الالتزام بالإسلام طريق للنصر والاستخلاف في الأرض
1988/09/05م
المقالات
1,952 زيارة
بقلم: مصطفى العلي
قال تعالى: (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) [المائدة: 49].
(وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) [يونس: 109].
(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ). [يونس: 15].
إن طريق المؤمنين إلى النصر، والاستخلاف في الأرض، والتمكين فيها يكون بالوعي الكامل والدقيق على الإسلام، والتمسّك به، والثبات عليه، والحذر من التغيير والتبديل فيه، وعدم التنازل ولو عن حكم واحد من أحكامه، والعمل الجادّ لجعله مطبقاً في الحياة، تقوم بتطبيقه في الداخل وحمله إلى العالم دولةٌ مؤمنة به، وتشرف على ذلك أمة واعية أصبح الإسلام قضيّها المصيرية، فالعقيدة الإسلامية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) عند المسلمين هي أساس الدولة، والمقياس لجميع مواقفهم وتصرفاتهم هو الحلال والحرام، وغاية الغايات في نظرهم هي نوال رضوا الله سبحانه وتعالى، فلا يخدعون بمفهوم مغلوط يُطْرَحُ عليهم، ولا يُضللون بمحاولات توفيق تقدم إليهم عن حسن نية أو سوء نية، فهم لا يغيرون الأفكار الإسلامية ويحرّفونها لتتمشى مع إرادة الحكام وأهوائهم، أو لتتمشى مع التيار الموجود إذا كان قوياً مسيطراً، وإنما يغيرون المفاهيم المغلوطة، والأفكار الخاطئة والأهواء المنحرفة لتتمشى مع الإسلام.
من هنا ندرك إدراكاً جازماً أهمية الموقف العقائدي الذي جاءت به هذه الآيات الكريمة، والذي لا يقبل المساومة على المبدأ، ولا التنازل عن أي مفهوم من مفاهيمه، أو قناعة من قناعاته، كما لا يقبل التبديل أو التحريف أو التغيير فيه (إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ).
لقد أمرت هذه الآيات باتباع ما جاء به الوحي إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم . ونهت نهياً شديداً عن اتباع الهوى، وحذرت تحذيراً قوياً من أن نفتن ولو عن بعض ما أنزله الله إلينا، مهما كانت الاغراءات كبيرة، والتهديدات قوية، ويجب أن يكون أسوتنا في ردنا على كل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما عرض عليه المشركون اغراءاتهم وتهديداتهم فقال لهم ما معناه: «إن السماء أقرب إلى الأرض مما تدعونني إليه»، وقال: «والله يا عمّ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه».
بهذا الموقف العقائدي الملتزم بالإسلام، الثابت عليه، الرافض لكل ما في هذه الحياة من اغراءات وتهديدات، يتحقق لنا النصر بإذن الله ونكون مؤهلين للاستخلاف في الأرض، ولأن يتفضل الله علينا فيبدّل ضعفنا قوة، وخوفنا أمناً، وفقرنا غنى.
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) [النور: 55].
إن إيماننا بالله، ووعينا على إسلامنا، ونصرتنا لديننا، وتمسّكنا به، وثباتنا عليه، وجدّيتنا في العمل لجعله مطبقاً في هذه الحياة، يجعلنا على يقين بأنه مهما تفنن الطواغيت الظالمون في أساليب البطش والتعذيب للمؤمنين، ومهما اشتدّت فتنة المفسدين المتكبرين لهم، فإن نهاية كل طاغوت ومفسد ومتكبر قريبة، وأنهم لن يتمكنوا من إطفاء نور الله، ولن يستطيعوا أن يحولوا دون إظهار الدين الحق على الدين كله، لأن استخلاف المؤمنين في الأرض، وتمكين الدين لهم هو وعد من الله ولن يخلف الله وعده.
إن أقوى دليل على ذلك، وأنصع برهان الآيات الكريمة التي تتحدث عن نصر المؤمنين الصادقين، وهلاك المفسدين، وخزي الكافرين، وإبطال كيدهم، وإحباط مكرهم، وأن الأموال التي ينفقونها ليصدوا عن سبيل الله تكون عليهم حسرة ثم يغلبون.
فمع آيات الله التي تزف للمؤمنين الثابتين على إيمانهم، الصابرين على الأذى: بشرى النصر ونهاية المفسدين الظالمين.
قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ @ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي لأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ @ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 4 ـ 6].
(ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) [الأنفال: 18].
(وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ) [التوبة: 2].
(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال: 26].
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) [الأنفال: 36].
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 33].
(وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47].
هذه الآيات وغيرها عشرات الآيات تدل دلالة قاطعة على نصر الله للمؤمنين الصادقين، كما تدل على نهاية الظالمين الماكرين، وسوء مصير الكافرين المفسدين.
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق: 37]. لذلك فإن أكثر ما نحتاج إليه اليوم ـ وقد تألب الطواغيت علينا في كل مكان لفتنتنا عن ديننا ـ وقفه تأمل وتدبر في كتاب الله وسنة رسوله، لنصل إلى الفهم الصحيح والوعي الكامل، فنحرص على التزام هذا الفهم الصحيح الذي نحمله، ونثبت على الصراط المستقيم الذي نسلكه، لا يصدنا عن مبدئنا ضغط الواقع، ولا يثنينا عن وحي الله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أذى الظالمين، ولا يجعلنا نتنازل عن حكم واحد من أحكام الله ترغيب أو ترهيب، ولا يضعف ثقتنا بما نحن عليه تأخر النصر، فالخزي الذي حل بالمتكبرين الظالمين في الماضي سيحل بكل متكبر ظالم في الحاضر بإذن الله وفي الدنيا قبل الآخرة، وإحباط مكر الماكرين الكافرين، وإبطال تآمرهم على المسلمين كما حصل في السابق سيحصل الآن لكل من فكر بالمسلمين وكاد لهم لا محالة بعون الله تعالى.
(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].
1988-09-05