أهل فلسطين، هل يتنازلون عنها لليهود؟
1991/09/06م
المقالات, كلمات الأعداد
1,975 زيارة
سنة 1948 تواطأ حكام العرب العملاء على فلسطين وأهلها. تظاهر حكام العرب حينئذ بإعداد الجيوش بقيادة الملك عبد الله لاستلام فلسطين عند خروج الانتداب الإنجليزي منها. ولكن ظهرت النتيجة أنهم كانوا متآمرين مع الإنجليز والأميركان وغيرهم على تسليم قسم من فلسطين لليهود لإقامة دولة إسرائيل، وإخراج أهل فلسطين منها.
وفي سنة 1964 تواطأ حكام العرب مرة أخرى على فلسطين وأهلها. في مؤتمر القمة العربي في القاهرة عام 1964 قرر حكام العرب إنشاء منظمة تمثل أهل فلسين سمُوها (منظمة تحرير فلسطين) بقيادة أحمد الشقيري. تظاهر حكام العرب أن الغرض من المنظمة هو تحرير فلسطين. غرضهم الحقيقي كان تسليم فلسطين والتنازل عنها لليهود بشكل قانوني. وأي عاقل يصدّق أنهم يريدون تحرير فلسطين وهم بالأمس سلّموها لليهود، وهم ما زالوا على عمالتهم للإنجليز والأميركان؟ دول الغرب (وعلى رأسها الإنجليز والأميركان) أرادت إعطاء ارض فلسطين لليهود بشكل شرعي حسب القانون الدولي. وهذا يتطلب أن يتنازل أصحاب الأرض الشرعيون عن أرضهم. سوريا ومصر وشرق الأردن وغيرها لا تملك التنازل عن فلسطين، ولا يملك هذا الحق إلا أهل فلسطين. ولذلك طلبت الدول الغربية من حكام العرب إنشاء منظمة لتصبح في المستقبل الممثل الشرعي لأهل فلسطين. فكانت المنظمة التي سمّوها تضليلاً (منظمة تحرير فلسطين) التي قصدوا حقيقة أن تكون (منظمة تسليم فلسطين). وفرح أهل فلسطين المساكين وفرح معهم كثير من العرب والمسلمين.
وفي سنة 1988 تواطأ قادة منظمة (التحرير!) مع حكام العرب ودول الغرب. ووافق المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر على قرار 242 وعلى الاعتراف بدول إسرائيل. نزولاً عند رغبة أميركا من أجل أن تقبل أميركا أن تكلم المنظمة علناً. وبدل أن يعلن قادة المنظمة لشعبهم أنهم ارتكبوا جريمة التنازل عن فلسطين المحتلة قبل سنة 67 أعلنوا إقامة الدولة الفلسطينية، لتضليل شعبهم ولتغطية جريمتهم. وقد ساعدهم حكام العرب وكثير من حكام العالم على إلباس الجريمة ثوب النصر بأن صاروا يعترفون بالدولة الفلسطينية! وفرح المساكين بقيام دولة فلسطين! ولكن أين هي هذه الدولة أيها الدجالون؟
منظمة (التحرير!) أنجزت الجانب الأول من المهمة التي أنشئت من أجلها. لقد تنازلت باسم أهل فلسطين عن فلسطين المحتلة قبل 67. وصادق المجلس الفلسطيني (الوطني!) على هذا التنازل في دورته رقم 19 في الجزائر عام 1988. ولم يبق لأهل فلسطين أي حق بتلك الأرض (اللهم إلا إذا أرادوا أن يعطوا الأفراد شيئاً رمزياً ثمناً لأملاكهم إذا كانوا يملكون مستندات بملكيتها من حكومة الانتداب – الإنجليز).
والآن مطلوب من منظمة التحرير أن تنجز جانباً ثانياً من مهمتها: مطلوب أن تتنازل لليهود عن بقية فلسطين، أي ما احتلته إسرائيل عام 67.
حين يقول اليهود: لا نريد منظمة التحرير، وحين تقول أميركا: اختفي يا منظمة التحرير، فهم كاذبون. إنه أسلوب لتقليل قيمة المنظمة حتى تسارع أكثر إلى التنازلات. المنظمة هي ذات قيمة عظيمة بالنسبة لليهود، إذ بدون المنظمة لا تكتسب ملكية اليهود للأرض المشروعية الدولية. ان الذي يمثل أهل فلسطين وأرض فلسطين في نظر العالم هي منظمة التحرير، وهي المعترف بها من جامعة الدول العربية ومن منظمة المؤتمر الإسلامي ومن الأمم المتحدة ومن أكثر دول العالم. فتنازل أهل الضفة الغربية مثلاً عن جزء منها لا يعتبر مشروعاً بحسب الشرعة الدولية لأن أهل الضفة ليس معترفاً بهم أنهم يمثلون الأرض.
وكي لا يطعن أحد بصحة تمثيل المنظمة للشعب والأرض (خاصة أرض الضفة والقطاع التي احتُلت في 67 والتي يبحثون الآن في أسلوب التنازل عنها) جاءت الاقتراحات من اجل ضم حركة حماس إلى المنظمة. واصل الاقتراحات هي من أميركا منذ حوالي سنتين. فقد نشرت جريدة المحرر (تصدر في باريس) قبل أكثر من سنة أنه أثناء زيارة كارتر (الرئيس الأميركي الأسبق) لسوريا سأله الأسد عن موقف أميركا من الحركات الإسلامية، فرد كارتر:
“واشنطن تأمل أن تحظى الحركات الإسلامية والأخوان المسلمون على نصف الأصوات خلال الانتخابات التي ستجري في المناطق المحتلة”. والبحث الآن ناشط بين المنظمة وحركة حماس من أجل ضمها إلى المنظمة قبل الذهاب إلى مؤتمر (الاستسلام). ويطالب ممثل حماس (إبراهيم غوشة) بإجراء انتخابات داخل الأرض المحتلة وخارجها تحت إشراف الأمم المتحدة. وإذا كانت الانتخابات غير ممكنة فإن حماس تطالب بـ 40% من مقاعد المجلس الوطني.
المنظمة حين تخاطب أهل فلسطين تخاطبهم على أنها منظمة تحرير وأن قضيتها هي قضية فلسطين. ولكن في غمرة الأحداث والضغوط يبدو أن المنظمة نسيت فلسطين، وصارت القضية هي المنظمة نفسها: كيف نحافظ على المنظمة، وعلى استقلالية قرارها، وعلى تأمين الأموال لها وعلى كسب الاعتراف بها، حتى أنها عدّلت الميثاق، وألغت الثوابت، ومحت الشعارات وتنازلت عن فلسطين من أجل أن تحظى بالرضى الأميركي والجلوس مع أميركا! المنظمة قامة سنة 64 لتحرير فلسطين، كما يزعمون، أي لتحرير الأرض المحتلة سنة 48. ولكنها بدلاً من ذلك تنازلت رسمياً وقانونياً عن تلك الأرض سنة 88. والآن تزعم المنظمة إنها تسعى لتحرير الأرض التي احتُلت عام 67. وسيُدخلون المنظمة في دهاليز ومطبات بحيث تجد نفسها بعد سنوات مضطرة للتنازل عن الضفة والقطاع، من أجل الحفاظ على المنظمة.
إن نقطة الضعف التي تستعملها المنظمة ويستعملها حكام العرب لإقناع أهل فلسطين بالذهاب إلى المفاوضات هي أن الوقت لصالح اليهود وليس لصالح العرب. يقولون بأن إسرائيل استولت على 65% من أرض الضفة حتى الآن وكلما تأخرنا تستولي على أرض جديدة وتبني مستوطنات جديدة وتجلب مهاجرين جدداً وتوجد على الأرض واقعاً جديداً يصعب تغييره. ويقولون بأننا رفضنا التقسيم سنة 48 وندمنا. ثم رفضنا الصلح مع إسرائيل قبل سنة 67 وندمنا. والآن إذا رفضنا المفاوضات المعروضة علينا فسنندم. ونود أن نقول للمساكين: حكام العرب ومعهم قادة الفلسطينيين لا يقبلون إلا إذا جاءتهم الأوامر بالقبول ولا يرفضون إلا إذا جاءتهم الأوامر بالرفض. حكامكم ليس لهم سياسة بل ينتظرون التعليمات. فلا تندموا على الرفض والقبول. وإذا كان لكم أن تندموا وتلوموا أنفسكم فلأنكم راضون بالحكام العملاء والقادة الدجالين، هذه واحدة.
واحدة أخرى: ان الذي يقول بأن إسرائيل استولت حتى الآن على 65% من الأرض فلنسرع قبل استيلائها على ما تبقّى، إن الذي يقول هذا بعني أنه سلّم في قرارة نفسه لليهود بما استولوا عليه. وهذا المنطق وهذا الشعور هو في حد ذاته جريمة. هذا الإحساس بالانهزام أمام اليهود، واليأس من التغلب عليهم، والإذعان للواقع المهين هو أفظع من الاحتلال والاستيلاء على الأرض. احتلال النفوس والاستيلاء عليها وإطفاء جذوة الإيمان فيها هو أسوأ من احتلال الأرض والاستيلاء عليها.
ان ما بيننا وين اليهود هو مسألة وجود وليس مسألة حدود وليس مسألة نِسَب مئوية. فليغتصبوا ما داموا يستطيعون الاغتصاب وما دمنا لا نستطيع حماية أنفسنا وأرضنا. والعلاج هو: ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ[[الأنفال:60] واغتصابهم لا يثبت لهم حقاً بل اعترافاً وتنازلناً هو الذي يعطيهم الحق ويعطيهم القوة النفسية ويعطيهم التأييد العالمي، ويُدخل الوهن والتراخي إلى نفوسنا ونفوس أبنائنا من بعدنا، ونصبح في نظر العالم معتدين إذا حاولنا في يوم من الأيام استرداد ما تنازلنا عنه.
ان هؤلاء الحكام ومن يتبعهم من قادة لا أمل فيهم. الأمل معقود على الشعب، على الجماهير، على الشباب الذي تجري في عروقهم الكرامة وفي صدورهم الإيمان بأن الله معهم ما داموا معه وأن النصر من عنده.
وليعلم أهل فلسطين، أصحاب الأرض، أن جميع مخططات اليهود ودول الغرب والحكام العملاء ستبوء بالفشل إذا رفضوا هم التنازل عن الأرض. ونوجه نداء إلى شباب حركة حماس أن لا ينضموا إلى منظمة (التحرير!) وأن يمنعوا قياداتهم من دخول مفاوضات التنازل والخيانة. فما قيمة 40% من مجلس يصادق على تطويب فلسطين لليهود.
1991-09-06