السياسة في دولة الخلافة
1988/09/05م
المقالات
2,522 زيارة
بقلم: عبد الوهاب الأمين
إن من أرقى أنواع الفكر الفكر السياسي، والسياسة بمعناها اللغوي هي رعاية شؤون الأمة الخارجية منها والداخلية.
أما وقد قيل ما قيل في عصرنا من أن السياسة ليست من الدين أو بفصل الدين عن السياسة فإنه إما أن يكون كلام مغفلين أو خبثاء يريدون به تضليل الأمة.
لقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الدولة الإسلامية، وكان هو قائد المسلمين. ومن الأعمال التي قام بها، رعاية شؤون أمته، فكان يحكم بينهم بالإسلام، وكان هو من يعلن الحرب على الكفار ويعقد معهم المعاهدات. وكل هذه الأعمال إنما تتصل بالسياسة.
والسياسة ليست اختراعاً جديداً، فإن لها أحكامها في الشرع الإسلامي يستدل عليها من القرآن الكريم ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .نأخذ مثلاً: لا يجوز للدولة الإسلامية أن تنضم إلى هيئات لا تحكم بالإسلام مثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، قال تعالى: (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ)، وقال: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ). والغاية أو الهدف السياسي لا يبرر الوسيلة، لأن الطريقة أيضاً هي من جنس الفكرة، والفكرة يجب أن لا تخالف العقيدة الإسلامية، فمثلاً لا يجوز التجسس على المسلمين ولو بهدف حماية الأمن والنظام لأن التجسس حرام والآية الكريمة واضحة: (وَلاَ تَجَسَّسُوا…) الآية، ولذلك فأننا ملزمون أيضاً بالطريقة التي حددها الله تعالى.
والوعي السياسي هو أهم أشكال الوعي في المجتمعات وإذا ما اقترن هذا الوعي بمتابعة الأحداث السياسية فإنه يشكل بالإضافة إلى كشف خطط الدول، تنمية لرجال دولة قادرين على أخذ القرار في دولة تزداد قوة بحنكتهم وخبرتهم السياسية.
وبينما نحن نتطلع إلى هذه الدولة التي تحفظ كرامة المسلمين وتعزّهم بالإسلام، نلاحظ الانحطاط والتخلف الفكريين والسياسيين عند حكام البلاد الإسلامية الذين تظهر عليهم صفات العمالة في طريقتهم وهدفهم السياسيين.
ومن المبادئ التي تسيِّر سياسة الدول، المبدأ الرأسمالي والمبدأ الشيوعي، وتلتزم الأولى بالنفعية والمصلحة، فيأخذ الدور الأكبر فيها أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى، أما الثانية فلتلتزم بالتطور المادي ومصلحة الدولة العليا التي ترتفع عن مصلحة الفرد، لتكون الدولة أو المجتمع العام في تطوره المادي هو العجلة التي يدور الأفراد معها.
وإن دون ذلك روابط عديدة تتداخل مع المبدأين المذكورين كالقومية والوطنية، ويتميزان بضعف وهشاشة الروابط بين أفراد المجتمع، فمع زوال الأخطار الخارجية التي تحدق بالمجتمع القومي أو الوطني تتفكّك الروابط لتتحول إلى صراعات داخلية بهدف السيادة، وبالتالي فإن سياسة هذه الدول الوطنية والقومية ومع انعدام وجود مبدأ عام يسيرها، يتنازعها الكثير من الأفكار والأهواء نظراً لتعدد التوجهات التي يتيحها الإخفاق السياسي والظلم الاجتماعي.
وفي هذه الحالة من الاضطراب السياسي يسهل على المستعمر الدخول من باب حرية الفكر والديمقراطية والاشتراكية التي تتبناها الأنظمة وتحافظ الدول الكبرى على هذه الهيكلية القائمة بإيجاد حكام عملاءٍ لها تشرع لهم الأنظمة التي تريد.
أما السياسية الإسلامية فإنها تستند إلى مبدأ الإسلام، وبقدر ما تلتزم به تكون ناجحة، ويضمن الإسلام إيجاد رابطة قوية بين أفراد مجتمعه وذلك بوجود فكر واحد على الساحة، ومنع الدعوة إلى المبادئ الأخرى أو وجود أحزاب تعتنقها.
وباجتماع الأمة على شخص الخليفة من خلال البيعة، تتجسد الدولة الإسلامية بشخص قائدها، ويكون القرار صلباً قوياً، ووجود الشخص المناسب في موقع الحكم ضروري لأن الحكم يتطلب الكثير من الوعي، وتتلخص السياسة الخارجية بالدعوة إلى الإسلام، وبطبيعة الحال يكون الجيش هو عماد السياسة الخارجية، ولكت تكون هذه السياسة ناجحة، تقوم الدولة بالإعلان عن الأعمال وبإخفاء الأهداف، وينقسم العالم إلى دار إسلام ودار كفر ويتم التعامل على هذا الأساس مع الدول الأخرى.
1988-09-05