أمل صالح
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً). الحمد لله الذي استفتح سورة النساء بقوله: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً).
سبحنه وتعالى خلق البشرية من نفس واحدة، وخلق منها زوجها. وجعل لكل منهما خواصٌّ تتناسب مع معنى وجوده في الحياة، والدور الموكل إليه للقيام به، لتستكمل الحياة دورتها على الوجه الذي أراده لها خالقها. فليس للرجل أن يقوم بدور المرأة، ولا أن يتشبه بها، وليس للمرأة أن تقوم بدور الرجل أو أن تتشبه به. بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الرجال المتشبهين بالنساء، والنساء المتشبهات بالرجال.
ولهذا كان لا بد أن يعرف كل منهما دوره ومعنى وجوده وحدود مسؤولياته معرفة تجعله يسير في الطريق السوي، وتؤدي بالتالي إلى السكينة والمودة والرحمة التي أشارت الآية إليها.
إلا أن التباس هذا المفهوم في نفوس الناس ـ بالرغم من وضوحه ـ تجاوز كل من الرجل والمرأة حده في تصرفاته، وفساد النظام الذي ينتظم حياة الناس، وكثرة المضللين من الذين بهرت عيونهم مدنية الغرب، وتخبط المفكرين والمصلحين في وضع المعالجات الصحيحة، أدّى إلى ما نراه اليوم في مجتمعنا من تجاوزات وانحرافات أفقدت المرأة كرامته، وانحدرت بها عن المنزلة التي رفعها الله إليها، حيث أن القاعدة الشرعية المتعلقة بهذه المسألة تقول: «المرأة أمٌّ وربة بيت وعِرض يجب أن يصان» هذه هي القاعدة المثلى التي بجب أن تتخذ أساساً لمعالجة هذه المشكلة.
إن الفتاة ـ شاءت أم أبت، صرحت بذلك أم لم تصرح ـ تسعى للوصول مملكتها الصغيرة: ربة بيت ثم أم تقوم على رعاية تلك الإمارة المحددة. ولكن الطريق الموصل إلى هذه النتيجة الحتمية، طريق شاق وشائك ولذلك نصت القاعدة الشرعية بوجوب صيانتها والمحافظة عليها أثناء سيرها للوصول إلى غايتها. وجعلت الوجوب لا على الفتاة فحسب بل على الرجل أيضاً. فجعلتها عرضاً يجب أن صيانته، على الرجل، أباً كان أو أخاً أو قريباً أو مطلق رجل. كما أوجبت على ولي الأمر صيانة ذلك العِرض وفرضت العقوبات الزاجرة التي تصل إلى حدّ الموت رجماً بالحجارة وعلى مشهد من الناس. بل وأوجبت العقوبة الزاجرة على من يتجرأ ويقذف فتاة بعرضها، فجعلت عقوبته ثمانين جلدة، وحرمانه من أداء أي شهادة. إذ لا تقبل له شهادة ]وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا[ النور.
إلا أن إهمال هذه الرعاية من الدولة والأهل والمدرسة، وطغيان أفكار الضلال، وغياب تلك القاعدة عن الأذهان أسلم الفتاة إلى اتباع هواها، فالدولة بنظمها جعلت للفتاة حرية التصرف، وقدم لها القانون حماية كاملة حين تقوم بالفاحشة برضاها. وهيأ لها جميع المؤثرات والمثيرات الغريزية بكل وسائل الإعلام كالتلفزيون وغيره،وأوجب عليها الاختلاط مع الرجال الأجانب في أدق مراحل حياتها. هذا من حيث الرعاية العامة: رعاية الدولة. وأما رعاية المدرسة فهي الجانب العملي من رعاية الدولة والوسيلة الفعالة في الفساد والإفساد. ناهيك عن المناهج وما تتضمنه، أو على الأقل خلوها من إشارة توضح هذه القاعدة الشرعية، أو تبين دور المرأة في المجتمع. اللهم إلا ما وضعه المضللون أمثال قاسم أمين.
وأما رعاية الأهل فهم بين متزمّت صوّر الرجل بأنه بعبع مخيف، فلا يجوز الالتقاء به أو الحديث معه ومتحرر ترك العنان تتصرف كما يحلوا لها، وقد بخل عليها بكلمة توجيه أو إرشاد تبيّن لها الخطأ من الصواب. وبين الإفراط والتفريط تاهت الفتاة. فهذه تعاني من مركب نقص تريد أن تثبت وجودها وأنها قادرة على أن تفعل ما تشاء وتعاشر من تشاء وتعادي من تشاء لا يهمها إلا أنها أصبحت محط أنظار الناس.
وأخرى دفعتها نزوة جامحة لأن تشبع جوعتها مع أي إنسان يحقق لها تلك الرغبة. وثالثة تريد أن تكتشف المجهول الممنوع الذي حذروها من لقائه. وتلك بنت أملها على فارس أحلامها الذي رسمته في مخيلتها، فجذبها بمعسول كلام انجذاب الفراشة إلى الشمعة فتحترق. تسابق الشبان والفتيات في اقتناص لذات عابرة كانت الفتاة نتيجة لذلك كبش المحرفة، فحملها المجتمع والأهل مسؤولية ما وصلت إليه، ناسين أو متناسين مسؤوليتهم عن ذلك. حتى ذلك الشاب الذي خدعها أو أغراها يرفض أن يقترن بها، ويربأ بنفسه أن تكون له زوجة، إنه لا يقبل أن تكون زوجته متى عاشرت أحداً، ولو كان هو نفسه.
إن وضوح تلك القاعدة: «المرأة أمٌّ وربة بيت وعِرض يجب أن يصان». وجعلها الخبز اليومي في حياتنا، لتبلغ من تفكيرنا حد الإيمان، وجعلها مقياساً لتفكيرنا، وأساساً لمعالجاتنا وقناعة لا تقبل النقاش، يجعل الفتاة تدرك معنى وجودها في الحياة، والغاية التي تسير إليها. وتجعل الطريق الموصل لتلك الغاية سالكاً آمناً، حين نؤمّن نحن الصيانة لهذا الأمر، كيف لا ونحن نؤمن بقوله صلى الله عليه وسلم: «ومن قتل دون عرضه فهو شهيد». إنّ صيانة العرض تصل حد الاقتتال والقتل، وما من فتاة إلا وهي عرض يجب صونه والمحافظة عليه، وذلك بالأخذ بالأحكام التي تؤمن الطريق وترشد إلى الصواب وتمنع من تقديم اللحم للهر. كأحكام اللباس وأحكام الاختلاط وغير ذلك من الأحكام التي تمنع التأثير والإثارة. هذا هو الطريق القويم كما أراه¨