كتاب الشهر
1988/12/05م
المقالات
2,654 زيارة
الاستدلال بالظني
المؤلف: فتحي سليم
الناشر: مطبعة الزرقاء الحديثة ـ الأردن
1402هـ ـ 1981م
لما كانت العقيدة الإسلامية هي الأصل الوحيد الذي تقوم عليه حياة المسلم وتنبثق عنه كافة معالجات الحياة، وبها وعليها تتقرّر وجهة النظر في الحياة فلا بد من أن يكون الأصل متيناً راسخاً ثابتاً لا يتزعزع ولا يضطرب، ولا تعتريه الشكوك ولا الأوهام ولا تدخله الاحتمالات ولا الترجيحات. ولذا كان البحث على الإطلاق وأكثرها دقة وأهمية.
ولهذا كله نجد المؤلف قد عمد في هذا الكتاب مناقشاً مسألة من أهم المسائل ألا وهي «الاستدلال بالظني في العقيدة» ذلك أن النصوص الشرعية جاءت على صفتين قطعية وظنية وثبوتاً أو دلالة. فهل يجوز لنا أن نستدل بتلك النصوص التي جاءت ظنية من حيث الثبوت أو الدلالة هي يجوز لنا أن نستدل بها على العقيدة؟ لذلك نجده يقدم للموضوع فيقول:
«وقد يبرز على هذا البحث الناحية الأصولية أكثر من النواحي الأخرى: الفقهية والحديثية واللغوية ذلك لأن الموضوع وهو: (لا يجوز الاستدلال بالظني في العقيدة) موضوع أساسي ومسألة أصولية فلا بد من أن توضع في محلها وتعطى ما يليق بها عند تقرير الأمور وتقعيد القواعد وأن نلبسها لبوسها الخاص بها أي لا نتخذها مسألة لغوية فنرجع إلى ما قاله الكسائي وسيبويه من المسائل النحوية واللغوية، وأن نتخذها مسألة فقهية، فندخل فيما دخل فيه علماء الفقه من خلافات في المسائل الفرعية، وكذلك لا نجعلها مسألة حديثية فندخل في بحث شروط التحمل وأحوال الرواة ومراتب الرواية.
بل لا بد من أن نتخذ هذه المسألة أصلاً وقاعدة موضحين الأدلة التي قعدت هذه القاعدة بواسطتها، لأن القواعد الأصولية لا بد لها من دليل قائم على الأصل الثابت المقطوع به وهو الكتاب والسنة المتواترة أو أن تكون الأصول قائمة على العقل».
وقد بحث الكتاب بدقة وعرض لمواضيع في غاية الأهمية فبحث في النصوص وما تمتاز به من خاصيتي النقل والدلالة وهما الميزتان اللتان اختصت بهما النصوص الشرعية ومن خلال الدلالة يعرض بتفصيل للمنطوق والمفهوم.
ثم يأتي على أهم نقطة في البحث ألا وهي كلمتي الظن والعلم. وحين البحث في الظن يأتي على بحث الاجتهاد أين يكون. وأين يجب أن لا يكون. فهل يجوز التقليد في العقيدة والأحكام؟ وكيف أنه يجوز في الأحكام ولا يجوز التقليد في العقيدة مطلقاً. ثم هل الرسول كان مجتهداً؟ وكيف أنه لا يجوز بحق الرسول أن يكون مجتهداً.
وختاماً لدراسة الكتاب سيصل القارئ الكريم إلى أن العقيدة الإسلامية يجب أن تكون قطعية وأن الأدلة قد تواردت على وجوب القطع في العقيدة ولا يجوز أن يدخل الظن أو الشك في العقيدة، فالعقيدة قطعية فيجب أن يكون الاستدلال عليها بالقطعيات فقط. ولا يكفي الاستدلال عليها بالظنيات. وإذا كان هذا ما سيصل إليه القارئ نتيجة لقراءة هذا الكتاب فالمؤلف نفسه جعله آخر أبحاثه مستدلاً عليه ومورداً أن هذا أمر عرفه وبحثه جمهور العلماء وأفذاذهم قديماً وحديثاً مع إيراد شيء من أقوالهم… «نقول أن هذا الأمر بحثه عامة علماء المسلمين وفي كافة الأعصر فقد قال بهذا الرأي: الإمام العز بن عبد السلام، والإمام القرافي، والإمام النووي، والإمام الغزالي، والإمام السرخسي، والإمام البغدادي، وابن برهان، وابن عبد البر، وابن حجر العسقلاني، ومن المعاصرين الإمام القاسمي والنبهاني وسيد قطب وغيرهم الكثير».
ومن أراد الرجوع إلى أقوال هؤلاء العلماء فقد جعل لهم المؤلف السبيل إلى ذلك بأن ذكر كتاب كل عالم ورقم الصفحة التي أوردوا فيها رأيهم وكان أكثرهم يرد على الإمام ابن الصلاح حين عارض هذا الرأي وقال بالاستدلال بالظني.
وكان لا بد للمؤلف من الرد على اعتراضات وتساؤلات حول هذا الموضوع حتى لا يبقى مقالة لقائل في هذا الموضوع وحتى يستوفي شروط الإقناع.
«إن العلماء الذين قالوا بجواز أخذ الظني في العقيدة فهم قلة قليلة وليسوا بجانب القائلين بعدم الجواز إلا شيئاً يسيراً. فجمهور علماء المسلمين في مختلف الأعصر يقولون بعدم أخذ الظني في العقيدة وقد أوردنا أقوال طائفة منهم… فليعاود القائلون بالجواز النظر في أقوالهم هذه ويصححوا رأيهم ويعودوا إلى جادة الصواب. والرجوع إلى الصواب ليس عيباً في دين الله وإنما هو فضيلة من الفضائل».
1988-12-05