سؤال وجواب
1989/05/06م
المقالات
2,389 زيارة
السؤال:
تقوم الآن معاهدة صلح بين مصر ودولة اليهود. وتقوم معاهدات هدنة بين بقية الدول المحيطة بفلسطين ودولة اليهود. ما هو مدى الإلزام الشرعي للفرد المسلم بهذه المعاهدات؟ أي هل هو آثم عند الله إن هو خرقها؟
الجواب:
إن الإجابة عن هذا السؤال تتمحور حول طاعة الحاكم: متى تجبُ هذه الطاعة شرعاً، ومتى تكون مباحة، ومتى تكون حراماً.
الحاكم الذي تكون داره دار إسلام، أي يحكم بما أنزل الله، تكون طاعته واجبة لقوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ[. فإذا أمر هذا الحاكم بمعصية لله، لا يوجد له فيها دليل ولا شبهة دليل، فإنه لا يطاع في هذه المعصية وتبقى طاعته في بقية الأمور واجبة لقول النبي r: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».
أما الحاكم الذي تكون داره دار كفر، أي أنه لا يحكم بما أنزل الله، فإن طاعته غير واجبة شرعاً بل هي مباحة ما دامت في غير معصية الله. مثل هذا الحاكم لم يأمر الله بطاعته ولا تشمله الآية الكريمة المذكورة أعلاه، بل الأصل تعيير مثل هذا الحاكم وتغيير نظامه.
أما إذا وردت نصوص تجعل طاعة هذا الحاكم واجبة في مسألة معينة أو حالة معينة فإن على الفرد المسلم أن يلتزم بهذه النصوص.
وقد جاء نص يأمر بالطاعة في مسألة القتال، ففي سنن أبي داود، قال رسول الله r: «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير بَرَّاً كان أو فاجراً، والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر». والمقصود بالأمير الفاجر أي الفاسق وليس الكافر بدلالة أن الصلاة لا تجوز من الكافر ولا تجوز الصلاة خلفه. والأمير الكافر علناً لا يحل للمسلم أن يقاتل تحت رايته ولا أن تكون جندياً في جيشه. فلا يحل لمسلم أن يكون جندياً في جيش إسرائيل ولا في جيش ميشال عون ولا في جيش روسيا أو فرنسا أو أميركا أو إنجلترا أو أية دولة حاكمها كافر.
أما الحاكم المسلم الفاسق (الفاجر)، والذي لا يحكم بما أنزل الله فإن الشرع ربط مسألة الجهاد به كما ربطها بالحاكم المسلم البار. مع العلم أن الله فرض على المسلمين أن يغيّروا هذا الحاكم الفاجر، ولكنْ ما دام لم يتغيّر فإن طاعته في مسألة القتال ليست مباحة فقط بل واجبة ما دام ليس قتالاً في معصية. وقد أورد الإمام تقي الدين النبهاني في الدوسية عند الكلام عن الجهاد العبارة التالية: الجهاد فرض على المسلمين في جميع الأحوال حتى تقوم الساعة، فيجب أن ينهض المسلمون للجهاد تحت ظل الحاكم مهما كان حاله سواء أكان براً أم فاجراً، يحكم بأحكام الإسلام أم يحكم بأحكام الكفر. مخلصاً للأمة يتصرف برأيه ورأي أمته أم عميلاً لدولة كافرة، ففي جميع الأحوال يجب أن يقاتل المسلمون الكفار تحت ظل الحاكم).
فالمسلم في مصر الآن، أو في الأردن أو في سوريا أو في لبنان ليس له شرعاً أن يتصرف في شأن القتال بدون إذن الحاكم في بلده. فلا يجوز شرعاً لأهل مصر أن يقاتلوا اليهود بدون إذن حاكم مصر ولا يجوز لأهل الأردن أن يفعلوا ذلك دون إذن حاكم الأردن ولا لأهل سوريا دون إذن حاكم سوريا ولا لأهل لبنان دون إذن حاكم لبنان سواء كان هذا الحاكم هو سليم الحص أو حافظ أسد. (رئيس الجمهورية النصراني أو قائد الجيش النصراني لا يجوز القتال معه ولا الائتمار بأمره).
ومعاهدات الصلح أو الهدنة هي من شؤون القتال وتابعة لمسألة القتال. فتكون طاعة هؤلاء الحكام واجبة فيما يتعلق بأمر هذه المعاهدات. والمسلم الذي يخرق هذه المعاهدات ويشن حرباً على اليهود بدون إذن الحاكم يكون آثماً شرعاً.
رُبَّ قائل يقول: هؤلاء حكام فَسَقَة، وعقدوا معاهدات مخالفة للشرع فهي باطلة، لأنه لا يجوز الصلح مع العدو الغاصب، بل يجب شَنُّ الحرب عليه لاقتلاعه من الأرض المغصوبة وإعادة فلسطين إلى أهلها المسلمين.
نقول: نعم، هم حكام فسقة، والمعاهدات التي عقدوها مع دولة إسرائيل فاسدة من ناحية، ومنتهية مدتها من ناحية أخرى، ومنقوضة (نقضتها إسرائيل) من ناحية ثالثة.
يجوز للمسلمين أن يعقدوا مع عدوهم هدنة على أن تكون محددة بزمن ولا يجوز أن تكون مطلقة. فإذا كانت مطلقة فهي فاسدة ويمكن اعتبارها سارية لمدة عشر سنوا، مدة معاهدة الحديبية. معاهدة الهدنة بين لبنان وإسرائيل بدأت سنة 1949 فتكون منتهية من سنة 1959، ومع الأردن سنة 1967 فتكون منتهية من سنة 1977، ومع سورية سنة 1974 فتكون منتهية سنة 1984، ومع مصر سنة 1979 وقد انتهت الآن سنة 1989. هذا من حيث المدة. أما من حيث النقض فإن إسرائيل اعتدت ونقضت جميع هذه المعاهدات قبل أن يجف حبرها.
وعلى ذلك فإن هذه المعاهدات تعتبر لاغية شرعاً وكأنها غير موجودة. ولكن من الذي له الصلاحية الشرعية في إعلان إلغائها وفي القيام بالأعمال العسكرية على دولة اليهود؟
إن هذه الصلاحية ليست متروكة للأفراد. إذ لو تصرف كل فرد أو حزب أو مجموعة على هواهم وصار كلٌ منهم يفتح معركة مع العدو متى شاء دون إذن الحاكم فإن الفوضى ستسود.
إن هذه الصلاحية حصرها الشرع في الحاكم حين قال عليه الصلاة والسلام: «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير بَرَّاً كان أو فاجراً» وعبارة (الجهاد) تشمل كل ما يتعلق به من التدريب والتسليح والجندية والذهاب إلى المعركة، ووقف القتال، والالتزام بالهدنة، ولا يجوز للأفراد أن يشكلوا (ميليشيات) مسلحة للقتال دون إذن الحاكم.
أما إذا رأى الناس أن حاكمهم عميل للكفار وضالع مع العدو على حساب شعبه وأنه يتنازل للعدو عن أشياء لا يجوز له شرعاً أن يتنازل عنها كما فعل السادات ومن بعده مبارك في الصلح مع اليهود، فالعلاج في مثل هذه الحال ليس في أن يذهب أفراد ليخرقوا المعاهدة، لأن خرقها لا يلغيها. العلاج يكون بأن يهب الناس يكوّنوا رأياً عاماً ضد الحاكم الخائن وضد ما أبرمه من معاهدة محرّمة، وذلك من أجل إلغاء المعاهدة وإسقاط الحاكم. أما نترك الحاكم يسرح ويمرح ونذهب كاللصوص لنقوم بعمل تافه فهذا لا يقره العقل السليم فضلاً عن الشرع الحنيف.
الموقف الصحيح لمن أراد إزالة الكيان اليهودي من فلسطين هو إزالة هؤلاء الحكام والقادة العرب لأن طريق فلسطين تمر على أنقاض هذه الأنظمة العميلة.
حكام مصر صالحوا اليهود علناً، وقادة منظمة التحرير اعترفوا بدولة اليهود علناً، وبقية الدول العربية تدعم حكام مصر هؤلاء وتدعم قادة المنظمة هؤلاء، وكلهم سبق لهم أن وافقوا على مقررات فاس، وهي الاعتراف بدولة إسرائيل ضمن حدود سنة 1967. وهؤلاء يتلهون ويلهون الناس ببعض العمليات التي يسمونها أعمالاً جهادية. هؤلاء دجالون، فهل يفهم المسلمون ذلك.
1989-05-06