حركات السلام اليهودية: وجهٌ آخر للصهيونية (7)
2017/11/17م
المقالات
6,707 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
حركات السلام اليهودية: وجهٌ آخر للصهيونية (7)
حمد طبيب – بيت المقدس
لقد تحدثنا في الحلقة السابقة عن الحركة الصهيونية العالمية: عن أصل نشأتها وأسبابها، وعن تسميتها بهذا الاسم، كما تحدثنا عن أهدافها ومشاريعها الحالية والمستقبلية، وأعمالها لتحقيق هذه الأهداف والمشاريع في أرض الواقع. وفي هذه الحلقة سنتحدث عن (حركات السلام) اليهودية بشكل عام، وعن (حركة السلام الآن) بشكل خاص، وعن ارتباط هذه الحركات بالفكر اليهودي (التوراتي) ابتداء، وبالأفكار والمشاريع الصهيونية العالمية، وبأساليب تحقيق هذه المشاريع؛ ومنها دعم مشروع الوطن القومي لليهود، أو (الكيان الصهيوني) في فلسطين… وقبل أن نبدأ الحديث عن هذه الحركات بشكل إجمالي، وعن أصل وتاريخ نشأتها وأهدافها وأعمالها لتحقيق هذه الأهداف، نقول: إن جميع الأعمال والسياسات التي نراها في أرض الواقع، بخصوص اليهود ومنظماتهم السياسية وغير السياسية وأعمالها الظاهرة والخفية، قد أخبر بها الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز؛ فجميعها ترتبط بطبائع اليهود ونفسياتهم، وسلوكهم العملي في الحياة، ونظرتهم الفوقية للشعوب والأمم. والأمر الثاني: هو أن جميع الحركات السياسية أو غير السياسية التي تعيش على أرض فلسطين ترتبط بالحركة الصهيونية العالمية، سرًا وعلنًا، وتعمل لتحقق أهدافها وغاياتها في الواقع، سواء صرحت بذلك أم لم تصرح.
-
أما ما يتعلق بالفكرة الأولى في هذا الموضوع وهي: متى أنشئت هذه الحركات، وما هو الهدف الذي أنشئت من أجله، داخل الدولة العبرية أو خارجها؟؛ فنقول: إن الهدف الأساس من إنشاء مثل هذه الحركات، سواء منها ما كان داخل الكيان اليهودي أم خارجه، الهدف من ذلك هو: خدمة المشروع الصهيوني العالمي، ومنه دعم الكيان اليهودي، وتثبيت أركانه على أرض فلسطين، وكذلك في المحيط من الكيانات المجاورة لهذا الكيان، من الأنظمة العربية وغير العربية من العالم الإسلامي، ودعمه أيضًا والترويج له – فكريًا ومعنويًا وسياسيًا – على المستوى العالمي؛ وذلك ضمن سياسات الإعلام الكاذبة المضللة التي تتبناها الحركة الصهيونية.
أما متى أنشئت؛ مثل هذه الحركات فيقول الكاتب (أحمد بهاء الدين شعبان) في كتابه (ما بعد الصهيونية، وأكذوبة حركة السلام في إسرائيل): “إن حركات السلام اليهودية تشكلت على ثلاث مراحل. المرحلة الأولى، وهي البداية: بعد حرب أكتوبر 1973م، وفي أعقاب زيارة الرئيس أنور السادات للقدس، وعقد اتفاقية الصلح بين النظام المصري وبين إسرائيل… المرحلة الثانية: في أعقاب غزو إسرائيل للبنان، والخسائر الجسيمة التي وقعت في صفوف الإسرائيليين، وصورة إسرائيل التي اهتزت أمام الرأي العام العالمي، وبدت كما لو كانت دولة استعمارية غازية، مرفوضٌ سلوكها من الجميع… المرحلة الثالثة: بعد انتفاضة الشعب الفلسطيني في الثمانينات؛ والتي أظهرت الجيش الإسرائيلي، الذي كان يسمى الأسطورة التي لا تقهر، بجيش مذعور يفر أمام الأطفال، وأمام مقاومي الشعب الفلسطيني. هذه المؤثرات الثلاثة أثرت في الحركة السياسية الإسرائيلية؛ وخاصة ما يسمى بحركات السلام… وقد بدأت حركة السلام الإسرائيلية – أساسًا – من مجموعة من ضباط الجيش السابقين المتقاعدين، ومن أمهات المقاتلين الذين قتلوا في الحرب… فالدوافع الأساسية لإنشاء هذه الحركة هي أولا:ً إنقاذ صورة إسرائيل التي بدت، أمام العالم أجمع، في أسوأ صورة بعد غزو لبنان، ثانيًا : محاولة أهل الضحايا وأهل الضباط والضباط السابقين إيقاف الحرب؛ لأن معدل الخسائر ارتفع في صفوف الجيش الإسرائيلي… فلم تكن الدوافع في حقيقة الأمر دوافع سلمية خالصة، وإنما كانت بالأساس محاولة لوقف معدلات الخسائر البشرية لدى العدو الإسرائيلي، فهي لم تكن حركة سلام كما تنشأ كل حركات السلام العالمية…”
ويقول الدكتور (رشاد الشامي) أستاذ الدراسات العبرية بجامعة عين شمس في كتاب: (الحروب والدين في الواقع السياسي الإسرائيلي): ” يقول (مردخاي برم أون): “إن زيارة السادات أحدثت ثورة في الوعي الإسرائيلي، وفجرت أسطورة الاختيار، فقد جعلت خيار السلام قائمًا، ونجحت حركة السلام الآن في دمج عدد من الجماعات الداعية للسلام؛ والتي كانت قائمة في السابق في المدن الرئيسية الثلاث؛ (القدس، وتل أبيب، وحيفا)، ونجحت أيضًا في تعبئة جماعات جديدة من جميع أنحاء إسرائيل””.
وهناك من الباحثين من رأى أن هذه الحركات قد بدأت قبل ذلك؛ أي بعد حرب سنة 67. يقول الكاتب (حلمي النمنم) في (جريدة الاتحاد) 11- آب 2005م: “… لقد بدأت أول حركة للسلام بعد حرب يونيو 1967… فقد حققت إسرائيل في هذه الحرب انتصارًا كبيرًا على العرب مجتمعين، وأعقبت الحرب موجة في إسرائيل، بين العلمانيين والدينيين على حد سواء، رأت في انتصار إسرائيل مغزى دينيًا روحيًا، وتفسر هذا الانتصار على أنه معجزة إلهية؛ تمت بمساعدة الرب، وخاصة بعد تلك المشاهد التراجيدية التي حظيت بأوسع قدر من النشر والإعلام الموجه، داخل إسرائيل وخارجها، للحظة لقاء المقاتلين الإسرائيليين من (الصبّارين) العلمانيين مع حائط المبكى، والأماكن اليهودية المقدسة، وهم في حالة عالية من التأثر والانفعال الذي وصل إلى حد البكاء. وفي ظل هذا المناخ من الهوس الديني العارم، صار بعض اليهود ينظرون للاتصال مع العرب وإلى قبولهم للسلام وفق شروط دايان”.
والحقيقة، إن هذه الفكرة التي قامت عليها مثل هذه الحركات موجودة قديمًا؛ عند الساسة اليهود، وعند ساسة الغرب، وعند بعض حكام المسلمين ممن سار في ركابهم، وعند بعض المثقفين اليهود، أي منذ التفكير في إنشاء وطن قومي لليهود؛ حيث طرحت فكرة (إيجاد وطن قومي لليهود)، يعيش جنبًا إلى جنب مع العرب في مشروع التقسيم (181) سنة 47؛ حيث ينصّ مشروع التقسيم على: “إنهاء الانتداب الذي كان لبريطانيا في فلسطين منذ عام 1922، وبتقسيم فلسطين وإقامة دولتين: واحدة عربيّة وأخرى يهوديّة، وإبقاء منطقة القدس تحت الإشراف الدوليّ تعيشان جنبًا إلى جنب بسلام…”، ثم حصل التأكيد على هذه الفكرة في القرارات الدولية التي تلت مشروع التقسيم، في قرارات مجلس الأمن وهيئة الأمم (242 – 338) حيث كان البند الأول في قرار 242 سنة 1967: “يعلن أن تطبيق مبادئ الميثاق، يتطلب (إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط)، وهذا يقتضي تطبيق المبدأين التاليين: 1- انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها (في النص الإنجليزي: (من أراضِ احتلتها) في النزاع الأخير… 2- أن تنهي كل دولة حالة الحرب، وأن تحترم وتقر الاستقلال والسيادة الإقليمية، والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة، وحقها في أن تعيش في سلام؛ في نطاق حدود مأمونة ومعترف بها؛ متحررة من أعمال القوة أو التهديد بها” وشيئًا فشيئًا يصبح هذا الكيان أمًرا واقعًا، يقبله أهل فلسطين والعرب بشكل عام في محيط هذا الكيان… يقول رئيس الوزراء الأسبق (إسحق شامير) في مذكراته ص199: “لم تكن (حركة السلام الآن) هي أول من يقترح فيها مجموعة من المثقفين اليهود مصالحة مع العرب؛ فقد سبقتها بكثير حركة (عهد السلام) التي تأسست سنة 1925م في القدس بمبادرة من (أرتور روفين) ثم جاء بعدها في الأربعينات (حركة الوحدة) برئاسة (يهودا ماجتس) الذي كان آنذاك رئيسًا للجامعة العبرية”. ومع أن الناحية الفكرية كانت أصلًا موجودة قبل تاريخ إنشاء مثل هذه الحركات؛ إلا أن الناحية العملية في إنشاء تنظيمات يهودية تقوم على فكرة السلام، والدعوة لها كناحية عملية، وقيامها بشاطات سياسية مواكبة لذلك؛ كانت بعد حرب أكتوبر سنة 73؛ وذلك بسبب الخسائر الكبيرة التي حصلت في الحرب…
-
أما بالنسبة لأهداف إنشاء حركات السلام بشكل عام، داخل الكيان الصهيوني وخارجه، فإن الهدف من إنشاء هذه الحركات المضللة ابتداء؛ لم يكن في يوم من الأيام خدمة أهل فلسطين، ولا خدمة العرب حول فلسطين، ولا خدمة العالم بشكل عام؛ لأن اليهود في طبيعة تكوينهم، وفي عقائدهم وأفكارهم لا يحبون إلا أنفسهم، وينظرون إلى كل الشعوب على وجه الأرض أنهم خدم لهم، ودونهم في العرق والمكانة. فأهداف جميع الحركات السياسية في الكيان الصهيوني المغتصب؛ تصب في معين واحد لا تتعداه، وهو (خدمة المشروع الصهيوني العالمي)، حتى ولو اختلفت أسماؤها ومسمياتها وبعض أفكارها عن البعض الآخر. جاء في صحيفة الكرمل 9 أكتوبر 2011م مقال بعنوان: (نظرة عن تاريخ الأحزاب الإسرائيلية) للكاتبة (آية دياب): “وقد اتفق الكثيرون على تصنيف الأحزاب الإسرائيلية إلى يسارية ويمينية ودينية؛ استنادًا إلى منطلقاتها الأيدلوجية، بيد أنه من الصعوبة القطع بصحة هذا التصنيف؛ ذلك لأن كل الأحزاب السياسية في إسرائيل تشترك في أيدلوجية واحدة هي: الأيدلوجية الصهيونية التي كان هدفها الوحيد قبل عام 1948إقامة دولة يهودية في فلسطين، عن طريق طرد سكانها الأصليين وإحلال الجماعات المهاجرة محلهم، ثم أصبح بعد عام 1948 الحفاظ على أمن هذه الدولة وبقائها، وعلى طابعها اليهودي من خلال استمرار تدفق هجرة الجماعات اليهودية، والعمل على ضمان استيعابهم داخل الدولة، وضمان تفوق الدولة على جيرانها العرب في كافة المجالات”. ويقول الباحث (حلمي النمنم) في كتاب (المفكرون العرب، والصهيونية وفلسطين): “يعاني معسكر السلام الإسرائيلي تناقضًا داخليًا بين مبادئه وممارساته؛ لأن هذا المعسكر بين أعضائه المؤثرين مجموعات لعبت دورًا في بناء دولة إسرائيل، ونشأتها، وتحقيق المشروع الصهيوني، ومن ثم تدين بالولاء المطلق لهذه الدولة. وبرغم اختلافها مع قوى اليمين الصهيونية والمؤسسة الحاكمة؛ إلا أنه عندما يحدث أي تعارض بين المصالح اليهودية والعربية؛ فإن هذه الجماعات لا تتردد في تأييد السياسات الصهيونية ضد العرب. وما زالت هذه الجماعات ترفض إلى اليوم حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وتؤيد تدفق آلاف المهاجرين اليهود إلى أرض فلسطين، وتؤمن بأن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وترفض مطالبة إسرائيل بالتخلص من ترسانتها النووية”.
ويمكن إجمال أهداف هذه الأحزاب – حركات السلام – على اختلاف أسمائها ومسمياتها ضمن الأمور التالية:
1- تحسين صورة اليهود محليًا وإقليميًا وعالميًا؛ وذلك بإظهارها على أنها دولة تدعو للسلام والوئام، وترفض الحرب ابتداء، وخاصة بعد الحروب المتعاقبة التي حصلت سنة (81-73-67-56-48)، وبعد الانتفاضة داخل أرض فلسطين سنة 87.
2- تثبيت الكيان الصهيوني، وهو ما يسمى بالدولة اليهودية، والدفاع عنه بكل الوسائل السياسية والفكرية والمالية، داخليًا ودوليًا، وعن طريق الخدمة العسكرية داخل صفوف الجيش اليهودي؛ حيث إن جميع هذه الحركات تخدم في صفوف الجيش، وتدافع عن أهدافه وغاياته، ولا يوجد من بين هذه الأحزاب من يرفض الخدمة في صفوف الجيش.
3- تشجيع الهجرة اليهودية إلى الداخل؛ على اعتبار أن الدولة العبرية سنة 48 حق لليهود بإقرار كل حركات السلام، وأمر مفروغ منه ولا يوجد فيها حق لأهل فلسطين.
4- اعتبار القدس عاصمة أبدية للكيان اليهودي بلا منازع (وهذا إجماع عند كل حركات السلام اليهودية). وإنها تحوي الأماكن المقدسة للشعب اليهودي وللشعوب الأخرى (تدويل القدس).
5- الاعتراف بالقوانين المطبقة في الكيان اليهودي؛ سواء المطبق منها بخصوص اليهود أم العرب، وعدم الإقرار بشكل علني بأن اليهود دولة احتلال حتى في مناطق 67.
6- الدعوة إلى تطبيق السلام العادل، حسب زعمهم، بإقامة دولتين حسب القرار الدولي 242، وتدويل أماكن العبادة في القدس؛ وذلك بشكل مفتوح غير محدد. ولا يختلف هذا الأمر كثيرًا عن بعض الجماعات من اليمين اليهودي.
7- العمل على أن يكون الكيان اليهودي متفوقًا على جميع الكيانات المجاورة؛ وخاصة في مجال الردع النووي.
8- الإيمان بيهودية الدولة، وعدم معارضة هذه الفكرة بشكل واضح ضمن برامج هذه الأحزاب السياسية، وعدم رفضها داخل التجمعات السياسية مثل الكنيست بشكل واضح لا يقبل التأويل.
9- اعتبار الحدود الموجودة للكيان اليهودي هي الحدود الأمنية، والدفاع عنها من خلال المنظومة العسكرية والسياسية وفي المحافل الدولية.
10- عدم الإقرار بمساواة العرب باليهود؛ حتى داخل حدود الكيان اليهودي أو داخل تنظيم بعض الحركات ممن تدعي السلام، مثل (حركة السلام الآن)، واعتبار الدم اليهودي فوق أي اعتبار أخر؛ حتى لو قتل المئات من العرب؛ سواء داخل فلسطين أم خارجها، ووصم كل من يطالب بحقه عن طريق العمل المادي بأنه إرهابي، ويجب أن يحارب ويعاقب.
هذا ما يتعلق بحركات السلام اليهودية بشكل عام، على اختلاف أسمائها ومسمياتها، وبعض ما يتعلق بأفكارها ومبادئها، وأعمالها لتحقيق هذه الأفكار، وذلك بشكل موجز مختصر. أما ما يتعلق بـ (حركة السلام الآن) المضللة؛ وما يتعلق بأهدافها وأعمالها بشكل خاص؛ فإن هذه الحركة هي حركة سياسية؛ يهودية المنشأ، صهيونية الجوهر، وإن ادَّعت مخالفة ذلك في بعض أفكارها وأعمالها. فهي مجموعة ضغط يسارية (إسرائيلية) غير حكومية)، تهدف إلى تحقيق السلام بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين، وتقوم الحركة عبر نشاطاتها، الميدانية والتربوية، بالتأثير على صناع القرار في (إسرائيل)، وإقناع الشعب (الإسرائيلي) بأهمية التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين؛ عبر إنهاء الاحتلال (ضمن معاهدة سلام واعتراف متبادل) في الأراضي الفلسطينية 67، وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب (إسرائيل) على حدود 1967م… وقد نشأت هذه الحركة سنة 1978م. يقول الباحث الدكتور (عبدا لله الشامي) في كتاب (الحروب والدين في الواقع السياسي الإسرائيلي): “تم تأسيس (حركة السلام الآن)، في الثامن من آب عام 1978 على يد (ديدي تسوكر) الذي خاض انتخابات الكنيست الثاني عشر 1988”. أما أهدافها ومبادئها المعلنة؛ فإنها لا تنفصل عن أهداف الكيان اليهودي؛ لأنها جزء لا يتجزأ من تركيبته السياسية، فهي ترفض ظاهرًا استمرار الاحتلال (الإسرائيلي) في المناطق الفلسطينية، وتعده عائقًا في وجه السلام بين الشعبين، وأن ضرره يتجاوز مسألة السلام مع الفلسطينيين، فهو كذلك يفسد القيم والأخلاق (الإسرائيلية)، وتناهض الحركة نشاطات الاستيطان التي تدعمها الحكومات (الإسرائيلية) المتعاقبة في الأراضي الفلسطينية، وترى أن هذه النشاطات تقوِّض مساعي السلام الحقيقية لـ (إسرائيل)، ونيتها إقامة دولة فلسطينية حيوية، ناهيك عن العزلة الدولية التي تفرضها الأطراف الدولية على (إسرائيل) جراء الاستيطان. وتؤمن (حركة السلام الآن) بحل الدولتين لشعبين، وتقول إن المسؤولية التي تقع على كتفي (إسرائيل) أكثر من غيرها، كونها دولة ديمقراطية وحرة في الشرق الأوسط، مما يحتم عليها ضمان حقوق الإنسان لأي شخص كان في الداخل والخارج، بما في ذلك إرساء العدل والحرية والمساواة. وتؤمن الحركة بحق (إسرائيل) بحدود آمنة، وحق جيرانها بنفس الأمر، وكذلك تؤمن بحق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم السياسي. وتناضل الحركة من أجل إقامة دولة فلسطينية إلى جانب (إسرائيل) على حدود عام 1967م.
والحقيقة، إن هذه الأهداف المعلنة تناقض السلوك العملي لهذه الحركة؛ وذلك من خلال اعترافها بالكيان المغتصب وقوانينه، ومن خلال الخدمة في المؤسسة العسكرية. يقول الدكتور (دياب أبو جهجه) في مقال بعنوان (منظمات السلام الصهيونية) نشر في مجلة الوعي العربي (6104): “إن حركة السلام الآن؛ وهي أشهر حركات السلام المزعومة في الكيان الصهيوني؛ فتقول عن نفسها: إن أهم أهدافها وأسباب تأسيسها منذ البدء (كان ضمان حق إسرائيل في أن تعيش بأمان داخل حدودها) وطبعًا تضيف لجيرانها الحق بذلك أيضًا؛ ولكن هذا يعني بالنسبة لنا أمرًا واحدًا، هو أن حركة السلام الآن تأسست للحفاظ على وجود الكيان الصهيوني، بالإضافة على المحافظة على اغتصاب فلسطين وعلى الاحتلال“. ويقول كذلك في نفس البحث: “إن (حركة السلام الآن) هي منظمة صهيونية بامتياز، بل إنها أخطر المنظمات الصهيونية؛ لأنها مخادعة وقادرة على تسميم الوعي العربي؛ خالقة لدى بعض البائسين من نخبنا المهزومة شكًا عميقًا حول وجودية هذه المعركة؛ ولذلك نحن نحذر العرب المخلصين من التعامل معها، ومن الانخداع ببعض المواقف المرحلية والآنية. أما من هو منغمس بالتعاون والتنسيق مع هؤلاء الحمائم الصهاينة المزعومين، ومن يتغنى بعلاقته معهم، كحلم من ينسق ويتعاون مع (أفيغدور ليبرمان) لا فرق على الإطلاق”. ويقول الدكتور (عبدا لله الشامي) في كتاب (الحروب والدين في الواقع السياسي الإسرائيلي) ص 192: “يعاني معسكر السلام من تناقض واضح بين مبادئه التي ينادي بها، وبين ممارساته في الواقع ومن ذلك: 1- إن معظم شخصياته قد لعبت دورًا كبيرًا في إنجاح المشروع الصهيوني، في بناء الدولة اليهودية. 2- إن أعضاء هذه المنظمات تدين بالولاء الكامل لهذه الدولة. 3- عندما يحدث أي تعارض بين المصالح اليهودية والعربية؛ فإن هذه الجماعات لا تتردد في تأييد السياسات الصهيونية العدوانية ضد العرب. 4- اعتبرت هذه الحركات أن حرب 67 هي حرب دفاعية. 5- بالرغم من اعتراضها على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية؛ إلا أنها تطالب الحكومة الإسرائيلية بالاحتفاظ بهذه الأراضي، حتى يتم توقيع معاهدة سلام شاملة مع جميع الأطراف العربية. 6- هناك تناقض بين دعوتها إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 67، وبين دعوتها للاحتفاظ بالقدس عاصمة أبدية للكيان اليهودي. 7- تطالب هذه الجماعات بإلغاء حق العودة، وتدعو إلى توطين المهجرين من أبناء فلسطين في الضفة وغزة، وليس إلى وطنهم الأصلي سنة 48. 8- رغم مطالبتها بدولة فلسطينية إلا أنها تطالب بأن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح”. وقد نشر موقع: (القناة العاشرة الإسرائيلية) 29-4-2015م أن (يريف أوبنهايمر)؛ السكرتير العام لحركة السلام الآن (الإسرائيلي) يحرس في مستوطنة (مافو دوتان)؛ المقامة على أراضي المواطنين في محافظة جنين. واعتبر السكرتير العام لحركة السلام؛ خلال لقائه مع (القناة العاشرة)؛ الذي بث ترجمته برنامج أضواء على الإعلام (الإسرائيلي) على شاشة (تلفزيون فلسطين)؛ أن تأدية الخدمة العسكرية واجب، مؤكدًا أنه يحظى بتقدير المستوطنين، الذين وصفهم بالأشخاص اللطفاء على حد زعمه… وهذا يدلل على أن ما تقوم به هذه الحركة في السلوك العملي، من خلال الكيان الصهيوني المغتصب، يختلف اختلافًا كليًا عما تنادي به من رفض للمستوطنات، ورفض للاحتلال على أراضي فلسطين سنة 67. ذكرت (مجلة رصيف 22) في عددها الإلكتروني 14-8-2016م- تحت عنوان (هل هناك بالفعل حركات سلام في إسرائيل؟) فقالت: “لا يوجد حركات سلام حقيقية في إسرائيل الآن، فهي فقط لتلميع صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي”. يقول د. (طارق فهمي)؛ أستاذ السياسة العامة، والخبير في الشؤون السياسية في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط: “يجب أن نسأل أولًا هل هذه الحركات مؤثرة في الرأي العام الإسرائيلي أم لا؟، هل استطاعت تحقيق اختراقات في المواقف الإسرائيلية الرسمية طوال الفترة الماضية؟ هل لها تأثير في الإعلام؟… هذه الجماعات لم يعد لها تأثير مباشر في صنع القرار الإسرائيلي، نتيجة بعض الأمور المتعلقة بهذه الجمعيات، وانحسار دورها وتحولها من دور توجيهي للرأي العام لدور تطوعي… أي تكتفي بالوجود الصوري فحسب… لكن هناك جماعات لا تزال قائمة؛ خصوصاً تلك التابعة للأحزاب، والتي تركز في معظم نقاشاتها على حل الدولتين لشعبين، وغالبيتها حركات ضد الاستيطان”. وعن انتماءات تلك الجماعات والأحزاب، قال الدكتور فهمي: “غالبية هذه الجماعات تنتمي لأحزاب يمين اليسار في إسرائيل”، مشيراً إلى أن أشهر الحركات الموجودة هي (السلام الآن). [يتبع]
2017-11-17