المسلم يعرف أن الله لم يخلقه عبثاً، بل خلقه لحمل الأمانة على عُرضت عليه فقبلها، لذلك فهو إن قصر في حمل هذه الأمانة فسوق يعاقب على تقصير، لهذا فهو مكلف بحمل رسالة معينة على الوجه الذي حدده الشرع، ولا يصطدم حمل الرسالة مع تأمين سبل العيش إلا إذا جُعل من تأمين سبل العيش غاية وجعل حمل الرسالة وسيلة، وهذا ما يقع فيه الكثيرون، مع العلم أن العكس هو المطلوب، أي أن يُفرّق بين القضايا الفردية الثانوية، أو أن يكون حمل الرسالة هو مركز التنبّه وليس رغيف الخبز، وأن يكون حمل الرسالة هو قطب الرحى وما عداه شأناً ثانوياً.
وإذا طبقنا ما سبق على واقع حال المسلمين نجد أن موقف المسلمين من غزو أميركا وباقي الأساطيل للخليج كان الطاغي عليه تغليب الرغيف على الرسالة، وتغليب السلامة الفردية على سلامة الرسالة وأهلها، فالجهات التي تأتمر بأمر الحكام وتتلقى المساعدات منهم كانت مواقفها موافقة لما يريده الحكام، ومناقضة لما تريده الرسالة وحمل الأمانة، وهذا عكس ما يجب أن يكون، ومناقض للشرع، أي لأوامر الله سبحانه وتعالى حيث يقول: ]وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً[ ويقول: ]وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ[ وهؤلاء الذين نعنيهم قبلوا أن يكون للكافرين سبيلاً على المؤمنين، وقبلوا على أن يتولاهم الكفار عسكرياً وأمنياً وفي السياسة الخارجية والسياسة الاقتصادية.
مثال آخر نسوقه في ظل تفشي ظاهرة الهجرة بشكل وبائي، ففي حين تطلب الرسالة من الأجيال الشابة العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وطرد الكفار وجيوشهم وعملائهم من بلاد المسلمين، وبالتالي التحكم في ثروات المسلمين وإنفاقها في جميع مرافق الحياة التي لا تُبقي عاطلاً عن العمل ولا تبقي محتاجاً يفكر في الهجرة لتوفير الرغيف، بدل ذلك نجد هذه الأجيال الشابة تُغلّب الرغيف (مع التسليم بضرورته) على الرسالة لكن الرغيف ليس هو مطلوبهم فعلاً، فليس هنالك مجاعة وموت من الجوع لكن الطموحات الرأسمالية والتفكير الرأسمالي الذي انطبعوا به منذ الصغر جعلهم يفكروا بأنه إذا لم يكن أحدهم يملك جميع وسائل الراحة التي يملكها الإنسان الغربي فإنه غير جدير بالحياة وسيد البشر صلى الله عليه وسلم يقول لنا: «من بات آمناً في سربه معافاً في بدنه عنده قوت يومه فكأنما زُويت له الدنيا» ومن منا ليس عند قوت يومه، ثم لماذا نختار الهجوم إلى الوراء بدل الهجوم إلى الإمام، أي لماذا يهجم الشباب المسلم إلى دول الكفر لتتصدق عليه بنذر يسير مما فاض عن ثرواتنا التي سرقها من بلادنا، فالموقف السليم يقتضي أن يهجم الشباب لتخليص الثروات من محتكريها ومبذريها وسماسرتها الذين يسلمونها للغرب على طبق من ذهب، وبذلك يضمون الرغيف الذي يمكنهم من حمل الرسالة إن أصروا على أهمية الرغيف، فالرغيف ليس قضية إلا بمقدار المحافظة على النفس من الهلاك جوعاً أما حمل الرسالة فهو سر وجودنا في الحياة¨