مصادر الحكم الشرعي ووجوه معارضته
1988/09/05م
المقالات
4,154 زيارة
تعريف الحكم الشرعي
الحكم الشرعي: هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالإقضاء أو التخيير أو الوضع. وخطاب الشارع هو الخطاب الذي أوصاه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم لفظاً ومعنى وهو القرآن، أو معنى وهو السنّة أي قول الرسول وفعله وتقريره.
وقولنا: المتعلق بأفعال العباد يخرج منه ما تعلّق بالاعتقاد فلا يسمى حكماً شرعياً. ويشمل الحكم الشرعي الأحكام المتعلقة بالمكلّفين وهم الناس عامّة، وغير المكلفين كالصبي والمجنون، ودليله خضوع أهل الذمة وهم غير المسلمين لأحكام الإسلام. من دفع جزية وغيره، والحجر على أموال المجنون حتى يفيق. ومعنى قولنا بالإقضاء أو التخيير أو الوضع هو طلب الفعل أو طلب الترك أو التخيير بين الفعل والترك. وأما الوضع فهو جعل الشيء سبباً أو مانعاً للحكم الشرعي وما شاكل ذلك من بطلان وفساد وشرط ورخصة وعزيمة أو بمعنى آخر تنزيل الحكم الشرعي عن بعض المكلفين لسبب أو مانع أو شرط… الخ.
أولاً – الكتاب
ويطلب الدليل أولاً من الكتاب وهو الأصل الأول من أصول الأدلة الفقهية، قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).
ومن الكتاب ما هو محكم، وهو ما أحكمت معانيه وبلغ الغاية التي يفهم منها المراد من غير إشكال ولا التباس، ومنها ما هو متشابه وهو الذي يحتمل معنيين أو أكثر يشبه بعضها بعضاً فيلتبس الأمر عند السامع لأول وهلة حتى يستطيع أن يميز المراد.
ومن الكتاب ما هو حقيقة، وهي استعمال اللفظ لما وضع له في اللغة، ومنه ما هو مجاز وهو كل لفظ نقل عما وضع له بدليل أي بقرينة تصرفه عن الحقيقة.
ومن الكتاب ما هو أمر وهو قول يستدعي به القائل الفعل ممن هو دونه، فخرج من التعريف ما ليس فيه استدعاء مثل التهديد كقوله تعالى: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)، ومثل التعجيز كقوله تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ)، ومثل الإباحة (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا). وكذلك خرج من التعريف ما كان من النظير للنظير أو من الأدنى للأعلى فليس بأمر، كقولنا (اللهم ارحمنا اغفر لنا). ومنه ما هو نهي، وهو القول الذي يستدعي به القائل ترك الفعل ممن هو دونه، وتصدق استثناءات الأمر عليه.
ومن الكتاب ما هو عام، وهو كل لف عم شيئين فصاعداً، ومنه ما هو خاص وهو بيان ما لم يرد بالأمر العام. وقد يرد خاص ويراد به عام مثل معظم آيات الأحكام فهي نزلت بحوادث مخصوصة ولكن العبرة بعموم لفظها لا بخصوص سببها. وقد يرد عام ويراد به خاص مثل قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ). فخرج اللفظ عاماً وبيّن أن المراد هم من يدعون من دون الله آلهة.
ومن الكتاب ما هو مبيَّن، وهو ما استقل بنفسه في الكشف عن المراد ولم يفتقر لمعرفة المراد إلى غيره مثل (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى)، ومنه ما هو مجمل وهو ما لا يعقل معناه من لفظه ويفتقر في معرفة المراد منه إلى غيره مثل قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)وهو عام في كيفية الجلد وشمل كل زان وزانية، ولكن الرسول بيّن كيفية الجلد كاتقاء الوجه والمقاتل وبيّن بأن الثيب الزاني يُرجم.
ومن الكتاب ما هو ناسخ وهو مزيل الحكم، وحدّه: الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتاً مع التراخي الناسخ عن المنسوخ، مثل قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) فكانت العِدّة سنة ونُسخت إلى أربعة أشهر وعشرة أيام، إلا أن تكون حاملاً فعدتها إلى أن تضع.
ثانياً – السنّة
ويطلب الدليل ثانياً من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ودليله قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) وغير ذلك من الآيات الدالة على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم .
والسنة على ضربين متواترة وآحاد. والسنة المتواترة إما أن تكون متواترة لفظاً وهي أن يروي الحديث بلفظه جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب أو اجتماعهم على الخطأ. وإما متواترة معنى، وهي أن يروي جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، كل واحد حكماً غير الذي رواه الآخر، ولكن يتضمن الجميع نفس المعنى. فمثلاً الخبر عن خروج الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة، وخبر وفاته ودفنه فيها كلها متواترة.
والحديث المتواتر إن كان طريق المعنى أو اللفظ يوجب العمل والعمل أي الاعتقاد وهو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل.
وخير الآحاد على ضربين مسند ومرسل. والمسند على أقسام أولها الصحيح المشهور وثانيها الصحيح، وثالثها الحسن، ورابعها الضعيف وهو أنواع كثيرة. ويقصد بالمسند من اتصل إسناده من الراوي وحتى الرسول عليه الصلاة والسلام، فإن انقطع الإسناد في السلسلة يصبح ضعيفاً ولكن يعمل به إذا كان الساقط منه صحابي لأنهم كلهم مقطوع بعدالتهم، أما إذا كان الساقط تابعياً فينظر ليعلم حاله.
وخير الآحاد يوجب العمل ولا يوجب العلم، على خلاف بين الفقهاء على المسألة.
ثالثاً – إجماع الصحابة
ويطلب الدليل ثالثاً من الإجماع، ويقصد بالإجماع إجماع الصحابة، وهو أيضاً على خلاف بين الفقهاء. ودليل إجماع الصحابة أنه حكم شرعي هو دليل عقلي ولا يوجد دليل شرعي على ذلك. والعبرة بالدليل المعتبر وراء إجماعهم لأنه من المستحيل أن يجمعوا على أمر قد أتى الشرع بخلافه أو أن يُجمعوا بدون دليل، فإجماعهم يكشف عن دليل من السنة لم ينقل إلينا.
رابعاً – القياس
ويطلب الدليل رابعاً من القياس، وهو فعل القائس، وهو حمل فرع على أصل، المعنى يجمع بينهما، ويشتمل على أربعة أشياء: الفرع والأصل والعلة والحكم. والفرع هو ما ثبت بغيره. والأصل هو ما عرف حكمه بلفظ تناوله، والعلة هي المعنى الذي يقتضي الحكم فيوجدُ الحكمُ بوجوده ويزول بزواله. والحكم هو الذي يُعلَّق على العلة من تحليل وتحريم وإيجاب وإسقاط. والعلة معنى شرعي يطلب من الدليل، وتفسد إذا لم يكن على صحتها دليل، وتفسد إذا كان أصلها غير ثابت كأن يكون منسوخاً لأن الفرع لا يثبت إلا بالأصل فإذا لم يثبت الأصل لم يجز إثبات الفرع من جهته، مثل جواز زواج الرسول بالهبة فلا يقاس غيره عليه لأن الحكم الذي يثبت في الأصل.
من كتاب أو سنة. لأن القاعدة الأصولية تقول: «لا اجتهاد مع معرض النص» قال الشافعي: الأصل قرآن أو سنة فإن لم فقياس عليها وإذا اتصل الحديث عن رسول الله فهو سنة على شرط صحة الإسناد. وإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسناداً أولاها ولا يقاس أصل على اصل ولا عام على خاص». وقال يحيى بن آدم: «لا يحتاج مع قول النبي عليه الصلاة والسلام إلى قول أحد إنما كان يقال: سنة أبي بكر وعمر ليعمل أنه عليه السلام مات عليها».
الاعتراض على الحكم الشرعي
يتم الاعتراض على الحكم الشرعي من وجهين: إما أن يعترض على فهم الواقع وإما أن يعترض على الدليل. ويكون الاعتراض على الواقع اعتراضاً على فهم المسألة المعيّنة لتصحيح انطبقا الدليل عليها وأما الاعتراض على الدليل ففيه تفصيل. فإن كان الدليل من الكتاب فالاعتراض عليه من ثلاثة وجوه: أن يحتج بأن الدليل منسوخ، أو أن ينازع المعارض بمقتضى لفظ الدليل، أو أن يعارضه بغيره على دعوى الترجيح على دليل المستدل.
وإن كان الدليل من السنة فالاعتراض عليه من خمسة وجوه: أن يطالب بإسناده، أو أن يعترض على إسناده، أو يعترض على متنه، أو يدعي نسخه، أو أن يعارضه بخبر غيره.
وإن كان الدليل من الإجماع فالاعتراض عليه من ثلاثة وجوه: أن يطالب بظهور القول من كل مجتهدي الصحابة أو بإقرارهم، أو يبين ظهور خلاف بعض الصحابة، أو أن يعترض على قول المجمعين إن لم يكونوا صرحوا بالحكم بمثل ما يعترض على لفظ السنة.
وإن كان الدليل من القياس فالاعتراض عليه من وجوه كثيرة نذكر أهمها: أن يخالف نص القرآن أو السنة أو الإجماع، إنكار العلة بالاعتراض على دليلها، ويصدق عليها ما يصدق الاعتراض على الحكم الشرعي، أن ينكر العلة، قال الشافعي: قال ربيعة من أفطر يوماً في رمضان كان عليه صيام اثني عشر يوماً لأن الله اختار رمضان من بين اثني عشر شهراً، قال الشافعي يقال له: قال الله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) فمن ترك الصلاة ليلة القدر وجب عليه أن يصلي ألف شهر على قياس قوله. وبعد فهذه وجوه الاعتراض على الحكم الشرعي وما درج عليه البعض من الاعتراض بدعوى المصلحة العامة أو غيرها هي اعتراضات فاسدة لا تصح شرعاً.
صيدا – عبد الرحيم أبو الهيجا
1988-09-05