المؤتمر تحالفاً فيما بينها وهو حلف ملوك بروسيا وروسيا والنمسا بموافقة ملك أميركا ثم انضمت إليه فرنسا أي تحالف بين الدول الكبرى للسيطرة على الدول الأخرى. ثم في 1818 عقدت معاهدة اكس لاشابل بين روسيا وإنجلترا وبروسيا والنمسا وفرنسا والتي اتفقت فيها هذه الدول على التدخل المسلح لقمع أي حركة ثورية تهدد النتائج التي انتهى إليها مؤتمر فينا. وهكذا جعلت الدول الخمس الكبرى من نفسها الهيئة الحامية للأمن والنظام في الجماعة الدولية أي في الأسرة الدولية النصرانية ثم وسعت سلطتها فشملت بعض الأقطار الإسلامية بعد أن ضعفت الدولة العثمانية. وقد قامت هذه الدول بعدة تدخلات بحجة المحافظة على السلام، فتدخلت في نابلي 1821 وتدخلت في أسبانيا 1827 وفي البرتغال 1826 وفي مصر 1840. وقد حاولت هذه الدول الكبرى أن تتدخل في أميركا فحاولت مساعدة أسبانيا على استرداد مستعمراتها في أميركا ولكن الولايات المتحدة وقد أصبحت دولة قوية يحسب لها حساب حالت دون ذلك فأصدر رئيس الولايات المتحدة الأميركية جيمس مونرو تصريحه المشهور والمعروف بتصريح مورنو وذلك عام 1823 وقد قال فيه (( أن الولايات المتحدة الأميركية لا تسمح لأية دولة أوروبية بالتدخل في شؤون القارة الأميركية واحتلال أي جزء منها )) فارتدعت هذه الدول عن التدخل.
هذا هو أصل القانون الدولي وهذا هو الذي أوجد المبررات للتدخل وأتاح للدول الكبرى أن تتحكم في الدول الأخرى وهذا هو الذي إليه تستند الأعمال السياسية التي تقوم فيها الدول لقضاء مصالحها أو لمزاحمة الدولة الأولى. إلاّ أن هذه القواعد الدولية قد طرأ عليها شيء من التحويل ولكنه كله تحويل في صالح الدول الكبرى ومن أجل تنظيم مطامعها أو بعبارة أخرى تقسيم منافع العالم فيما بينها على وجه لا يؤدي إلى الحروب والنزاع المسلح. فإن القرن التاسع عشر الميلادي كان عصر الاستعمار فاندفعت فيه الدول في العالم تستعمر البلدان الضعيفة فكان ينشأ من جراء هذا الاستعمار نزاع لم يصل إلى حد الحرب الكبيرة ولكن لما تبين لإنجلترا وفرنسا وروسيا أن الحزب بقوتها الجبارة صارت تهددها ورأوا أنها ستأخذ بترول البلاد الإسلامية في العراق وتهدد أميركا في بترول إيران والجزيرة العربية اتفقت هذه الدول الثلاث ضد الحزب مصلحة عليها الحرب، ودخلت الدولة العثمانية الحرب بجانب الحزب ضد الحلفاء فكان النصر للحلفاء إلاّ أن روسيا خرجت من هذا الحلف فظلت فرنسا وإنجلترا وأميركا، أما أميركا فقد رجعت إلى عزلتها فظل الميدان بين أميركا وفرنسا فقامت هاتان الدولتان من أجل تنظيم الاستعمار بينهما ومنع وجود النزاع المسلح بإنشاء عصبة الأمم وذلك لتنظيم شؤون الدول ومنع الحروب فيما بينها، إلاّ أن عصبة الأمم فوق كونها نشأت في جو غريب من التناقض فإنها صارت تتعثر لأن سياسة الدول الكبرى لم تتغير فكان هم كل منها في مؤتمر الصلح تحقيق التوازن بين القوى المختلفة وحماية مصالحها اقتسام ممتلكات الحزب والدول العثمانية فلم تقبل الدول الاستعمارية أي مساس بسيادتها واحتفظت بمستعمراتها وأضافت إليها نوعاً جديداً من المستعمرات سمي باسم خداع ( الدول تحت الانتداب ) وكان من أثر هذا أن تعثرت عصبة الأمم في محاولاتها للتوفيق الدولي واستتباب الأمن، وقد حاولت عقد اتفاقات دولية لضمان السلم أي لضمان عدم نزاعها على المستعمرات فوضع تحت كنف العصبة بروتوكول جنيف 1924 والغرض منه تسوية المنازعات بالطرق السلمية وفرض الرجوع إلى التحكيم الإجباري ووضعت اتفاقيات لوكارنو 1925 وقد قررت الضمان المتبادل المساعدات المشتركة ووضع ميثاق بريان كيلوج 1928 وقد حرم الالتجاء إلى الحرب وميثاق جنيف 1928 وكان خاصاً بالتحكيم الإجباري، ولكن جميع هذا الاتفاقيات لم تستطع أن تحول دون فشل عصبة الأمم في مهمتها واندلعت تحت سمعها وبصرها عدة حروب منها الحرب الصينية اليابانية 1933 والحرب الإيطالية الحبشية 1936، وغزو الحزب للنمسا 1938 وغزوها لتشيكوسلوفاكيا 1938، ثم لبولندا 1939 إلى أن نشبت الحرب العالمية الثانية 1939.
هذا هو التحول الذي طرأ على العلاقات الدولية فتحولت من مؤتمرات إلى منظمة دولية تقوم هي على حفظ الأمن الدولي ولكن هذا التطور لم يغير شيئاً وظلت الدول الكبرى تتنازع على المغانم إلى أن وقعت الحرب العالمية الثانية وبعد الحرب العالمية الثانية رأت الدول الكبرى أن إنشاء منظمة دولية هو خير وسيلة لتنظيم العلاقات فيما بينها وجعلتها في أول الأمر منظمة للدول التي دخلت الحرب ثم وسعتها وجعلتها منظمة عالمية يتاح دخولها لجميع دول العالم. ونظمت العلاقات الدولية بميثاق هذه المنظمة، وبهذا تكون العلاقات الدولية قد تحولت من مؤتمر للدول الكبرى للسيطرة على العالم وتوزيع المغانم بينها والحيلولة دون نشوء دولة كبرى غيرها، تحولت إلى منظمة دولية لتنظيم العلاقات بينها وضمان سيطرة الدول الكبرى ثم إلى منظمة دولية تصبح كدولة عالمية تنظم شؤون دول العالم وتسيطر عليها أي أن الموقف الدولي كان متمثلاً في الدول الأربع الكبرى : بروسيا، وروسيا، والنمسا، وإنجلترا. فلما حاولت فرنسا زحزحة هذه الدول عن مركزها وغيرت خريطة العالم وغيرت الموقف الدولي وصارت الدولة الأولى تألبت عليها الدول الكبرى الأخرى وقضت على مطامعها ثم أشركتها معها بالسيطرة على العالم وصار الموقف الدولي متمثلاً في هذه الدول الخمس وأخذت أميركا تبرز شيئاً فشيئاً حتى صارت الدولة الأولى، ولما حاولت الحزب مزاحمة الدولة الأولى والظفر بنفط البلاد الإسلامية اتفقت أميركا وفرنسا وروسيا عليها وحاربتها وقضت على مطامعها وانفردت باستعمار أكثر أجزاء العالم وكانت حصة أميركا هي حصة الأسد وأرضت فرنسا بفتات المائدة وبإعطائها بعض المستعمرات وصار الموقف الدولي متمثلاً في أميركا وفرنسا ومعهما إيطاليا إلاّ أن أميركا ظلت هذه الدولة الأولى ثم وجدت عصبة الأمم وكانت الغاية الحقيقية من إيجادها هي المحافظة على مركز الدولة الأولى ومنع دول أخرى من أن تزاحمها ومنع أية دولة أخرى من أن تصبح دولة كبرى وإن كانت أنشئت تحت حجة حفظ السلام العالمي، ولما حاولت الحزب مرة أخرى مزاحمة الدولة الأولى وصارت دولة كبرى اتفقت عليها أميركا وفرنسا في أول الأمر ثم أميركا وفرنسا وروسيا وأميركا وشنوا عليها الحرب العالمية الثانية حتى قضوا عليها. إلاّ أن نتيجة الحرب هذه المرة كانت ضد أميركا فقد خرجت من الحرب محطمة الأضلاع والدولة التي خرجت منتصرة إنما هي أميركا ولذلك تحولت القوة الدولية من يد أميركا إلى يد أميركا فصارت أميركا هي الدولة الأولى وصار الموقف الدولي متمثلاً في أن أميركا هي الدولة الأولى وأن روسيا هي التي تزاحمها وأن أميركا وفرنسا دولتان من الدرجة الثانية أي دولتين ثانويتين في الموقف الدولي¨