الموقف الشرعي من حركات السلام اليهودية، وواجب المسلمين تجاهها (9)
نصل الآن إلى النقطة الأخيرة في هذا الموضوع، وهي: (الموقف الشرعي من مثل هذه الحركات المضلِّلة، وواجب المسلمين تجاهها)، ومن الداعين لها في أوساط المسلمين، وكيف نعمل لخلعها من أوساط المسلمين، وخلع مخاطرها الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والأمنية؟!. وقبل أن نذكر الموقف الشرعي وحكم مثل هذه الحركات المضلِّلة المخادعة،يجب أن لا يغيب عن أذهاننا كمسلمين ولو للحظة واحدة أن أساس حياتنا والمسيِّر لأعمالنا، والحَكَم على كل أمر من أمور الحياة، جل أو صغر هي: (عقيدتنا الإسلامية، وما انبثق عنها من أحكام نورانية ربانية)، فليست المصلحة، ولا الأموال، ولا ضغوطات الواقع السياسي، ولا ما تمليه الدول الكافرة على حكامنا هو الحَكَم في حياتنا. والزاوية التي ننظر من خلالها إلى المؤسسات والحركات والجمعيات، أو الميزان الذي نزِن به كل هذه الأشياء والأعمال؛ هو أحكام ديننا الهادي إلى سواء السبيل. فعندما ننظر إلى مثل هذه الحركات وأعمالها فإننا نبدأ أولًا :بزاوية العقيدة وموقف المسلم من الكفار قاطبة، وموقف المسلم من اليهود على وجه الخصوص، والموقف من اليهود المغتصبين لأولى القبلتين وثالث المسجدين على أخص الخصوص…
فما هو الموقف الشرعي من العلاقة ما بين المسلم واليهودي الحربي؟!، ومن هو اليهودي الحربي، ومن هو اليهودي غير الحربي؟!. وقبل أن نجيب عن السؤال؛ في تحديد الموقف الشرعي من العلاقة ما بين اليهودي والمسلم، يجب أن نحدد أولًا: واقع اليهود في فلسطين: ما هو، سواء أكانوا حركات سلام أم غير ذلك…
أما الحكم الشرعي، فهو معروف للقاصي والداني هو أن كل يهودي موجود على أرض فلسطين، وجاء من خلال الانتداب البريطاني، أو بعده، أو قبله ويعطي الولاء للكيان اليهودي المغتصب؛ فإنه يعتبر جزءًا من هذا الكيان، ويأخذ حكمه الشرعي. أما حكم الكيان اليهودي فهو كيان مغتصب، تنطبق عليه أحكام الكافر الحربي الذي يأخذ هذه الصفة بشكل دائم لا ينقطع طالما بقي شبر واحد من أرض فلسطين. فاليهود جميعًا في أرض فلسطين، ممن يعطون الولاء ويعترفون بكيان دولة اليهود (إسرائيل (هم محاربون فعلًا، وتنطبق عليهم أحكام المحارب الفعلي؛ في العلاقات والمعاملات، ولا فرق في ذلك، أي في هذا الحكم بين يهودي في حزب ميرتس، أو (حركة السلام الآن) أوفي غيرها من أحزاب ليكودية، كما يسميها بعض الناس بالمتطرفة. فجميع الأحزاب اليهودية لها حكم واحد، وجميع اليهود في فلسطين، ممن يعيشون تحت مظلة الدولة، ويعترفون بها هم (كفار حربيون) وهذا يعني أن كل يهودي قد دخل أرض فلسطين من بداية الانتداب البريطاني، تحت ظل الاغتصاب، هو محارب فعلي، ولا فرق بين رجل وامرأة، ولا شيخ ولا غير ذلك. والأدلة الشرعية كثيرة على هذا الحكم من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ومن أقوال فقهاء الأمة. وقد ذكرنا الكثير منها في الحلقات السابقة من هذا البحث، ولا داعي لذكرها مرة أخرى… وننقل بعض الفتاوى التي تحدثت عن حكم اليهود داخل فلسطين من المغتصبين، والتعامل معهم؛ وخاصة في التطبيع والسلام وبيع الأرض…
-
جاء في (الفتوى المقدسية) بتاريخ 3-7-2009م في حرمة بيع الأرض لليهود وفي بيان واقعهم: “وقد علم كل أحد أن اليهود في هذا الزمان قوم محاربون للمسلمين اغتصبوا بلادهم ومقدساتهم ونهبوا خيراتهم، وشردوا أصحاب الأرض من أرضهم بعد أن قتلوا من قتلوا منهم، وتسلطوا على المسلمين في بقعة هي من أقدس بلاد المسلمين، فصار المسلمون وبيت المقدس والمسجد الأقصى وسائر المساجد فيها تحت سلطان هؤلاء اليهود، وهم يخططون ليل نهار لإفراغ هذه البلاد ممن تبقى فيها من أهلها بكافة السبل والحيل، والمكائد والضغوطات… ويسعون بخبث ومكر وإرصاد لهدم المسجد الأقصى، وإقامة هيكلهم المنشود، ولقد بيّن الله تعالى لنا عداوة يهود في القرآن العظيم فقال: ]لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ[ [المائدة: 82].
-
وجاء في (الفتوى الأزهرية) سنة 1956م بتحريم الصلح أو السلام مع اليهود ووجوب الجهاد. وهذا جزء من نصها: “أما بعد، فقد اطلعت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف على الاستفتاء المقدم إليها عن حكم الشريعة الإسلامية، في إبرام الصلح مع إسرائيل التي اغتصبت فلسطين من أهلها وأخرجتهم من ديارهم وشردتهم نساء وأطفالًا وشيبًا وشبانًا في آفاق الأرض… وتفيد اللجنة أن الصلح مع إسرائيل كما يريده الداعون إليه، لا يجوز شرعًا؛ لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار في غصبه، والاعتراف بحقية يده على ما اغتصبه، وتمكين المعتدي من البقاء على دعواه”.
-
وفي عام 1989م أصدرت مجموعة من (صفوة علماء العالم الإسلامي) فتوى بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين، وفيما يلي نص الفتوى: “الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والصلاة والسلام على من أُسري به إلى الأرض المباركُ فيها للعالمين، قبلة المسلمين الأولى، وأرض الأنبياء، ومهبط الرسالات، وأرض الجهاد والرباط إلى يوم الدين، وعلى آله الأخيار وصحبه، الذين عطروا بدمائهم الزكية تلك الأرض الطيبة حتى أقاموا بها الإسلام، ورفعوا فيها رايته خفاقة عالية، وطردوا منها أعداءه الذين دنسوا قدسه المبارك والكفر، وعلى الذين ورثوا هذه الديار فحافظوا على ميراث المسلمين ودافعوا عنه بأموالهم وأنفسهم، وبعد: فإن مهمة علماء المسلمين وأهل الرأي فيهم أن يكونوا عصمة للمسلمين، وأن يبصروهم إذا احتارت بهم السبل وادلهمت عليهم الخطوب… ونحن الموقعين على هذه الوثيقة نعلن للمسلمين في هذه الظروف الصعبة أن اليهود هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، اغتصبوا فلسطين، واعتدوا على حرمات المسلمين فيها وشردوا أهلها، ودنسوا مقدساتها، ولن يقر لهم قرار حتى يقضوا على دين المسلمين… ونحن نعلم، بما أخذ الله علينا من عهد وميثاق في بيان الحق، أن الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، وأنه لا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين، وليس لشخص أو جهة أن تقرَّ اليهود على أرض فلسطين، أو تتنازل لهم عن أي جزء منها، أو تعترف لهم بأي حق فيها… إن هذا الاعتراف خيانة لله والرسول وللأمانة التي وكل إلى المسلمين المحافظة عليها، والله يقول: ]٢٦ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٢٧[ [الأنفال: 27]. وأي خيانة أكبر من بيع مقدسات المسلمين، والتنازل عن بلاد المسلمين إلى أعداء الله ورسوله والمؤمنين؟!.
-
ويقول الكاتب (عدنان عدوان) في مجلة (الوحدة الإسلامية) (عدد 172) في حكم التطبيع مع اليهود: “بغضِّ النظر عن الشكل، فإن فحوى التطبيع مع العدو الصهيوني يبقى واحدًا وهو(جعل الوجود اليهودي في فلسطين أمرًا طبيعيًا، وبالتالي فإن أي عمل أو قول أو صمت أو تقاعس؛ يؤدي إلى التعامل مع الوجود اليهودي في فلسطين كأمر طبيعي، يحمل في طياته معنىً تطبيعيًا”. ويُراد بالتطبيع: (إقامة علاقات طبيعية في الجوانب المختلفة)، فهناك تطبيع سياسيّ، وتطبيع اقتصاديّ، وتطبيع دبلوماسيّ، وغير ذلك… وكل هذه الجوانب مرفوضة ولا تحتاج إلى اجتهاد كبير، فهي واضحة جلية. فالتطبيع مع الظالم ظلم؛ لأنه إقرار له على ظلمه، وهذا منصوص عليه في مواضع كثيرة؛ قال تعالى: ]يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ[ [الممتحنة: من الآية 1]. وقال أيضًا: ] قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ ١٧[ [القصص: 17].
-
ويقول الدكتور (سلمان الصالحي)في كتاب (استراتيجية الاختراق الصهيوني): “وبدأت مرحلة جديدة بعد زيارة السادات للقدس، حيث برز اصطلاح جديد وهو التطبيع، وقد استعمله اليهود كثيرًا على الرغم من المغالطة في المفهوم؛ حيث إن التطبيع (هو عودة العلاقات إلى سابق عهدها)، بينما الأصل في العلاقة مع اليهود هو العداوة كما قال تعالى:] ۞لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ[[المائدة: 82] ولا ينكر الساسة اليهود أن التصور الإسرائيلي للسلام مع العرب يدور حول فكرة أساسية هي (تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية) التي هي مرحلة من مراحل السيطرة اليهودية، ولا يمكن تصور أن زيارة السادات للقدس كانت وليدة خاطرة في ذهن الرئيس، بل إن الاتصالات (الإسرائيلية) كانت مستمرة بلا انقطاع مع أكثر من طرف عربي.
-
وحركات السلام هي جزء لا يتجزأ من هذا الكيان الشرير، ويخدم أفرادها في الجيش اليهودي؛ الذي حارب في لبنان وفي غزة، ويقوم بأعمال إجرامية في أرض فلسطين يوميًا. وبناء على كل هذه المعطيات في وصف الواقع لحركات السلام بشكل عام، (وحركة السلام الآن) على وجه الخصوص؛ فإن الحكم الشرعي في هذه الحركات هو: (أنها جزء لا يتجزأ من الكيان اليهودي)، وتأخذ حكمه الشرعي في التعامل معه؛ على اعتبار أنه كيان محارب فعلًا للمسلمين، فهي عدوة لأمة الإسلام. وبناء على ذلك، لا يجوز شرعًا التعامل مع مثل هذه الحركات، أو الدخول معها في برامجها السياسية أو أعمالها الدعائية؛ لأن كل أعمالها تصب في مصلحة الحرب على دين الله وعلى أمة الإسلام؛ حتى لو ظهرت بمظهر السلام، فمشاركتها في أعمالها هي إعلانُ حرب على أمة الإسلام، هذا عدا عن أن مشاركة هذه الحركات هي نوع من أنواع الولاء في الأعمال، ويخشى أن يصل إلى درجة الولاء في عقائدهم ومبادئهم فينطبق على من يفعل ذلك قوله تعالى: ] ۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٥١[ [المائدة: 51]، أي يخشى أن يصل إلى درجة الكفر والعياذ بالله.