كتاب «الشهر» أدب الاختلاف في الإسلام
1989/01/05م
المقالات
2,167 زيارة
المؤلف: د. طه جابر فياض العلواني
الناشر: مجلة «الأمة» القطرية
1405 هـ ـ 1984م
إن الاختلاف في الإسلام شيء طبيعي لعاملين اثنين، أولاً: طبيعة الإنسان وتفاوت القدرات الجسدية والعقلية من شخص لآخر. وثانياً: لطبيعة النصوص الشريعة (القرآن والسنة) والتي كثير منها يحتمل في تفسيره معاني عدة، ولكن هذا الكتاب الذي بين أيدينا، قام مؤلفه ـ جزاه الله عنا كل خير ـ ببحث آداب الاختلاف وضوابطه مستشهداً بأحداث كثيرة جرت مع الرسول عليه الصلاة والسلام والتابعين وأئمة المسلمين رضي الله عنهم. وهو من الكتب القيمة التي كتبت في هذا المجال.
يقول المؤلف في تقديم كتابه:
«… فإن أمراض المسلمين ـ في عصرنا هذا ـ قد تعددت وتشعبت وفشت حتى شملت جوانب متعددة من شؤونهم الدينية والدنيوية، ومن العجيب أن الأمة المسلمة لا تزال على قيد الحياة، لم تصب منها تلك الأدواء ـ بحمد الله ـ مقتلاً على كثرتها وخطورتها، وكان بعضها كفيلاً بإبادة أمم وشعوب لم تغن عنها كثرتها وفرة مواردها، ولعل مرد نجاة هذه الأمة إلى هذا اليوم ـ رغم ضعفها ـ وهو وجود كتاب ربها وسنة نبيها ـ عليه أفضل الصلاة والتسليم ـ بين ظهرانيها ثم دعوة نبيها ﷺ واستغفار الصالحين من أبنائها (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
وإن من أخطر ما أصيبت به هذه الأمة في الآونة الأخيرة مرض «الاختلاف والمخالفة…» الاختلاف في كل شيء، وعلى كل شيء، حتى شمل العقائد والأفكار والتصورات والآراء إلى جانب الأذواق والتصرفات والسلوك والأخلاق؛ وتعدى الاختلاف كل ذلك حتى بلغ أساليب الفقه، وفروض العبادات وكأن كل ما لدى هذه الأمة من أوامر ونواه يحثها على الاختلاف أو يدفعها إليه والأمر عكس ذلك تماماً، فإن كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ما حرصا على شيء ـ بعد التوحيد ـ حرصهما على تأكيد وحدة الأمة، ونبذ الاختلاف بين أبنائها، ومعالجة كل ما من شأنه أن يعكر صفو العلاقة بين المسلمين، أو يخدش أخوة المؤمنين، ولعل مبادئ الإسلام ما نددت بشيء ـ بعد الإشراك بالله ـ تنديدها باختلاف الأمة، وما حضت على أمر ـ بعد الإيمان بالله ـ حضها على الوحدة والائتلاف بين المسلمين، وأوامر الله ورسوله واضحة في دعوتها لإيجاد الأمة التي تكون كالجسد الواحد إذا اشتكى بعضه أصابه الوهن كله.
ولكن رسالة الإسلام ـ مع ذلك ـ رسالة واقعية تتعامل مع الإنسان على ما هو عليه، وخالق الإنسان ـ تبارك وتعالى ـ يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، فقد وهب لعباده عقولاً ومقدرات متباينة من شأنها أن تؤدي إلى اختلاف نظرتهم وأفكارهم ومواقفهم من كثير من الأشياء، ولذلك فإن الإسلام يتسع إلى تلك الاختلافات كلها التي لا تهدد وحدة الأمة، فيكفي أن تتفق الآراء، وتلتقي التصورات، وتتوحد المواقف إزاء القضايا الكبرى والقواعد الأساسية، أما ما عداها من أمور فرعية وقضايا ثانوية مما يساعد اختلاف الرأي فيها على الجنوح نحو الأفضل والأمثل فلا خير فيه على أن يكون لهذا الاختلاف ضوابطه وحدوده، وقواعده وآدابه، وألا يؤثر على وحدة فكر الأمة ومواقفها من القضايا الأساسية الكبرى، فما حقيقة الاختلاف؟ وما الحدود التي لا يجوز تجاوزها فيه؟ وما أسبابه؟ وما القدر المسموح به منه؟ وما ضوابطه وآدابه؟ والسبيل للتخلص من سلبياته؟ هذا ما سنحاول بحثه في هذه المعالجة…».
1989-01-05