بسم الله الرحمن الرحيم
ثورة التغيير الجذري: هل أصبحت الشام مركز العالم؟
م. هشام البابا
لم يكن من فراغ ولا مصادفة أو حسن تدبير أو تحضير من الناس، أن قامت ثورة خجولة في الخامس عشر من آذار/مارس عام 2011م في الشام، سبقها تحرك «عفوي» في السابع عشر من شباط 2011م في سوق «الحريقة» الدمشقي المجاور لسوق الحميدية الذي شهد أول تحرك بتظاهرة متواضعة بعد الحريقة بخمسة وعشرين يوماً. ثم اعتقلت امرأة من حوران جنوب سوريا، قالت لأختها على التلفون عقب تنحي حسني مبارك ونجاح ثورة مصر في ذلك: «عقبال عنا»، ثم اعتقل في الثامن عشر من آذار/مارس 2011م مجموعة من الشبان الصغار الذين كتبوا على حيطان مدارسهم في درعا: الشعب يريد إسقاط النظام.
أحداث سارت ببطء وروية، كنا ننظر لها بعين المستغرب المندهش: كيف حدث هذا؟! وكيف تطورت الأحداث بشكل وكأنه مشاهِدُ من فيلم تم إخراجه مسبقاً؟! ثم انتفض الجرو المجروح فخال نفسه أسداً فعلاً، ونسي أن الذي أوصله وأباه لكرسيه هم شرذمة الأرض الذين لاخلاق لهم ولا قوة أمام الله الذي خلقهم. فأرعد وأزبد وقال: ( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ) وسلك نفس مسلك الذين ظلموا قبله، حين استعمل كلمة فرعون موسى: ( قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ ).
لقد كان القتل حياة في أمة وهبت حياتها منذ عرفت الإسلام لله وحده. فكان شعارها الحقيقي الذي حوّلته إلى أفعال: ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ) ولسان حالهم هو قول من آمن مع موسى: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) وظن الطاغية أنه أذكى وأقوى ممن سبقه من الطغاة، ولو أنه قرأ القرآن لعلم أنه بما قام به من إجرام يسطر صفحات من إشراقات قصص الأنبياء ونصر الله للمؤمنين فيها، وتباشير للطغاة أمثاله بأنهم مهزومون لامحالة، وأن كلمة الله هي العليا، وكلمته وكلمة سيدته أميركا السفلى بلا شك… ولكن أنَّى له ذلك؟!.
وتتالت الأحداث، والجميع يراهن على أهل الشام، على ثباتهم، على عقيدتهم، على مسارهم، على زحزحتهم عن طريقهم، فكانت بوادر النصر لنا، نحن أهل الحق، وتباشيرها بانقسام العالم كله إلى فسطاطين، فسطاط الحق وفسطاط الباطل. الله أكبر بهذا حصحص الحق، وثبّت الله الذين آمنوا بما رأَوه من نور يسبقهم في تظاهراتهم وهم يلحقون به، بينما أهل الباطل خارت عزيمتهم ورجعوا إلى أوكارهم يخططون الخطط الإجرامية لحرف أهل الحق وإيقاف جذوة الثبات والإرادة على متابعة السير عند أهل الحق.
نعم إنها معادلة صعبة، وليس من السهل على الجميع فهمها، لكن أهل الثورة فهموها تماماً، المثقف منهم والأمي، العالم والجاهل، الشيخ والمتبع، الرجل والمرأة، الصغير والكبير، فهموا أنهم إما أن يكونوا من أهل الحق، في فسطاط الإيمان، حيث رضوان من الله ونصر وشهادة وجنة الفردوس بانتظارهم، وإما في فسطاط النفاق، حيث غضب من الله وهزيمة وعار وتثبيت للشيطان الأميركي وأزلامه! فهموها تماماً فثبتوا عليها.
أما أهل الباطل، فياللعار على هؤلاء. إنهم انضووا تحت إرادة أعداء الله. أرادوا رضاهم بسخط الله، ولم يحصلوا على الأول بينما لحقهم الثاني، فتشرذموا في الأرض هائمين على وجوههم. فضحهم الله في الداخل والخارج، في السر والعلن، فسقط «أشباه ثوار» في مستنقع حب الشهوات، وانكشف آخرون في وحل اتباعهم للطاغوت. فلم يبقَ ممن لم تكشفه ثورة الشام إلا القليل، الذين مازالت تكشفهم تباعاً ونراه كل يوم أوضح مما سبقه.
مجالس وائتلافات وجمعيات وهيئات… تريد الالتفاف على ثورة أصبحت مع مسيرتها العظيمة، ثورة أمة، ثورة تغيير… تغيير أكبر بكثير من تغيير نظام أو إسقاط طاغية. شخصيات كان الناس يحسنون الظن بها ورفعوا يوماً لافتات أنهم يمثلونهم وأنهم الأمل!! سقطوا سريعاً كما سقطت مخططاتهم. وليس فقط شخصيات بل دول كانت ترفع شعارات… بان في ثورة الشام كذبها ودجلها، وأصبح النفاق عنوانها. فأصبح بطل الأمس مجرماً خائناً ملعوناً من الأمة اليوم باختياره وبإرادته، وصار مخلِّص ومنقذ الأيام الفائتة مجرم اليوم بما جمعه من أموال سوداء وبما اشترك به من مؤامرات إجرامية يندى لها جبين الحر.
أما دول الغرب، فبانت على حقيقتها، أميركا ترعى كل الحراك العالمي لإجهاض ثورة أهل الشام، وأدواتها المتناثرة تعطي أدوات القتل للطاغية، وأوروبا متمثلة ببريطانيا وفرنسا تلعب كالأطفال في الرمال، كلما بنت بناء ركلته لها أميركا فعادت تتآمر من جديد! ودول كانت تدعي مقولة «لا للظلم، لن نعود للإجرام ولحكم الطغاة..!» أصبحت عنواناً للظلم وللإجرام، وعلى رأسها ألمانيا (اللانازية)، هذه الدويلة المسحوقة المدعوس عليها بأقدام الحلفاء والمهيمن عليها بقوات أميركية تقف مع النظام المجرم وقفة موسوليني مع هتلر! فهل بربكم هناك أروع من ثورة الشام؟!
وإن تحدثنا عن محور المقاومة والممانعة، فلا نريد هنا أن نتندر في سرد مواقفهم التي جعلت منهم أضحوكة في شوارع ليس الشام فقط بل العالم الإسلامي كله. منهم من ادعى أنها ثورة إسلامية ولكن لإيران فقط، فبان الآن أنه مجرم محترف في منع أهل الشام أن يثوروا، بأمر سيده الأميركي. تخلى عن «ثوريته» ولعق ما بصقه سابقاً وصار لايختلف عن رعاة البقر ورعاة «غوانتانامو». أما من تسمى بسيد المقاومة، ومعذرة على هذا التعبير المضحك المبكي، فقد أبى إلا أن يكشف سوءته أمام الأمة التي رفعته يوماً عالياً حيث ظنته رمزاً للقتال والصمود، رغم أننا نعلم أنه أداة بيد أداة أميركية عبر إيرانه وبشاره، إلا أن روح القتال التي شاهدها الناس في مقاتليه استبشر العامة بها خيراً، خاصة عندما كان يتحدث عن تحرير الأقصى، فاكتشفنا فجأة أنه كان يقصد القصير، وعن مابعد حيفا وتل أبيب، فتبين لنا أنه يقصد دمشق وحلب.
والله لو دفعتم يا أهل الإسلام أموال الدنيا، لما رأيتم الحقيقة في أنصع وأجلى صورها كما أراكم إياها رب العزة اليوم من خلال ثورتكم في الشام. فاحمدوا الله كثيراً، واعلموا أن ما أصابكم من مصاب في أنفسكم أو في أموالكم إنما هو خير، وأن الله لايضيع أجر المحسنين. ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
هذه هي أميركا تنهار أمام إرادة دعاة الخلافة الصلبة، وتقف حائرة كيف تمنع وصولهم لإعادة دولتهم، فلا يجدي معهم الدسائس ولا المال الحرام ولا إطلاق يد القتل والتدمير، فماذا ستفعل أكثر مما فعلته؟! حتى يرد البنتاغون على وزير خارجيته بأنه لا إمكانيات مالية لديهم للقيام بأي عمل مباشر لتثبيت عميلهم طاغية سوريا.
لو أدرك أولئك الذين يخشون أميركا ولسان حالهم ( نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ) أن الأمر بيد الله وحده، لانضووا تحت لواء رسول الله B، ولتركوا ترّهات الغرب والشرق، ولعلموا أن من حمى عبده بخيط عنكبوت قادر على أن يحمي أمته، أمة الإسلام، بريح تجري بين السماء والأرض.
لهذا، وبكل ثقة بالله تعالى، نقول: نعم نحن بإذن الله منصورون. نحن المسلمون كأمة، أمة إسلامية عظيمة، وبفضل استمساكنا بحبل الله المتين، فكرة وطريقة، منصورون إن شاء الله. نحن أهل الشام في ثورتنا الإسلامية الثابتة كالجبال على طريقة رسولنا الكريم منصورون بفضل الله.. نحن في حزب التحرير وفي مسيرة إعادة الخلافة للحياة منصورون بنصر الله…
وكيف لاننتصر، والخير بين أيادينا نحمله للعالم أجمع؟!
وكيف لاننتصر، والعالم يعيش أحلك فترات تاريخية من عوز وفقر وألم وظلم وفساد؟!
وكيف لاننتصر، والبشرية قاطبة بحاجة لمبدأ ناهض نهضة صحيحة حقيقية يرفعها بها ويعيد إنسانية الإنسان إليه؟!
وكيف لاننتصر، وقد بشرنا رسولنا الكريم: «الشام عقر دار الإسلام»؟!.
وكيف لاننتصر، والله تعالى وعدنا بنصره المؤزر، قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) وقال تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )