بسم الله الرحمن الرحيم
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة: 51 ـ 52).
نقرأ هذه الآيات المباركات وعيينا تراقب ما يجري في الخليج الآن. القرآن لم ينزل لوقت فقط بل نزل لكل زمان ومكان ولكل الناس. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي».
يقول ابن كثير رحمه الله: (ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى الذين هم أعداء الإسلام وأهله، قاتلهم الله. ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض. ثم تهدد وتوعّد من يتعاطى ذلك فقال: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) الآية. قال ابن أبي حاتم… إن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد وكان له كاتب نصراني فرفع إليه ذلك، فعجب عمر وقال: إن هذا لحفيظ، هل أنت قارئ لنا كتاباً في المسجد جاء من الشام؟ فقال: إنه لا يستطيع. فقال عمر: أَجُنُبٌ هو؟ قال: لا، نصراني. قال: فانتهرني وضرب فخذي، ثم قال: أخرجوه ثم قرأ: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ) الآية).
وهذا التصرف من عمر رضي الله عنه ليس لمجرد كون النصراني موظفاً (كاتباً) عند أحد الولاة، بل لأنه موظف في مركز حساس يستطيع منه أن يعرف أسرار الوالي، أي أن الوالي جعله من بطانته وأوليائه المقربين، ولا يجوز للحاكم المسلم أن يتخذ بطانة من غير المسلمين (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ).
حكام السعودية الآن وحكام الخليج يقولون عن أميركا وبقية الدول الغربية النصرانية بأنها دول صديقة وفتحوا لها مطاراتهم ومرافئهم وقواعدهم وبلادهم ووضعوا بتصرفها كل أسرار البلاد وخطط الدولة وما فيها من عباد وعتاد، وسلموها مقاليد الأمور، لأنهم يخشون أن تصيبهم دائرة. والأنكى من ذلك أن يقوم العلماء بإصدار فتوى بأن هذا العمل يجيزه شرع الإسلام! ابن الخطاب الذي انتهر أبا موسى وضرب فخذه لأنه قرَّب كاتباً نصرانياً، ماذا كان سيفعل بهؤلاء العلماء الذين أفتوا ليس بموالاة النصارى فقط بل بتسليمهم كل ما في البلاد؟ إنه كان سيرجمهم.
قال ابن كثير: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شك وريب ونفاق يسارعون فيهم، أي يبادرون إلى موالاتهم ومودتهم في الباطن والظاهر (يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) أي يتأولون في مودتهم وموالاتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر الكافرين بالمسلمين فتكون لهم أيادٍ عند اليهود والنصارى فينفعهم ذلك. عند ذلك قال الله تعالى: (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) أي فتح مكة وضرب الجزية على اليهود والنصارى (فَيُصْبِحُوا) يعني الذين والوا اليهود والنصارى من المنافقين (عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ) من الموالاة (نَادِمِينَ) أي على ما كان منهم مما لم يُجْدِ عنهم شيئاً ولا دفع عنهم محذوراً بل كان عين المفسدة).
قال في سيرة ابن هشام في سبب نزول هذه الآيات: (لما حاربت بنو قينُقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي بن سلول وقام دونهم. ومشى عُبادةُ بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحد بني عوف لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبد الله بن أبيّ، فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبرّأ إلى الله عز وجل، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم من حلفهم، وقال: يا رسول الله، أتولّى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم. قال: ففيه وفي عبد الله بن أُبيّ نزلت هذه القصة من المائدة: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ) الآيات إلى قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ) ¨