تلاقي المصالح بين الصهيونية والاستعمار
1989/08/06م
المقالات
2,220 زيارة
الاستعمار له طمع اقتصادي في بلاد المسلمين واليهود لهم طمع ديني بفلسطين التي هي قلب بلاد المسلمين.
إن موقع فلسطين المهم وطبيعتها التي حباها الله إياها، وما تتمتع به من أهمية دينية خصّها بها الله… جعلتها مطمع الغزاة منذ أقدم العصور ومحط أنظار المستعمرين في العصر الحديث لإحلالها مجموعة بشرية غريبة تكون صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة المسلمين.
قلق الاستعمار من وحدة المسلمين:
في عام 1905 عقدت الدول الاستعمارية في العالم مؤتمراً دعا إليه البريطاني السير كامبل بنرمان، واسمه مؤتمر لندن أو مؤتمر (السير كامبل بنرمان) مقره في لندن.
وقد شاركت فيه آنذاك الدول: بريطانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وهولندا، والبرتغال، وإيطاليا، وأسبانيا. وقد بُحث في المؤتمر الخطر الذي يهدد كيان الاستعمار ويسبب زواله على غرار الإمبراطوريات السابقة التي اندثرت.
وقد توصل المؤتمرون إلى أن الخطر يكمن في الشواطئ الجنوبية والشرقية للبحر المتوسط بوجه خاص ومما جاء في تقريرهم: «فعلى الجسر البري الضيق الذي يصل آسيا بأفريقيا، وتمر فيه قناة السويس شريان حياة أوروبا وعلى جانبي البحر الأحمر وعلى طول ساحلي البحر الهندي وبحر العرب حتى خليج البصرة حيث الطريق إلى الهند وإلى الإمبراطوريات الاستعمارية في الشرق، في هذه البقعة الشاسعة الحساسة يعيش شعب واحد، تتوفر له من وحدة تاريخية ودينية ووحدة لسانه وآماله، كل مقومات التجمع والترابط والاتحاد، وتتوفر له في نزعاته التحررية وفي ثوراته الطبيعية ومن كثرة تناسله كل أسباب القوة والتحرر والنهوض. ويبلغ تعداده الآن (1905) 35 مليون نسمة ويمكن أن يرتفع في مدى قرن واحد إلى مائة مليون نسمة بالنسبة إلى شرائعه الإسلامية… فكيف يمكن أن يكون وضع هذه المنطقة إذا توحدت فعلاً آمال شعبها وأهدافه وإذا اتجهت هذه القوة في إيجاد واحد؟» واستطرد التقرير في التساؤل:
«… ماذا لو انتشر التعليم وعمت الثقافة في أوساط هذا العشب؟ وماذا سيكون إذا تحررت هذه المنطقة واستغلت ثرواتها الطبيعية من قِبل أهلها؟» ويجيب التقرير على هذا السؤال فيقول: «عند ذاك ستحل الضربة القاضية حتماً بالإمبراطوريات الاستعمارية فتتقطع أوصالها ثم تضمحل وتنهار كما انهارت إمبراطوريات الرومان والإغريق».
ويبدو واضحاً في هذا التقرير مدى تخوف الغرب وخشيته من انتشار الإسلام في العالم لأن في ذلك خطراً يهدد كيانه ويسبب زواله.
مقررات مؤتمر لندن:
لذلك اتخذ المؤتمرون مقررات لمعالجة الموقف وذلك على النحو التالي:
1- «تسعى الدول ذات المصالح المشتركة للعمل على تجزئة هذه المنطقة… وتأخرها، وإبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكك وتأخر وجهل.
2- ضرورة العمل على فصل الجزء الأفريقي عن الجزء الآسيوي في هذه المنطقة، واقترحت اللجنة آنذاك إقامة حاجز بشري، قوي وغريب يشكل على مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة».
وقد أقيم فعلاً هذا الحاجز البشري كقوة معادية لسكان المنطقة المسلمين ومساندة للاستعمار، وذلك عن طريق تنفيذ وعد بلفور وغرس اليهود شوكة في المنطقة.
نشأة الصهيونية العالمية:
كلمة «الصهيونية» مشتقة من لفظة «صهيون» وهي اسم يطلق على رابية في القدس، كان قد أقام عليها اليبوسبون حصناً حوالي سنة 3000 قبل الميلاد.
والصهيونية حركة سياسية عنصرية متطرفة تستغل العاطفة الدينية في سبيل صهر جميع يهود العالم من مختلف القوميات والأجناس في وطن قومي واحد وإسكانهم في فلسطين بعد طرد سكانها منها. وقد نشأت هذه الحركة في روسيا بعد منتصف القرن الماضي وما لبثت أن انتشرت في مختلف أنحاء العالم.
وانطلاقاً من الأفكار المضللة ونتيجة المساعي المبذولة لتحقيق مشروع «وطن قومي لليهود في فلسطين»، انبثقت المنظمة الصهيونية العالمية بزعامة تيودور هرتزل.
وفي عام 1897 عقد أول مؤتمر دولي للصهاينة في مدينة (بال) بسويسرا برعاية الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا. وكان أبرز أهداف المؤتمر خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام. ورأى المؤتمر أن الطريق لتحقيق هذه الغاية هي بالعمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود وتقوية الشعور والوعي القومي اليهودي، وقرر المؤتمر جعل اللغة العبرية لغة رسمية للتخاطب بين اليهود في جميع أنحاء العالم.
وهنا التقت مصلحة الاستعمار بمصلحة الصهيونية العالمية؛ فالاستعمار يريد تمزيق الخلافة الإسلامية للسيطرة على مناطق الشرق التي تعرف بأسواقها وثرواتها.
موقف السلطان عبد الحميد إزاء الجشع الصهيوني:
حاول هرتزل الاتصال بالسلطان عبد الحميد، السلطان العثماني من أجل الطلب منه منح اليهود بعض الأراضي في فلسطين بغية إنشاء مستوطنة مستقلة على نمط جمهورية فينيسيا. فكان رده الحازم وكلمته الفصل الرفض الكلي لأي تنازل عن شبر واحد عن أرض فلسطين حث قال: «انصحوا دكتور هرتزل بأن يحجم عن أية خطوة أخرى في هذا الموضوع لأني لا أستطيع أن افرد بقدم مربعة من الأرض لأنها ليست ملكي وإنما هي ملك الشعب الذي قاتل من أجلها وهي معجونة بدمه… ليحتفظ اليهود بملايينهم، فإذا قُدّر لمملكتي أن تتبدد فعند ئذ قد يحصلون على أرض فلسطين مجاناً. أما قطع أي شبر من أرضنا فهو بمثابة قطع قطعة لحم من جسمنا».
ونجد في كتاب الجنرال التركي رفعت آتيلفان، «الخطر المحيط بالإسلام» بحثاً مفصلاً عن دور الصهيونية في خلع السلطان عبد الحميد والمؤامرات التي دبّرت لإسقاطه بسبب عدم رضوخه لمطالب اليهود لمنحهم امتيازات في فلسطين حيث يقول: «إن الشخص الوحيد في تاريخ الأتراك عموماً الذي عرف حقيقة الصهيونية وقدّر أضرارها على الأتراك والإسلام وكافحها مدة طويلة لتحديد شرورها هو السلطان عبد الحميد الثاني، إن هذا السلطان التركي العظيم كافح هذه المنظمات الخطرة مدة ثلاث وثلاثين عاماً بذكاء وعزم وإرادة مدهشة جداً كالأبطال.
بروتوكولات حكماء صهيون:
إن الطمع الصهيوني لا حدّ له، فلو قدِّر له إخضاع العالم بأسره لسلطته فلن يتوانى، بل هذا ما يطمح له ويسعَى جاهداً لتحقيقه وهذا ما كُشف عنه النقاب حيث تمّ العثور على وثائق كتبت على شكل تقرير ويُعتقد أنها كانت مدار بحث ونقاش في المؤتمر الصهيوني الأول، وقد سميت (بروتوكولات حكماء صهيون)، وهي تنطوي على مخطط لتمكين اليهود من السيطرة على العالم أجمع لمصلحة اليهود، وتأسيس حكومة استبدادية يهودية مقرها أورشليم أولاً ثم تستقر في روما إلى الأبد.
ففي البروتوكول الحاد عشر نرى: «… من رحمة الله أن شعبه المختار مشتت وهذا التشتيت الذي يبدو ضعفاً فينا أمام العالم وقد ثبت أنه كل قوتنا التي وصلت بنا إلى عتبة السلطة العالمية». وفي البروتوكول الرابع عشر: «… حينما نمكن لأنفسنا فنكون سادة الأرض لن نبيح قيام أي دين غير ديننا.. ولكن في كل دين أناس متمسكون بعقيدتهم فهل تستطيعون زلزلتهم؟».
وكما هو واضح فإن الروح المتعصبة لكل ما هو غير يهودي وعقيدة «الشعب المختار» تبدو جليه في جميع البروتوكولات التي يؤلفها حكماؤهم.
وطن اليهود المزعوم:
منذ ما يقرب من ألفي عام أي منذ هدم هيكل سلميان، واليهود يتطلعون إلى تحقيق حلم العودة إلى فلسطين «أرض الميعاد». فهل يعتبرون ذلك حسب زعمهم ـ تحقيقاً لنبؤة التوراة التي هي مصدر تقاليدهم ومعتقداتهم. وهم يتمسكون بفكرة العودة إلى فلسطين، الأرض التي يزعمون أن الله وعد بها بني إسرائيل. ويزعمون أن الرب قال لإبراهيم: «لِنَسْلِك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات». وكذلك من قصة اليهودي الأول الذي أبلغته السماء في زعمهم أن «سأعطيك وذريتك من بعدك جميع أراضي بين كنعان ملكاً خالداً لك».
ومما لا شك فيه أن التوراة التي يستقي منها اليهود مثل هذه الأقوال هي التوراة (المحرّفة) التي ـ دَونها أحبارهم وحاخاماتهم وهم في الأسر في بابل ـ وليست التوراة الصحيحة الأصلية التي نزلها الله على موسى عليه السلام في القرن الثالث عشر قبل الميلاد أي قبل 800 سنة من زمن الأسر.
وقد أصدرت إحدى المنظمات الصهيونية بياناً تدعو فيه اليهود إلى: «الرجوع إلى بلدنا في فلسطين التي منحها الرب لنا وهي وطننا كما أثبتته الوثائق التاريخية».
ومما قاله زعيم الحركة الصهيونية تيودور هرتزل: 00كلمة غير واضحة00 العودة إلى صهيون يجب أن تسبقها عودة إلى 00كلمة غير واضحة00».
ومما ورد في دائرة المعارف اليهودية: «إن اليهود يريدون أن يعيدوا العبادة إلى الهيكل مكان المسجد الأقصى وأن يقيموا ملكهم هناك».
وقال المتطرف اليهودي «ماشير كاهانا» في آذار 1983: «إن مجرد وجود مسجد على هضبة المعبد هو تدنيس لها ولهذا لا بد من تدمير الأقصى وقبة الصخرة وأي موقع إسلامية في هذه المنطقة».
وهذا قمة الحقد والكراهية للإسلام ومقدسات المسلمين. وصدق قوله تعالى: ]قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ[.
أسماء ع. فاعور
1989-08-06