اتفاقية سايكس ـ بيكو
1989/01/05م
المقالات
1,922 زيارة
ننقل فيما يلي مقاطع من الفصل الرابع من كتاب: (الصراع الدولي في الشرق الأوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان) للأستاذ زين نور الدين زين.
وإننا نضع هذه الكتابات أمام القراء اليوم ليروا أن التجزئة والتقسيمات الحاصلة الآن بين أجزاء البلاد الإسلامية لم تكن إلا من مكر دول الكفر. كانوا يريدون أن يحلوا المسألة الشرقية حلاً نهائياً. وكان لهم ما أرادوا.
والغريب أن أبناء المسلمين اليوم يحافظون على هذه التجزئة، ولا يخجلون في رفع عقيرتهم منادين بالمحافظة على الاستقلالات المزيفة.
فيا أبناء الأمة الإسلامية احذروا سموم أعدائكم وعملاء أعدائكم، وعودوا كالجسد الواحد، دولة واحدة، وأمة واحدة، خير أمة أخرجت للناس.
كان قد آن للحلفاء أن يفكروا في حماية مصالحهم الخاصة في تركيا، وأن يحلوا المسألة الشرقية حلاً نهائياً وذلك بالاتفاق على تجزئة الإمبراطورية العثمانية. والواقع أن فكرة التقسيم كانت قد اختمرت عندما توصلت بريطانيا العظمى بالاشتراك مع فرنسا، بعد تردد طال أمده، إلى عقد اتفاقية سريّة مع روسيا في شهر آذار، 1915، تذعن بموجبها هاتان الدولتان إلى مطالب روسيا من أنه في حال انتصار الحلفاء فإن استانبول والمضائق تضم إلى ممتلكات القيصر. بقي الشق الثاني من القضية وهو حصة كل من بريطانيا العظمى وفرنسا من غنائم الحرب عندما تنهزم تركيا، ليس من جهة تسوية المسألة الشرقية وحسب، وإنما من حيث الارتقاء على توازن القوى في البحر الأبيض المتوسط وفي منطقة الشرق الأوسط أيضاً. والواقع أنه عندما تم الاتفاق على اتفاقية استانبول وافقت روسيا على الاعتراف «بحقوق بريطانيا العظمى وفرنسا في الممتلكات العثمانية الآسيوية».
كما أنها وافقت أيضاً على أن تكون الأماكن الإسلامية المقدسة والجريرة العربية ضمن حكومة إسلامية مستقلة.
في الوقت الذي لم تكن فيه بريطانيا العظمى قد حددت نهائياً ما كانت تتمنى الحصول عليه من تركة الإمبراطورية العثمانية، كانت فرنسا تطالب بصورة محددة واضحة بصم سورية وخليج الاسكندرونة وقيليقيا الأمر الذي وافق القيصر عليه. وكان من الطبيعي آنذاك، كما أنه كان من الضروري أن يعقب الاتفاق حول استانبول اتفاق آخر أصبح يعرف فيما بعد باتفاقية (سايكس ـ بيكو) التي سماها أولاً الفيكونت غراي «الاتفاقية الفرنسية ـ البريطانية ـ الروسية السرية» حول مناطق النفوذ في آسيا الصغرى. ويبدو أن فرنسا هي التي بادرت إلى فتح باب المداولات حول هذه الاتفاقية. ففي 23 آذار، 1915 بعث السيد كامبون السفير الفرنسي في باريس برسالة إلى السير إدوارد غراي يقول فيها أن السيد دلكاسة قد لحظ أنه «بما أن قضية استانبول والمضائق وهما القضيتان التي تعنى بهما روسيا، قد انتهت فقد آن لفرنسا وبريطانيا العظمى أن تنصرفا الآن إلى بحث القضايا الأخرى المتعلقة بآسيا الصغرى». وقد اقترح دلكاسة أن تجري مفاوضات غير رسمية حول هذه القضايا. وقد كتب السير إدوارد غراي يقول: «لقد وافقت على هذا الاقتراح وقلت أنه من الأفضل أن تجري هذه المفاوضات بيني وبين السيد كامبون» وقد استغرقت المفاوضات بين فرنسا وبريطانيا وروسيا أكثر من سنة. وأخيراً، بعد تداول الرسائل بين السير إدوارد والسيد بول كامبون والسيد سرج سازانوف، وزير خارجية روسيا، أسفر الأمر عن اتفاقية سرية بين هذه الدول الثلاث العظمى حددت فيها مطالب كل منهما في تركيا الآسيوية، وهي الاتفاقية التي أصبحت تعرف فيما بعد «بصورة غير رسمية، باتفاقية سايكس ـ بيكو.» أما بنود هذه الاتفاقية فقد احتوتها رسالة بعث بها السيد غراي إلى السيد كامبون مؤرخة في 16 أيار، عن وزارة الخارجية. بموجب اتفاقية سايكس ـ بيكو، كانت فرنسا وبريطانيا العظمى على استعداد «أن تعترفا وتحميا دولة عربية مستقلة أو حلف دول عربية مستقلة تحت رئاسة رئيس عربي» في المنطقتين «أ» و«ب». وتكون منطقة «أ» تحت حماية فرنسا ومنطقة «ب» تحت حماية بريطانيا. ولم تقتصر منطقة «أ» على المدن السورية الرئيسية ـ دمشق وحمص وحماة وحلب ـ وحسب بل كانت تشمل الموصل في شمالي العراق. أي أنها كانت منطقة تشمل الجزء الأكبر من الولايات العثمانية الثلاث: ولاية الشام (دمشق)، وولاية حلب، وولاية الموصل. كذلك حصلت فرنسا على «منطقة زرقاء» وبريطانيا على «منطقة حمراء» يباح لكل منهما في منطقته «إنشاء ما ترغبان فيه من شكل الحكم مباشرة، أو بالواسطة، أو من المراقبة بعد الاتفاق مع الحكومة أو حلف الحكومات العربية». كانت المنطقة الزرقاء تشمل شقة سوريا الساحلية بما في ذلك الاسكندرونة واللاذقية وطرابلس وبيروت وصيدا وصور، كما أنها كانت منطقة تمتد حتى تشمل جبل لبنان وبالإضافة إلى هذا كانت تشمل قيليقية، وجزءاً كبيراً من أواسط آسيا الصغرى ومن طرفها الجنوبي الشرقي. أما «المنطقة الحمراء» البريطانية فقد كانت تشمل جزءاً كبيراً من ولاية بغداد. في الواقع منحت فرنسا، بموجب اتفاقية سايكس ـ بيكو، حق المراقبة على لبنان وسوريا باستثناء «جنوبي سوريا» أي فلسطين، التي أشير إليها في الخريطة «بمنطقة سمراء» حيث ستنشأ «إدارة دولية». وهكذا أصبحت سوريا «أرض الميعاد» مرتين. فقد وعد بجزء منها للشريف حسين، ووعدت بكاملها لفرنسا، لكن الشريف حسين لم يكن قد طلع على اتفاقية سايكس ـ بيكو عند توقيعها.
أسفرت المفاوضات مع الشريف حسين عما أصبح يعرف في السنوات الأربعين الأخيرة بالثورة العربية. بدأت هذه الثورة في العاشر من شهر حزيران، 19 ، بقيادة الشريف حسين وبمعاونة بريطانيا العظمى عسكرياً ومالياً.
ولكن من الممتع أن نشير إلى أن ثورة الشريف حسين ضد السلطان الذي هو أيضاً خليفة المسلمين نزلت كالصاعقة على كثيرين من المسلمين السنيّين في جميع أنحاء العالم، ولا سيما بين مسلمي الهند. فما أن أعلنت الثورة العربية حتى سارع الأتراك إلى تعيين الشريف علي حيدر أميراً على مكة عوضاً عن الشريف حسين ولكنه لم يستطع تسلم المنصب.
لكي يستطيع المرء أن يلفي نظرة خاطفة على ما كان يخبئه القدر لمنطقة الشرق الأدنى العربي ينبغي له أن يضطلع على مضمون وثيقة بريطانية وضعت سنة 1917 بعد أن كان الحلفاء قد قطعوا عهداً للشريف حسين سنة 1915، وبعد إبرام اتفاقية سايكس ـ بيكو سنة 1916. هذه الوثيقة هي «بيان حول السياسة الخارجية المرفوعة إلى المجلس الحربي الإمبراطوري». حملها إلى وزير الخارجية السيد لانسنغ في واشنطن يوم 18 أيار، 1917، السيد بلفور، رئيس البعثة البريطانية الخاصة التي كانت آنذاك تقوم بزيارة للولايات المتحدة. أما السياسة المتعلقة بتركيا ـ وكانت سياسة متجهمة تنطوي على التشاؤم وتوقع الكوارث ـ فقد اختصرت بما يلي:
«لا شك في أن تحطيم الإمبراطورية العثمانية الفعلي هو أحد الأهداف التي نعمل على تحقيقها. وقد يبقى الأتراك ـ وإني لأرجو ذلك ـ شعباً على شيء من الاستقلال ضمن منطقة في آسيا الصغرى. وإذا تم لنا النصر فمما لا شك فيه أن الأتراك سيحرمون من جميع المنطقة التي نطلق عليها اسم الجزيرة العربية، كما أنها ستحرم من معظم الأجزاء الهامة في وادي الفرات ودجلة. وستفقد استانبول، وسوريا، وأرمينيا، كما أن أجزاء من جنوبي آسيا الصغرى إذا لم تضم إلى القوات الحليفة فإنها ستكون بصورة ما تحت سيطرتهم».
كشف النقاب لأول مرة عن وجود معاهدات سرية في شهر تشرين الثاني، 1917، عندما عثر عليها في ملفات وزارة الخارجية الروسية. وقد أصدر تروتسكي، وزير الخارجية الروسية آنذاك أمراً بنشرها. وقد ذكر عن تروتسكي أنه قال في اجتماع اللجنة التنفيذية المركزية للسوفيات في بتروغراد: «… أن جميع المعاهدات السرية هي الآن في متناول يدي. وهذه الوثائق، التي ثبت أن بنودها تنطوي على لؤم يفوق ما كنا نتوقعه، ستنشر قريباً… إننا سنكنّس جميع هذه الوثائق السرية لنرمي بها إلى سلة المهملات». وكانت جريدة المانشستر غارديان أو صحيفة بريطانية نشرت خلاصة المعاهدات السرية المتعلقة باستانبول وبآسيا الصغرى (اتفاقية سايكس ـ بيكو) في عدديها الصادرين في 26 و28 تشرين الثاني، 1917.
1989-01-05