مآخذ جديرة بالمراعاة
1990/02/07م
المقالات
2,155 زيارة
الاخوة في مجلة الوعي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… وبعد.
الملاحظ في المقالات التي تنشر في المجلة أنها لا تحتوي إلا على أفكار نقية صافية مبلورة لا يشوبها ما هو غريب عنها إلا ما ندر.
لقد حصل في بعض الأعداد، أن نشرت مقالات، تحتوي على أفكار مغلوطة. إنني أعرف أن بعضها قد نشرت باعتبارها رأياً لصاحبها أو كاتبها، وأن المجلة عندئذ لا تكون مسؤولة عن الأخطاء الواردة فيها، وأن نشرها إنما كان لأهمية فكرة أو أفكار تحتويها. إلا أن بعض المقالات احتوت على أفكار خاطئة أكثر احتوائها على أفكار صحيحة جديرة بالنشر. وأشد ما لفت نظري مما ينطبق عليه هذا الوصف، مقالة مأخوذة من كتابات (سيد قطب) رحمه الله تعالى، وقد حوت كثيراً من الأفكار غير الصحيحة، وذلك في العدد (32). وأذكر من هذه الأخطاء.
1- “إننا ندعو إلى عدالة اجتماعية”…
من المعلوم لدينا، أن المعاني الاصطلاحية للألفاظ، مقدمة على غيرها من المعاني (العرفية أو اللغوية…)، وإذا ورد لفظ له معنى اصطلاحي فإننا نتعامل معه على أساس هذا المعنى. ومن هذا المنطلق نقول، أن لفظ (العدالة الاجتماعية) مصطلح ذو أصل أجنبي، يعبر عن معنى يخالف أحكام الشريعة، إذ أنه عبارة عن أحكام ومعالجات وضعت لترقيع النظام الرأسمالي، كالضمان الاجتماعي والنقابات وما شابه ذلك. لذلك فإننا نرفض هذا الاصطلاح لمخالفته الشريعة.
2- “لأنه النظام الوحيد الذي يسمح بأن تعيش في ظله جميع الأجناس وجميع اللغات وجميع العقائد في سلام… وذلك إلى جانب تحقيق العدالة المطلقة بين جميع الأجناس وجميع اللغات وجميع العقائد“. “ولكن أي نظام عالمي لا يمكن أن يقوم بلا حرية في العقيدة”، إننا ندعو إلى نظام، “تستطيع جميع العقائد الدينية أن تعيش في ظله بحرية وعلى قدم المساواة، ويتحتم فيه على الدولة وعلى جماعة المسلمين، القيام بحماية حرية العقيدة، وحرية العبادة للجميع“، “حين يقوم نظام أخلاقي كي يحقق لها العدالة والطمأنينة والحرية والمساواة”.
“فلماذا لا يدعوننا نسد الفراغ الاجتماعي في كياننا بإقامة نظام سليم (…) وهو في الوقت ذاته عادل حر”…
إن هذه الجمل مليئة بشعار (الحرية)، وهي فكرة انبثقت عن العقيدة الرأسمالية التي تعطي الإنسان حق التحلل من أي قيود دينية أو غير دينية، بخلاف العقيدة الإسلامية التي تجعل من الإنسان عبداً لله تعالى مقيداً بأوامره ونواهيه، فلا يصح أن يقال عن النظام الإسلامي بأنه (نظام حر) وأنه يحقق الحرية.
أما عن عيش جميع العقائد في الدولة الإسلامية بسلام، فهذا أيضاً غير صحيح، لأنه لا يسمح إلا بوجود عقائد روحية أو دينية، غير العقيدة الإسلامية، كالنصرانية واليهودية والمجوسية، أما العقائد السياسية، كالشيوعية والرأسمالية، فغير مسموح بوجودها.
أما العدالة بين العقائد الوارد الكلام عنها في المقال، فليست موضوع بحث في النظام الإسلامي، فإن العدالة تكون بين الناس الذين يحملون العقائد لا بين العقائد، وإلا فإن العقائد كلها سوى الإسلام باطلة.
وصحيح أن الإسلام لا يكره أصحاب الأديان الأخرى على الدخول في الإسلام، إلا أن ذلك لا يعني حرية العقيدة، بدليل أن الذمي إذا اعتنق العقيدة الشيوعية مثلاً، فإنه لا يعود ذمياً ويقتل إن لم يعد عن ذلك، وبدليل أن المسلم إن بدّل دينه.
وأما عن حرية العبادة، فهذا أيضاً ليس من الشرع. صحيح أننا لا نمنع أهل الذمة من ممارسة عباداتهم، إلا أن ذلك لا يعني حرية العبادة، بدليل أن المسلم إذا قصر أو ابتدع في العبادات الإسلامية فإنه يمنع من ذلك ويعاقب عليه.
3- “ولا يكون لحكام فيه حقوق زائدة على حقوق الفرد العادي من الشعب”…
وهذا كلام خطأ، فإن للحاكم حقوقاً ليس للأفراد من رعية، كحق الطاعة، وتطبيق الأنظمة والحدود وسائر العقوبات، وإعلان الجهاد وسائر أمور السياسة الخارجية… وغير ذلك الكثير.
4- “ولا تكون هناك محاكم خاصة للشعب، ومحاكم خاصة للوزراء أو غير الوزراء“.
وهذا الكلام أيضاً خطأ، لأنه في النظام الإسلامي هناك محكمة خاصة بالحكام، يرفع الناس إليها الشكاوى ضد الحكام في المسائل المتعلقة بالحكم، وهي (محكمة المظالم).
5- “إننا ندعو إلى نظام، يقوم على أساس التكافل الاجتماعي، بكل صوره ومعانيه”…
وهذه الجملة تحتوى أكثر من خطأ… أولاً، النظام الإسلامي لا يقوم على أساس التكافل الاجتماعي، بل يقوم على أساس العقيدة الإسلامية. وثانياً، أن التكافل في الإسلامي ـ إذا صح التعبير ـ ليس بكل الصور ولا بأي صورة، وإنما هو محدد بأحكام شرعية مخصوصة، كالزكاة والجزية والخراج، فلا يجوز للدولة أن تأخذ من بعض الناس، الأموال لتردها على غيرها إلا حسب هذه الأحكام الشرعية، فلا تأخذ ضريبة الدخل مثلاً أو الجمارك أو غيرها من الضرائب المتنوعة.
6- “نحن ندعو إلى نظام إنساني يقيم علاقاته الدولية على أساس المسالمة والمودة بينه وبيم كل من لا يحاربونه، ولا يحادونه، ولا يؤذون معتنقيه، ولا يفسدون في الأرض، ولا يظلمون الناس. فهو لا يحارب إلا المعتدين المفسدين الظالمين”…
وهذه الفكرة أيضاً غير صحيحة، لأن الإسلام يحتم على المسلمين محاربة كل الدول والسلطات القائمة خارج دار الإسلام، أي في دار الكفر، والعالم كله في المفهوم الإسلامي، إما دار إسلام وإما دار كفر، ويجب على المسلمين أن يستمروا بالقتال حتى يحولوا العالم كله إلى دار إسلام.
ولعل الاستثناء الوارد في النص، أي قوله: “فهو لا يحارب إلا المعتدين المفسدين الظالمين”، تخصيص استغرق العموم، أقصد أن كل من يحكم بغير الإسلام هو معتد مفسد ظالم، وبذلك فإنه لا يعود لهذه الجملة قيمة.
7- “… وخاصة إذا كان هذا النظام قائماً على أسس أخلاقية وطيدة”…
وهو هنا يتكلم عن النظام الإسلامي، وهذا غير صحيح لأن النظام الإسلامي يقوم على أساس عقيدة عقلية، روحية وسياسية، ولا مكان ـ عند الكلام عن العقيدة ـ للكلام عن الأسس الأخلاقية، فالأخلاق فرع وليست أصلاً.
8- “أنه لا بد للمجتمعات اليوم من عقيدة، فخواء المجتمعات الغربية من العقيدة يجرفها…”
ليس صحيحاً، أن المجتمعات الغربية خالية من العقيدة، بل أن لديها عقيدة عقلية نهضت على أساسها، ولما كانت العقيدة فاسدة كانت النهضة فاسدة، وأودت بالمجتمع إلى ما أودت إليه. والمعلوم أن هذه العقيدة هي عقيدة (فصل الدين عن الحياة).
هذه أهم الملاحظات التي أردت إبداءها. وبناء عليها أرى أنه يجب الحرص على عدم نشر مقالات تحوي أفكاراً أو معلومات تجانب الصواب، فإن هدف المجلة هو رد الأفكار الزائفة، وتنقية الأفكار وبلورتها وتصفيتها، فلا يجوز أن تحتوي على ما يناقض هذا الهدف. وإذا كان ولا بد من نشر مقالات من هذا النوع حرصاً على إيصال أفكار مهمة فيها، فيمكن حينئذ لفت النظر إلى الأخطاء الواردة فيها، أو تصحيحها قبل النشر، أو الاقتصار على نشرة الفكرة المنشودة.
نطلب من الله لكم السداد والتوفيق والعون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته q
أخوكم: أحمد فضل
(الوعي):
نشكر للقارئ الكريم أحمد فضل ملاحظاته. وقد رأينا أن ننشر رسالته لأنها تشكل مقالاً قيماً يحسن ببقية قراء (الوعي) الاطلاع عليه. و(الوعي) توافق على هذه الملاحظات وتعتبرها في محلها.
وفي الوقت نفسه تلتمس (الوعي) العذر للشهيد سيد قطب رحمه الله. فإذا كان يستعمل عبارة (عدالة اجتماعية) فهو لا يمكن أن يعني بها ترقيع النظام الرأسمالي، بل يقصد العدالة بين الناس في المجتمع. وحين يستعمل عبارة (الحرية) فهو لا يمكن أن يعني حرية المسلم في الارتداد عن الإسلام، بل يقصد أن الإسلام لا يكره غير المسلمين إلى ترك معتقداتهم أو عباداتهم، وهو يحميهم من أي اعتداء أو إكراه.
وهو حين يقول بأن الحاكم ليس له حقوق زائدة على حقوق الفرد العادي، فهو يعني الحقوق الخاصة من حيث هو فرد، ولا يمكن أن يسلبه الحقوق التي أعطاه إياه الشارع كحاكم. وحين يقول بأنه ليس للوزراء محاكم غير محاكم الشعب هو يعني أهم كأفراد غير متميزين عن الشعب، بل إذا حصلت لهم مشاكل فردية فهم يحاكمون في محاكم الشعب وليس في محكمة المظالم.
وهو حين يقول بإقامة النظام على أساس التكافل الاجتماعي فهو لا ينفي قيامه قبل ذلك على أسس العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية، وهو يرى أنها تؤمّن التكافل الاجتماعي.
وأما دعوته لإقامة العلاقات الدولية على أساس المسالمة لكل الذين لا يحاربونه. فهذه نلتمس له العذر فيها بأنه يقصد أن يسمحوا لدعاة الإسلام أن ينشروه في بلادهم بدون ممانعة أو مضايقة، فإذا مانعوا أو ضايقوا فإنهم يصبحون معتدين ويحل قتالهم
1990-02-07