لثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً من بيت أبي بكر رضي الله عنه إلى غار ثور بأسفل مكة، حيث مكث خفية ثلاثة أيام. خرج من الغار في الأول من ربيع الأول. ودخل المدينة يوم الاثنين 12 ربيع الأول. وقد أرّخ المسلمون فيما بعد للهجرة من أول شهر محرم من السنة نفسه، أي أن التاريخ يسبق الهجرة بحوالي شهرين.
هناك فرق بين هجرة المسلمين إلى الحبشة وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين إلى المدينة. الهجرة الأولى كانت حفاظاً على عقيدتهم خشية أن يفتنوا عنها جراء إساءات المشركين. أما هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فجاءت بعد بيعة العقبة حيث بايعه الأنصار رضي الله عنهم على السير معه ولو كان في قتل الأشراف وهلاك الأموال ومعاداة الناس.
لم تكن هجرته صلى الله عليه وسلم هرباً وطلباً للنجاة فالرسل تأتمر بأمر ربها ولا تهرب. ولكن هجرته كانت لإقامة الدولة الإسلامية في المدينة بعد أن رفض ذلك مجتمع مكة ومجتمع الطائف وأذِنَ الله لأهل يثرب أن يناول هذا الشرف وهذا الثواب فكانوا هم الذي آووْا ونصروا.
الهجرة في أيامنا هذه تكون فرضاً على المسلم، وقد تكون ندباً وقد تكون مباحاً وقد تكون حراماً. فالمسلم الذي يعيش في دار كفر يستحب له أن يهاجر ولو إلى دار كفر أخرى لا يوجد فيها تضييق عليه في دينه.
أما المسلم الذي يعيش في دار كفر ويغلب على ظنه أنه سيقع في الحرام، هو أو بعض أهله، جراء عيشه في هذه الدار فإنه مفروض عليه أن يهاجر إلى دار أخرى ولو كانت دار كفر ما دام يغلب على ظنه أنه لا يقع في الحرام.
ما هو حكم الهجرة التي تكتسح كثيراً من بلاد المسلمين ومنها لبنان، هذه الأيام؟
هناك هجرة إلى ألمانيا والدانمارك والسويد وكندا وأميركا وغيرها.
الذي يذهب للعلم جائز إذا كان يأمن عدم الوقوع في الحرام. ونحن نعلم أن غالبية الشباب الذين يذهبون إلى بلاد الكفر هذه يغطسون في المعاصي إلا من رحم ربي.
الذي يذهب للعمل جائز أيضاً، إذا كان يأمن عدم الوقوع في الحرام.
الذي يذهب ليكون عالةً على أهل تلك البلاد تُكره شرعاً هجرته. لأن الإسلام يحض على العمل وينهى عن الكسل. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الكسل: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل…» الحديث. ويقول: «لأن يأخذ أحدكم حبله وفأسه فيحتطب… خير من أن يسأل الناس…» الحديث.
أما إذا كان المسلم يغلب على ظنه أن هجرته إلى بلاد الكفر تلك ستوقعه أو توقع أهله في الحرام فإنه يحرم عليه أن يهاجر إلى تلك البلاد.
ومقياسنا هنا في حكم الهجرة هو الأحكام الشرعية وطاعة الله والبعد عن المحرمات سواء كانت هذه المحرمات تصيب العقيدة والأفكار أو تصيب الأخلاق والسلوك.
وليس مقياسنا هو مقياس الوطنية المجردة عن الحكم الشرعي.
الموارنة في لبنان يحارون الهجرة كي لا يصبح عددهم في لبنان قليلاً وتصبح حصتهم في الحكم صغيرة. أي هم ينطلقون من منطلق الوطن والأرض.
المسلم مقياسه الشرع وليس الأرض.
إذا كان المسلم لا يفرّط بالقدس أو بمكة أو بعمّان أو بيروت أو بأية أرض من بلاد المسلمين فليس حباً للأرض وتعلقاً بالأرض بل حباً لله وتعلقاً بشريعة الله التي تحرم عليه أن يفرّط للكفار ببلاد المسلمين