ماذا يريد المسلمون اليوم
1989/05/06م
المقالات
3,185 زيارة
هذا السؤال الكبير مطروح على الساحة الإسلامية اليوم، وحتى على الساحة الدولية، وهو يتطلب جواباً جلياً غاية الجلاء، واضحاً كل الوضوح. إننا نرى لزاماً علينا أن نجيب عن هذا السؤال بصراحة لا مجاملة فيها ولا مراء، وقبل أن نجيب عنه لا بد لنا أن نجيب عن أسئلة نطرحها على أنفسنا وعلى القراء معنا.
ما هو الإسلام؟ وما الذي يجب أن يكون أن يكون عليه المسلمون؟ وكيف المسلمون في ماضيهم الزاهر؟ وكيف صاروا في واقعهم الحاضر؟.
قال تعالى: ]إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ[ وقال: ]وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ[ وقال: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[.
فالإسلام معناه الانقياد والاستسلام لله وحده، وهو دين الأنبياء جميعاً فالله هو الإله المعبود، وجميع الناس عبيد له في الواقع، ويجب أن يكونوا عبيداً له كما أمرهم وأرادهم أن يكونوا مسلمين. وعلى هذا الأساس يكون الدين واحداً، ويجب أن يكون المتمسكون به موحدين، محتكمين إليه في شؤون حياتهم، راجعين إليه في كل صغيرة وكبيرة مهما تعددت مذاهبهم، واختلفت آراؤهم واجتهاداتهم، فهو مقياسهم الوحيد ومرجعهم الذي لا مرجع غيره كما قال تعالى: ]فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[.
وبديهي أن يكون المسلمون كذلك فالعقيدة واحدة، والنظرة الشاملة المستنيرة إلى الكون والإنسان والحياة واحدة، ومقياس أعمالهم هو الحلال والحرام.
وهذا الواجب قد عرفه المسلمون وساروا على نهجه القويم منذ فجر الدعوة الإسلامية حتى انتهى حكم الإسلام في هذا القرن. فقد كان المسلمون على اختلاف آرائهم واجتهاداتهم أمة واحدة يجاهدون في سبيل الله، ويبلغون رسالة الله إلى العالم، ويقدمون آلاف الشهداء في سبيل نصرة هذا الدين، ولجعل كلمة الله هي العليا، ولتطهير بلاد المسلمين من رجس الكافرين المستعمرين. وكانوا أحياناً يُبتلوْنَ بجور الحكام ولكنهم لم يفقدوا دينهم، ولم يحكموا بغير أحكام هذا الدين. كما لم يقبلوا حكماً غير حكم الشرع. فكيف تبدلت حالهم، وأنهار نظامهم الذي كانوا عليه سائرين؟ إن قوى الكفر ظلت في صراع مع المسلمين مدة هذه القرون، وإن المسلمين كانوا يقاومون الكفر، ويفتحون بلاداً جديدة على الدوام، فلما دخلت على فكرهم الناصع أفكار غريبة عنهم، ولما حصلت نهضة أوروبا وغزاهم الكفر في ديارهم فكانت طاقتهم العربية مفصولة عن الطاقة الإسلامية، انهاروا أمام هذا الزحف الوافد المدمر، حتى زال سلطان الإسلام، وانهارت خلافته، واصبح المسلمون على ما هم عليه الآن فماذا يريد المسلمون؟
إننا نجيب ببساطة فنقول: إن المسلمين يريدون عودة أحكام الإسلام واستئناف الحياة الإسلامية، وحمل الإسلام رسالة هادية إلى العالم.
إن الاستعمار الكافر لم يكتف بغزو بلاد المسلمين بالجيوش، وإنما طرح فكرة بديلاً لأحكام الإسلام فلما أراد المسلمون التخلص من قبضة الاستعمار، أخذوا بتلك النظريات الوافدة ينادون بالتحرير والخلاص من الاستعمار، فطرحت الشعارات والمصطلحات التي نسمعها في أجهزة الإعلام، نقرؤها في الصحف والمجلات، والتي فرقت وحدة المسلمين، وجعلتهم عشرات الدويلات.
ومن الأسلحة التي اتخذها الكافر المستعمر وأذنابه لتهديم الخلافة. وتمزيق المسلمين الدعوات القومية، حتى أن هذه الدعوات كانت معاول هدم في جسم الدولة والأمة.
إن الإسلام قد أزال تلك الفروق، وصهر جميع تلك القوميات في بوتقة واحدة وعاش المسلمون أمة واحدة على هذا الأساس حتى جاء هذا العصر الذي انهارت فيه دولة الإسلام. وزالت فيه أحكامه. إن المسلمين اليوم يريدون أن ينهضوا بهذه الأمة على أساس هذا الدين والوحدة على هذا الأساس لا وحدة المؤتمرات ولا وحدة الجامعات ولا وحدة الأحلاف كما يرى الكفار ويرسمون فالتحرر من الكفار المستعمرين لا بد أن يكون تحرراً فكرياً قبل كل شيء. ولا بد أن يكون تحرراً واعياً مستنيراً يعرف ماذا يريد، ويعرف المسلمون على أساسه ماذا يعملون.
فالإسلام ليس رابطة قومية أو وطنية أو دستورية وإنما هو رابطة فكرية ويجب أن تكون نهضة المسلمين نهضة فكرية.
فإذن: لا بد أن يكون العمل الإسلامي كما أراد الإسلام تجمعاً صحيحاً يبصر المسلمين بواقعهم ويدعوهم إلى تحرير فكرهم وبلادهم ويقودهم إلى النهضة الصحيحة التي لا تكون إلا بالإسلام. ويريد المسلمون اليوم قوة مبنية بهدى من حضارتهم حتى يستطيعوا أن يخوضوا الصراع بنجاح في المجال الدولي، ويريد المسلمون اليوم أن يتخلصوا من رواسب القومية والإقليمية والمذهبية وأي شيء يشعر بفارق بينهم مهما كان هذا الفارق قليلاً يسيراً.
فالمسلمون أمة واحدة وهم يد على من عاداهم.
ويريد المسلمون اليوم أن تزول من بين صفوفهم الدعوات الهزيلة وتجمعاتها التي تكتفي بإسلام العبادات والأخلاق ولا تتدخل في الحياة.
ويريد المسلمون اليوم أن يكونوا واعين على خطر الفخاخ التي تنصب لهم خداعاً وتضليلاً باسم وحدة الكلمة، واتحاد الهدف. وتقوية الروابط. وخطر الإلحاد وما أشبه ذلك من شعارات الخدع بأن لا تعارض بين الإسلام والقومية، ولا تناقض بين الفكر الإسلامي وأفكار الديمقراطية والاشتراكية، حتى أن هذا الخداع يتمادى فيطرح شعار وحدة الأديان. وأن الإسلام تتغير أحكامه بتغير الأزمنة. إلى غير ذلك من الشعارات..
المسلمون اليوم قد نفضوا أيديهم من كل ذلك، وفي كل بقعة من بلاد المسلمين نسمع بحركات جديدة واعية حيناً وغير واعية أحياناً أخرى ولكنها كلها تدل على صحوة لا ريب فيها، وتشير إلى فجر نهضة مرتقب، فقد بدأت الدماء تجري في ذلك الجسد الهامد وتعيد إليه النبض والحياة.
فالواجب على المسلمين في هذا العصر الذي هو عصر الشعوب ألا يخدعوا من جديد، فإن الاستعمار الغربي الكافر يريد من المسلمين أن يظلوا خاضعين له وأن يكونوا عوناً على ترسيخ أقدامه في الساحة الدولية وأنه ليطمع أن يكونوا حلفاء له ضد الشيوعية. وهذا خطر عظيم على المسلمين.
إن الفكر الإسلامي فكر مستقل شامل المنهج، عالمي النظرة، ولا يسمح للمسلمين أن يتحالفوا مع معسكر ضد معسكر، ويريد الإسلام من حملته أن يكونوا قادة العالم لمبدئهم كما كانوا من قبل.
إن المسلمين اليوم يناضلون من أجل نهضتهم ورقيهم، وهم مضطهدون من قبل أذناب المستعمرين يلقون العنف والتقتيل والتنكيل، إنهم سوف يمضون في جهادهم وكفاحهم حتى ينتزعوا إسلامهم من بين مخالب الوحوش، ويرفعوا راية الإسلام من بين أنقاض الهزيمة والانحطاط، وينقذوا أنفسهم من سياط المستبدين.
لقد خدع المسلمون من قبل ولن يخدعوا بعد اليوم. فقد جرب المسلمون العرب والعجم وسائر القوميات ما طرح من شعارات، وقد ظهر إفلاسها جميعاً فلم نعد نخدع أبسط الناس، وجرب المسلمون أيضاً وذاقوا مرارة الفكر الغربي بعد أن تجرعوه سماً زعافاً هوى بهم إلى دركات الحضيض، وجرب المسلمون ذل الهزيمة والتفرق وتمزق الأوطان كما جربوا مهانة الاحتلال، وتدنيس المقدسات، وما حرق المسجد الأقصى وتقتيل النساء والشيوخ والشباب والأطفال في فلسطين كل يوم على أيدي اليهود عنهم ببعيد إن المسلمين اليوم ماضون في جهادهم، مستمرون في كفاحهم وهم يبذلون الشهداء في سبيل دينهم وعقيدتهم، وكم منهم من قتل بسيوف المستبدين، وكم بينهم من غيبتهم سجون الظالمين ولم يعرف عنهم خبر ولم يعرف لهم مصير.
إن المسلمين اليوم يريدون أن يحطموا القيود، ويخترقوا الحدود وقد بدأت بشائر النصر بإذن الله وإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. وإن المسلمين ليذكرون في كل خطوة من خطواتهم قول الله تعالى: ]إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[، وإنهم ليسمعون نداء الله لهم: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[.
عبد المؤمن تقي الدين.
1989-05-06